The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص

للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

وهو شرح لكتاب النصوص للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

الفصل الثاني في البراهين العقلية على وجود الواجب

 

 


اعلم أن جمهور العارفين اقتصروا على الأدلة الكشفية ، أي الضرورية الوجدانية ؛ لرفع الحجب الظلمانية ، وبالمجاهدة التي مقدمة الهداية في قوله عزّ وجل : وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا [ العنكبوت : 69 ] ، وبالتقوى : وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ [ البقرة : 282 ] ، وبكمال التوجه إلى اللّه تعالى ، ولم يرتبوا المقدمات النظرية ؛ لما أنها توقع أهلها في الحيرة المذمومة بإثارة الشبهات المظلمة ؛ إلا من عصمه اللّه بالقوة القدسية والملكات الملكية ، المؤيدة للقوة الحدسية ؛ إلا أن العامة لما بالغوا في الإنكار عليها ، وزعموا أن فيها القطع ببطلان جميع الأحكام - العقلية والحسية والفطرية الغريزية - عقيب المجاهدات الجزافية ؛ فمنشأها استحكام سوء المزاج في موضوعات القوة النفسانية ، وإحراق المواد الصالحة المثيرة للوساوس الخيالية ، واستيلاء المرّة السوداوية ، وغلبة الجنون والمياليخوليا ،

وكان ذلك موقعا لهم في الشرك الخفي ، وسببا لخوف سوء الخاتمة ، كما نقله الغزالي عن بعض العارفين ، ودل الحديث النبوي على أنهم أهل العزة باللّه ؛ وجب إيراد تلك المقدمات ورفع ما يستدرجهم من الشبهات ؛ لعلهم يقفون عن الإنكار ، أو ينقلبون إلى الإبصار .

فنقول : هاهنا مقامان : أحدهما في تحقق الوجود المطلق ، والثاني وجوبه بالذات .

المقام الأول :

اعلم أن تحقق الوجود عن الأفكار أظهر من تحقق النور الحسي عند الإبصار ؛ لكن شدة ظهوره عكست فيه الأمر إلى ضده ، كما أن نور الشمس لما بلغ غاية الإشراق ؛ ظن بعض الخلائق أنه ليس وراء الألوان شيء وراءه ؛ لكن غروب الشمس ظل ضروريا بين محل الظل وموقع الضياء ، وليس كذلك الوجود الذي هو نور الأنوار ؛ لدوام حضوره مع الأشياء على نسق واحد ، فأنكر كثير من مهرة النظار تحققه في الخارج ، وزعموا أن ليس فيه إلا الماهيات ، وإنما هو من المعقولات الثانية والاعتبارات العقلية المحضة ، وكل ذلك لكون النهاية تشبه البداية ؛ لا متناع التحقق ورائها وامتناعه دونها ، والامتناعان يتحدان في تحققه ويختلفان في النسبة ، فلم يكن بد من كشف ما اشتبه عليهم .

فنقول : لا شك أن لكل ماهية وجدت تحققا مطلقا ، فالتحقق إما عينه أو جزؤه ، فظاهر ؛ لأنه لا يكون مجرد أمر اعتباري ، وإما زائد ، فلا شك أن قوام التحقق المقيد ضرورة أن الضد وصف لا يقوم بذاته ، فأما أن يقوم بالتحقق المطلق أو المقيد والثاني بين البطلان ؛ فتعيّن الأول وما به قوام المحقق أولى بأن يكون محققا ، وإن كان القيد اعتباريا فالمتحقق هو المطلق ، وإن كان منع ثبوت التحقق للماهية ؛ كانت الخارجية عين الذهنية ؛ إذ الذهني أولى بأن يكون اعتباريا . على أن التحقق لو كان اعتباريا ؛ فالكل اعتباري ، حتى المعتبر على أن ثبوته مدرك بالضرورة ، فمنعه مكابرة . قيل لو ثبت لكل ماهية تحقق لكان لنسبته إليها تحقق ، وبينها نسبة محققة وتسلسل .

قلنا : إن لم تكن موجودة ، فظاهر وإن كانت ، فالنسبة الثانية عين حصوله لها .

قيل : إن ثبت لها فصفة لا تستقل ، وإلا تتأخر لثبوتها ، فلا يثبت لها ، ثم أن يكون كيفية يتقدم عليها محلها ويصير أعم منه ؛ على أنه حين إذ يقوم بها فيفتقر إليها .

قلنا : ما ليس بجوهر قد لا يكون عرضا ، والكيفية عرض ، فليس معنى القيام الافتقار ، فإن الصورة لا تفتقر إلى الهيولي .

قيل : تحقق الحادث المعدوم الآن ليس بحاصل ؛ وإلا تحقق حين لا تحقق له ، فإذا حصل يقال حصل تحققه بعد ما لم يكن ، فالتحقق من حيث هو غير حاصل .

قلنا : ليس بحاصلة ، وهي حاصلة لنفسه ، والإلزام سلب الشيء عن نفسه ، والحاصل بعد ما لم تكن مقارنته .

قيل : تحقق الماهية ثابتة ، فلو ثبت المطلق تعدد في ما وجد ، وفيه تحصيل الحاصل .

قلنا : إن أريد بتحقق الماهية امتيازها ؛ فظاهر أن التحقق واحد ، وإن أريد موجوداتها ؛ فهي للماهية بالوجود ، وله بنفسه ؛ على أن التكرار إنما هو بالنسبة إلى أمر واحد ، وهنا أمران .

قيل : يصدق على الاعتبارين ، ويمتنع كونها جزئيات جزئيات الحقيقي .

قلنا : إذا كان في الخارج والصادق عليهما وهمي .

قيل : لو كان حقيقيّا تكثر الواحد ؛ لأن تحقق الشيء في نفسه غير تحققه في مكانه أو زمانه أو حاله .

قلنا : ممنوع ، وإنما تكثر الإضافات .

قيل : لو تعين بنفسه انحصر في الواحد والكثرة مشاهدة ما هو كلي ، لا يفيد ضمّه جزئية الماهية الكلية ، فيتحقق في الخارج ، فهو كسائر الكليات الاعتبارية ، فلا بدّ لتحققها من انضمام التعين أو ملزومها إليها ، فهو الوجود العيني لها ، والتعين اعتباري ؛ لأنه انضمام المشخص وهو ذهني ؛ إذ لو كان خارجيّا لم يضم إلى الماهية الذهنية الكلية في الخارج ، وكذا ملزومه ؛ لأن الاعتباري لا يلزم الحقيقي ، وإلا امتنع تحققه بدون اعتباره ، والحقيقي متحقق بدون المعتبر .

قلنا : متعين بنفسه ، والتكثر إنما هو للماهيات وتعينها ؛ إما بنفسها بشرط اتصافها بالوجود ، أو بأسباب خارجية ، وإن لم يتعين بنفسه ؛ فيجوز أن يكون العيني لها طبيعة متعينة ، أو من حيث هي من الكلي والجزئي ، لا نفس التعين ولا ملزومه .

المقام الثاني :

فيه طرق : الطريق الأول : إن الوجود المشترك بالمعنى بين كل موجود بالذات لا يقبل العدم ، فمطلقه المحيط واجب .

أما الاشتراك فيه فبديهي ، ولو عند تصوره بالوجه أو بالفكر ؛ لكن لغاية وضوحه اشتبه أمره ، فجعل عين الماهيات ، فتنبه بأنه يبقى اعتقاد الوجود مع زوال اعتقاد الخصوصيات .

قيل : يزول اعتقاد وجود خصوصية بوجود أخرى ، فأين يبقى المشترك بينهما ؟

قلنا : نحن نجد أن متعلق اعتقاد الباقي هو معنى الوجود - وإن لم يوضع له لفظ قط .

قيل : لا يزول اعتقاد وجود الشيء لو اعتقد أنه نفس الوجود ، ثم أنه جوهر ، ثم أنه عرض فلا ، فللوجود وجود ويتسلسل .

قلنا : الوجود عينه في الحقيقة ، غيره بالاعتبار ، وينقطع التسلسل بقطعه ، وكونه زائدا في صورة ، لا يستلزم زيادته في أخرى .

قيل : فيشترك بين نفسه وغيره .

قلنا : يلغي المغايرة الاعتبارية ، وأيضا أن الوجود ينقسم إلى واجب وممكن ، والمورد مشترك . قيل : الاشتراك لفظي ، وجاز العالم إما ممكن أو واجب ، والمورد نفسه الماهية .

قلنا : قسمته عقلية لا تتوقف على وضع تعليليه معا ، بأن وجوده إن حصل من ذاته فواجب ، أو من غيره فممكن ، ومنع التعليل بتقدير عينية الوجود ؛ لامتناع أن يقال الهوية الخاصة إن اقتضت نفسها لذاتها فواجبة ، وإلا فممكنة ؛ إذ لا معنى له مكابرة لصحته بالضرورة ، والماهية المطلقة ، إنما تنقسم بانضمام مقسم ، فإن ضم إليها الوجود فلا بدّ من بقائه مع قسيمها ، وهو استمرار الوجود ، فاشتراكه يستلزم الوجود ، ولا ينقصان بالماهية والشخص لاشتراك مطلقيهما ، وأيضا بأن الشيء ينحصر في الموجود والمعدوم ، والعدم عام ، فكذا مقابله ، وإلا انحصر بين عام وخاص .

قيل : رفع هوية خاصة والحصر بينه وبين ثبوتها . قلنا : يفهم الجمهور العموم ، لا يقال : إن وجد الرفع العام في سائر الهويات اجتمع فيه النقيضان ؛ وإلا امتنع صدق رفع شيء غير تلك الهوية ؛ لأنا نقول : هو ، وإن كان علما بحسب الهويات ؛ لكن لا تتحقق له من حيث هو ، بل بشيء من الإضافات ، وعورضت هذه الشبهات بأدلة عينية وجود للماهيات ، فمنها إن زاد فالماهيات من حيث هي معدومة ، فيلزم اتصاف الموجود بالمعدوم .

قلنا : من حيث هي لا تتصف بهما ، بل ينضمان إليها انضمام السواد والبياض بالجسم ، ومنها أن الصفة الثبوتية للشيء فرع ثبوته في نفسه بالضرورة ، فيكون لها قبل وجودها وجود ، فيتقدم على نفسه ويتسلسل .

قلنا : الضرورة في صفة وجودية هي غير الوجود ، ومنها لو زاد لكان وجودا .

قلنا : ثبوت الشيء لنفسه ليس أمرا زائدا عليه ، وأما امتناع العدم على الوجود ، هو أيضا بديهي ؛ لكن لما ذكر نبه عليه بأن قبوله العدم إما لعروضه له فيلزم اتصاف أحد النقيضين بالآخر ، أو لا فيلزم انقلاب طبيعة إلى طبيعة أخرى ، وبطلانها ضروري .

قيل : المراد إمكان انتفائه . قلنا : امتنع إمكان كون الانتفاء ؛ لامتناع كون المحال ممكنا . قيل : لا يمتنع اتصاف أحد النقيضين بالآخر ؛ وإنما الممتنع حمل أحدهما على الآخر ، بل خارجا عنه قابلا له ولما يقابله ، فامتناع ثبوته لنفسه مع امتناع قبولها له ولمّا يقابلها ؛ أظهر وأجل ، فإنه إذا امتنع مثلا حمل الأسود على ذات الأسود القابلة للسواد ، فامتناع ثبوته لنفس الأسود أولى ؛ على أن منع استحالة اتصاف أحد النقيضين بالآخر مكابرة .

قيل : الاشتراك يستلزم العموم المنافي للوجود لا متناعه في الخارج ، ويستلزم الأفراد المنافية للتوحيد .

قلنا : ما يقال عليه ليس من الأفراد ، بل الكل واحد واجب بالذات كثير بصفات ممكنة زائدة على الذات ، فاشتراكه باعتبار إضافته إلى الماهيات ، وتعدده باعتبار ظهوره فيها ، فليس عاما لتحققه ضرورة تحقق الكل به ، ولا خاصّا بقيد اعتباري كالتجرد عن الماهية ؛ وإلا قبل العدم عند عدم اعتباره ، ولا يقيد وجودي ؛ لأنه إن كان كالصورة تركب الواجب ، أو كالفرض فلا يكون لازما لنفس طبيعته ؛ لامتناع تقيد الشيء به كنفسه لوجوده ؛ حيث يوجد الشيء فهو عام فيعم القيد أيضا ، فيكون مقارنا ، فيستند إلى مباين ؛ إذ لو استند إلى لازم لزم القيد ، فيكون مفارقا ، ولزم التسلسل في الأمور المترتبة بين حاصرين الذات والقيد ، والقيد المحض .

قيل : إنما لا يقبل المطلق العدم لو كان ذات المقيد ، وذلك باطل لصحة حمل المطلق عليه ، مع امتناع حمل أحد الذاتين على الأخرى ، فالحقيقة الواجبة طبيعة خاصة ملزومة للمطلق .

قلنا : هي غير معقولة ؛ لأنها إن كانت ذات أفراد ذهنية ، فلو وجد منها فرد وامتنعت الباقية وكلها ممكنة ؛ فوجوب البعض وامتناع البواقي بالغير ؛ إذ ما بالذات لا يزال بالغير ، وإن لم تكن ذات إفراد ، فإن كانت مغايرة لحقيقة الوجود المطلق ، فلا تكون موجودة وإلا تركب مع الوجود ، فهي إما في ماهية حقيقة ، فيلزم قيام الوجود الواجب بها ، وهي غيره فتحتاج إلى الغير وتكون فاعلة له ، وإلا كان وجود الواجب من غيره .

وقال أيضا : وعلة لوجوده فيتقدم عليه بالوجود ، على أنه لو جاز تأثيرها في تحققها ، جاز في تحقق العالم بلا وجود ، بأن تكون قبل الوجود علة حلولها في العقل الأول ثم لوجوده ، وكذا لما تحته من غير أن يحصل لها وجود فيسند إثبات وجود الصانع الواجب تعالى ، وجاز أيضا أن يكون ماهية كل شيء علة لوجوده من غير أن يؤثر فيه الواجب تعالى ؛ أما إذا كانت بسيطة فلأن ماهيته تعالى لما كانت بسيطة اقتضت وجودها ؛ فكذلك كل بسيط ، وأما إذا كانت مركبة ؛ فلأن ماهية الجزء والصورة والهيئة الاجتماعية يجوز كونها علة الاجتماع ، فيحصل ماهية المجموع ، وهي علة لوجود نفسها أو لوجود الأجزاء ،

وهي بشرط الإجماع فتصير علة لوجود نفسها أو لوجود الأجزاء ، وانعدام الحوادث ؛ لانعدام الشرائط والأمور المعدة التي يقتضي وجودها ، فتسقط أدلة وجود الواجب ؛ إما بشيء من الأمور العقلية التي لا تقبل الوجود ، فيلزم مع احتياج الواجب إلى الأمر العقلي ، وكونه قابلا وفاعلا وعلة للوجود - لا بشرط الوجود - أن يكون مبدأ الوجود العيني أمرا عقليّا يمتنع تحققه في الخارج ؛ فأنى يكون واجبا ملزوما للوجود ، وإذا لم تكن الطبيعة الملزومة مغايرة لحقيقة الوجود المطلق ؛ لزم امتناع استلزام الوجودات الممكنة للحقيقة المطلقة ، امتناع استلزامها للواجبة ، أو وجوب استلزام الوجودات الخاصة للمطلقة ، مع امتناع استلزام حقائق الممكنات للواجبة .

قيل : البطلان ممنوع ، فإنه عين المذهب .

قلنا : بين الاستحالة لامتناع اجتماع المتماثلين ، وكون أحدهما حالا في الآخر ، ومخصوصا باللازمية ، من غير أن يكون هناك فارق ، والفرض ألا مغايرة ، والمذهب أن لا تحقق للممكنات ، بل المتحقق واحد مع صفات زائدة .

قيل : ملكك تشكيل حقيقة غير مشكك ، فاستلزام الممكنات للمطلق بحقيقة غير حقيقة الواجب ، مع اشتراكهما في هذا العارض .

قلنا : وجود المختلفات غير قابل للعدم ، لما مرّ ، فلو وجد آخر تعدد الواجب ، والقائل بالتشكيك ينكره بالكلية ، والاستدلال على التشكيك - بإثبات الأولوية والأقدمية والأكملية والأشرفية - مبني على ثبوت الطبيعة الملزومة ، فإنما هي من لواحق الوجود بالقياس إلى الماهيات بقلة الوسائط وكثرتها مثلا ، على أن لنا في إبطال الطبيعة الملزومية أنها مغايرة لمفهوم كل تعيين ؛ لافتقاره إلى موضوع ، وهو ينافي الوجوب الذاتي ، فيكون أفراد ممكنه ضرورة أنها كلية بحسب العقل ، فلو وجد منها فرد وامتنعت البواقي ؛ كان بالغير ، فإن امتنعت الملازمة بكونها مطلقة أو مفروضة له ؛ لزم المطلوب لو لم يتوقف على الموضوع .

قيل : المغايرة ممنوعة أن يوجد تعيّن لا يستدعي تحقق موضوع ، بل يكون نفس الطبيعة وإطلاق التعين عليه ، وعلى غيره بالتشكيك أو الاشتراك اللفظي . أجيب بأنه بيّن في الحكمة أن مفهومه واحد ، لا يختلف إلا بالإضافات إلى الموضوعات ، فلا بدّ له من

الموضوع .

قيل : صحة هذا الدليل يمنع كون الواجب نفس المطلق ؛ لأنه إن كان ذا أفراد عقلية ، وقد استحال وجود الجمع ، وأن يوجد فرد ، فوجود بعضها وامتناع الآخر إنما هو بالغير وإلا ، فإن غايرت الوجودات الخاصة فحمله على المطلق ، وعليها بالاشتراك اللفظي ، وهي خلاف المتيقن المتعين ؛ وإلا اتصفت الممكنات بالوجوب الذاتي .

قلنا : هي بالحقيقة نفي للوجوب الواجب ، وإنما يتصف بالإمكان ماهياتها ، فليس المطلق مغايرا للواجب ؛ وإلا لم يكن قائما بنفسه ممتازا بها بل بالوجوب .

قيل : نعم بالضرورة إنها من أفراد المطلق كالواجب .

قلنا : لا تسمع دعوى الضرورة في محل النزاع ؛ على أنه إن أريد بالممكن معروض شيء من التعينات والصفات - من غير اعتبارها معه - فهو الواجب ، أو شيء منها من غير اعتباره ، فليس من أفراد المطلق بالواجب ؛ لأن ما لم يوجد بنفسه أو المجموع فلا يمكن وجوده ، فليس من أفراد ما وجد ؛ لأن ما يتألف من الوجود الواجب بنفسه أو المجموع ؛ فلا يمكن وجوده بالذات ، والموجود بالعرض لا يتحقق بالذات ؛ لامتناع تحقق جزئه بالذات ، فيمتنع تحقق المتقوم به بالذات ، فامتنع الأفراد الذهنية التي وجودها بالذات ، فيمتنع كونه من أفراد الموجود بالذات ، أو أريد المعروض من حيث هو كذلك ، فالكل موجود ؛ واحد بالذات كثير بحسب الصفات ، ممكنة زائدة على الذات ، ضرورة على أن لا ذات إلا للوجود الواحد بالذات ، فليس للمطلق أفراد ذهنية يختلف بالوجوب والإمكان والامتناع .

قيل : الممتنع في الخارج وجوده الذهني من أفراد المطلق كالواجب ، فله أفراد متنافية فيه بالضرورة .

قلنا : الذهني هو العيني بالحقيقة ، ومغايرته بالاعتبار ، فيجب بالذات ويمتنع بالإضافة إلى ماهية الممتنع ؛ فإن المعاني العقلية إنما يعرض الوجود العيني في بعض مراتبه .

قيل : إنما يحصل في القول المعقول الدالة ، فكيف يكون وجودها عين الخارجي ؟

قلنا : الاختصاص بالمعقول إنما هي للموجودية العارضية للمعاني الموجودة ، وكلامنا في الموجود بالذات حمل للمعاني ؛ على أنه إن أريد معروض هذه الاعتبارات من

غير اعتبارها معه ، فهو الواجب بالذات أو العارض ، فليس عن أفراده أو المجموع ، فلا يجب بالذات ، فما يمتنع في الخارج ليس من أفراد المطلق ، وما يمكن راجع إلى نفسه .

قيل : لو أبين بعين المطلق بالوجوب الذاتي تقيد به .

قلنا : أمر عقلي لا يخرجه عن الإطلاق الحقيقي .

قيل : مر أنه لا يتقيد بالعدمي أيضا .

قلنا : الكلام فيما يجب ثبوته له من حيث إطلاق المنافي للقيود كلها ، ومنها فيما يجب التعقل ، فتأمل على أنا نبطل الطبيعة الملزومة أيضا ، بأن حقيقتها إنما يجب لذاتها أو لزمها الوجود لذاتها ، لكن فيه نفس الوجود من البسائط لا يلزمه الوجود بالذات لكونه خارجا فيمكن تعقله بدونه ، فنسبة الوجود والعدم مع قطع النظر عن الغير إليه على السوية ، فيكون ممكنا لذاته ، فلا يلزمه الوجود لذاته .

الطريق الثاني : لو لم يكن الوجود واجبا لذاته ؛ لكان إما ممكنا ويفتقر تحققه إلى علة تتقدمه بالوجود ، على أنه يكون وجود الواجب ممكنا ، وإلا منقسما إليها ، وموارد القسمة لا تتحقق في الخارج إلا بأقسامه ؛ لكن أقسام الوجود لا تتحقق أصلا إلا به فيدور .

الطريق الثالث : طبيعة الوجود حاصل للواجب ، فإن كانت غيره لافتقر وجود الواجب إلى الغير ، وإلا فإن كانت مطلقة كان المطلق واجبا ، وإن كانت خاصة كان معها المطلق ، فإن وجب فذاك ، وإلا افتقر الخاص بافتقاره إلى علة ، ولو وجب فشرطه لم يجب بذاته ، فلم يجب الخاص أيضا لتقومه مما لم يجب لذاته .

الطريق الرابع : الوجود لا حقيقة له زائدا على نفسه ، وإلا تصورت دونه وبطلانه بالضرورة ، فهو واجب ، وإلا أمكن تجرده .

قيل : ينتفي بإبقائها .

قلنا : ارتفاع الحقائق يستلزم قبلها ، على أنه يستلزم جواز ارتفاع حقيقة الواجب .

الطريق الخامس : كل شيء يحتاج في تحققه إلى الوجود ، فلو احتاج إلى وجوده المحتاج إلى الواجب والمطلق ؛ لا يتقيد بالاحتياج وعدمه ، بل يحتاج إلى الإفراد لكونه كليّا .

قلنا : الاحتياج إلى الخاص احتاج إلى المطلق ، وعدم التقيد إنما يتأتى لو انقسم ويمنع كونها كليّا ، واحتياج كل كلي إلى الأفراد بل الطبائع الممكنة إنما احتياجها في

ظهورها في الشهادة إلى المشخصات ، وفي المعاني إلى المنوعات لا في تحققها في نفسها .

الطريق السادس : لو لم يجب المطلق لوجب الخاص ، فإن غاير المطلق ؛ كان قول الوجود عليهما بالاشتراك اللفظي ، وهو خلاف الضروري ، وإلا تعدد الواجب ؛ لأن المطلق يكون ذا أفراد وهو عين الواجب ، فيجب إفراده على أنه يكون علية الأشياء بلا مناسبة ، وهي تابعة عن الجمهور وبالاستقراء ، ومدركا لكلي لا كلي فوقه ، مع كونه من شعبه التي لا يحيط بها ، وكون المتأخر علة للمتقدم طبعا ، وكونه مندرجا تحت جميع الأمور العامة .

الطريق السابع : إنا نعلم بالضرورة ، أن الوجود المشترك فيه الموجودات وجود واحد عيني طبيعية عين تلك الموجودات ذهنا وخارجا ، وإنما تعددت واختلفت بالإضافات والاعتبارات المخصصة لا غير ، فالأولى أن يجعل المطلق هو الحقيقي وتعيّناته معان عقلية مأخوذة بالإضافات والاعتبارات ، فالحق محض الوجود ، بحيث لا يمازجه غيره ، ولا تركيب فيه ، ولا كثرة ، ولا نعت ولا رسم ، فافهم واللّه المنعم .

* * *



 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



Please note that some contents are translated Semi-Automatically!