The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

الرسالة المفصحة

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

وهي ضمن مراسلاته مع الشيخ نصير الدين الطوسي

[ تركيب الأقيسة والمقدّمات طريق تصل به نفس الطالب بنظره الفكري إلى معرفة ما يقصد إدراكه من الحقائق ]

 

 


فتركيب الأقيسة والمقدّمات طريق تصل به نفس الطالب بنظره الفكري إلى معرفة ما يقصد إدراكه من الحقائق . فقد يصل إليه بعد تعدّي مراتب صفاته وخواصّه ولوازمه تعدّيا علميا . وقد لا يقدّر له ذلك إما لضعف قوة نظره وقصور إدراكه المشار إلى سرّه فيما بعد أو لموانع أخر يعلمها الحق ومن شاء من عباده . وغاية مثل هذا أن يتعدى من معرفة خاصّة الشيء أو صفته أو لازمه البعيد أو القريب إلى صفة أو لازم آخر له أيضا . وقد تكون الصفة التي ينتهي إليها معرفة من تلك الحقيقة أقرب نسبة إلى الحقيقة من المشعور بها أولا المثيرة للطلب . وقد تكون أبعد على قدر المناسبة الثابتة بينه وبين ما يريد معرفته وبحسب حكم تلك المناسبة في القوة والضعف وما قدّره الحق له . فمتى انتهت قوة نظره بحكم المناسبة إلى بعض الصفات أو الخواصّ ولم ينفذ منها متعديا إلى كنه حقيقة الأمر ، فإنه يطمئنّ مما حصل له من معرفة تلك الحقيقة بحسب نسبة تلك الصفة منه ومن حيثها وبحسب مناسبة هذا الطالب معرفتها منها ويظن أنه قد بلغ الغاية وأنه أحاط علما بتلك الحقيقة . وهو في نفس الأمر لم يعرفها إلا من وجه واحد من حيث تلك الصفة الواحدة أو العارض أو الخاصّة أو اللازم .

وينبعث غيره لطلب معرفة تلك الحقيقة أيضا بجاذب مناسبة خفية بينه وبينها من حيث صفة أخرى أو خاصّة . فيبحث ويفحص ويركّب الأقيسة والمقدّمات ساعيا في التحصيل حتى ينتهي مثلا إلى تلك الصفة الأخرى .

فيعرف تلك الحقيقة من وجه آخر بحسب الصفة التي كانت منتهى معرفته من تلك الحقيقة . فيحكم على أنّية الحقيقة بما تقتضيه تلك الصفة وذلك الوجه ، زاعما أنه قد عرف كنه الحقيقة التي قصد معرفتها ، معرفة تامة إحاطية . وهو غالط في نفس الأمر . وهكذا الثالث والرابع فصاعدا . فيختلف حكم الناظرين في الأمر الواحد لاختلاف الصفات والخواصّ والأعراض التي هي متعلّقات مداركهم ومنتهاها من ذلك الأمر الذي قصدوا معرفة كنهه والمعرف ؟ ؟ ؟ والمميّزة له عن غيره عندهم . فمتعلّق إدراك طائفة يخالف متعلّق ادراك الطائفة الأخرى كما ولما مرّ بيانه . فاختلف تعريفهم لذلك الأمر الواحد وتحديدهم له وتسميتهم إياه وتعبيرهم عنه . وموجب ذلك ما سبق ذكره وكون المدرك به أيضا - وهو الفكر - قوة جزئية من بعض قوى الروح الإنساني . فلا يمكنه أن يدرك إلا جزئيا مثله لما ثبت عند المحققين من أهل اللّه وأهل العقول السليمة ، أنّ الشيء لا يدرك بما يغايره في الحقيقة ، ولا يؤثّر شيء فيما يضادّه وينافيه من الوجه المضادّ والمنافي ، كما ستقف على أصل ذلك وسرّه عن قريب ، إن شاء اللّه تعالى . فتدبّر هذه القاعدة وتفهّمها ، تعرف كثيرا من سرّ اختلاف الخلق في اللّه أهل الحجاب وأكثر أهل الاطّلاع والشهود ، وتعرف أيضا سبب اختلاف الناس في معلوماتهم ، كانت ما كانت .

ثم نرجع ونقول : ولمّا كانت القوة الفكرية صفة من صفات الروح وخاصّة من خواصّه ، أدركت صفة مثلها ، ومن حيث إنّ القوى الروحانية عند المحققين لا تغاير الروح ، صحّ أن يسلّم للناظر أنه قد عرف حقيقية ما ، ولكن من الوجه الذي ترتبط بتلك الصفة التي هي منتهى نظره ومعرفته ومتعلّقهما وترتبط الصفة بها ، كما مرّ بيانه . وقد ذهب الرئيس ابن سينا الذي هو أستاذ أهل النظر ومقتداهم عند عثوره على هذا السرّ - إمّا من خلف حجاب القوة النظرية بصحة الفطرة أو بطريق الذوق ، كما يومئ إليه في مواضع من كلامه - إلى أنه ليس في قدرة البشر الوقوف على حقائق الأشياء ، بل غاية الإنسان أن يدرك خواصّ الأشياء ولوازمها وعوارضها . ومثّل في تقرير ذلك أمثلة جلية محقّقة وبيّن المقصود بيان منصف خبير ، وسيّما فيما يرجع إلى معرفة الحق جل جلاله ، وذلك في أواخر أمره بخلاف المشهور عنه في أوائل كلامه . ولو * لا أنّ القصد الإيجاز لسردت هنا كلامه فيما ذكرنا وتقريراته ولكن اكتفيت من ذلك على الإلماع ثقة بمعرفة الواقف على هذه المسائل ، لأنّ غاية ذلك بيان قصور القوة الإنسانية من حيث فكرها عن إدراك حقائق الأشياء . وقد سبق في أول هذا التمهيد ما يستدلّ به اللبيب على هذا الأمر المشار إليه وعلّته وسببه وغير ذلك من الأسرار المتعلّقة بهذا الباب ، وسنزيد في بيان ذلك ، إن شاء اللّه تعالى ، فنقول :

كل ما تتعلّق به المدارك العقلية والذهنية والخيالية والحسية جمعا وفرادى ، فليس بأمر زائد على حقائق مجردة بسيطة تألفت بوجود واحد غير منقسم ، فظهرت لنفسها ، لكن بعضها في الظهور والحكم والحيطة والتعلّق تابع للبعض . فتسمّى المتبوعة لما ذكرنا من التقدم ، حقائق وعللا ووسائط بين الحق وما يتبعها في الوجود وما ذكرنا ، وتسمّى التابعة خواصّ ولوازم وعوارض وصفات وأحوالا ونسبا ومعلومات ومشروطات ونحو ذلك . ومتى اعتبرت هذه الحقائق مجردة عن الوجود وعن ارتباط بعضها بالبعض ولم يكن شيء منها مضافا إلى شيء أصلا ، خلت عن كل اسم وصفة ونعت وصورة وحكم خلوّا بالفعل لا بالقوة .

فثبوت الاسم والنعت والوصف بالتركيب والبساطة والظهور والخفاء والإدراك والمدركية والكلية والجزئية والتبعية والمتبوعية وغير ذلك - مما نبّهنا عليه وما لم نذكره - للحقائق المجرّدة إنما يصح ويبدو بانسحاب الحكم الوجودي عليها أولا ، ولكن من حيث تعيّن الوجود بالظهور في مرتبة ما وبحسبها أو مراتب - كما سنزيد في بيان ذلك ، إن شاء اللّه تعالى - وبارتباط أحكام بعضها بالبعض وظهور أثر بعضها بالوجود في البعض ثانيا . فاعلم ذلك !

فالتعقّل والشهود الأول الجمليّ للحقائق المتبوعة يفيد معرفة كونها معاني مجردة ، من شأنها إذا عقلت متبوعة ومحيطة أن تقبل صورا شتّى وتقترن بها لمناسبة ذاتية بينها وبين الصور القابلة لها ولآثارها والمقترنة بها . وهذه المناسبة هي حكم الأصل الجامع بينها والمشتمل عليها . وقد سبقت الإشارة إليها . والتعقّل والشهود الأول الجملي للحقائق التابعة يفيد معرفة كونها حقائق مجرّدة لا حكم لها ولا اسم ولا نعت أيضا ، لكن من شأنها أنها متى ظهرت في الوجود العيني ، تكون أعراضا للجواهر والحقائق المتقدمة المتبوعة وصورا وصفات ولوازم ونحو ذلك . والصورة عبارة عما لا تعقل تلك الحقائق الأول ولا تظهر إلا بها .

وهي ، أعني الصورة ، أيضا اسم مشترك يطلق على حقيقة كل شيء جوهر كان أو عرضا أو ما كان ، وعلى نفس النوع والشكل والتخطيط أيضا ، حتى يقال لهيئة الاجتماع صورة ، كصورة الصف والعسكر ، ويقال للنظام المستحفظ ، كالشريعة . ومعقولية الصورة في نفسها حقيقة مجردة كسائر الحقائق .

وإذا عرفت هذا في الصور المشهودة على الأنحاء المعهودة ، فاعرف مثله في المسمّى مظهرا إلهيّا ، فإنّ التعريف الذي أشرت إليه يعمّ كلّ ما لا تظهر الحقائق الغيبية من حيث هي غيب ، إلا به . وقد استبان لك من هذه القاعدة - إن تأملتها حق التأمل - أنّ الظهور والاجتماع والإيجاد والإظهار والاقتران والتوقف والمناسبة والتقدم والتأخر والهيئة والجوهرية والعرضية والصورية وكون الشيء مظهرا أو ظاهرا أو متبوعا أو تابعا ونحو ذلك كلّها معان مجرّدة ونسب معقولة . وبارتباط بعضها بالبعض وتألفها بالوجود الواحد الذي ظهرت به لها - كما قلنا - يظهر للبعض على البعض تفاوت في الحيطة والتعلّق والحكم والتقدم والتأخر بحسب النسب (والأحوال المناسبة في البعض) المسمّاة فعلا وانفعالا وتأثيرا وتأثّرا وتبعية ومتبوعية وصفة وموصوفية ولزومية وملزومية ونحو ذلك مما ذكر . ولكن وجود الجميع وبقاءه إنما يحصل بسريان حكم الجمع الأحدي الوجودي الإلهي المظهر لها ، والظاهرة الحكم في حضرته بسرّ أمره وإرادته .

وبعد أن تقرّر هذا ، فاعلم أنّ معرفة حقائق الأشياء من حيث بساطته وتجردها في الحضرة العلمية الإلهية الأحدية الآتي حديثها متعذر [ كذا ] . وذلك لتعذر إدراكنا شيئا من حيث أحديتنا ، إذ لا يخلو من أحكام الكثرة أصلا . فإنّا لا نعلم شيئا من حيث حقائقنا المجردة ولا من حيث وجودنا فحسب ، بل من حيث اتصاف أعياننا بالوجود وقيام الحياة بنا والعلم وارتفاع الموانع الحائلة بيننا وبين الشيء الذي نروم إدراكه بحيث يكون مستعدا لأن يدرك . فهذا أقل ما تتوقف معرفتنا عليه ، وهذه جمعية كثرة .

وحقائق الأشياء في مقام تجردها وحدانية بسيطة . والواحد والبسيط لا يدرك إلا واحد وبسيط ، كما أومأت إليه من قبل وعلى ما سنوضح سرّه عن قريب ، إن شاء اللّه تعالى . فلم نعلم من الأشياء إلا صفاتها وأعراضها من حيث هي صفات ولوازم لشيء ما ، لا من حيث حقائقها المجرّدة . إذ لو أدركنا شيئا من حيث حقيقته ، لا باعتبار صفة له أو خاصّة أو لازم أو عارض ، لجاز إدراك مثله ، فإنّ الحقائق من حيث هي حقائق متماثلة ، وما جاز على أحد المثلين ، جاز على الآخر مثله .

والمعرفة الإجمالية المتعلّقة بحقايق الأشياء لم تحصل إلا بعد تعقّلها من كونها متعيّنة بما تعيّنت به من الصفات أو الخواصّ أو اللوازم ، كما عرفنا الصفة من حيث تعيّنها بمفهوم كونها صفة لموصوف ما . فأمّا كنه الحقائق من حيث تجردها ، فالعلم بها متعذر إلا من الوجه الخاصّ بارتفاع حكم النسب والصفات الكونية التقييدية من العارف حال تحقّقه بمقام وبالمرتبة التي فوقها المجاورة لها المختصة بقرب الفرائض ، كما سنومىء إلى سر ذلك ، إن شاء اللّه تعالى (نبهنا الحق على ذلك بواسطة الرسول الكامل وعاين مصداقه كل من تحقق بتبعيته وورثه دون ريب ولا شبهة ) . ولهذا السرّ الذي نبّهت على بعض أحكامه أسرار أخر غامضة جدا يعسر تفهيمها وتوصيلها ، أحدها حكم تجلي الحق الساري في حقائق الممكنات الذي أشار شيخنا الإمام الأكمل - رضي اللّه عنه - إلى خاصّة من خواصّه متعلّق ، بما كنا فيه ، وذلك في قصيدة إلهية يناجي فيها ربّه يقول في أثنائها : [ من البسيط ]

ولست أدرك من شيء حقيقته * وكيف أدركه وأنتم فيه

والشر * فيه أنّ التعيّن تحديد وكل ما سوى الحق متعيّن ومنضبط في التعقّل الا الحق سبحانه من حيث ذاته وإطلاقه . فإنه غير متعيّن بأمر منضبط للعقول ، فهو عند المحققين مع كل متعيّن لكن غير متعيّن ، وهذا أيضا من مقام . ومنه يعرف سرّ المعية الإلهية التي وردت بها الإخبارات الإلهية . فاعلم ذلك .

فلمّا وقف المؤهّلون للتلقي من الجناب الإلهي المعتلي على مرتبة الأكوان والوسائط ، على هذه المقامات والمنازل وتعدّوا بجذبات العناية الإلهية ما فيها من الحجب والمعاقل ، شهدوا في أوّل أمرهم ببصائرهم أنّ صورة العالم مثال لعالم المعاني والحقائق . فعلموا أنّ كل فرد من أفراد صورة مظهر ومثال لحقيقة معنوية غيبية وأنّ نسبة أعضاء الإنسان الذي هو النسخة الجامعة ، إلى قواه الباطنة نسبة صور العالم إلى حقائقه الباطنة ، والحكم كالحكم . فحال بصر الإنسان بالنسبة إلى المبصرات كحال البصيرة بالنسبة إلى المعقولات المعنوية والمعلومات الغيبية . ولمّا عجز البصر عن إدراك المبصرات الحقيرة ، مثل الذرّات والهباءات ونحوهما ، وعن المبصرات العالية ، كوسط قرص الشمس عند كمال نوره ، فإنه يتخيل فيه سوادا لعجزه عن إدراكه - مع أنّا نعلم أنّ الوسط منبع الأنوار والأشعة - ظهر أنّ تعلّق الإدراك البصري بما في طرفي الإفراط والتفريط من الخفاء التام والظهور التام متعذر ، كما هو الأمر في النور المحض والظلمة المحضة في كونها حجابين ، وأنّ بالمتوسط بينهما الناتج منهما - وهو الضياء - تحصل الفائدة ، كما * ستعرفه ، إن شاء اللّه . فكذلك العقول والبصائر إنما تدرك المعقولات والمعلومات المتوسطة في الحقارة والعلوّ ، وتعجز عن المعقولات الحقيرة ، مثل مراتب الأمزجة والتغيرات الجزئية على التعيين والتفصيل ، كالنماء والذبول في كل آن ، وعن إدراك الحقائق العالية القاهرة أيضا ، مثل ذات الحق جل جلاله وحقائق أسمائه وصفاته إلا باللّه ، كما ذكرنا . ورأوا أيضا أنّ من الأشياء ما تعذّر عليهم إدراكه للبعد المفرط ، كحركة الحيوان الصغير من المسافة البعيدة وكحركة جرم الشمس والكواكب في كل آن . وهكذا الأمر في القرب المفرط ، فإنّ الهواء لاتصاله بالحدقة يتعذر إدراكه وكنفس الحدقة . هذا في باب المبصرات . وفي باب المعقولات والبصائر كالنفس التي هي المدركة من الإنسان وأقرب الأشياء نسبة إليه ، فيدرك الإنسان غيره ولا يدرك نفسه وحقيقته . فتحقق بهذا الطريق أيضا عجز البصائر والأبصار عن إدراك الحقائق الوجودية الإلهية والكونية وما يشتمل عليه من المعاني والأسرار . وظهر أنّ العلم الصحيح لا يحصل بالكسب والتعمل ولا تستقل القوى البشرية بتحصيله ما لم يجد الحقّ بالفيض القدسي الغيبي والإمداد بالتجلي النوري العلمي الذاتي ، منحنا اللّه وسائر الإخوان ذلك على الوجه الأكمل وسلوك سبيل الأمم الأعدل .

فصل في تتميم ما سبق ذكره في التمهيد والتقريرات المتقدمة ويتلوه ذكر المسائل التي قدمت هذه المقدمات كالتوطئة لإيرادها والتماس بيان حقائقها بالبراهين التي يعوّل عليها المسؤول منه الجواب عنها - نفع اللّه به .



 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



Veuillez noter que certains contenus sont traduits de manière semi-automatique !