المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
النفحات الإلهية
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
تتمة تابعة للفظ السؤال
الاستعداد الذي في الفروع على ضربين: كلى و جزئى، فالكلى ما به قبل الفرع من الأصل الوجود الذي به تميز عن اطلاق أصله، فأوهم المغايرة و اظهر الامتياز، و هذا الاستعداد غير مستفاد و لا مجعول ، فإنه وصف ذاتى لشيئية الامر المتوجه الى إيجاده، و اما الاستعدادات الوجودية الظاهرة في الأحوال بعد وجود الشي ء، فهي من حيث وجودها مجعولة و مستفادة من الوجود، فكل حالة وجودية تعد الشي ء، للتلبس بالحالة التي يليها، هكذا لا الى نهاية .
و على الحقيقة جميع الاستعدادات الوجودية هي احكام الاستعداد الكلى الغيبى و لكنه بما تلبس كل حكم منها بالتعين الوجودي، أطلق عليها انها وجودية تسمية
الموصوف باسم الصفة و لو كان الاستعداد الكلى مجعولا لكان وجوديا و لافتقر في قبوله الى استعداد أخر و تسلسل، لان المعنى بالاستعداد الكلى هو الامر الذي به قبل الشي ء الوجود من الموجد اول مرة . و اما توقف ظهور الأصل على الفرع او تنوع تجليه، فهو واقع بمعنى الشرطية لا بمعنى العلية و التأثير و التأثر، و حكم كل من الطرفين و كمال ظهوره حكما و عينا، نفوذا و بقاء، موقتا و غير موقت موقوف على الاخر، و الاستقلال محال و الافتقار شامل و الإيجاد ولادة و التوجه الايجادى نكاح يختلف باختلاف حال المتوجه اليه، فإنه المعين للأسماء المنسوبة الى الأصل، جزئية تصورت الأسماء او كلية احاطية . و ما بقي الا الولادة المتعارفة المتوهمة على النحو المشهود من التناسل كمسألة عزير و عيسى عليهما السلام و نحوهما ممن نسب اليه ذلك ايضا بقيد معين و شرط مخصوص ليس مطلقا، و الّا لما وقع الاخبار بقول شيخنا رضى اللّه عنه في قطعة له : انما الحق الذي اعرفه والد الكون و كونى ولده و كيف ينتهى الحاجة؟ و اولية الطلب لا يمكن ان يوصف بها الحادث. و اولى، من عرف الكمال المستجن في الطرفين، المطلوب ظهوره بكل وجه، و أحق من ينسب اليه ذو الباعث، على التوجه الايجادى الموجد العليم القدير .
و قد ذكرت سر الأثر و الأمداد و الاستمداد و النكاح و امهات مراتبة و انها خمسة، و ما ظهر بكل نكاح منها في اول كتاب مفتاح غيب الجمع و تفصيله من تصانيفى موجزا واضحا، فمن رام الاطلاع على هذا السر فليقف عليه من ذلك الكتاب ان شاء اللّه، و السلام عليه و رحمة اللّه و اعلموا ان هذا فصل من فك له مغلق اجماله، عرف سر الإيجاد و موجبه و كيفيته و عرف حقيقة العالم و انه عبارة عن ما ذا، و عرف كيفية ارتباطه بالمسمى موجدا و صورة ارتباط الموجدية، و عرف سر التأثير و التأثر و لمن ينسب و كيف ينسب، و عرف سر الإيجاد من حيث عدم الاستقلال، و عرف سبب اختلاف الناس هل للمخلوق قدرة ام لا فاعل الا اللّه، و عرف ان كل شي ء من اى وجه يغاير الحق و من اى وجه لا يغايره، و عرف عموم حكم الفقر حقيقة و ان الغنى نسبى، و عرف ان شيئا ما لا يفتقر الى سواه في امر ما مع تقرير حكم الشرطية المنبه عليها، و عرف حكم التحديد و النهاية و نفيهما عمن نفيا عنه، و من اى وجه يثبت للشي ء كان ما كان و من آية لا . و عرف سر النكاح و مراتبه و ان لا ايجاد و لا ظهور لشي ء الا به، و عرف سر الولادة و من اى وجه تنفى عن الأصل و من اى وجه تصح اضافته اليه، و كذلك المولودية و البقاء، و عرف ان الصورة التي حذى عليها آدم هي الكيفية المنبه عليها الجامعة لأحكام جميع الكيفيات، و عرف سر الاستفادة و الافادة و الأمداد و الاستمداد، و عرف ان تأثير شي ء في شي ء موقوف على امر يقضى بالمناسبة الذاتية و الارتباط من حيث ما به يتحد المؤثر و المؤثر فيه، و عرف ان كل شيئين اعتبرا من حيث ما به يتميزان فإنه لا يصح بينهما من ذلك الوجه ارتباط و لا اثر و لا حب و لا حكم اصلا .
و عرف ان الارتباط بالحق من حيث أحديته و اعتقاداته واحد من جميع الوجوه عبارة عن اشرف احوال العبد المحجوب ، و اشرف تعقلاته و أنفعه له من حيث السعادة المطلقة الجملية، لا ان اعلى صفات الحق و أكملها هو الاحدية، هذا الى غير ذلك مما لا يقع الترجمة عنه، اما استغناء لفهم السامع و اما لفرط غموضه المستور بالايجاز و للََّه الكشف و الكتم، له الحكم و اليه ترجعون .
و لما فرغ الداعي من كتابة الفصل قبل هذه الترجمة الاخيرة صاح بعض أصحابنا من الخلوة، فنزلت إليهم فكان فيهم من رأى انى قد صنفت كتابا عظيما و ان آخر كلمة
كتبتها بقلم غليظ «رسمت ربى ». ثم ان الداعي ناول الكتاب لاحد ليستقبل به الشمس حتى ينشف المكتوب، فلما استقبل به المأمور الشمس انفرد الداعي و توجه الى الحق و هو يقول: اللّه اللّه اللّه و استغرق في ذلك، هذا آخر الواقعة .
فمن جملة ما يمكن ذكره من تعبير هذه الواقعة ان النقاش يرسم صورة الشي ء الذي يريد تصويره و تشخيصه تماما، ثم يصبغ ذلك الرسم بالألوان و يقال في اصطلاح العجم: صورت فلانى را رسم برزدند و كذلك كان، فان المذكور في هذا الفصل شرح لأحكام ذات الأصل و وصفه و شئونه و أسمائه، و اللّه المرشد الهادي من يشاء الى صراط مستقيم