موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص

للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

وهو شرح لكتاب النصوص للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

النص العاشر

 

 


نص شريف : قال رضي اللّه عنه : [ اعلم أن الحق لما لم يكن أن ينسب إليه من حيث إطلاقه صفة أو اسم أو يحكم عليه بحكم ما سلبيّا كان أو إيجابيّا ، علم أن الصفات والأسماء والأحكام لا يطلق عليه ، ولا ينسب إليه إلا من حيث التعينات ، ولما استبان أن كل كثرة وجودية أو متعلقة ، يجب أن تكون مسبوقة بوحدة ، لزم أن تكون التعينات التي من حيث ما تضاف الأسماء والصفات والأحكام إلى الحق ، مسبوقة بتعين هو مبدأ جميع التعينات ومحتدها ، بمعنى أنه ليس وراءه إلا الإطلاق الصرف ، وأنه أمر سلبي يستلزم سلب

.................................................................

( 1 ) فائدة : التجليات أنواع كثيرة ، انظر : لطائف الأعلام للقاشاني ( ص 117 ، 123 ) .

الأوصاف والأحكام والتعينات والاعتبارات من كنه ذاته سبحانه ، وعدم التقيد والحصر في وصف أو اسم أو تعين أو غير ذلك مما عددنا ، أو أجملنا ذكره ] .

لما ذكر في النص السابق إنه لا بدّ من اختلاف ما ، بين الأصول والثمرات من وجه أو وجوه مبين هاهنا أن تفاوت الاختلاف ضعفا وشدة من قلة الوسائط وكثرتها ، مع ما يترتب عليهما من العطايا والقابلين لها وأحكامها مع تقديم مقدمة في ذلك يدل على أنه لا بد من واسطة ، وهي أن الحق لما لم يمكن أن ينسب إليه من حيث إطلاقه السلبي صفة ولا اسم ، والصفة ما يقوم بذاته ، والاسم الذات مع الصفة ، أو يحكم عليه بحكم ما ، سلبيّا أو إيجابيا كالحياة والعلم والقدرة .

اعلم أن الصفات والأسماء والأحكام الناشئة منهما لا تطلق عليه ، أي لا يحمل عليه حمل المواطأة ، ولا ينسب إليه حمل الاشتقاق إلا من حيث التعينات تكون بحسبها الصفات والأسماء والأحكام .

ثم بيّن رضي اللّه عنه ترتبها ؛ ليستدل بذلك على قلة الوسائط وكثرتها ، فقال : ولما استبان ، أي ظهر بالبديهة والوجدان أن كل كثرة سواء كانت وجودية ، أي موجودة في الخارج أو متعلقة ، أي موجودة في الذهن ، يجب أن تكون مسبوقة بوحدة ، فيكون لكثرة التعينات وحدة تعين سابق عليها ، فلزم أن تكون التعينات التي هي مبادئ إضافة الأسماء والصفات والأحكام إليه ، مسبوقة بتعين هو مبدأ جميع التعينات ومحتدها ، وإن سمي ذلك التعين بالمبدأ لعدم التميز هناك بين المبدأ والمبدأ .

وإنما قلنا ، هو أصل الجميع ومبدؤها ، بمعنى أنه ليس وراء الإطلاق الصرف ، ولما كان سلبيّا يستلزم سلب الأوصاف وأحكام التعينات ، وما عطف عليه ، فلا يمكن جعله مبدأ لها ، وإذا ترتبت التعينات ترتيب الأسماء والصفات ؛ لأنها فروعها .

وإنما قال : وعدم التقيد والحصر في وصف أو اسم أو تعين أو غير ذلك لما يتوهم للمحجوبين من أن في الإطلاق تكون هذه الأمور غير مرتبة ، فلا واسطة تكون بين الإطلاق والأشياء .

قال رضوان اللّه عليه : [ ثم إن لذوي العقول السليمة ، وإن عدموا الكشف الصحيح أن يعتبروا الصفات والأسماء التالية ، فإن تعذر عليهم تعقل أسماء وصفات وراء

ما تصورت ، وانتهت إليه إدراكاتهم العقلية ، فتلك الأسماء الذات بالنسبة إليهم ويستدل بحقائقها في طور العقل النظري حال الحجاب ؛ لشمول حكمها وتبعية غيرها من الصفات والأسماء لها وتوقف تعين ما بعدها عليها ]

.

إرشاد للمحجوبين من المتكلمين حيث أنكروا ترتب الأسماء التالية وهي صفات الأفعال ، وقد قال الشيخ أبو الحسن الأشعري : إنها نسب حادثة مترتبة على الصفات القديمة ، ثم إن تعذر عليهم تعقل أسماء وصفات وراء ما تصوره ، وقالوا بعدم كلها حتى صفات الأفعال كالحنفية .

فنقول : ما هو المقدم هي صفات الذات بالنسبة إلى صفات الأفعال ، ويستدل على ذلك بشمول حكم صفات الذات للكل وتبعية غيرها من صفات الأفعال . إذ يتوقف تعين ما بعد صفات الذات من صفات الأفعال عليها بحسب مقتضى حقائقها ، فإن حقائقها تدل على أن بعضها متبوعة شاملة ، فيتوقف الباقي عليها وبعضها بخلافه دلالة يفهمها من في طور العقل النظري هو الحجاب .

وقيد بذلك أفعال الكشف فلا يحتاج إلى ذلك ، وقوله عطف تفسيري ، للتبعية وهذه التبعية والتوقف ليس بالزمان ، فإن جميعها قديمة أزلية بمعنى أنها غير مسبوقة بالعدم ، لكن ترتيبها بحسب احتياجها إلى ما قبلها ، وهو الحدوث الذاتي الذي لا يقول به المتكلمون ، فافهم .

قال رضي اللّه عنه : [ فالعطايا الإلهية الذاتية والأسمائية يعرف من هذه القاعدة ، بمعنى أن كل عطاء وخير يصل من الحق إلى الخلق ، إما أن يكون عطاء ذاتيّا أو أسمائيّا أو أن يكون مجموعا من الذات والأسماء ]

.

شروع في المقصود ، وجعل العطايا كلها إلهية ؛ لأنها لا تتعلق بالذات المطلقة ، وفسرها بالخيرات الواصلة من الحق إلى الخلق ، فاحترز بالخيرات عن الشر المحض ، فإنه على تقدير وقوعه لا يسمى عطاء ، وكذا الواصل من ذات الحق إلى صفاته أو إلى الأعيان الثابتة لا يسمى بذلك ؛ لأن العطاء يشعر بسبق العدم .

وقسّم العطايا أولا إلى الذاتية والأسمائية باعتبار أن كل عطاء مبدؤه الذات ، من اعتبار اسم معين قيدنا بذلك إذ لا بدّ من الواسطة ؛ لأن الذات من حيث هي غنية عن

العالمين ، عطاء ذاتي ، وباعتبار اسم معين عطاء رسمي ، ثم إلى ثلاثة أقسام باعتبار أن ما يغلب فيه جهة الوجوب ، فعطاء ذاتي ، وما يغلب فيه جهة الإمكان ، فعطاء رسمي ، وما فيه الجهتان على التساوي أو قريبا فيه ، فعطاء مجموعي حاصل من مجموع الذات والأسماء ، فافهم " .

قال رضي اللّه عنه : [ فأما العطايا الذاتية فلا حساب عليها ولا ينضبط تعيناتها بعدد ، ولا ينحصر فيه . وأما العطايا الأسمائية والمنسوبة إلى الذات والأسماء جميعا ، فلا يخلو إما أن تكون نسبتها إلى حضرة الذات أقوى وأتم من نسبتها إلى حضرة الأسماء والصفات ، أو بالعكس ، فإن غلبت نسبتها إلى حضرة الأسماء والصفات أو بالعكس ، فإن غلبت نسبتها إلى الأسماء والصفات على نسبتها إلى الذات ، وقع الحساب عليها إما عسيرا أو يسيرا بحسب الغلبة والمغلوبية الواقعة هناك ، وهنا سر كبير لا يمكن إفشاؤه وإن كانت نتيجة الغلبة والمغلوبية قوة نسبة تلك العطايا إلى حضرة الذات ، فذلك الذي لا حساب عليه ؛ لأن العطاء الذاتي ، وما قويت نسبته إليها لا يصدر ولا يقبل إلا بمناسبة ذاتية ، فلا موجب لها غير تلك المناسبة ] .

شروع فيما يترتب على هذه العطايا ، فأما العطايا الذاتية بالمعنيين فلا حساب عليها ، لما يأتي أن صدورها وقبولها لمناسبة ذاتية ، ولا ينضبط تعيناتها إلى أنواعها وأوصافها بعدد لا ينحصر من حيث الإفراد فيه : كتجليات الذات لا تتناهى ، وذلك لقوة المناسبة بينهما .

ثم قال : “ وأما العطايا الأسمائية “ ، أي التي غلب فيها جهة الإمكان والمنسوبة إلى الذات والأسماء ، استوت فيها الجهتان أو قريبا من الاستواء : فلا يخلو إما أن تكون نسبتها إلى حضرة الذات بالمعين الأول إلى عدم اعتبار اسم معين أقوى وأتم أولى ، فإن غلب نسبتها إلى الأسماء والصفات باعتبار تعيناتها وقع الحساب عليها باعتبار الأفراد والدوام وعدمها ؛ لأن لسلطنة كل اسم حدا معلوما من المربوبات والأوقات ، وينقسم ذلك الحساب إلى عسير وهو الموجب للعذاب ، ويسير وهو الموجب للثواب .

قال تعالى :فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ( 7 ) فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً ( 8 ) وَيَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ مَسْرُوراً( 9 ) [ الانشقاق : 7 ، 8 ، 9 ] .

ثم قال : بحسب الغلبة والمغلوبية نفيا لزعم من يتوهم أن بعض الأسماء يقتضي

الحساب دون البعض ، فأكد لتيقنه ، وقال سرا كبيرا لا يمكن إفشاؤه ، وقرر ذلك أن الأسماء راجعة إلى الذات ، فالحساب وإن عسر لبعض الأسماء رجع إلى ما لا حساب فيه ، وهو الرحمة وإن كانت في صورة العذاب ؛ وذلك لأن العذاب لما كان حكمه ففيه مناسبة عقلية لأفعالهم ، وفيه من كمال الحكمة ما يلتذ به من حيث العقل ، وإن كان يتألم من حيث الطبع .

ولعل العقل يغلب عليهم في الآخرة على الطبع ، على أن تجليات أهل العذاب لا بدّ وأن تكون أسمائية ، فلا بدّ من انتهاء عذابهم بوجه من الوجوه ، وهو ما ذكرناه ، وقد صرح بذلك الشيخ محيي الدين رضي اللّه عنه ، وقد مر بحث هذه النسبة لكثرتها في الواقع ، وإن كانت نتيجته أي أثر ما وقع من الغلبة والمغلوبية قوة نسبة تلك العطايا إلى حضرة الذات ، وأورد هذه العبارة إشعارا بلزوم لزوم النتيجة للقياس الصحيح بخلاف النسبة إلى الأسماء ، فإنها غير لازمة لجواز تبدلها .

فذلك الذي عليه أورد بصيغة الحصر إشعارا بانحصار عدم الحساب في هذا القسم من بين القسمين ، ولو أورد هذه الصيغة في هذه العطايا الذاتية ؛ لأوهم وجوب الحساب فيما سواه حتى هذا القسم .

ثم علل عدم الحساب في الموضعين بقوله : “ لأن العطايا الذاتية “ ، أي : المذكورة أولا ، وما قويت نسبة إليها ، وهذا هو القسم الأخير ، لا يصدر من الفاعل ، ولا يقبل من جهة القابل إلا لمناسبة ذاتية فيهما ، وبالذات لا يزول أبدا ولا يتوقف ، لكنه يختص بالرحمة ؛ لأن نسبة الرحمة إلى الذات أسبق من نسبة الغضب ، ولما كان في القسم الأخير جهة الأسماء ظاهرة ، فأوهم أنه من جهة الذات لا حساب فيه ، ومن جهة الأسماء فيه حساب يفي ذلك بأنه لا موجب لها غير تلك المناسبة المغلوبة لا أثر لها ، فافهم “ .

قال رضي اللّه عنه : [ ومن لم يعرف هذا الأصل ، لم يعلم حقيقة قوله تعالى :وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ[ البقرة : 212 ] ،

ولا سر قوله تعالى :هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ [ص : 39 ] ، ونحو ذلك مما تكرر ذكره في الكتاب العزيز ، وفي الأحاديث النبوية أيضا مثل قوله صلى اللّه عليه وسلم : “ أنه يدخل الجنة من أمته سبعون ألفا بغير حساب

ومع كل ألف سبعون ألفا “ " 1 " .

هؤلاء أصحاب العطايا الأسمائية غير أن نسبتهم إلى حضرة الذات أقوى من نسبتهم إلى حضرة الأسماء والصفات ؛ ولهذا تبعوا أصحاب المناسبة الذاتية وشاركهم في أحوالهم ، فاعلم ذلك ] .

أي : ومن لا يعرف أن العطايا الذاتية ، وما غلبت نسبتها إلى الذات لا حساب عليها ، لم يعلم حقيقة قوله تعالى :وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ[ البقرة : 212 ]

أي : العلة الدالة عليه بطريق اللّمية .

فهذا عطاء أسمي غلب من النسبة إلى الذات بدليل أن اللّه تعالى اسم جامع للذات والصفات ، كما أن الذات عالية فيه .

وهو عال في دنوه دان في علوه ، وكذا المشيئة فوق الإرادة ، فلها نسبتها إلى الذات أيضا . ومعنى قوله : بغير حساب حصولا وتوقيتا ، ولا يعلم سر قوله تعالى :هذا عَطاؤُنا[ ص : 39 ] ،

أي : عطاء ذاتي لا يترتب عليه تكليف ولا جزاء حتى من جهة الإرشاد الذي يرد لأجله الكمل من الحق إلى الخلق ، فامنن بتعليم من شئت أو أمسكه ، فإنه بغير حساب ، فلذا أخّره .

وإنما قال : أولا حقيقة إشعارا بأنه مستقر في القلوب ؛ لتعلقه بالأسماء الظاهرة ، وثانيا وسرا إشعارا بأنه متعلق بالذات التي هي أعظم الأسرار الغيبية .

ثم قال : وفي الأحاديث النبوية أيضا أن لا حساب على هذين القسمين من العطايا ، أي المنسوبة إلى الذات وحدها وما غلب نسبتها إلى الذات .

فالقسم الأول : سبعون ألفا ، والإشارة إلى ذلك في الحديث أنهم متبوعون .

والقسم الثاني : وما أشار إليهم بقوله صلى اللّه عليه وسلم : “ ومع كل ألف سبعون ألفا “ ، هؤلاء أصحاب العطايا الأسمائية ، غير أن نسبتهم إلى الحضرة الذاتية أقوى من جهة غلبة جهة الوجوب .

...........................................................

( 1 ) رواه الترمذي ( 4 / 626 ) ، وابن ماجة ( 2 / 1433 ) ، وأحمد ( 5 / 268 ) .

( 2 ) تقدم في سابقه .

ولعل السر في العدد الأول أنهم على عدد الحجب الإلهية ، وفي الثاني أن كل ألف استتبع العدد المذكور ؛ لأن بهذا الاجتماع إلى عدد الألف تكون المناسبة في الغاية ، فتجعل أصحاب المناسبة الاسمية مع قوتها تابعة لها ، وأشار بقوله : ولهذا تبعوا أصحاب المناسبة الذاتية ، إلى أن الحكم للغالب حتى إنه شاركهم في أحوالهم كلها ؛ وذلك لأن التابع قد يبلغ بالتبعية ما لا يبلغ بالاستقلال ، فلذلك قال : فاعلم ذلك .

قال رضي اللّه عنه : [ وإذ قد ذكرنا أقسام العطايا وأحكامها ، فلنذكر أقسام القابلين لها فإنهم في أخذهم على طبقات يتعدد بحسب سؤالاتهم الاستعدادية أو الحلية أو المرتبية أو الروحانية أو الطبيعية المزاجية أو الطبيعية العرضية التي يترجم عنها لسان الطالب القابل ] .

لما فرغ عن أقسام العطايا ، أي الذاتية والأسمائية والمنسوبة إليهما وما يترتب عليهما ، ذكر أقسام القابلين لتلك الأقسام ، لكونهم في قبولها على طبقات متفاوتة ، فانقسمت العطايا بأقسامهم أيضا ، وبين رضي اللّه عنه أن طبقاتهم تتعدد بحسب سؤالاتهم .

الطبقة الأولى : السؤالات الحالية ، والحال القابلة الفائضة الاستعدادية ، إذ هو القابلية الفائضة بالفيض الأقدس على الشأن الإلهي .

الثانية : السؤالات المقدسة عن الأعيان الثابتة .

الثالثة : السؤالات المرتبة ما يعم كل مرتبة من مراتب النزول .

الرابعة : السؤالات المختصة ببعض المراتب كالروحانية ، أي المنسوبة إلى الروح ، وما يناسبه من القلب والنفس ، وكالطبيعية المزاجية المتعلقة بالبدن من حيث تركيبه من العناصر ، وكالطبيعة العرضية ، أي العارضة بحسب الدواعي الحاصلة من القوة الجسمانية .

وهذه السؤالات الناشئة من الطبيعة هي التي ترجم عنها ، أي بالألفاظ الدالة عليها بعد استقرارها في القلب بلسان الطالب ، وفيه إشعار بأن الداعي إنما يستجاب له ، إذا كان طالبا من اللّه تعالى بالمعرفة التامة والمطاوعة الكاملة القابلة ، إذ سؤال ما لا يمكن ، لا يفيد الإجابة كسؤال النبوة في هذا الزمان ، وأما السؤالات المتقدمة فليست مما يتلفظ به

أصلا ، فافهم .

قال رضي اللّه عنه : [ وعلى الجملة فأعلى مراتب القابلين في قبولهم لما يرد عليهم من فيض الحق وعطاياه ، رؤية وجه الحق في الشروط والأسباب المسماة بالوسائط ، وسلسلة الترتيب بحيث يعلم الأخذ ، ويشهد أن الوسائط السببية ليست غير تعينات الحق في المراتب الإلهية والكونية ، على اختلاف ضروبها بمعنى أنه ليس فيض الحق المقبول وبين القابل إلا نفس تعين الفيض بالقابلية المقيدة دون انضمام حكم إمكاني يقتضيه ، ويوجبه أثر مرور الفيض على مراتب الوسائط والانصباغ بأحكام إمكاناتها ] .

يعني : إن في كل قسم من الأقسام الآخذين بحسب سؤالاتهم المذكورة تفاوتا آخر ، فأعلى مراتب القابلين سواء قبله بسؤال الاستعداد أو الحال أو غيرهما في قبولهم قيد بذلك : إما بحسب السؤال قدر لما يرد عليهم من فيض الحق وحدهم ؛ لأنه في الأصل واحد ، ومن عطاياه المفصلة لذلك الفيض ، أوردهما معا ؛ ليشعر بأن رؤيتهم وجهه تعالى في الإجمال والتفصيل على نهج واحد رؤية وجه الحق في الشروط والأسباب .

والشرط ما يتوقف الشيء من غير تأثير فيه ، والسبب ما يتوقف عليه مع التأثير ذكرهما يشعر برؤية وجهه فيما يؤثر ، وما لا يؤثر المسماة بالوسائط ؛ لتوسطها بين الفيض الأول والقابل ، وبسلسلة الترتيب أي ترتيب الموجودات الفائضة في الألوهية إلى

...............................................................

( 1 ) فائدة : قال سيدنا الشعراني : أن الحق لما أحب الظهور من ذاته لذاته بمقتضى ذاته قسم صفات ذاته قسمين من غير تعدد في العين ، فسمى أحد القسمين بالواجب والقديم والرب والفاعل ، وسمى القسم الثاني بالممكن والمحدث والعبد والمنفعل ، فأول ما ظهر من ذلك القسم الثاني محل حكمي سماه بالهيولي والقبولي .

قال الشيخ الأكبر : ولولا أن القسم الثاني عينه ونسخته لما صح العبد التخلق بالأسماء والصفات ، فأنت الحي وأنت العليم ، وأنت القدير وأنت المريد ، وأنت السميع وأنت البصير ، وأنت المتكلم ، وهذه السبعة هي أمهات الكمال وأئمة الأسماء والصفات ، وقد سميت بها ظاهرا ، وأطال في ذلك فمن وجد فهما فليوضحه ، وإلا فليضرب عليه ، وإنما أثبته لك هنا ؛ لأنه كلام مائل للتوحيد المجرد ، وقوله : فللحقيقة دقائق ، المراد بالحقيقة هنا : الحقيقة الإلهية والدقائق هي المعاني الكمالية التي هي أعيان الأسماء والصفات المظهرة لحقائقها في ذوات الموجودات على سائر النعوت والنسب والإضافات والاعتبارات ، فهي هوية شيء واحد من كل الوجوه بالذات . [ مختصر الفتوحات المكية ] تحت قيد التحقيق والطبع .

الإنسانية .

وذكر هذين الاسمين ، ليشعر بعمومهما الأسباب والشرائط ، غير اختصاص الوسائط بالشرائط ؛ لأن السبب القريب واسطة بين المؤثر الحقيقي والقابل ، فكيف للبعيد ، ولاختصاص سلسلة الترتيب بالأسباب ، إذ الشرائط لم تدخل في سلسلة المؤثرات لكنها داخلة في سلسلة الموجودات المرتبة ، فيرى في الكل وجه الحق بحيث يعلم الأخذ إن كان من أهل العلم ، ويشهد إن كان من أهل العين ، إن الوسائط النسبية خاص ذكرها ؛ لأن هذه المؤثرات إذا كانت عين الحق مع ظهور استقلالها ، لا تقوم بذاته ، فغير المؤثرة أولى أن لا تستقل بل تقوم ، وليستا بالحق غير تعينات الحق في المراتب الإلهية كالأسماء والصفات ، والكونية كالنار والماء في الإحراق والإغراق على اختلاف ضروب الأسباب والشرائط ، ذكر ذلك ليشعر أن خسّة بعضها ، لا يوجب كونه غير تعينه لعلو جنابه ، أو لا يقال لو كان الكل تعيناته لتساوت بأن تقاربت ، فهذا التفاوت إنما هو من النسب والاعتبارات ، وكونها عين تعينات الحق ، يتوقف على مقدمتين :

الأولى : أنه ليس شيء بين فيض الحق المعنوي الأول قيد به ؛ لأنه المحجوب يتوهم أن بينه وبين القابل المحسوس وسائط كثيرة هي غير ذلك الفيض ، ولا يتوهم بين الفيض الحسي وبين القابل واسطة ، ولو لم يذكره ربما يتوهم أن المراد هو الفيض الحسي ، فلا يتم التقريب من أن الوسائط عين الفيض المعنوي ، وبين القابل من الأمور الحسية إلا نفس تعين الفيض الأول بالقابلة المقيدة بمرتبة إلهية أو كونية ، ولا ينضم إلى ذلك الفيض المعنوي حكم إمكاني حتى يكون المجموع من الفيض والحكم واسطة بين الفيض المعنوي والقابل ، وذلك الحكم الإمكاني هو الذي يقتضيه ويوجبه .

إنما ذكر هما ؛ ليعلم أنه سواء كان بالاختيار أو الإيجاب ، أثر مرور الفيض على مراتب الوسائط ، وإنما ذكر الأثر ؛ لئلا يتوهم كون المرور يوجب حكما إمكانيّا في الفيض وإن لم يؤثر فيه ، وليس كذلك ؛ لأن حكم الشيء هو الأثر الثابت ، وذلك الأثر هو انصباغ الفيض بأحكام إمكانات الوسائط ، ويدل على أن الفيض لم ينضم إليه أحكام إمكانات الوسائط التي مرّ عليها ؛ لأن أحكام إمكانات الوسائط قائمة بالوسائط ، والعرض الواحد لا يقوم بسببين .

نعم حصل لذلك الفيض بالمرور عليها تعين ، فالوسائط تعينات الفيض ، هذه مقدمة والأخرى أن تعينات الفيض هي تعينات الحق وبيانها ،

بما قال الشيخ رضي اللّه عنه : [ويرى الفيض أنه تجلّ من تجليات باطن الحق ، فإن تعددات التعينات التي لحقته ، هي أحكام الاسم الظاهر من حيث أن ظاهر الحق مجلي لباطنه ، فأحكام الظهور تعدد مطلق وحدة البطون ، وتلك الأحكام هي المسماة بالقوابل ، وهي صور الشؤون ليس غيرها ، فافهم واللّه يقول الحق ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم] .

بيان لكون تعينات الفيض ، هي تعينات الحق ، بأن يرى الفيض تجليا من تجليات باطن الحق ، قيد بذلك ؛ لأن له تجليات كثيرة من جهة الظاهر ، ويدل على كونه من تجليات الباطن ، أنه لحقه التعدد ، فإن الفيض يتكثر بتكثر القوابل ، والتعددات من أحكام الاسم الظاهر ، فالفيض هو الاسم الظاهر ، والفيض تجلّ من تجليات الحق بالحق ، من حيث أنه ظاهر الحق مجلي لباطنه بأحكام الظهور بعدد مطلق وحدة البطون إلى الوحدة التي كانت للباطن ، وهذه مطلقة لا في مقابلة الكثرة ، بل مشتملة على الكثرة .

فأحكام الاسم الظاهر أظهرت تلك بالكثرة منها ، وتلك الأحكام الاسم الظاهر هي المسماة بالقوابل وهي الأعيان الثابتة ، والأعيان الثابتة صور شؤون الحق ، فتلك الأحكام في الاسم الظاهر ، صور شؤون الحق التي هي أحكام الاسم الباطن ، وصور الشيء تعيناته فهي تعينات الحق ، فالوسائط هي عين تعيناته ، وليس غيرها بطريق الأولى ، فافهم .

هذا هو ما يمكن استنباطه من العبارة الدالة على التوحيد على وجه الكشف ، واللّه يقول الحق الذي هو عين التوحيد الذي لا كثرة فيه أصلا ، وإلا فالعبارة لا بدّ وأن تدل على التوحيد الذي هو المصدر والموحد اسم الفاعل والموحد اسم المفعول وعلى المبتدأ والخبر ، ويهدي من يشاء من عباده إلى صراط مستقيم من التوحيد الذوقي الذي لا يمكن العبارة عنه ، وإنما يقابله بالمشيئة ؛ لأنه فوق الإرادة ولعله محض الهداية ، أي لا مدخل فيها للكسب ، إذ لا مدخل للأدلة العقلية والنقلية هناك ، وجعله الصراط المستقيم ؛ لأن ما دونه لا يخلو عن دعوى مشاركة مع اللّه تعالى عما يشركون .



 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!