The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص

للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

وهو شرح لكتاب النصوص للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

النص الخامس

 

 


قال رضي اللّه عنه : [ ومن تفاريع ما ذكرنا من النصوص المحققة أيضا ] .

هذا تفريع على النص الأول من حيث أن الإطلاق السلبي لا يمكن معرفته ، وعلى الثاني من حيث إن إمكان معرفة النصوص بمعرفة ما ورائها من الأسماء والأعيان ، وعلى

الثالث بأن غاية تعلق ذلك ما هي .

قال رضي اللّه عنه : [ وإن كنت قد ألمعت بطرف منه في بعض المواضع من كتبي في ضمن أمر آخر وبلسانه ، لكن لما أفردت هذا الكتاب لذكر النصوص من الأذواق المختصة بخصوص مقام الكمال ، دون لسان عمومه من الأذواق المقيدة الحاصلة لأرباب المقامات المخصوصة والمستندة من حيث الأصالة إلى حضرة اسم أو صفة من الصفات والأسماء الإلهية التي هي محتد ذلك الذوق الخاص ومنبعه ، وجب على أن أفرد وأميز ما يختص بذوق المقام الأكمل الأجمع ، وصحة ثبوته ومطابقته لما يعلمه اللّه تعالى في أعلى درجات علمه وأتمها وأكملها من ذلك الأمر المترجم عنه دون تقرير صحته وثبوته بالنسبة والإضافة إلى مقام دون مقام ، وباعتبار حال ووقت دون غيرهما من الأوقات والأحوال وما ذكر ] .

أي : ذكرت هذا التفريع هنا ، وإن كنت قد ألمعت ، أي : أشرت إشارة خفية بطرف منه في بعض المواضع من كتبي ، مع أن عادتي ترك التكرار بالنسبة إلى كتبي فضلا عن غيرها ، وإنما ذكرته فيها في ضمن أمر آخر وبلسان ذوقه ، فلا يكون محض التكرار ؛ لكنه لما صار مذكورا بأي وجه كان وعلى أي لسان ، فقد وقع التكرار من وجه ، فلا ينبغي لي أن أذكره بناء على أن عادتي ترك التكرار بأي وجه كان ، لكن لما أفردت هذا الكتاب لذكر النصوص ، وهي الأذواق المختصة بخصوص مقام الكمال ، دون المختصة بعموم مقام الكمال .

والمراد بالأذواق المختصة لعموم مقام الكمال ، هي الأذواق المقيدة من حيث الأصالة إلى الحضرة اسم أو صفة مخصوصتين من الصفات والأسماء هي محتد ذلك الذوق الخاص .

والمراد بالذوق ما يدرك بالوجدان ، وإنما قيد من حيث الأصالة ؛ لأنه يستند إلى الذات أيضا من حيث استناد الأسماء إليه وشموله عليها ، وفيه تنبيه على أن الكمال لكونه أمرا إضافيّا ، قد يكون مطلقا ، وهو مخصوص مقام الكمال ، وقد يكون بالنسبة إلى شيء دون شيء ، وهو عموم مقام الكمال ، وجب علي أن أفرد وأميز النصوص عن غيرها ،

وهي العلوم المختصة بذوق المقام الأكمل أي : خصوص مقام الكمال ، وهو المطلق المستند إلى حضرة جمع الجمع ؛ فلذلك فسّر بالجمع : وهي العلوم المختصة بصحة ثبوتها مطلقا بالنسبة

إلى جميع الإطلاق والأذواق بحيث يطابق لما يعلمه اللّه تعالى في أعلى درجات علمه تعالى ، وهي العلم الذاتي وأتمها لشمولها على الذات وشؤونها ، وأكملها بالجمع بين الإجمال والتفصيل ، وتلك النصوص هي الأمور التي ترجم عنها في بعض المواضع من كتبي من غير هذا الاعتبار ، ولم أذكر العلوم التي يختص تقرير صحته وثبوته بالنسبة إلى نظر دون نظر ، والإضافة إلى ذوق دون ذوق .

وفي مقام الشخص الواحد دون مقام آخر له ، واعتبار حال ووقت له دون غيرهما من الأحوال والأوقات ، ودون ما ذكر من الأذواق غير المطابقة لما يعلمه اللّه تعالى في أعلى درجات علمه ، بل المطابقة لما يعلمه اللّه تعالى بالنسبة إلى بعض التعيّنات دون بعض ، ومن الأذواق المستندة إلى صفة مخصوصة ، واسم مخصوص دون غيرهما .

فالذوق الكامل : هو المستند إلى الذات والمطابق للعلم الأعلى والصحيح بالنسبة إلى الكل ، والناقص ما اختل بشيء من هذه الثلاثة ، فافهم .

قال رضي اللّه عنه : [ فنقول بعد تمهيد هذه المقدمة الكلية في بيان هذا النص الذي قصدنا إيضاحه : أن كل معلم أدركه الإنسان بنظره أو كشفه أو حسه أو خياله جمعا وفرادى ، ولم ينته نظره أو كشفه ، لذلك الأمر أو إدراكه إياه حسّا وخيالا إلى إدراك ما وراءه بعد معرفة ذاتياته ولوازمه الكلية ، فإنه لم يدرك ذلك الأمر حق الإدراك تماما ، ولم يعرفه حق المعرفة ] .

وجه كون ذلك مقدمة للمسألة ، إن المقام الأكمل إنما يتحقق بمطابقته لما يعلمه اللّه تعالى في أعلى درجات علمه وأتمها وأكملها .

وإنما كان علمه تعالى كذلك ؛ لإحاطته بالأشياء بالذّاتيات واللوازم ، وبما وراءها إلى التعين الأول ، وقد حصل له ذلك .

إذا عرفت هذا فنقول : كل معلوم سواء كان من الموجودات أولا أدركه الإنسان ، خص بالذكر ، لكونه أكمل مدرك ؛ لاجتماع القوى المدركة كلها فيه ، مع أنه مدرك بذاته أيضا بنظره أي : بالفكر النظري والتعريفات العقلية أو كشفه أي بالقوة القدسية المسماة بالبصيرة الباطنة أو بالوجدان أو باتصال الملأ الأعلى من العقول والنفوس السماوية وغيرها ، أو حسه الظاهر أو خياله الذي هو من الحواس الباطنة جمعا بأن يتفق له في أمر واحد المدركان فصاعدا ، كالنظر والكشف في الأمور الغيبية ، والحس والخيال في الأمور

الظاهرة ، والنظر والحس والخيال فيما بين بين ، كأشكال الهندسة ، وفرادى كالأمور الكشفية التي لا يدركه العقل ، وكالخيالات التي لا يدخل تحت الحس كالبحر من الزئبق ، والعقليات التي لا يدركها الكشف ، كالجمع بين النقيضين ، فإنه أمر عقلي والكشف يأبى تصوره إلا على مثال بأن يتصور الجمع بين الأشياء الممكنة الاجتماع ، ثم يتصور النقيضين ، فيقيس الجمع هنا على الجمع هناك ، والحال أنه لم ينته نظره ، وكشفه لذلك الأمر المدرك بأحدهما إلى إدراك ما وراءه ، أو لم ينته إدراكه لما أدركه حسّا وخيالا إلى إدراك ما وراءه ، ويكون إدراك ما وراءه بعد معرفة ذاتياته كلها ، المفيدة للحد التام ومعرفة لوازمه الكلية إلى الشاملة للأفراد والأحوال المفيدة للرسم التام .

وإنما اعتبر اللوازم ؛ لأن سائر العوارض لا تفيد التعريف ، وكذا اللوازم الجزئية ، فلذلك قيد بالكلية ، وإنما شرط أن يكون بعد معرفة الذّاتيات واللوازم ؛ لأن المعرفة إنما تحصل بذلك ، وكمالها أمر وراءه ، فإنه لم يدرك ذلك الأمر حق الإدراك ، وإن حصل أصله بانتقاش مثال المدرك في المدرك ، إلا أنه إنما يكل بإدراك منشأه ومنتهاه وخواصه وعوارضه العامة ، حتى يكون مطابقا لما علمه اللّه تعالى في أعلى درجات علمه ، وكذا لا يعرفه حق المعرفة إلا بذلك ؛ لأن المعرفة إنما يتم بإدراك جميع ما فيه من الأجزاء والأحوال وأجزاء الأجزاء وأحوال الأحوال ، حتى ينتهي إلى الأعيان الثابتة ومبادئها ، والإدراك أعم من المعرفة لصدقه على الأمور الظاهرة دون المعرفة ، واختصاصها بالمطابقة دون الإدراك ، فافهم .

قال رضي اللّه عنه : [ وسواء كان متعلّق إدراكه ومعرفته العالم من حيث معانيه وأرواحه ، أو من حيث صوره وأعراضه ، أو كان متعلق معرفته الحق ، فإنه متى كشف له عن جلية الأمر وصورة تعين كل معلوم في علم الحق ، وجد الأمر كذلك ، فإنه ما لم ينته معرفته بالحق إلى إطلاقه وصرافة وحدة ذاته الحقيقية التي لا اسم يعينها ولا وصف ولا حكم ولا رسم ولا ينضبط بشهود ، ولا يعقل ولا ينحصر في أمر معين ، لم يعرف أن ليس وراء اللّه مرمى ، وإن الإحاطة به علما وشهودا محال ، وأن ليس بعد الوجود الحق المطلق إلا العدم المتوهم هذا ، وإن كان لمعرفة تعذر العلم باللّه على نحو ما يعلم نفسه طريق آخر أعلى وأتم وأكشف ، عرفناه ذوقا وشهودا بحمد اللّه ، ومنه لكن ذلك مما يحرم بيانه وتسطيره وغاية البيان عنه

هذا الإلماع المذكور ] .

أي : ويستوي في توقف تحقق المعرفة الكاملة على إدراك ما وراء المعلوم أن يكون متعلق إدراكه ومعرفته العالم أو الحق ، وكذا يستوي في توقف تحقق معرفة العالم أن يكون من حيث معانيه ، وهي الحقائق والأعيان الثابتة ، فإنها لا تتحقق إلا بمعرفة العلم الإلهي أو من حيث أرواحه ، فإنها لا تعرف حق المعرفة إلا بالأسماء الإلهية التي تصورت بهذه الأرواح ، أو من حيث الصورة المثالية أو الحسية ، فإنها صور الأرواح أو من حيث أعراضه اللاحقة بأحد هذه الأمور ، فلا تعرف بدون أصلها حق المعرفة ، وإن عرفت بالحدود والرسوم .

وأما الحق ، فإنه لا يعرف تعينه الأول ما لم يعرف الإطلاق ، وغاية المعرفة هناك العجز عن معرفته ، ولا يعرف العجز إلا بمعرفته أن ليس وراءه إلا العدم المطلق ، فلا يمكن تعريفه بالحد الشامل على الجنس والفصل لعدم ما فوقه ولا بالرسم لتوقف الخواص على تعين ما يختص به .

ثم علّل الكل بقوله : ( فإنه متى كشف له ) أي : للعارف عن جلية الأمر ، أي :

حقيقته الواضحة عن القوى القدسية ، وعن صور تعين كل معلوم في علم الحق الذي به معرفة العالم ، والحق وجد الأمر كذلك أي لا يعرف شيء إلا بإحاطة ما وراءه ، لكن إحاطة كل ما وراءه محال ، فإن غاية ما يعلم من الحق في علمه ، تعينه الأول ، لكن معرفة تعينه الأول حق المعرفة محال ، فإنه ما لم ينته معرفته الحق إلى إطلاقه وصرافة وحدة ذاته الحقيقية التي هي منشأ الأحدية والواحدية ، بل التي لا اسم بعينها ، بل لا وصف فضلا عن الاسم المركب عنه وعن الذات بحسب المفهوم ، بل لا حكم فضلا عن الوصف الحاصل به ، بل لا رسم فضلا عن الحكم المتفرع على تصوره ، ولا ينضبط بمشهود حتى يدركه بالبصيرة ، ولا يعقل حتى يدرك بالعقل ، بل لا ينحصر في أمر معين حتى يكون للإدراك فيه مدخل إذ لا يدرك ما لا يتعين بوجه من الوجوه ، لم يعرف أنه ليس ما وراء اللّه مرمى ، ولا يطرق العجز الذي هو غاية المعرفة فضلا عن المعرفة نفسها ، ولا يعرف أيضا أن الإحاطة به علما وشهودا محال .

ثم بيّن استحالته بقوله : ( وأن ليس ) أي : ولا يعرف أن ليس بعد الوجود الحق

المطلق إلا العدم المتوهم ؛ لأن العدم المعقول من الموجودات الذهنية ، فلا يخرج عن مطلق الوجود الحق ، فإذا لم يكن وراءه إلا أمر متوهم ، لا يتعلق به تعقل ، فلا يتعقل الإطلاق حق التعقل لو أمكن أصل تعقله ، فلا يتعقل ما يتوقف عليه تعقله حق التعقل ، حتى أنه لا يمكن معرفة شيء من الأشياء حق المعرفة ، لتوقف معرفة كل شيء على معرفة الحق ، ومعرفته على معرفة إطلاقه ؛ فلذلك قال الشيخ محيي الدين بن العربي رضي اللّه عنه :لست أعرف من شيء حقيقته * وكيف أعرفه وأنتم فيهبهذا الطريق عرفنا تعذر العلم باللّه على نحو ما يعلم نفسه ، فإن علمه ليس يتمثل المعلوم فيه ، وانتقاشه حتى يتوقف كماله على إدراك ما وراءه ، بل علمه حصول حقيقته له ، وهي تحتاج إلى برهان فلسفي .

ولذلك قال الشيخ ابن العربي : “ ولنا طريق آخر كشفي في ذلك ، لكن يحرم تسطيره “ ، فغاية ما يعلم به تعذر العلم باللّه هذا هو الإلماع المذكور .

ولعل ذلك الطريق هو أن كل ما نعلمه من الحق لا يكون إلا ظاهره ، فلا نعلمه من حيث الحقيقة التي يعلمها لحصوله دون غيره ، وإنما حرم تسطيره ؛ لأنه يوهم من كون الكل ظاهرا عند الحق أن ما يعلمه من ذاته الظاهر لا غير ، لكن الظاهر والباطن لما كان بالنسبة إلينا فقط ، لم يكن ذلك في حق الحق ، واللّه أعلم .

قال رضي اللّه عنه : [ هذا وإن كان الذوق والمعرفة الحاصلة لصاحبه والشهود من حيث استناد ذلك الذوق والمقام إلى حضرة اسم من الأسماء الإلهية الذي هو قبلة ذلك المقام .

وغاية معرفته من الحق نهايته ، سيما من الوجه الذي يقضي بأن الاسم عين المسمى ، كما أوضحناه في مواضع من كلامنا ؛ لكن تلك غايات نسبية ، فإن المبادئ والغايات أعلام الكمالات النسبية ، والأمر من حيث الكمال الحقيقي بخلاف ذلك .

وإليه الإشارة بقوله تعالى لأكمل عبيده : وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى [ النجم : 42 ] . ]

أي : هذا الحكم ، وهو أن الحق بلا شيء من الأشياء لا يمكن معرفته حق المعرفة - وإن كان الذوق –

أي : الوجدان والمعرفة الحاصلة لصاحب هذا الذوق إلى العلم العيني الحاصل له ، والشهود إلى العين اليقيني الحاصل به ، من حيث إسناد ذلك الذوق والمقام الحاصل به من المعرفة والشهود إلى حضرة الأمم بكونه من الأسماء الإلهية ، واعتبر الإسناد

إلى حضرة الاسم ؛ لأن الذات من حيث هي مطلقة لا يتعلق بها المعرفة ، بل قيد الاسم بكونه من الأسماء الإلهية ؛ لأن أسماء الذات من حيث لا يغايره مما لا يتعلق العلم بها أيضا ، كما أشار إليه صلى اللّه عليه وسلم : “ أو استأثرت به في علم الغيب عندك “ " 1 " .

وأسماء الربوبية لا تكون غاية للكمّل لكثرة الوسائط .

وقوله : ( الذي ) بدل من قوله : ( اسم ) أشارت إلى أنه لا يمكن الكمّل الإحاطة بكل الأسماء لاختصاص كل باسم خاص هو ربه الذي إذا توجه إليه أجاب ، فهو الاسم الأعظم في حقه ، ولذا اختلف الاسم الأعظم بالنسبة إلى الأشخاص سوى الكمل .

فإنهم تكثر التجليات من الأسماء عليهم ، ويجابون بأسماء كثيرة من غير اختصاص باسم دون اسم .

فهذا الاسم الخاص قبله صاحب ذلك المقام ، لا يتجلى عليه غيره ، فما فوقه وإن تجلى عليه ما دخل تحت حيطة اسمه ، وغاية معرفته من الحق الذي هو الذات من حيث تجليه بهذا الاسم نهاية في معرفة الذات في حق هذا الشخص ، سيما من الوجه الذي يقضي أن الاسم عين المسمى وهو إن الذات مع الأسماء يتصادق ، وإن تباينت بحسب المفهومات ، فإذا علم الاسم ، فقد علم الذات .

ثم استدرك رضي اللّه عنه لتصحيح ما سبق من المسألة بأن المعرفة الحاصلة ، والشهود الحاصل من الذوق المستند إلى حضرات الأسماء المخصوصة الإلهية غايات بالنسبة إلى ما دونها من المعرفة والشهود الحاصلين من الذوق المستند إلى أسماء الربوبية وما دونها ، وليست هي غاية مطلقة ، إذ لا غاية للذات المطلقة ، فكيف يكون لمعرفتها غاية ، بل لا بداية لها أيضا ، فإن المبادئ والغايات لا يلحقها ولا كمالها المطلق ، بل المبادئ والغايات أعلام الكمالات النسبية ، فإن المبادئ تشعر بحدوث كمال بالنسبة إلى ما بعده ، والنهايات بالنسبة إلى ما قبله ، وما لا بداية له ولا نهاية ، فأنى يكون لمعرفته شيء منهما ، فلا يحيط بمعرفته من له بداية ولا نهاية .

فلذلك قال رضي اللّه عنه : ( والأمر ) أي : أمر معرفة الذات من حيث الكمال الحقيقي بخلاف ذلك ، فإنه لا يحيط به إلا من لا بداية لعلمه والنهاية ، وما سواه فله بداية ونهاية ، فلذلك

..........................................................

( 1 ) رواه أحمد ( 1 / 452 ) ، وابن حبان في الصحيح ( 3 / 253 ) .

قال رضي اللّه عنه : حتى أكمل عبيده صلوات اللّه عليه ، وإليه أشار عزّ وجل بقوله :وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى[ النجم : 42 ] ، فيكون غاية معرفته صلى اللّه عليه وسلم من ربه ، هو ما ذكر في حقيقته ، وليس له في الإطلاق حظ إذ لا مظهر له من حيث هو الإطلاق ، فالاسم الأعظم الجامع غاية معرفته لا غير ، فافهم .

قال رضي اللّه عنه : [ وأدرج سبحانه وتعالى في هذه الآية لطيفة أخرى خفية ، وهو كونه لم يقل وإن إلى ربك منتهاك ، بل نبه على أن غايته من مطلق الربوبية ، الغاية التي هي غاية الغايات ، وليس بعدها إلا تفاصيل درجات في الأكملية التي لا تقف عند حد وغاية ] .

أشار إلى أن هذه الآية ، وإن دلت على انتماء المعرفة المحمدية إلى اسمه الخاص به ، فلا يتوهم منها قصور معرفته عليه ، فقد دلّت على أن ذلك الاسم هو غاية الغايات التي يمكن معرفتها ، فهو عليه الصلاة والسلام أكمل العارفين .

وذلك أنه تعالى لم يقل : ( وإن إلى ربك منتهاك ) ؛ حتى يتوهم إن لغيره منتهى آخر ، بل نبه تعالى أن غايته صلى اللّه عليه وسلم من مطلق الربوبية غايتها ، وهي التي هي غاية الغايات من أسماء الربوبية والإلهية ، وليس بعد هذه الربوبية المخصوصة صلى اللّه عليه وسلم شيء مما يتعلق به المعرفة إلا تفاصيل درجات جزئية في الأكملية يختص بمعرفتها اللّه تعالى على ما أشار إليه اللّه تعالى على ما أشار إليه صلى اللّه عليه وسلم بقوله : “ أو استأثرت به في علم الغيب عندك “ ، وتلك الدرجات هي التي لا تقف عند حد وغاية حتى يمكن الإحاطة بها لغير اللّه تعالى ، ومع ذلك هي جزئيات الكمالات المخصوصة بربوبيته صلى اللّه عليه وسلم ، فله الكمال المطلق بربه ، وهو منتهى الكمالات والمعارف ، فافهم .

قال رضي اللّه عنه : [ وقد أشار صلى اللّه عليه وسلم إلى ما ذكرنا في بعض مناجاته ، فقال : “ أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك “ أي : لا أبلغ كل ما فيك . فجمع فيه بين التنبيه على تعذر الإحاطة ، وبين التعريف بانتهائه في معرفة الحق إلى غاية الغايات . وهذا كالتفسير للآية المذكورة وهي

............................................................

( 1 ) تقدم في سابقه .

( 2 ) رواه مسلم ( 1 / 352 ) ، والترمذي ( 5 / 561 ) .

قوله : وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى [ النجم : 42 ] ، وفي الأحاديث النبوية تنبيهات كثيرة تشير إلى ما ذكرنا من تتبعها - بعد التيقظ والتفهم لما ذكرت - ألقاه واضحا جليّا ] .

أي : أشار صلى اللّه عليه وسلم في بعض مناجاته إلى ما ذكرنا من عدم إحاطته بحقيقة المعرفة مع بلوغ غاية الغايات فيها ، فقال : “ أعوذ برضاك من سخطك “ ، نظرا إلى توحيد الأفعال التي هي آثارها . وهذا على نهج البرهان اللّمي من الاستدلال بالمؤثر على الأثر .

ثم قال : “ وأعوذ بك منك “ : نظرا إلى توحيد الذات على نهج الشهود .

ثم قال : “ لا أحصى ثناء عليك “ بالغناء في الذات المطلقة مع الإشارة إلى عدم معرفته لها .

ثم قال : “ أنت كما أثنيت على نفسك “ فبقى به وبصفاته عال ، والها به لا بذاته . ولما كان المقصود من الاستشهاد عدم الإحاطة مع بلوغه غاية الغايات أشار رضي اللّه عنه في تفسير قوله : “ لا أحصى ثناء عليك “ بقوله : أي : “ لا أبلغ كل ما فيك “ بحسب الإطلاق وإن بقيت بك ، فليس بقائي بإطلاقك ، بل بتعينك مع صفاته ، جميع صلوات اللّه عليه بين التنبيه على تعذر الإحاطة بالذات المطلقة بل بما دونها لتوقفها عليك من حيث إدراكها حق الإدراك ، وبين التعريف بانتهائه في معرفة الحق إلى غاية الغايات حيث بقي به ، والبقاء غاية المقامات ، إذ لا يحجب الحق الخلق ، ولا الخلق الحق ثمة ، بخلاف مقام الفناء الحاجب للخلق ، والتكوين الحاجب للحق .

فعلى هذا يكون هذا الحديث كالتفسير للآية المذكورة في أن غاية المعرفة متعلقة بالرب الخاص المحمدي ، إذ بقي عليه به ، وهو غاية مقام المعرفة ، مع أنه صلى اللّه عليه وسلم لا يحصى الثناء ، وإنما قال كالتفسير ؛ لأن الآية لا تدل على معنى البقاء ، بل لا تدل على أن هذه الغاية معلومة ؛ لأن الغاية لا تدل على المغيّى إلا أن يقال أنها غاية إسقاط لما بعدها ؛ لأن الإنسان قابل لمعارف لا نهاية لها بحسب الظاهر وإنما أعاد الآية ؛ لئلا يتوهم أنه تفسير لآية أخرى مثل قوله تعالى : وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً [ طه : 110 ] ، سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ

......................................................

( 1 ) تقدم تخريجه .

( 2 ) رواه مسلم ( 1 / 352 ) .

عَمَّا يَصِفُونَ [ الصافات : 180 ] ؛ إذ هي لا تدل على بلوغه غاية الغايات من المعرفة بل على تعذر الإحاطة به عزّ وجل لا غير .

ثم قال رضي اللّه عنه : [ وفي الأحاديث النبوية تنبيهات كثيرة يشير إلى ما ذكرنا ] .

ولم يبين تلك الأحاديث وأكثرها الأحاديث الواردة في الأدعية ، فتتبعها .

قال رضي اللّه عنه : [ ثم نقول ولهذا المقام والذوق المنبه عليه السنة تترجم عنه بصيغ مختلفة فمن ألسنته من القرآن من حيث التسمية الذي أخبر سبحانه وتعالى إن رجاله يعرفون كلا بسيماهم ، وهذا من خاصية الاستشراف على الأطراف بالانتهاء في معرفة الأشياء إلى الغاية التي توجب الاستشراف على ما ورائها ] .

أي : وبعد تحقيق هذه المسألة ، وهي أن للمعرفة غاية هي منتهى معرفة الكمّل من الأنبياء والأولياء - عليهم الصلاة والسلام - فهذا المقام الذي هو الذوق المنبه عليه بأنه الغاية المطلقة له ألسنة ، أي عبارات تترجم عنه بصيغ مختلفة يدل كل صيغة على وجه من وجوه ذلك المقام وذوق من أذواقه فمن ألسنته أي : عبارته الدالة عليه الموجودة في القرآن الكريم من حيث التسمية إلى العلم الخاص لا اسم الجنس الغالب عليه بعد كونه كليّا الأعراف ، ولما اختلف المفسرون فيه أن أهله أهل كمال أو نقصان ، فقيل : الأنبياء ، وقيل :

الملائكة ، وقيل : الشهداء وعدول الآخرة .

وقيل : الفقهاء والعلماء ، وقيل : قوم يقصر أعمالهم فيحسبون بين الجنة والنار إلى أن يأذن اللّه لهم في دخول الجنة ، وقيل : قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ،

وقيل : بطارت خفائرهم إلى آخر الناس ، وقيل : رضي اللّه عنهم آبائهم دون أمهاتهم أو بالعكس ،

وقيل :هم أولاد المشركين ، وقيل : المراؤن ، وقيل : أهل الفترة الذين لم يغايروا دينهم اللّه عنه على ما اختاره بأنه عز وجل أخبر أن رجاله يعرفون كلا بسيماهم ، فجعل أصحابه رجالا ، وهم الكمل وأنهم يعرفون كلا بسيماهم ، وهذا من خاصة الاستشراف على الأطراف كل فريق من الفرق ، فلا يكون إلا غاية المعرفة أن الاستشراف على الأطراف بالانتهاء في معرفة الأشياء التي استشرف أطرافها إلى الغاية التي توجب الاستشراف على ما ورائها ؛ حتى يعرف تلك الأشياء حق المعرفة بقدر الطاقة .

فالضمير في قوله : لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ [ الأعراف : 46 ] ، لأهل

الجنة ، والسلام من أهل الأعراف عليهم قبل دخولهم الجنة بتسيرهم حال ترددهم ، يدل عليه قوله : وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ [ الأعراف : 47 ] ، أي : أبصار أهل الجنة قبل دخولها : ادْخُلُوا الْجَنَّةَ [ الأعراف : 49 ] ، خطاب من أهل الأعراف لأهل الجنة بعد مقابلتهم مع كبار أهل النار ، ولا تعرض لبحث بقية الأقوال لخروجها عن مقصودنا الآن .

قال رضي اللّه عنه : [ ولسانه في مقام النبوة ، واسمه المطلع كما قال صلى اللّه عليه وسلم في أم القرآن بل في سر كل آية منه : إن لها ظهرا وبطنا وحدا ومطلعا إلى سبعة أبطن وفي رواية إلى سبعين بطنا ، وقد نبهت على ذلك في تفسير الفاتحة ، فلينظر هناك ] .

أي : العبارة الدالة على هذا المعنى فيما صدر عن مقام النبوة واسمه الخاص به هناك المطلع ، أي الذي تطلع فيه على هذا المعنى ما دونه ، كما قال صلى اللّه عليه وسلم في حق الفاتحة بل في حق كل آية من القرآن : “ إن لها ظهرا “ ؛ يفهمها عامة المفسرين مما عرف اللغات والإعراب والنزول ، وبطنا يعرفه أهل الحقائق ، وحدا في الظاهر لا يتجاوز المنقول عن السلف ، وفي الباطن لا يتجاوز القواعد ، ومطلعا يطلع به على أسرار الحقيقة المشار إليها بالإشارات اللطيفة ، وخصه بعض المتأخرين بشهود المتكلم .

يقول الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : “ لقد تجلى اللّه لخلقه في كل آية ، ولكن لا يصبرون “ .

وقيل : شهود الحق في كل شيء تجليّا بصفة تخص مظهريته ، والحق أنه أعم من ذلك ، وهو الأوفق للكتاب ، وذلك المطلع ينتهي إلى سبعة أبطن وفي رواية إلى سبعين بطنا .

قال الشيخ رضي اللّه عنه : [ وقد نبّهت على وجه انتهاء المطلع إليها في تفسير الفاتحة ، ولم أظفر به حتى أذكر ما فيه ] .

قال رضي اللّه عنه : [ واسمه ولسانه في اصطلاح أهل اللّه الموقف الذي هو منتهى كل مقام والمستشرف منه على المقام المستقبل ] .

...........................................................

( 1 ) رواه عبد الرزاق في المصنف ( 3 / 358 ) وابن حبان ( 1 / 276 ) ، والطبراني في الأوسط ( 1 / 236 ) .

وعلم هذا الذّوق والعبارة الدّالة عليه في اصطلاح السالكين الذين انقطعوا بما سوى اللّه إليه ، الموقف والمقام الذي هو منتهى كل مقام ماض ، والمستشرف منه على المقام المستقبل ، وإنما خص ذلك بالسالكين ؛ لأنه يختلف باختلاف المقامات ، وذلك يختص بهم دون الواصلين الجامعين للكل ، وإنما قدم الاسم على اللسان هنا وعكس في الأول ؛ ليشعر هناك بأن عبارات الأنبياء أدل عبارات ، تصير بمنزلة العلم وكل لسان لهم بمنزلة الإعلام للمعاني المقصودة به .

وأما هاهنا فهم لا يبالون بالعبارات : فتارة تقع منهم ما هو بمنزلة العلم وما ليس كذلك ، وهذه العبارة بمنزلة العلم مع اختلاف المعنى المقصود منها ؛ لتعين ذلك بالنسبة إلى كل مقام ، ولما لم يكن عالما بالحقيقة ، أردفه بقوله ولسانه ، وهكذا فيما يأتي بعد .

قال رضي اللّه عنه : [ واسمه ولسانه في ذوق مقام الكمال بالنسبة إلى كل مقامين البرزخ الجامع بينهما وبالنسبة إلى خصوص مقام الكمال برزخ البرازخ ] .

أي : وعلم هذا الذوق والعبارة الدالة عليه حال كونه داخلا في ذوق مقام الكمال ، وهو مقام الوصول والإحاطة بالمقامات .

وإنما قال هنا في ذوق مقام الكمال ، إشعارا بأن هذه عبارة يدل عليه بالمطابقة ، وله نسبتان : نسبة بين كل مقامين من المقامات التي دون الأعلى المطلق ، وما دونه بدرجة واحدة فقط .

فباعتبار النسبة الأولى يسمى البرزخ الجامع بين المقامين إذ البرزخ هو الحائل بين الشيئين ، وهذا واسطة بينهما جامع لها ، كالخط الذي بين الظل والشمس ، ولما لم يكن لأهل الكمال وقوف ، لم يسم بذلك بخلاف ما تقدم ، وباعتبار النسبة الثانية ، وهو خصوص مقام الكمال إذ الأعلى من هذين المقامين برزخ البرازخ ، أي : البرزخ الذي فوق جميع البرازخ التي دونه .

وقد أطلق بعضهم البرزخ على الحضرة الواحدية والتعين الأول الذي هو أصل البرازخ ، وسماه البرزخ الأول والأعظم والأكبر لجمعه البرازخ .

..................................................................................

( 1 ) فهو الأصل لجميع البرازخ والساري فيها ، فالمراد بذلك كله الوحدة وهي البرزخية الأولى ، سميت بذلك لانتشاء الأحدية والواحدية عنها ، فصارت مميزة لأحدهما عن الآخر ، فسميت برزخا لهما ،

وأما مطلق البرازخ ، فهو الحائل بين الشيئين وصورته عن عالم المثال الحاجز بين الأجساد الكثيفة وعالم الأرواح المجردة .

وفسرا بالدنيا والآخرة ، ومنه الكشف الصوري ، وقد أطلقه صاحب الكتاب وغيره على عالم القبر .



 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de manière semi-automatique !