المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
مشرع الخصوص إلى معاني النصوص
للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي
وهو شرح لكتاب النصوص للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
النص الرابع
قال رضي اللّه عنه : [ ومن تفاريع ما ذكرنا من النصوص أيضا ، أن العلم يتبع الوجود ، بمعنى أنه حيث يكون الوجود يكون العلم دون انفكاك ] .
ومن تفاريع النص الأول المبين : أن أول نسبة غيب الإطلاق ، هي العلم .
والنص الثاني المبين فيه ، أن العقل الأول الذي هو الروح الأعظم واسطة بين
....................................................................
( 1 ) ويقال له أيضا : القلم الأعلى ، وذلك لأن العقل الأول له ثلاثة وجوه معنوية كلية :
فالوجه الأول : أخذه الوجود والعلم مجملا بلا واسطة ، وإدراكه ، وضبطه ما يصل إليه من حضرة غيب موجده ، فباعتبار هذا الوجه سمي بالعقل الأول ، لأنه أول من عقل عن ربه ، وأول قابل لفيض وجوده . والوجه الثاني : هو تفصيله لما أخذه مجملا في اللوح المحفوظ بحكم : “ اكتب علمي في خلقي ، واكتب ما هو كائن “ . ويسمى هذا الوجه بالقلم الأعلى ، الذي به يحصل نقش العلوم في ألواح الذات القابلة . قال تعالى :عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، وبهذا الوجه هو نفس محمد صلى اللّه عليه وسلم المشار إليه بقوله تعالى : “ لم يؤتها من سواه من العالمين “ . والوجه الثالث : كونه حاملا حكم التجلي الأول ، ومنسوبا إلى مظهريته في نفسه لغلبة حكم الوحدة والبساطة عليه ، وبهذا الاعتبار هو حقيقة الروح الأعظم المحمدي ونوره لكونه جامعا لجميع التجليات الإلهية منها والكونية ، ومنشأ لجميع أرواح الكائنات . [ اللطائف ص 235 ] .
الحق وجميع الموجودات .
والنص الثالث المبين فيه : أن تعينات العلم بحسب تعينات المعلومات ، إن العلم يتبع الوجود ، ضرورة أن التعين الأول لما كان أوسع التعينات ، كان سائر التعينات كذلك ، ضرورة أن لازم الأعمى لازم الأخص ؛ للزوم الأعم كل أخص ، ولازم اللازم لازم ضرورة أن توسط العقل بالمناسبة الروحانية ، إذ لا بدّ من المناسبة بين الفاعل والمنفعل ، فلذلك يفيض على كل روح ، لكن بحسب استعداده .
والروح مجرد ، وكل مجرد عالم على ما بين في الحكمة ، وضرورة أن العلم متعلق بالمعلوم الذي هو نفس الوجود بالحقيقة ، وإن كان غيره بالاعتبار ؛ فلهذا علم الحق تعالى بالعلم الواحد ذاته وصفاته وجميع الأشياء غير المتناهية .
فالعلم لازم للوجود ملازمة متساوية ؛ فلذا فسر المتابعة باللازمة المساوية فمن هنا كان الكل عالما باللّه سامعا لأمره مطيعا له ، كما وردت بذلك الأخبار الصحيحة مثل شهادة الحجر والمدر المؤذن ، وعلم بذلك أن قوله عزّ وجل : وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [ الإسراء : 44 ] ، محمول على الحقيقة وإن الخطاب في : لا تَفْقَهُونَ [ الإسراء : 44 ] ، لأهل الحجاب مطلقا سواء كانوا من المؤمنين أو من الكفار .
ومما يدل عليه أن الموجودات لا تخلو من القوى المجردة ، ( وكل مجرد عالم ) ، والقوى مبادئ التأثيرات ، ولا بدّ للمؤثر من العلم بما يؤثر به ، قال اللّه تعالى : أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [ الملك : 14 ] ، ولذا تشعر الأعضاء الإنسانية بما تفعل ، وبما يليها القلب ، وإن لم يكن لها نطق وتخيل ، فافهم .
قال رضي اللّه عنه : [ وتفاوت العلم بحسب تفاوت قبول الماهية الوجود تمامية ونقصانا ، فالقابل للوجود على وجه أتم ، يكون العلم هناك أتم ، وينقص العلم بقدر القبول الناقص ، وغلبة أحكام الإمكان على أحكام الوجوب عكس ما ذكرنا أولا ، فاعلم ذلك ] .
هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره ، لو كان العلم لازما للوجود ملازمة متساوية ؛ لكان مقتضى ذاته ، ومقتضى الذات لا يتفاوت بالعوارض ، فما بالنا نرى بعض الأشياء تام العلم وبعضها ناقصا فيه ، بل لا نرى لبعضها العلم أصلا حتى إن بعض الإنسان يكون
جاهلا بربه تعالى .
فأجاب : بأن العلم وإن كان في الوجود على نسق واحد بدليل أن تدبير الأرواح في أجسام الجهال على نهج تدبيره في أجسام أهل الكمال ، لكن تفاوت العلم بحسب تفاوت تجلي الوجود على الماهيات ، فكل ماهية قبلت من العلم بمقدار ما صارت مجليا للوجود ؛ فإن العلم من توابع الوجود فحيث كان المتبوع ظاهرا على أتم الوجوه ، أو كان في ظهوره نقص ، كان التابع كذلك .
فلذلك لم يظهر في الجمادات شيء من العلم وإن كان في وجودها من حيث الإطلاق العلم الكامل حتى نطقت مع الكمّل من الأنبياء والأولياء عليهم السلام ؛ وسبب ذلك غلبة نظرهم إلى الوجود المطلق فيها ، فلذلك كشفوا بملكوتها ، بخلاف الناظرين إلى تقيده بها سيما من قصر نظرهم على ماهيتها ، حتى قالوا إنها نفس وجودها .
ثم أشار رضي اللّه عنه إلى علة عدم الظهور في البعض بأنها غلبت أحكام الإمكان التي أصلها العدم فيها ، فلا يظهر العلم التابع للوجود مع ضده ، ولذلك نقصت القوى الروحانية في الجمادات وزادت في النبات وغلبتهما في الحيوان وعلى الجميع في الإنسان ، وهذه القوى لتجردها يغلب فيها الوجوب الذي هو من صفات الوجود ، فكلما زادت ، زاد العلم ظهورا بنسبة أحكام الوجوب فيه على أحكام الإمكان ، وأشار إليه بقوله عكس ما ذكرنا أولا .
ثم قال : فاعلم ذلك ، تنبيها على نفي ما يزعمه الجمهور من أن العلم بالكليات ليس إلا للإنسان والملائكة ، ولا دليل لهم على ذلك سوى أنهم لم يظفروا إلى البرهان عليه ، ولا يصلح لهم ذلك للاستدلال على النفي مع أنه مخالف للنصوص ، ولما ظهر على الأنبياء والأولياء عليهم السلام على أن في بعض الحيوان كالنحل والعنكبوت من الصنائع ما يتحير فيها محقق المهندسين ، فكيف يمكن نفي العلم عنها ، واللّه أعلم .