The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص

للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

وهو شرح لكتاب النصوص للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

النص الثامن

 

 


قال رضي اللّه عنه : [ نص شريف كلي يحتوى على أسرار جليّة ] .

لما ذكر في النص السابق أن السالك الفائز ، من الحق بسعادة ما ، لا بدّ وأن يكون غايته الحق ، ذكر ما هو سبب تلك السعادة وتفاصيلها ، والأسرار المذكورة هنا هي أنواع التجليات في المظاهر ، وإن الإنسان هو المظهر الكامل المقتضي لأنواع التجليات ، وما يترتب على كل تجلّ ، وأن الحوادث ليست غير الحق ، إذ لم يؤثر في حقائقها ولا في

وجوداتها ، بل في نسب الوجود إلى الحقائق أو صورها فلا تخل كثرتها وحدوثها بالتوحيد ووجوب الوجود المطلق ، وبيّن أثر كل واحد في الآخر وغير ذلك مما يأتي في آخر شرح هذا النص ، فهذا جلائل الأسرار التي لا يقدر قدرها إلا اللّه وأهله .

قال رضي اللّه عنه : [ اعلم أن كل ما يوصف بالمؤثرية في شيء أو في أشياء ، فإنه لا يصدق إطلاق هذا الوصف عليه تماما ، ما لم يؤثر حقيقة ذلك الشيء من حيث هو دون تعقل انضمام قيد آخر إلى تلك الحقيقة الموصوفة بالتأثير ، أو شرط ما خارجي كان ما كان ] .

تمهيد مقدمة لبيان أن التجليات في المرايا المختلفة لا توجب تأثيرا وتغييرا في حقيقة المنطبع فيها ، فلا تسمى مؤثرة بالحقيقة بل بالمجاز ،

فقال : أولا بأن لا تأثير لشيء في شيء بحسب الحقيقة حتى يبطل التوحيد حتى إن تأثير الحق في الأشياء ، تأثير من وجه دون وجه فضلا عن تأثير الخلق بعضه في بعض ، وذلك أن كل ما يوصف في العرف بأنه مؤثر في شيء واحد ، كالبسيط المتعدد الجهات والمركب ، فإنه لا يصدق حمل هذا الوصف إلى التأثير عليه تماما ، ولا أنه يقال مؤثر من جميع الوجوه وبالحقيقة ما لم يؤثر في حقيقة ذلك الشيء المؤثر فيه من حيث هو ذلك الشيء المؤثر فيه مجردا عن تعقل انضمام قيد آخر إلى صفة ذلك المؤثر ، وانضمام شرط خارجي إلى أحدهما - كان الشرط ما كان - من اللوازم أو العوارض إذ لو لم يؤثر في حقيقته بل في عارضه لا يسمى مؤثرا فيه إلا باعتبار ملابسة العارض المؤثر فيه لذلك الشيء ، فيسمى بهذه المجاورة مؤثرا فيه ، ولو كان باعتبار انضمام قيد إلى المؤثر لكان هو المجموع ، فإطلاق المؤثر هو المجموع على من تقيد به من غير ذكر القيد ، تكون من قبيل تسمية الشيء باسم كله ، والقيد صفة رافعة للإطلاق ، ولو كان باعتبار انضمام شرط خارجي ، كانت مؤثريته ناقصة بذاته كاملة بالشرط ، والمتأثرية باعتبار المجموع لا الحقيقة وحدها ، فتسمية أحدهما مؤثرا والآخر متأثرا من قبيل إطلاق الكل على الجزء أيضا .

وإنما يعتبر انضمام القيد بالأثر ؛ لأن القيد لا يلحقه من حيث حقيقته إلا بعد تحقق حقيقته ، فلا يكون الأثر في الحقيقة أصلا فضلا عن أثريتها مع القيد ؛ لأنها موجودة قبل بخلاف الشرط .

وإنما قال إلى تلك الحقيقة الموصوفة بالتأثير ، ولم يقل إلى المؤثر ؛ لأن كونه مؤثرا ليس على التحقيق بل على المتعارف ، أي : الوصف في العرف بالمؤثرية .

وإنما قال : كان ما كان ؛ لأنه قد يتوهم أن الخارجي إذا كان لازما ما لا ينفك عن الحقيقة المؤثرة أو المتأثرة ، فهو تأثير من حيث هو ، وهو وهم ظاهر الفساد ، وإنما اعتبر الشرط الخارجي ؛ لأن الذهني أمر اعتباري ، فلا يخل بحقيقة التأثير ؛ لأن المؤثر يؤثر حينئذ من غير اعتبار أيضا ، فافهم .

قال رضي اللّه عنه : [ وإنما ذكرت هذه القيود من أجل الآثار المنسوبة إلى الأشياء من حيث مراتبها أو من حيث اعتبارات هي من لوازم حقائقها ، ومن أجل ما استفاض أيضا عند أهل العقل النظري ، وأكثر أهل الأذواق بأن كل موصوف بالمرآتية سواء كانت مرآته معنوية أو محسوسة ، فإن لها ، أي لتلك المرآة أثر في المنطبع فيها ، لردها صورة المنطبع إليها وظهور صور المنطبع فيها بحسبها ] .

أي : إنما ذكرت لكون التأثير حقيقيّا ، هذه القيود إن يؤثر بلا ضم قيد إليه في الحقيقة المؤثر فيها ، ولا ضم شرط إلى أحدهما من أجل دفع ما يتعارفه الناس من نسبة الآثار إلى الأشياء من حيث مراتبها ، كالإحراق المنسوب إلى النار ، ومن حيث اعتبار لوازم حقائقها كتأثير العقل الأول من جهة وجوبه في عقل آخر ، ومن جهة إمكانه في الجسم من جهة علمه بنفسه في النفس الكلية ، ولا يعلمون أن المراتب والجهات قيودا أو شرائط ، فكيف يكون التأثير حقيقيّا ، ومن أجل ذلك دفع ما استفاض عند أهل العقل النظري من الفلاسفة المتكلمين ، قيد العقل به ؛ لأنه قد يطلق على البصيرة الباطنة أيضا .

وعند أكثر أهل الأذواق من الصوفية بأن كل موصوف بالمرآتية سواء كانت مرآتيته مرآتية معنوية كالأعيان الثابتة للوجود ، أو محسوسة كالمرايا المضوغة في الحديد وغيره كالماء ، فإن لها ، أي تلك المرآة أثرا ؛ لئلا يتوهم عود الضمير إلى المرآتية وهو فاسد ، إذ لا يتعارف ذلك أصلا بالمتعارف إن للمرآة أثرا في المنطبع فيها بحسب حقيقته لردها ، أي المرآة صورة المنطبع إلى ما يناسبها استقامة واستدارة بصغر أو كبر أو ظهور صورة المنطبع فيها بحسبها ، فحصل التأثير من المرآة والتأثر من المنطبع على وجه الحقيقة ؛ إذ الصورة دالة على الحقيقة ، والتأثير والتأثر فيها يدل عليها بحسب الحقيقة .

ومن هنا قال أكثر أهل النظر : إن الوجود صار متعددا بالذوات ، أنه صار متقيدا بهذه المظاهر بعد إطلاقه ، ولا يعلمون أن ذلك أثر في صورة المنطبع لا في حقيقته ،

والصورة عرض وكثرة الأعراض وتغيراتها لا يستلزم كثرة الذات وتغيرها ، على أن الصورة ليست للذات بل لظهورها في هذه المرايا عرضت لما لا ذات له سوى ذات من انطبعت الصورة في هذه المرايا بمقابلته وإلى ذلك أشار بما .

قال رضي اللّه عنه : [ وهذا صحيح من وجه ليس مطلقا ، فإن الأثر للمرآة في المنطبع إن كان يصح أن لو أثرت في حقيقته من حيث هو وذلك غير واقع ، وإنما يثبت الأثر للمرآة في المنطبع من حيث إدراك من لا يعرف حقيقة المنطبع ، ولم يدركه إلا في المرآة ، وليست المرآة بمحل لحقيقة المنطبع بل هي مجلي لمثاله وبعض ظهوراته ، والظهور نسبة يضاف إلى المنطبع من حيث انطباع صورته في المرآة ليست عين حقيقة المنطبع ] .

أي : القول بأن للمرآة أثرا ، وإن كان صحيحا بوجه من الوجوه المجازية لتأثيرها في الصورة التي تضاف إلى المنطبع ، فليس صحيحا مطلقا حتى يكون تأثيره حقيقيّا لا يمكن نفيه ، فإن الأثر للمرآة في المنطبع ، إنما كان يصح على وجه الحقيقة أن لو أثرت المرآة في حقيقة المنطبع وذاته من حيث هي وإنما أثرت في مثله من حيث يضاف إلى المنطبع ، والحقيقة غير حالة في المثال ، وإن شارك المثال ما نبه الحقيقة في الاسم مجازا ولا يثبت في الواقع أثر المرآة في حقيقة المنطبع إلا من حيث إدراك من لم يعرف حقيقة المنطبع ، ولم يدركه إلا في المرآة حتى إنه يتوهم إن حقيقة الحق تجلى في مرآة قلب من تجلى عليه ، فيزعم أنه الحق ، وهو خطأ ليس بواقع في العين والعلم إلا من حيث يعلم إدراك هذا المحجوب بعلم قديم أو حادث ، فيقع في الوجود الذي هو حق من هذا الوجه كسائر الأغلاط .

ثم أشار إلى بيان وجه الغلط في ذلك بأن المرآة ليس بمحل لحقيقة المنطبع سيما إذا كان المنطبع مثلا الحق تعالى ؛ فإن حقيقته تعالى أجل من أن تجلي أو تتجه لغيره على ما قدر في العلوم وأطبق عليه عظماء الكشف ، بل هي تجل بمثابة ، والمثال لا يشارك الحقيقة كالإنسان المنقوش على الجدار لا يشارك الإنسان الذي هو حيوان ناطق في الحقيقة على أن مثال الحق في القلب لا يطابقه من كل الوجوه ، إذ لا حصر لتجلياته ، بل هو بعض ظهوراته .

فالمرآة محل لمثاله الذي هو بعض ظهوراته لا غير ، ثم استشعر سؤالا بأن الكمّل قالوا بالوصول إلى أحدية الجمع والبقاء بالحق وشهوده ، وما شهدوا سوى ما في قلوبهم ؛

فلو لا أنه عين حقيقته ، لم يمكنهم القول بذلك .

فأجاب : بأنه نوع من المجاز ؛ لأن الظهور نسبة تضاف إلى المنطبع ، فيقال : ظهر الشيء الفلاني في المرآة ، لا من حيث انطباع حقيقته ، بل من حيث انطباع صورة الظهور وليس عين حقيقة المنطبع ، بل نسبة من نسبة ، فالأثر في الظهور ليس أثرا في حقيقة المنطبع ، فلا يقال : الحق تقيد بهذه المظاهر ، بل ظهوراته تقيدت بها لا حقيقته .

قال رضي اللّه عنه : [ ومرادي من قولي ببعض ظهوراته التنبيه على أن التجليات الذاتية الاختصاصية لا تكون في مظهر ولا في مرآة ولا بحسب مرتبة ، فإن من أدرك الحق من حيث هذه التجليات ، فقد شهد الحقيقة خارج المرآة من حيث هي لا بحسب مظهر ولا مرتبة كما قلنا ، ولا اسم ولا صفة ولا حال معين ولا غير ذلك ، وهو الذي يعلم ذوقا أن المرآة لا أثر لها في الحقيقة ] .

وإنما قال : ( بعض ظهوراته ) : تنبيها علي أن للمنطبع الحق ظهورات غير ما في مرايا الأعيان الثابتة والأكوان الخارجية والذهنية ، ولا يختص ذلك بظهور ذاته لذاته وفي ذاته ، بل التجليات الذاتية التي تخص الأنبياء وخواص الأولياء - عليهم الصلاة والسلام - لا يكون في مظهر من الأكوان ولا مرآة من الأعيان ولا بحسب مرتبة معينة ، وإلا لم يكن ذاتية محضة ، لا يقال : كيف يظهر الذات لا بحسب مرتبة .

وقد سبق أن إطلاق السلبي لا يمكن إدراكه ؛ لأنا نقول : المدرك هذا الذات من غير تقييد بمرتبة ، وإن نزلت إلى المراتب ، وإنما لم يكن إدراكه قبل النزول ، وإلا فكيف يطلق عليه الإطلاق السلبي ، على أن المراد هنا قبل النزول إلى الأكوان وأعيانها والأسماء المتعلقة بها ، ثم ذكر أن من أدرك الحق من هذه التجليات ، فقد شهد حقيقة المنطبع ، أي الذي من شأنه انطباع صورة في المرآة خارج المرآة من حيث هي حقيقة لا بحسب أنها في مظهر ولا بحسب أنها في مرتبته .

وإنما ذكر ذلك ؛ لئلا يتوهم أنه تخيل ما رآه في المرآة خارج المرآة ، فدفع ذلك الوهم ، ثم بالغ فقال : ولا اسم معين ولا صفة معينة ولا حال معين حتى يقال ، هي من المرايا المعنوية ثم عمم بقوله : ولا غير ذلك ، أي : من النسب والإضافات بمحو الكل في الحقيقي حينئذ .

ثم ذكر أن هذا التجلي أي : الذي في غير المرآة ، يعلم ذوقا أن المرآة لا أثر لها في الحقيقة ، إذ لم تؤثر في ظهورها الذي نسب الأثر بسببه إلى المنطبع ؛ وذلك أن لو أثرت في ظهورها من حيث هو ظهور ، لكان كل ظهور متأثر من المرآة ، لكن لما أمكن الظهور بغيرها ، لم يكن متأثرا بها ، بل المتأثر بها بعض الظهورات ، وذلك بحسب أوصاف لا حقه للظهور ، فإذا لم يؤثر في الظهور الذي هو عارض قريب ، لم يؤثر في حقيقته بطريق الأولى .

قال رضي اللّه عنه : [ وكان شيخنا الإمام - قدس اللّه روحه - يسمى هذه التجليات ، التجليات الذاتية البرقية ، وما كنت أعرف يومئذ سبب هذه التسمية ، ولا مراد الشيخ منها ] .

ثم إن هذه التجليات الذاتية البرقية لا تحصل إلا لذي فراغ تام من سائر الأوصاف والأحوال والأحكام الوجوبية الأسمائية والإمكانية ، وهذا الفراغ مطلق لا يغاير إطلاق الحق ، غير أنه لا مكث له أكثر من نفس واحد ، ولهذا شبه بالبرق .

وكان الشيخ أمام هذا العلم وأكمل أهله محيي الدين ابن العربي رضي اللّه عنه ، يسمى هذه التجليات التي هي خارج المرآة من غير تقييد بشيء التجليات الذاتية البرقية ، وليست هذه من التجليات البرقية التي يقال : لمبادئ الكشف إذا ظهر انطفأ سريعا ؛ لأنه ليست ذاتية ، بل من الأسمائية ؛ وهناك إن كانت الذات مع الأسماء لكنها ليست خارجية عن الذات .

قال رضي اللّه عنه : [ وما كنت أعرف يوم سماعي من الشيخ سبب تسمية الذاتية البرقية ، ولا مراد الشيخ منها وأهله كان يتوهم بالذاتية ظهور الذات في المظاهر وإن البرقية مخصوصة بالمبادئ ، فكيف يكون في الذاتية ؟ ] .

ثم لما حصلت له علم وبين سبب حصوله بقوله : ثم إن هذه التجليات الذاتية البرقية أعاد الوصفين ؛ لئلا يتوهم أن كل تجل يحتاج إلى فراغ تام ، بل التجليات الذاتية في المظاهر الأسمائية لا تحتاج إلى الفراغ التام ، بل الفراغ من وجهه ، بخلاف هذه التجليات الاختصاصية ، فإنها لا تحصل إلا لذي فراغ تام من جميع أوصاف الوجود وأحواله والأحكام الوجوبية الأسمائية والإمكانية الكونية ؛ إذ كل واحد منها حجاب لا يمكن معه ظهور الذات بلا مظهر .

ثم قال : [ وهذا الفراغ مطلق ] أي عن النفس والقلب والروح والسر وأخفى ، وجميع الأوصاف والأحوال حتى أنه لا يغاير إطلاق الحق إلا بالمعنى السلبي ، بل بالمعنى

المقابل للتقييد ؛ وليس معنى الفراغ من هذه الأمور عدمها في الواقع ، بل عدم كونها ملتفتا إليها ومانعا ، كما أن إطلاق الحق ليس بمعنى مجردة عن الصفات كيف وهي واجبة أزلا وأبدا .

ثم لما توهم من كونه دائما دوام هذا التجلي عليه لكمال استعداده استثنى ،

فقال : ( إنه لا مكث لها أكثر من نفس واحد ، ولهذا شبه بالبرق في عدم بقائه أكثر من نفس واحد ، وهذا بالتجليات الاختصاصية من الكشف الذي في المبادئ ؛ لأنه قد ينقلب إلى الدوام بخلاف هذا ، فافهم ) .

قال رضي اللّه عنه : [ وسبب عدم دوامه حكم جمعية الحقيقية الإنسانية ، وكما أن هذه الجمعية لا تقتضي دوامه ، كذلك ، لو لم تتضمن الجمعية الإنسانية هذا الوصف من الفراغ والإطلاق المستجلب لهذه التجليات ، لم تكن الجمعية الإنسانية جمعية مستوعبة كل وصف وحال ، فحكم الجمعية يثبته وينفى دوامه ] .

اعلم أن الشيخ رضي اللّه عنه ، وإن لم يتعرض لبيان سبب عدم دوامه نفسين صريحا ، فهو مفهوم ضمنا ؛ وذلك لأن سبب عدم دوامه أثر من آثار جمعية الحقيقة الإنسانية ، فإنها عند الفراغ لا تبقى مستجمعة للأحوال والأوصاف ، لا بمعنى أنها تنتفي عنها ، بل بمعنى أنها تبقى معطلة ، والجمعية تقتضي استعمال كل منها ، فلو بقي هذا التجلي زمانين لظهر تعطلها ، فيكون جمعية كاللاجمعية .

ثم استشعر سؤالا بأن الإنسان إنما خلق ؛ ليكون مظهرا جامعا وعند التجلي لا يبقى جامعا ، فهو مناف لجمعيته ، فينبغي أن لا يوجد أصلا .

فأجاب عنه بقوله : " وكما أن هذه الجمعية لا يقتضي دوامه " ، فحق العبارة يقتضي عدم دوامه ؛ لأنها إنما تنافي دوامه لا أصل وجوده ، فإنه لا ينافي مقتضي الجمعية ؛ إذ لولاه ، لم يكن شاملا على ما هو أعظم الأمور ، فيبقى جمعيته أيضا إلا أنه قال : هكذا يشعر بغلبة الجمعية للكل ، فما لا تقتضيه الجمعية لا يوجد ، ويدل عليه قوله فيما بعد صريحا فحكم الجمعية يثبته وينفى دوامه " .

وفي قوله : “ من الفراغ والإطلاق المستجلب لهذه التجليات الاختصاصية هي الإطلاق ( لمناسبته ) إطلاق الذات بخلاف الجمعية ، فإنها إنما تقتضي ظهور الذات مع

الصفات ، وهاهنا وإن كانت الذات متصفة بالجميع ، لكنها لم يحتجب بها ساعة لطيفة ، ثم احتجبت برداء الكبرياء “ .

وفهم من قوله : “ فحكم الجمعية يثبته وينفى دوامه “ : أن الجمعية لا تقتضي اجتماع الأوصاف والأحوال في آن واحد ؛ بل يكفى حصولها في الإنسان على سبيل التعاقب كيف وهو في كل آن خلق جديد ، ويؤيده إن جعل السبب أثر الجمعية ، هو حصول مقتضاه بالفعل ، والحال إنما هي بالقوة ، فافهم .

قال رضي اللّه عنه : [ ووجدت لهذا التجلي لما منحنية اللّه أحكاما غريبة في باطني وظاهري ، من جملتها أنه مع عدم مكثه نفسين ، يبقى في المحل من الأوصاف والعلوم ما لا يحصره إلا اللّه ] .

أشار رضي اللّه عنه إلى فوائد التجلي الحاصلة عند من منحه اللّه تعالى إياه مع الإشعار بأنه استدل عليها بالوجدان الذي هو أقوى من الحس الظاهر والفكر ؛ إظهارا لنعمة اللّه تعالى عليه شكرا عليها وامتثالا لقوله تعالى :وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ[ الضحى : 11 ] وأشار بلطيفة هي أنه بالوجدان الروحي كأنه يشاهده الآن ، وهو معه ، والأحكام الغريبة هي الوجوبية لقرابتها بالنسبة إلى عالم الحدثان ، وتلك الأحكام أنوار التجلي على روحه المطهر بقيت على القلب فجعلته روحانيّا ، والنفس ، فجعلتها مطمئنة مستحقة بالأخلاق الإلهية والجسم فجعلته مطواعا لأوامر اللّه تعالى وغير ذلك .

ثم بيّن رضي اللّه عنه أن من جملة فوائده أنه مع عدم مكثه نفسين يبقى في محل التجلي ، وهو القلب من الأوصاف الإلهية والعلوم اللّدنيّة اللازمة للذات ، ما لا يحصره إلا اللّه ، وإن غلب ظهورها بحيث لا يحجبها الصفات ، فإذا زال غلبة ظهور الذات مجددة ، بقي ظهورها مع الصفات على المحل ، لأنها تبقى مع الحجاب ، وكان قد اتصل بأعلى معادن العلم ، ومن اتصل بالعقول والنفوس الناطقة السماوية لم يحس حالة من العلوم ، فكيف بمن اتصل بمعدن الكل ، وتلك الصفات والعلوم لما كانت غير متناهية ولا محصورة ، وقد انطبعت في أوسع المجال ، فلا يحصرها إلا من لا حصر له ، وهو اللّه تعالى ، فافهم .

قال رضي اللّه عنه : [ وعرفت في ليلة كتابتي هذا الوارد ، أنه من لم يذق هذا المشهد لم يكن محل

للوراثة ولم يعرف سر قوله صلى اللّه عليه وسلم : “ لي مع اللّه وقت لا يسعني فيه غير ربي “ ، ولا سر قوله صلى اللّه عليه وسلم : “ كان اللّه ولا شيء معه “ ، ولا سر قوله تعالى :وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ[ القمر : 50 ] ، ولا يعرف مبدئية الإيجاد لا في زمان موجود ] .

أشار إلى فوائد أخرى عزيزة جدّا لهذا التجلي الاختصاصي ، إن الشيخ رضي اللّه عنه مع جلالة قدره لم يعرفها إلا ليلة كتابة هذا الوارد منها : إن من لم يذق هذا المشهد من التجلي الذاتي البرقي ، أي لم يعرف بالذوق والوجدان قبل ذلك إشعارا بامتناع معرفته بغير ذلك ، لم يكن محلا للورثة النبوية ، فلم يكن من العلماء الذين هم ورثة الأنبياء ، إذ ميراثهم الخاص هذا التجلي لغاية عظمته ، وما دونه كما يكون ميراثهم ، يكون ميراثا لعامة الأولياء أيضا .

فالميراث الخاص هو هذا التجلي ، على أن حقائق العلوم لا تنكشف كما هي بدون هذا التجلي لنقصان سائر المعادن بالنسبة إليه ، فلا يكون ميراثا نبويّا ، بل ميراث الأولياء أو الحكماء الذين اتصلوا بالعقول والنفوس .

ومنها : إن من لم يذق هذا المشهد لم يعرف سر قوله صلى اللّه عليه وسلم : “ لي مع اللّه وقت لا يسعني فيه غير ربي “ ؛ إذ سائر التجليات إما صفاتية أو أفعالية ، وهي أغيار من حيث مفهوماتها للرب المطلق ولا يشترط لمعرفته ذوق هذا التجلي ، إذ من لم يذق هذا التجلي لم يعرف بفكر ونظر أو حس ، فلا يفهم سر ما يتوقف عليه بدونه ، وإن كان يفهم ظاهره .

ومنها : أن من لم يذق هذا المشهد ، لم يعرف سر قوله صلى اللّه عليه وسلم : “ كان اللّه ولا شيء معه “ ، وذلك أن صفاته تعالى لازمة لذاته ، فلا يتصور الذات بدونها إلا لمن تجلى له الذات من غير ظهوره هذه الصفات ، فيعرفها حينئذ أنه كان في الاعتبار الأول أيضا لا شيء معه ، كما أنه الآن لا شيء معه باعتبار هذا التجلي .

واشترط أيضا ذوق ذلك لما مر بعينه ، ومنها أن من لم يذق هذا المشهد لم يعرف سر

...............................................

( 1 ) ذكره المناوي في فيض القدير ( 4 / 6 ) ، والعجلوني في كشف الخفا ( 2 / 226 ) بنحوه .

( 2 ) رواه الحكيم الترمذي في النوادر ( 4 / 104 ) .

( 3 ) ذكره المناوي في فيض القدير ( 4 / 6 ) ، والعجلوني في كشف الخفا ( 2 / 226 ) بنحوه .

( 4 ) رواه الحكيم الترمذي في النوادر ( 4 / 104 ) .

قوله تعالى : وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ [ القمر : 50 ] ، أي : وما شأن تجلينا إلا لحظة واحدة كلمح بالبصر .

وذلك هو التجلي الذاتي الاختصاصي إذ غيره لا ينحصر في ذلك ، إذ قد يبقى زمانين فصاعدا ، ولو حملت الآية على معنى القيامة فكذلك ؛ لأنه عبارة عن فناء الكل بالتجلي الذاتي ، فمن لم يذقه لم يعرفه بالحقيقة .

ومنها : أن من لم يذق هذا التجلي لا يعرف مبدئية الإيجاد لا في زمان موجود ؛ وذلك لأن مبدئية الإيجاد دالّ في زمان هو التجلي الذاتي لوقوع الحدوث ولو بالذات في غيره ، فيقع التقدم والتأخر المشابهان لما في الزمان ، وإنما أعاد لفظة المعرفة نفيا لدعوى النظار بمعرفة ذلك بالحقيقة ، فأكد وإنما ابتدأ يبحث الوارث ؛ لأنها أول مرتبة الكمال الاختصاصي ثم بعدم الواسع ؛ لأنه كمال الوارث ، ثم بلا شيء معه ؛ لأنه كمال عدم الوسع ، ثم بوحدة الأمر ؛ لأنه من جمعه لمبدئية الإيجاد لمشابهته ينزل العارف إلى مقام البقاء ؛ لأنه موجود لا بنفسه حتى يكون زمانيّا ، فافهم .

قال رضي اللّه عنه : [ كما أنه من ذاق هذا المشهد ، وقد كان علم أن الأعيان الثابتة هي حقائق الموجودات ، وأنها غير مجعولة وحقيقة الحق منزهة عن الجعل والتأثير ، ومن ثمّ أمر ثالث غير الحق والأعيان ، فإنه يجب أن يعلم إن صح له ما ذكرنا ، أن لا أثر لشيء في شيء ، وأن الأشياء هي المؤثرة في أنفسها ، وإن المسماة عللا وأسبابا مؤثرة ، هي شروط في ظهور آثار الأشياء في أنفسها ، لا أن ثمة حقيقة تؤثر في حقيقة غيرها ] .

الغرض من هذا بيان حال الأمور المذكورة أعني صيرورته وارثا وواسع القلب بربه وعارفا سر “ ولا شيء معه “ ، وسر وحدة الأمر ، ومبدئية الإيجاد في توقفها على التجلي الذاتي الاختصاصي ، كتوقف هذه المسألة توقفا ظاهرا ، يعنى : من ذاق هذا المشهد الذي هو التجلي الذاتي الاختصاصي بعد علمه أن الأعيان الثابتة ،

أي : الصور الثابتة للأشياء في العلم الأزل ، هي حقائق الموجودات والحقائق غير مجعولة ، فالأعيان أيضا غير مجعولة ، والمقدمتان تبينان فيما بعد حقيقة الحق منزهة عن الجعل والتأثير على ما تقرر في العقول السليمة كلها ، وليس في العالم والأشياء أمر ثالث غير الحق والأعيان ؛ لانحصار العالم والأشياء في الوجود والحقائق والوجود حقيقة الحق والحقائق هي الأعيان ، فإنه يجب أن

يعلم إن صح له ما ذكرنا من هذه المقدمات ، أن لا أثر لشيء في شيء ؛ لأنه إما في الأعيان وليست مجعولة ، وما لا يقبل التأثير بحقيقته ، وأما في الحق وعدم قبوله التأثير ظاهر ، أو في الجمع بينهما ، فأما في وجود الجمع أو في حقيقته ، فيعود الكلام فيه أو المجموع من وجوده وحقيقته ، فيتسلسل ووجود المجموع إن كانت معدومة ، فلا أثر في حقيقة المعدوم ، إذ لا حقيقة له من حيث هو معدوم .

هذا كله في معرفة أن حقيقة الحق غير قابلة للجعل والتأثير ، وأن الأعيان غير مجعولة ، وأما من التجلي المذكور ، فيعلم أن الأشياء هي المؤثرة في أنفسها ؛ وذلك لأن التجلي المذكور يشهد أن جميع الكمالات حاصلة للوجود المطلق بالقوة ، وهي كامنة فيه ، وأن حقائق الموجودات شؤونه الذاتية المقتضية ظهورها بتلك الكمالات ، وهي الحاكمة على المفيض أن يفيض ما في قوة استعدادها ، فهي المؤثرة في أنفسها ،

وإنما قال : إن صح له ما ذكرنا إذ يجوز حينئذ أن لا يعتقد التجلي المذكور ، ويزعم ألا تجلي إلا في مظهر ، فيتوقف حصول الكمالات للوجود على المظاهر ، فيكون لها الأثر في كمالاته الممكنة ، ويجوز أن يعتقد كون الأعيان مجعولة ، فيعتقد الأثر فيها .

ويجوز أن يعتقد أن حقيقة الحق قابلة للجعل ، فيكون للمظاهر تأثير في حقيقة الظاهر ، ثم استشعر سؤالا بأن الكلام سفسطة في ظهور كون بعض الأسباب علة للبعض ، فأجاب بأنا لا نسلم أنها أسباب وعلل ؛ لأن المؤثر لا بد له من قابل ، ولا قابل مع قبول هذه المقدمات ، بل الأشياء لما كانت مؤثرة في نفسها من حيث طلب شؤونها الظهور بكمالات الوجود المطلق ، كل شأن على قدر استعداده في عينه الثابتة ، ولم يستقل بأنفسها توقف الكمالات فيها ، وهي آثارها على شروط توقف ظهور النار من الحجر على ضربة بآخر مثلا .

لا يقال ، فهي علل الظهور ؛ لأنا نقول : اقتضت الأشياء الظهور ولم تستقل ، فهي شروط للظهور لا علل الثبوت مقتضية ، وهي أعيان الأشياء من قبل ، على أنها لا تؤثر في نفس الظهور بل في صفاته ، فليست مؤثرة أيضا في الشروط الصفات الوجوبية وغيرها من العقول والنفوس والطبائع ، وتسميتها عللا وأسبابا ، ليس على الحقيقة ، فافهم هذه الدقائق تفز بكنوز الحقائق !

قال رضي اللّه عنه : [ وهكذا فلتعرف الأمر في المدد ، فليس ثمة شيء يمد شيئا غيره ، بل المدد يصل من باطن الشيء إلى الظاهر ، والتجلي النوري الوجودي يظهر ذلك ، فليس الإظهار بتأثير في حقيقة ما أظهره ، فالنسب هي المؤثرة بعضها في بعض ، بمعنى أن بعضها سبب لانتشاء البعض ، وظهور حكمه في الحقيقة التي هي محتدّها ] .

أي : وكما عرفت الأمر في آثار الأشياء أنها ليست من غيرها بل من باطنها إليها ، فهكذا فليعرف الأمر في المدد الوجودي عليها ، فإن وجودها ليس من غيرها ، بل المدد يصل من باطن الشيء إلى ظاهره ، بمعنى أنها ولو كانت معدومة في الخارج كانت موجودة في العلم الأزلي ، فذلك الوجود كان لها في الباطن ، فخرج إلى الظاهر باقتضاء ، إلا أن اقتضاءها لا يستقل بإخراجها فشرط لذلك التجلي النوري ، وهو تعلق الوجود الظاهر ، وهذا الإظهار من التجلي النّوري ليس بتأثر منه في حقيقة ما أظهره من الوجود ؛ لأنه بحقيقته كان حاصلا للأعيان الثابتة في الباطن ،

لا يقال : التجلي نسبة ، وقد أثرت في الإظهار الذي هو نسبة سافلة التأثير الحقيقي ؛ لأنا نقول : إن بعض النسب مؤثر في البعض لا تأثيرا حقيقيّا بل بمعنى أن بعضها سبب لانتشاء البعض في العقل ، حتى يترتب سبب الظهور حكمه في الحقيقة التي هي محتدها ، فلم يؤثر في النسبة بينها ، بل ظهر حكمها في الحقيقة لجعلها حكمها صفة لتلك الحقيقة ، فلم يؤثر في الحقيقة من حيث هي ، ولا في النسبة من حيث هي ، وإظهارها فرع ثبوتها في معدنها ، فافهم .

قال رضي اللّه عنه : [ ومن جملة ما يعرفه ذائق هذا التجلي ، أن لا أثر للأعيان الثابتة من كونها مرائي في التجلي الوجودي الإلهي ، إلا من حيث ظهور التعدد الكامل في غيب ذلك التجلي ، فهو أثر في نسبة الظهور من الأمر الذي هو شرط في الإظهار ، والحق يتعالى عن أن يكون متأثرا من غيره ويتعالى حقائق الكائنات أن تكون من حيث هي حقائقها متأثرة ، فإنها من هذا الوجه في ذوق الكمال عين شؤون الحق ، فلا جائز أن يؤثر فيها غيرها ، فلا أثر لمرآة ما من حيث مرآة في حقيقته المنطبعة فيها لما مرّ بيانه ] .

اعلم أن هذه المسألة أعني : مسألة تعديد الأعيان من حيث هي مرايا للتجلي الوجودي وإظهار التجلي الوجودي إياها ، لم يفهم فيما سبق ؛ لأنه إنما ذكر فيه تأثير المراي

..........................................................................................

( 1 ) أي التجلي البرقي وهو التجلي الذاتي الذي لا ثبات له أكثر من نفس واحد ، شبه بالبرق لذلك .

في المنطبع وما لمؤثر في آثار الأشياء والمدد فيها ، وإنما ذكرها منفردة لشهرة ما يخالفها ، وذلك إن مما اشتهر أن الأعيان الثابتة من حيث كونها مرائي تجلي الوجودي عددت الوجود الواحد وجعلته كثيرا ، فأثرت في تكثيره والحق فيها بإظهارها بعد ما كانت في كتم العدم .

فدفع رضي اللّه عنه ذلك بأن من تجلى له الحق في غير مظهر عرف أنه الكمال ، وأنه لا يتقيد بوحدة ولا كثرة وإن كانت الوحدة أول التعينات ؛ لكنها ليست في مقابلة الكثرة نعم المقابلة لها غالبة هناك ، والكثرة كامنة ، والأعيان لا تؤثر في التجلي الوجودي الوحداني إلا من حيث ظهور التعدد الكامن في غيب ذلك التجلي الذي كان التعدد مغلوبا فيه ، فهذا التعدد الظاهر الذي صار غالبا أثر في نسبة ظهور الوجود الواحد ، والتجلي الوحداني في مرايا الأعيان ؛ لأنه لما انتسب الظهور إلى الأعيان الكثيرة الاعتبار ، تكثرت النسب ، فتكثر الظاهر والتجلي الوحداني ، وهكذا لم يؤثر الحق في الأعيان بالكثرة الظاهرة ، بل لما انتسب الظهور بالتجلي الإلهي الوجودي إليها تكثرت ، فتلك النسبة شرط في إظهار الكثرة الاعتبارية التي كانت فيها لا تأثيرا لها ، ثم

استدل على الأمرين : أما على الأول ، فبأن المرايا لو أثرت في التجليات ، لكان الحق تعالى متأثرا عن غيره ؛ لأن التجلي الأول الوحداني من مقام الألوهية ، ومن صفاته وجوب الوجوب بالذات والوجوب بالذات مستحيل تأثره عن غيره لا بحسب الذات ، ولا بحسب صفاته الذاتية والواجبة ، فلو لم تكن الكثرة فيه ما ظهرت بالأعيان أصلا .

وأما على الثاني ؛ فلأن الأعيان لو تأثرت بالتجلي ،

فظهر ذلك تأثرا في شؤون الذات ؛ لأن الأعيان قبل الظهور شؤون الحق ، فلو أثر فيها التجلي لكان مؤثرا في شؤون الحق وشؤونه قديمة مندرجة في ذاته ، فلا يؤثر فيها الغير أصلا ، بل ظهرت بنسبة التجلي الوحداني إليها ، فظهرت كثرتها الاعتبارية ، وصارت حقيقة ، وإذا كان كذلك ، فلا أثر لمرآة ما حقّا أو خلقا من حيث هي مرآة في حقيقة المنطبع ، بل في نسبة ما ، من النسب إلا من حيث الشرطية المذكورة ، وليس تأثيرا حقيقيّا لما مرّ بيانه من أنه إنما يكون حقيقيّا أو أثر شيء في حقيقة آخر من غير انضمام شرط ، واللّه أعلم .

ولما كانت هذه المسائل على خلاف المشهور

قال رضي اللّه عنه : [ فافهم هذا النص وتدبره ،

فقد أدرجت فيه من نفائس العلوم والأسرار ما لا يقدر قدره إلا اللّه ، وهذا هو الحق اليقين والنص المبين ، وكل ما تسمعه مما يخالف ذلك ، فإنه وإن كان صوابا ، فإنه صواب نسبي ، وهذا هو الحق الصريح الذي لا مرية فيه واللّه المرشد والهادي ] .

ومن نفائس العلوم بيان التجلي الذّاتي البرقي ، وكون التجليات في المظاهر لا يوجب تقييدا في الظاهر ، ودوام تنزهه تعالى عن الحوادث مع ظهوره فيها ، وأن لا أثر لشيء في آخر حتى يبطل التوحيد ، وأن آثار الأشياء فيها من أنفسها وكمال الإنسان ومقتضاه من التجلي المذكور ، وزواله وفوائده ومعرفة الأسرار المذكورة من معرفة الوارث وسعة القلب ، ومعرفة “ كان اللّه ولا شيء معه “ ، ومعرفة :وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ[ القمر : 50 ] ، ومعرفة مبدئية الإيجاد في زمان موجود .

ثم قال الشيخ رضي اللّه عنه : [ وهذا هو الحق اليقين ] الذي لا يحجب فيه الحق عن الخلق ، والخلق عند الحق إذ نسب أثر كل شيء إليه ولا أثر إلا اللّه ، وهو ليس بغيرهم والنص المبين إذا وصله إلى مقام البقاء للميز مع التوحيد الخالص ، ثم ذكر أن ما خالفه من نسبة الآثار إلى اللّه تعالى وإلى المخلوقات ليس خطأ محضا ، بل صوابا نسبيّا ؛ لأن الفعل ليس إلا للوجود لكن في صورهم ، فالنسبة إلى أحدهما نسبة مطابقة للواقع من وجه دون وجه ، مع ورود الشبه فيه من الجانبين ، وهذا هو الحق الصريح المانع عن الشبه فلا مرية فيه ، واللّه المرشد إلى تحقيق هذا المقام الذي هو صواب على الإطلاق ؛ إذ يتحقق به الشرع والقدر جميعا والهادي إلى فهمه وأتباعه بمنه وكرمه .



 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



Bazı içeriklerin Yarı Otomatik olarak çevrildiğini lütfen unutmayın!