موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص

للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

وهو شرح لكتاب النصوص للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

النص الثاني عشر

 

 


قال رضي اللّه عنه : [ نص شريف ] لما ذكر في النص السابق : الأتم معرفته تكون الإجابة إليه أسرع ، شرع في بيان كمال المعرفة ، وبيّن فيها أيضا كمال الإنسان أن يكون مظهر الحق على

نحو ما يعلم نفسه بنفسه في نفسه ، وأنه يكون مرآة لما يريد الحق بالإرادة الأولى الكلية ، وما يترتب على ذلك مع بيان كيفيتها ، وهي أمور عظيمة ، فلهذا عبر عنه بأنه نص شريف .

قال رضي اللّه عنه : [ اعلم أن أعلى درجات العلم بالشيء أي شيء كان وبالنسبة إلى أي عالم كان ، وسواء كان المعلوم شيئا واحدا أو أشياء ، إنما تحصل بالاتحاد بالمعلوم وعدم مغايرة العالم له ؛ لأن سبب الجهل بالشيء المانع من كمال إدراكه ، ليس غير غلبة حكم ما به يمتاز كل واحد منهما عن الآخر ، فإن ذلك بعد معنوي والبعد حيث كان مانع من كمال إدراك العبد البعيد وتفاوت درجات العلم بالشيء بمقدار تفاوت غلبة حكم ما به يتحد العالم بالمعلوم ، وأنه القرب الحقيقي الرافع للفصل الذي هو البعد الحقيقي المشار إليه بأحكام ما به المباينة والامتياز ] .

الفرق بين هذا ، وبين ما تقدم في التفريع الثالث من تفاريع النصوص الأول ، أن المذكور ثمة بيان كمال الإحاطة بالشيء وأنه محال ، وهنا بيان سبب العلم ، وكيف تحصيله إلى حد ليس فوقه إمكان إدراك . أي إنما يحصل أعلى درجات العلم بالشيء حتى لو كان المعلوم به تعالى ؛ لأجاب من توجه إليه في دعوته ، لكنه أي : شيء كان من الحق أو الخلق ، وبالنسبة إلى أي عالم من الحق أو الخلق ، وسواء كان شيئا واحدا بالذات كالبسائط أو بالعرض كالمركبات أو أشياء كثيرة من حيث هي كثيرة ، فهذه ثمانية أقسام : أن يعلم الحق نفسه وحدها ، أو مع العالم ، أو شخصا من العالم وحده . أن مع غيره من العالم .

أو يعلم أحد من الخلق الحق وحده ، أو مع العالم ، أو نفسه وحدها . أو مع آخر من العالم بالاتحاد بالمعلوم وعدم مغايرة العالم له . وهذا في الأول والسابع ظاهر ، وأما في بقية الأقسام ؛ فلأن المعلوم لا بدّ وأن يحصل للعالم مثاله وينتقش في مرآة علمه صورة بحيث لا يتميز غير المرآة في رأي العين ، وهذا هو المراد بالاتحاد ، على أن كل شيء متحد بالكل من حيث الإطلاق ، وهو الغاية في التجرد كمال علمه ، إذ لا مغايرة في مقام الإطلاق .

ثم استدل على ذلك بأن سبب الجهل إنما احتاج إلى السبب ؛ لأنه عارض بالنسبة إلى الوجود ؛ لأنه يستلزم صفة العلم على ما مر ، فلهذا فسره بالمانع من كمال الإدراك ، ولم يجعله مانعا من نفس الإدراك ؛ لأن كل شيء مدرك بوجه من الوجوه كالشيئية والوجودية ، وذلك من آثار الاتحاد في الإطلاق الأصلي ، وليس ذلك السبب غير غلبة

حكم ما به يمتاز كل واحد من العالم والمعلوم عن الآخر .

ولما أوهم هذا النوع مصادرة على المطلوب ، نية بأنه بعد معنوي ، فيوجب الجهل ؛ لأن البعد حيث كان أي : سواء كان في الأمور الحسية أو المعنوية مانع من كمال إدراك البعيد ؛ إذ لا يعرف معه جميع عوارضه من الكيفيات والمقادير .

هذا في البعد الحسي ظاهر ، وأما في المعنوي ، فبطريق القياس المسمى بالتمثيل في الظاهر وبطريق التحقيق في الحقيقة ، أن البعد المعنوي موجب لعدم حصول أمثال المعلوم للعالم على الكمال ، كما أن البعد الحسي مانع من تمثيل المرئي في حاسة الرائي على الكمال ، وإذا علم أن البعد سبب الجهل ، فالقرب سبب العلم . ولما كانا أمرين إضافيين غير متحدين بل مختلفين اختلافا غير منضبط ، فلهما درجات تفاوت درجات العلم بالشيء والجهل به من حيث الإحاطة بمقدار تفاوت غلبة حكم ما به يتحد العالم بالمعلوم .

وسمي رضي اللّه عنه حكم ما به الاتحاد بالقرب الحقيقي ؛ لأن القرب في المسافة والزمان والصفات قرب بالواسطة ، وهنا لا واسطة وإذا كان قربا حقيقيّا ، كان رافعا للفصل ، أي الفرق والمباينة الذي هو البعد الحقيقي أعم من الحسي والمعنوي ، والبعد الحقيقي هو المشار إليه بأحكام ما به المباينة والامتياز ، وقد أوهم كلامه الأول اختصاصه بالمعنوي ، لكن ذلك الوهم مرتفع بأنه رضي اللّه عنه قصد أولا ، أن البعد المعنوي مانع من كمال الإدراك بالقياس على الحسي ، ثم بيّن بالدليل على أن البعد حسيّا أو معنويّا ، مانع فسمي جميع أحكام المباينة والامتياز بالبعد الحقيقي ، بمعنى أن فيه حقيقة البعد ، فافهم .

قال رضي اللّه عنه : [ وإذا شهدت هذا الأمر وذقته بكشف محقق علمت أن سبب كمال علم الحق بالأشياء إنما هو من أجل استجلائه إياها في نفسه ، واستهلاك كثرتها وغيريتها في وحدته ، فإن كينونية كل شيء في أي شيء كان ، سواء كان المحل صوريّا أو معنويّا ، إنما يكون ويظهر بحسب ما تعين وظهر فيه ، ولهذا نقول : الحق علم نفسه بنفسه ، وعلم الأشياء في نفسه بعين علمه بنفسه ] .

أي : إذا شهدت بالبصيرة الباطنة المفيدة للوجدان الذي هو ذوق ، بكشف محقق الذي يجعله بديهيّا أن أعلى درجات العلم للشيء بالنسبة إلى كل عالم ، إنما هو بالاتحاد بالمعلوم .

قيد حصوله بالشهود المذكور ؛ لأن الدليل السابق إنما يدل على اعتبار القرب في الجملة ؛ لأن القرب الحقيقي ، إنما يوجد بالكشف والذوق ، وقيد الكشف بالمحقق ؛ لأن الصورة لا تدل على ذلك ، إذ لا صورة بهذا القرب حتى يكون لها مثال ، بل هذا القرب يكون وراء طور العقل علمت أن سبب كمال علم الحق بالأشياء مع أنها كثيرة ممكنة وعلمه واحد واجب ، إنما هو من أجل استجلائه إياه ، أي : إظهاره في نفسه بحسب تعيناته بحيث مرآتها ، والمرآة متحدة بالمرئي ، وإذا اتحدت بمرآته استهلاك كثرتها وغيريتها في وحدته الوجودية ، فصارت واحدة واجبة .

ولهذا قيل : الوحدة تساوق الوجود ، وكل ممكن محفوف بوجوبين : سابق ولا حق ، وإنما استهلك كثرتها وغيريتها في وحدة الحق إذا أتت في علمه مع أن حقائقها على الكثرة ، والإمكان الموجب للغير ؛ لأن كون كل شيء في شيء بحسب محله لا بحسب نفسه ، سواء كان المحل معنويّا كالعلم أو صوريّا ، كالمرايا المتعارفة يكون تعينه وظهوره بحسب المحل الذي تعين فيه فظهر فيه . فالأشياء لما ظهرت في علم الحق ، كان ظهوره على الوحدة والوجوب .

ولما ظهر الوجود في الحقائق ، كان ظهوره على الكثرة والإمكان ، وإنما كانت الأشياء على الوحدة والوجوب في علم الحق ؛ لكونه في غاية الوحدة حتى اتحد فيه المعلوم والعالم والعلم . ولهذا القول علم الحق نفسه بنفسه بعلم نفسه ، لا بمثال زائد ، ولا بمغايرة العالم للمعلوم ، وذلك كمال علمه بالأشياء باعتبار علمه بنفسه باستجلائه إياها فيه ، فافهم .

قال رضي اللّه عنه : [ ولما ورد الإخبار الإلهي بأن اللّه تعالى : كان ولم يكن معه شيء انتفت غيرية الأشياء بالنسبة إلى الوحدة التي هي محلها العيني ، وثبتت أولية الحق من حيث الوحدة ] .

استدلال على وجوب الأشياء ، وعدم غيريتها للحق باعتبار انتقاشها في العلم الأزلي بالإخبار النبوي الذي هو وجود إلهي لقوله تعالى : إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [ النجم : 4 ] ، لكنه وحى خفي ب : إن اللّه كان ولم يكن معه شيء مع أن حقائق الأشياء كانت في علمه بالإجماع ، فلا بد من تأويله بأنه ، لم يكن معه شيء يغايره ، فانتفت غيرية

الأشياء بالنسبة إلى الوحدة التي هي ، أو هو محل لكون الأشياء بالنسبة إلى الوحدة التي هي أو هو محل ؛ لكون الأشياء عين الحق والنسبة العلمية متعلقة به .

ومن هنا ثبتت أولية الحق للأشياء ، بمعنى أنها كانت حقّا أولا ، وأن الحق أولها من حيث الوحدة التي للأشياء ، وإلا فمن حيث كثرة حقائقها لم تكن حقّا ، ولا الحق أولها ، وهي كثيرة مع وحدته ، لما يذكر بعد من أن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد ، لكن الأشياء من حيث الوجود العام واحد ، فالحق أولها ، فافهم .

قال رضي اللّه عنه : [ وبامتياز كثرة الأشياء المتعلقة ثانيا الكامنة من قبل في ضمن الوحدة والجمع بينهما وبين الوحدة بالفعل ، ظهر الكمال المستجن في الوحدة أولا ، فانفتح بذلك باب كمال الجلاء والاستجلاء الذي هو المطلوب الحقيقي ، وظهرت أحكام الوحدة في الكثرة ، والكثرة في الوحدة ] .

بيان كمال علمه تعالى التفصيلي بالأشياء الكثيرة ، أي لما كانت الأشياء كامنة في ضمن الوحدة المذكورة التي هي التعين الأول ، ولها كثرة اعتبارية من حيث تعلق العلم الذاتي بها ، صارت متعلقة ثانيا من حيث الكثرة ، والتعقل بهذه الحيثية يقتضي امتياز تلك الأشياء بعضها من بعض ، فاجتمع هذا الامتياز مع الوحدة الحقيقية في العلم الذاتي بالفعل ، فبهذا الجمع ظهر الكمال الذي كان للوجود مستجنّا في الوحدة ، وهو الكمال الأسمائي ، ولا يظهر إلا في المظاهر ،

فانفتح بذلك الجمع باب كمال الجلاء ، وهو ظهور الذات المقدسة لذاته في ذاته ،

وكمال الاستجلاء ظهورها لذاته في تعيناته ، أي اجتمع له الظهوران معا ، والجمع بين الظهورين مطلوب حقيقي للذات ؛ إذ قال : “ كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن أعرف “ ، وظهرت عند ذلك أحكام من الصفات الوجوبية في الكثرة ، أو صارت بالفعل ، فاتصفت بالوجود بالفعل لا يكون بلا وجوبين ، سابق ولا حق على ما تقرر في الحكمة وظهرت أحكام الكثرة من الصفات الإمكانية في الوحدة ؛

لأنها لما تعلقت بالكثرة ، فظهرت في مراياها انصبغت بصبغتها ، فاتصفت الوحدة بصفاتها ، فيما يلوح للناظرين ، وهي في الواقع صفات الكثرة ، وكانت أيضا في الوحدة من حيث اشتمالها على الكثرة .

.......................................

( 1 ) تقدم تخريجه .

قال رضي اللّه عنه : [ فوحدت الوحدة الكثرة ؛ لكونها صارت قدرا مشتركا بين المتكثرات المتميزة بالذات بعضها عن بعض ، فوصلت فصولها ؛ لأنها جمعت بذاتها كما ذكرنا ، وعددت المتكثرات الواحد من حيث التعينات التي هي سبب تنوعات ظهور الواحد بالصبغ والإصباغ ، والكيفيات المختلفة التي اقتضتها اختلافات استعدادات المتكثرات القابلة للتجلي الواحد فيها ] .

أي : لما ظهرت أحكام الوحدة في الكثرة ، جعلت الوحدة الكثرة أيضا واحدة ، لشمول الوحدة جميع أفرادها شمول الكلي على جزئياته .ففي كلّ شيء له آية * تدلّ على أنّه واحدوذلك لكون الوحدة صارت عند اتصاف أفراد الكثرة بها قدرا مشتركا بين المتكثرات التي هي أفراد الكثرة ، فلا تتميز من حيث الوحدة ، بل إنما يتميز بعضها عن بعض بذواتها وماهياتها ويتميز ذواتها أيضا ،

وتميز ذواتها ليست بمجرد أنها ذوات ، لجواز تشاركها ، بل بفصول مميز لها عرضت لأجناسها ، وهي وجودية لتقويمها الأجناس ، فهي من حيث الحقيقة عين الوحدة التي هي الوجود ، فوصلت الوحدة فصول الكثرة ؛ لأن الوحدة جامعة بذاتها ذوات الكثرة ؛ لأنها شؤون الوحدة ، كما ذكرنا .

فالعلم بالكثرة الفعلية كمال من حيث تعلق أحكام الوحدة بها ، وأما من جهة الكثرة نفسها فلا ؛ لأنه لما ظهرت أحكام الكثرة في الوحدة ، جعلت المتكثرات الوحدة الظاهرة فيها متعددة بحسب تعينات عرضت للوحدة بالنسبة إلى ظهورها في الكثرة ، فصارت التعينات سبب تنوعات ظهور الواحد بحسب الظاهر بصبغ للمظهر الظاهر بلون أحكام الإمكان ، وانصباغ الظاهر يظهر بلون أحكام الوجوب ،

فحصلت كيفيات مختلفة بحسب اختلاف استعدادات في ماهيات المتكثرات التي كلها قابلة للتجلي الواحد الذاتي ، فتكثر الواحد بحسب هذه الاختلافات منصبغا بصبغها تكثر صور الوجه الواحد في المرايا المختلفة ، وانصباغ الزجاجات المختلفة الألوان بنور الشمس ، وانصباغ نوره المنعكس في ذاتها بألوانها ، فيعلم هذه الصور من حيث أنها متحدة بصورة في الحقيقة ، مخالفة لها بهيئات بحسب استعدادات المظاهر ، فهاهنا يتجدد نسبة لعلمه إلى تلك الهيئات لا تجددا زمنيّا ، بل بحسب الرتبة من حيث أن هذه الصور تابعة لصورته الأصلية المعلومة

بالذات .

كما قال رضي اللّه عنه : [ فتجددت معرفة أنواع الظهورات والأحكام اللازمة لها التي هي عبارة عن تأثير بعضها في البعض بالإبرام والنقض ظاهرا وباطنا ، علوّا وسفلا ، مؤقتا وغير مؤقت ، مناسبا وغير مناسب . كل ذلك بالاتصال الحاصل بينها بالتجلي الوجودي الوجداني الجامع شملها كما ذكرنا ] .

أي : لما عددت المتكثرات الواحد بنوع ظهوراته في تعيناته مختلفة الاستعدادات ، اختلفت صور الواحد ، وبحسب ذلك تجددت ، أي ترتبت ترتبا طبيعيّا على معرفة الوحدة معرفة أنواع ظهورات الواحد ، لاتحاد الظاهر بالمظهر من حيث الوجود والظاهر صورة المظهر اسم الفاعل ، وهي بالحقيقة عينه ، وغيريتها من حيث أنها مثاله ، فأوجبت ترتب معرفتها على معرفة الوحدة الذاتية ، ولما كانت لهذه الظهورات أحكام لازمة من كون بعضها مؤثرا في البعض بالإبرام ، كتأثير المطر في إنبات الزرع والنقص ، كتأثير النار في إحراق الحطب ظاهرا ،

كما ذكرنا وباطنا كتأثير المقدمتين الموجبتين في إيجاب النتيجة ، وتأثير مقدمتين أحدهما سالبة في سلبها علوّا كتأثير العقول في النفوس ، وتأثير هما فيما دونهما إبراما ونقضا وسفلا كتأثير العناصر بعضها في بعض بالكون والفساد ، ومؤقتا كتأثير العقول في العناصر ، وتأثير العناصر بعضها في بعض ، وغير مؤقت كتأثير العقول في النفوس مناسبا ، كتأثير الأعمال الصالحة في إفادة السعادة ، وغير مناسب ، كتأثير الأعمال الفاسدة في إفادة الشقاوة والعذاب .

فهذه كلها علوم مختلفة متجددة أي : مترتبة على الحكم بالوحدة وبالاتصال الحاصل بين تلك الأمور ، وإن كان بينها تضاد بالتجلي الوجودي الوحداني المشترك بينها الجامع شملها في علم أزلي أبدي مع تغير النسب التي بينه ، وبين هذه الأشياء من حيث تضادها ، فافهم .

قال المصنف في العظيم رضي اللّه عنه : [ فالعلم والنعيم والسعادة على اختلاف ضروب الجميع ، إنما هو بحسب المناسبة والجهل والعذاب والشقاء بحسب قوة أحكام المباينة والامتياز ، وأما امتزاج أحكام ما به الاتحاد وأحكام ما به الامتياز ، فأبدى السلطنة ومحتد كل جملة من تلك الأحكام بضروب ما من المناسبة ، ومرجعها من حيث الإضافة ،

ومستندها هو المسمى بمرتبة ، فافهم ] .

أي : إذا كانت أعلى درجات العلم بالشيء الاتحاد بالمعلوم ، فمطلق العلم على اختلاف ضروبه ، وما يناسبه من النعيم والسعادة على اختلاف ضروبها بحسب المناسبة التي هي نوع اتحاد بين العالم والمعلوم ، وبين المتنعم والمتنعم به والسعيد وما يسعد به ، والمعرفة والإيمان والأخلاق والأعمال الصالحة لتحصل تلك المناسبة ، ولزم من عكسه كون الجهل والعذاب والشقاء بحسب قوة أحكام المباينة ، والامتياز بين الجاهل والمجهول والمتعذب وما يتعذب به ، والشقي وما يشقى به ، والامتناع عن الكفر والأخلاق الرديئة والمعاصي ؛ لئلا تغلب أحكام المباينة ، والامتياز بين العبد وبين ما يتعذب ويتنعم به .

وإنما أوجب قوة أحكام المباينة ذلك ؛ لأنها مقابلة لأحكام المناسبة ، فتعمل ما يقابل عملها ، فلو ضعفت ، ثم تقابل المناسبة الأصلية من حيث اتحاد الكل بالوجود ، وأما امتزاج أحكام ما به الاتحاد من الأوصاف الوجوبية ، وأحكام ما به المباينة من الأوصاف الإمكانية بحيث يكونان على استواء أو يتقاربان ،

فأبدي السلطنة ما دام موجودا ، فمن امتزجا فيه ، فهو عالم سعيد ، متنعم من وجه دون وجه ، كأهل جنة الأفعال سعداء حيث نجوا عن النار ، أشقياء بالنسبة إلى أهل الجنة الصفات والذات .

وأما الذي يدخل النار أولا ، ثم الجنة فمن غلبة أحكام المباينة عليه أولا ، ثم غلبة أحكام الاتحاد ؛ وذلك لأن قوة الإيمان كانت بأرواحهم ، وقوة الأعمال الرديئة بظواهرهم ، وما على الظاهر يمكن زواله ، بخلاف ما على الباطل .

ويمكن أن يقال : الجهل والعذاب والشقاء بحسب قوة أحكام المباينة والامتياز لا غير ، فإنها إذا لم تقو فلا أثر لها في مقابلة المناسبة الأصلية ، ثم نفي ما يتوهم من الاتحاد أنه لا يكون معه من أحكام ما به المباينة والامتياز ، أصل فعال ، بل الأمران دائمان بعد الظهور ، فهو من حيث الوجوب حق واجب واحد في الكل دائما ومن حيث التعينات والصفات الممكنة خلق دائما .

ثم ذكر أن محتد ، أي : أصل كل جملة من أحكام ما به الاتحاد ، وأحكام ما به المباينة والامتياز ، بضرب ما من المناسبة مع الوحدة الحقيقية هو المسمى بالمرتبة ، فلذلك علمها الحق سبحانه وتعالى علما كاملا ، فأثرت تلك المناسبة من جهته عزّ وجلّ فيهم ؛ لأنها أصلية ولم

تؤثر مناسبتهم في تحصيل ذلك العلم لهم ؛ لأنها فرعية فيهم ، فضعفت ؛ وذلك لأن المناسبة وإن كانت أمرا مشتركا ، لكنها في كل شيء بحسب مرتبته ، فلذلك كان مرجعهم من حيث الإضافة ، أي مناسبة الحق للخلق أو مناسبة الخلق للحق هو المسمى بالمرتبة ، فأثرها في رتبة الحق الذي وحدته أصلية أعلى من أثرها في مرتبة الخلق الذي وحدته عارضة باعتبار الوجود .

ولولا اعتبار هذا التفاوت ، لتساوى العلمان بوجود المناسبة المشتركة بين العالمين الحق والخلق ، فافهم .

قال رضي اللّه عنه : [ ولما شرعت في كتابة هذا النص ، قيل لي في باطني في أثناء الكتابة الأحكام المضافة إلى الوحدة والواحد الحق والمعبر عنها بأحكام الوجوب ، أصلها من حيث الوحدة ، حكم واحد هو حقيقة القضاء والمقادير أثر تعددات المعلومات لذلك الحكم الواحد ، وظهور الوجود بموجب تلك التعديدات تأثرا أولا ، وتأثيرا ثانيا في المعدودات بإعادة أثرها عليها ، فاعلم ذلك وتدبر غريب ما نبهت عليه تفز بالعلم العزيز ، واللّه المرشد ] .

زيادة بيان لكمال العلم الإلهي إجمالا وتفصيلا ، مع بيان أن الأول هو المسمى بالقضاء ، والثاني بالقدر مع شمول الذات للكل ؛ وذلك لأن الأحكام المضافة إلى الوحدة التي هي التعين الأول والواحد ، الذي هو التعين الثاني أعني مرتبة الألوهية ، وهي الأحكام المعبر عنها بأحكام الوجوب ، وأصل جميع تلك الأحكام من حيث الوحدة حكم واحد ، هو حقيقة القضاء ، وهو العلم الإلهي بذاته في ذاته ، ولا تعدد لها في مرتبة التعين الأول بالفعل ، فالاتحاد بالمعلومات هناك أشد ؛ ولذلك وجب الرضا به ، والمقادير وقوع كل معلوم منها بقدره زمانا ومكانا ، واكتنافا لسائر العوارض أثر تعديدات تلك المعلومات التي اشتملت عليها تلك الوحدة بالقوة لذلك الحكم الواحد من حيث تعلقه لها بعد تعلقه بالذات الشاملة عليها ، وذلك الأثر طلب كل معلوم ما يقبله بذاته أو بواسطة أمر آخر ، والاتحاد هاهنا دون الأول ، وهو العلم التفصيلي محل القدر .

ثم ظهور وجود الواحد الحق من حيث أسماؤه على تلك المعلومات بموجب تلك التعديدات تأثيرا في المراتب العالية من العقول والنفوس ، وتأثيرا ثانيا فيما دونها من

الأجسام والجسمانيات ، إنما يكون في تلك المعدودات بإعادة آثارها التي هي عليها حال ثبوت أعيانها ، فكمل العلم الأزلي بها أيضا من حيث أنها لا تغاير ما في محل القدر ، مع أنها متحدة بالوجود الواحد من وجه ، وإن اعتبر معها تلك الآثار ، فإنها عين تلك المعلومات أيضا ، إذ هي معادة لا مستقلة من كل وجه .

فاعلم ذلك ، هو علم غريب لا يوجد في الكتب ، وفيه معرفة القضاء والقدر على وجه ما لم يسبق إليها ، واللّه المرشد إلى تحقيق أمثال هذه العلوم التي لا تنالها الأفكار ، ولا تدركها الأبصار .



 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!