المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
الرسالة المفصحة
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
وهي ضمن مراسلاته مع الشيخ نصير الدين الطوسي
[ قسم وقف مع الظاهر ولم يتعدّ ظاهر المفهوم ]
فقسم وقف مع الظاهر ولم يتعدّ ظاهر المفهوم . بل ثبت عنده ولم يتأول وعزل عقله عن الخوض فيما يأبى قبوله ويستبعد صحّته ولم يتشوف أيضا لأن يعرف . وهؤلاء هم الظاهرية المقتصرون على صور العبادات وظاهر الزهد .
و [ قسم آمن بما ورد مطلقا ]
. فما ساعده عليه نظره وواتته في إدراكه قواه ، أدركه وفهمه . وما لم يستقلّ بإدراكه آمن به على مراد اللّه والكمّل من سفرائه والمخبرين عنه دون الجمود على الظاهر . بل أثبت صفات الكمال للّه منزّها ربه عن كل ما لا يليق بجلاله ، لكن على ما يعلم سبحانه نفسه ، لا من حيث ما يتصوره هذا القسم وأمثاله مما يفهمونه من شأن النقائص والكمالات وصورة إضافتها إلى الحق أو سواه . بل قال : ربّ أمر أو وصف يكون بالنسبة إلى * إدراكي صفة كمال لائق نسبته إلى الحق ويكون بالنسبة إلى جناب الحق من حيث علمه به وبتلك الصفة ومن حيث صحة انضياف تلك الصفة إليه ، نقصا وبالعكس أيضا . ورأى بعين الإنصاف أنّ التصرّف في تفصيل الإخبارات الإلهية مع * أنه لا يحصل منه علم يقينيّ ، فإنه يوجب خللا ووهنا في الإخبارات الإلهية . وهذا حال السلف السالمين من آفتي التجسيم والتشبيه وزيغ التأويل ومزح الاعتقاد الإيماني بشوائب الظنون والأقيسة التي لا يحصل منها طائل .
و [ قسم قبل ما أمكنه إدراكه بنظره وقواه وتأوّل ما سوى ذلك ]
ونفى المفهوم الظاهر من ذلك الإخبار عن الحق . فكان ضرر هذا النوع لخطأ المتأوّل فيه وعدم استناده إلى أصل محقّق أكثر من نفع إصابته . هذا مع أنّ القدر الذي يصيب فيه ليس بالنسبة إليه علم يقينيّ ، بل إصابته مصادفة . وهذا هو حال المتكلّمين ، فإنهم ما وقفوا مع ما يقتضيه الإيمان المحقّق ، ولا وفوا بشروط التصديق ، ولا أدركوا أيضا جلية الأمر بمعرفة المراد مم أخبروا به على نحو ما هو الأمر عليه في نفسه كما * أدركه المحققون من أهل اللّه ولا انحازوا إلى طائفة أهل النظر الصرف والميزان . هذا وإن كان أهل النظر من جملة العاجزين عن الوصول إلى شأو التحقيق على ما سنقرّره عن قريب إن شاء اللّه تعالى .
وأما الطبقة العليا التي قدمنا ذكرها في أول التمهيد فإنهم المشاركون للأنبياء في مآخذهم ومشاربهم وأحوالهم ، فإنهم في بداية أمرهم شاركوا القوم الذين كني عنهم بالسلف الصالح في الإيمان بما ورد على مراد اللّه ورسله والكمّل من المخبرين عنه فيما أخبروا به ، ووكلوا علم ما لم يدركوا جلية الأمر فيه إلى اللّه وإلى المخبرين عنه العارفين بمراد والمطلعين على حقائق تلك الأمور ، غير أنه كانت لهم نفوس شريف وهمم عالية أنفت من التقليد والرضى بالحظ الحقير الذي رضي به غيرهم . بل طلبت اللحوق بالأنبياء وأن تحصل ما حصلته بتلك الطريقة وعلى ذلك الوجه ، سيّما ولم تخبر أنّ مثل هذا محجور عليه . فنظرت فيما بلغها وأدركت عجزها وعجز أهل الأقسام والأحوال المذكورة ، فتعدّت مراتبهم ، فلما تجاوزتهم وانتهت إلى مقام أهل النظر الفكري ، أدركت عجزهم أيضا ورأت من ضعف حالهم المانع من الظفر بالتحقيق على ما سأذكره في الفصل الذي يلي هذا الأصل .
وهذا شرح حالي وإن لم أعزه بالكلية إليّ ، فإني لست فيما أذكره ناقلا ولا مخبرا عن حال أحد غيري ، إلا من حيث المشاركة مع من تقدّمني في الحاصل آخرا وفي الإعراض عن كل ما حاوله وخاض فيه أرباب الطبقات المذكورة أولا ، فليعلم ذلك .