المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
النفحات الإلهية
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
نفحة الهية كلية تنبيه على بعض اسرار مفاتيح الغيب و سر المخاطبات المضافة الى الحق و الى الخلق و غير ذلك
بسم اللّه الرحمن الرحيم الحمد للََّه و سلام على عباده الذين اصطفى كافة، و على سيدنا محمد و آله و عترته خاصة، و على الأخ العزيز و رحمته و بركاته .
يعلم انه كما كان من سنة اللّه ان جعل للتفصيل الايجادى و التعدد الوجودي مفتاح غيب باحكامها السارية فيما فتحته، ظهر ما ظهر و وضح ما استتر، كذلك لا مندوحة للالباء في بيان هذه الأمور عن تقديم مقدمة او مقدمات تكون مفاتيح للأمر المبهم و أعرابا للكلام المعجم، و ان ربك هو الفتاح العليم .
فنقول: اعلم ان حقيقة كلام الحق بالسنة المخاطبات و التنزلات الواصلة في الكتب و الصحف و غيرهما هي السنة احوال المخاطبين عنده سبحانه من حيث كينونتهم معه و تعينهم لديه و تعين أحوالهم في علمه الذاتي الأزلي، و ترجمة ايضا عن صور أحواله سبحانه عندهم و معهم، و عن النسب و الإضافات الناشئة و المتعينة في البين، و هنا موضع تنبيه و هو :
ان الشئون الكلية الإلهية التي صرحنا انها كيفيات كالاجناس لما تحتها، فتسمى من حيث رتبة جنسيتها اسماء اول و مفاتيح الغيب و امهات الصفات و غير ذلك من الألقاب، و تسمى الصورة الوجودية الظاهرة بأحكام تلك الشئون ملائكة و انبياء و رسلا و اولياء و غير ذلك، و يتدرج الامر متنازلا تناول الأنواع و الأجناس النسبية، حتى ينتهى الامر الى الاشخاص و احوال الاشخاص .
و كلام الخلق بعضهم مع بعض و مع الحق هو ترجمة ما خفى من أحوالهم بعضهم عن بعض، و ترجمة ما تعين من حكم الحق و شأنه فيهم مما تطلب به الاستكمال و يقصد به ظهور الكمال المستجن في حقائق الأحوال البارزة بصورها، راجعة الى الأصل بعد الظهور بما انطوى عليه كل شي ء من شأن ربه و الأحوال المودع حكمها فيه، و كل شأن اشتمل على شئون شتى تابعة له في الظهور الوجودي و الحكم و المرتبة .
فان المتبوعة تسمى تارة باعتبار تعينها في علم الحق فحسب، ازلا و ابدا، حقائق و أعيانا و نحو ذلك، و باعتبار ظهور مطلق الحق في حقيقة ما متبوعة منها تسمى تلك الحقيقة باعتبار تلبسها بالوجود عرشا و كرسيا و شمسا و قمرا و حيوانا و نباتا و معدنا. ثم يتنازل ايضا فيقال هذا الشخص و هذا الفرس و هذا التفاح و هذا الياقوت و هلم جرا، و هي من حيث التعبير الرباني حال تعين كل منها في علم الحق قبل الصبغة الوجودية تسمى حرفا غيبيا، و باعتبار تعقلها مع لوازمها قبل الصيغة المذكورة تكون كلمة غيبية، و باعتبار ظهور الحق بها و انسحاب حكم ذلك التجلي عليها و على لوازمها
كلمة وجودية، و بهذا الاعتبار كانت الموجودات كلمات اللّه، فتختلف الأسماء باختلاف الأجناس و الأنواع ثم الاشخاص، هذا شأن المتبوعة و اما الكيفيات الجزئية التابعة فتسمى صفات و أحوالا و كيفيات للمسماة متبوعة، و تنحصر امهات الحقائق المتبوعة التي هي امهات اصول الشئون في اعداد مخصوصة، كانحصار الأجناس و الأنواع المعروفة عند الجمهور . فاجناس تلك الشئون و أنواعها الملائكة و الجن و السموات و كواكبها و العناصر و مولداتها و الأنبياء و الرسل و الخلفاء و الكمل و رجال العدد من الأولياء، الذين نسبتهم من الصورة الوجودية نسبة الأعضاء الرئيسية و نسبة المفاصل من الصورة الانسانية الظاهرة، و للأجناس مراتب مختلفة لكل مرتبة اهل و احوال و السنة تراجم و احكام، و الأنبياء بعدد قسم واحد من هذه الأجناس و كذلك الرسل و الكمل و بقية الأولياء المحصورين في عدد معين و غير المحصورين كما سبقت الإشارة الى ذلك، و عدد الكتب و الصحف المنزلة على عدد قسم آخر من اقسام الأجناس قصور المفاتيح الأول التي هي صور الأصول آدم و شيث و إدريس و نوح، و يجمع هؤلاء الخضر على نبينا و عليهم السلام و هذه صور الأصول، و اما صور حقائق الأصول: فإبراهيم و موسى و داود و عيسى، و الجامع للكل نبينا محمد صلى اللّه عليه و سلم و تنقسم الأمم و أحوالهم و درجاتهم و شرائعهم بحسب ما ذكرنا و من ذكرنا، و هكذا الامر فيمن لم يتعين ذكره من الأنبياء و الأولياء و الكمل .
و أخبرت بالديار المصرية في مشهد غيبى كمالى امامى بخطاب صريح الهى حال شهود حقيقة الخلافة بامور، من جملتها انه ظهر الى الان من الغيب نحو الفى خليفة، و كذلك عدد صفوف اهل المحشر و انحصارهم في مائة و عشرين صفا، الثمانون منها لهذه الامة و الأربعون لباقى الأمم، و هو عدد يختص بقسم من الأقسام التي أشرنا إليها، و لو لا ان شرح كل قسم و ذكر صورة المطابقة فيه بأصله يحتاج الى زيادة بسط و شرح لذكر، و ايضا فإنه يخرجنا عن بيان المقصود . و انما هذا تنبيه ليعلم ان صورة خطاب الحق لكل رسول في كل كتاب هو ترجمة عن حال الرسول مع الحق من حيث ارتباطه بأمته و ترجمة لحاله من حيث ما يشارك به و فيه الامة، و تظهر من بين هذين القسمين صورة حاله الخصوصى من حيث ما يمتاز به عن الامة و بحسب ما يمتاز به عن الحق و من حيث ما يتّحد به مع ربه فلا يمتاز عنه، و من حيث ما يضاهي الحق و يشاركه، و هذا هو القسم الخصوصى المذكور .
فكل كتاب مخصوص فمحتده اسم من الأسماء الربانية، و لسان ذلك الاسم يترجم عن شأن كل من شئون الحق و يترجم ايضا عن الحق لكن من حيث تعينه بذلك اللسان و بحسبه فالأسماء للأحوال، و الاحكام تتبع الأحوال، و الأحوال تتعين بحسب استعدادات الحقائق المتبوعة، و قد عرّفتك ما هي ، و الاستعدادات لا تتبع شيئا و لا تتوقف على شي ء و لا تعلل بشي ء سواها، لكن الوجودية الجزئية منها تابعة للاستعدادات الكلية السابقة على الوجود العيني كما أشرت اليه من قبل، فمتى أضيف ذلك الى ما ذكرناه الان ظهر الامر و وضحت اسرار يعزّ وجدان ذائقها .
و اما اللغات فهي ملابس المعاني التي اشتملت عليها كل كيفية كلية، و علة اختلافها اختلاف الكيفيات التي تتعين بالاستعدادات المختلفة في المراتب المختلفة، و سبب فهم أهلها هو حكم القدر المشترك في البين، القابل بالاستعدادات المختلفة تلك الكيفيات المختلفة كما بينا . و إذا عرفت هذا فاعلم ان الحق لا يضاف اليه امر ما من تنزيه و تعظيم و ايجاد و تصريف و علم و ارادة و قدرة و حيوة و كلام حتى الوجود المطلق الا من حيث الحقيقة الانسانية الكمالية الذاتية و هي الالوهة من بعض مراتبها، و الموجودات مظاهر كيفياتها و أحكامها التفصيلية بالترتيب الذي أشرت اليه آنفا في تفاوت درجات أجناس تلك الكيفيات و أنواعها و مراتبها و اشخاصها، و تفاوت الخلق في ذلك بحسب تلك الكيفيات بمقدار تفاوت حيطة الشئون المتبوعة بالأمور التابعة لها، و الحيطة بحسب المراتب و بحسب دوام حكمها فيها و انبساط آثارها عليها و استيعابها و تقدمها بالشرف و العلم، التابعين للمرتبة و الجمعية .
و بما ذكرنا امتازت الملائكة بعضها عن بعض، و انحصر علم بعضها في امور دون غيرها و في مقام خاص دون سواه كما قالت: وَ مََا مِنََّا إِلََّا لَهُ مَقََامٌ مَعْلُومٌ ( 164الصافات) و: لََا عِلْمَ لَنََا إِلََّا مََا عَلَّمْتَنََا ( 32البقرة) و هكذا الامر في المسمى قلما و لوحا و عرشا و كرسيا و سماوات و سكانها و شيطانا و جنا و عناصر و مولدات كما سبقت الإشارة اليه، و اناسى حيوانيون و اناسى حقيقة من بعض الوجوه و اناسى في الحقيقة من كل وجه . فالاناسى الحيوانيون صورا حكام جملة تلك الحقيقة الانسانية الإلهية من حيث ظاهريتها، و الملائكة على اختلاف طبقاتهم صور احكام شئونها و قواها الباطنة، فنسبة العالين و حملة العرش نسبة الأعضاء الرئيسية من حيث القوى المودعة في كل عضو، و الكواكب للأعضاء، و الملائكة العرشية فما دونها لبقية القوى و الخواص المودعة في القوى، و للشئون من حيث إطلاقها و نسبتها الى الحق، و لمطلق الصورة الوجود ، و لمطلق الروح الكلى القوة الجامعة للقوى المضافة الى الاسم الباطن، انضياف الوجود الى الرحمن، و للاسم «اللّه» المرتبة الجامعة بين المراتب الغيبية و الوجودات العينية . ثم ليعلم ان للاسم الباطن الذي أضيف اليه جنس الملائكة و القوى درجات اعتدالية تختص بباطن تلك الحقيقة الانسانية تتحصل من الهيئات الاجتماعية الواقعة بين الأحوال الكلية بعضها مع بعض، و بين الجزئية منها و الكلية، كحال الامزجة مع الأسطقسات التي هي الأصول، فافهم .
فالجن و الشياطين صور اجتماعات شئونها الطبيعية الانحرافية ، و انها ايضا على طبقات و درجات متفاوتة كلياتها سبع، كذلك للاعتدال الجمعى الحقيقي الإنساني المشار اليه درجات في الاعتدال الجامع بين ما ظهر و بطن و تقيد و انطلق و فعل و انفعل ، و مظاهرها الكمل و الرسل و الأنبياء و عموم الأولياء و الصالحون، فالكمل صور تلك الحقيقة من حيث ما ينضاف إليها جميع الصور الوجودية و الحقائق الروحانية و الحضرات الإلهية المطلقة منها، المنزهة عن كل قيد، و المقيدة ايضا بحسب الأسماء و الصفات و كافة الموجودات و الحقائق الغيبيات .
و التفاوت الواقع بين الكمل بحسب مزيد السعة و الحيطة و الإطلاق عن الحصر و البسطة ، المقتضى استيعاب كل وصف و الظهور بحكم كل صفة و كلمة وجودية و حرف، فمن كانت نسبته الى نقطة الاعتدال الحقيقي اقرب، كان اكمل استيعابا و أتم حيطة . و لما كانت احوال نبينا صلى اللّه عليه و سلم شاهدة بما ذكرنا من حيث عموم حكم شرعه و احاطة رسالته و كمال ترجمة كتابه عن حال من سبق و من حضر و من يلحق و ظهرت نشأته، مشتملة على شئون الجميع و مراتبهم و أحكامهم و أفعالهم جملة في عصره و تفصيلا في أمته من حيث ان الوجود صورته المطلقة التفصيلية، كما ان الصورة التي ظهر بها صورته المجملة المدمجة الكلية الجامعة بين الجمع و التفصيل و المفاضلة و التفضيل و الاختصار و التطويل و التقييد و الإطلاق و الفوات و التحصيل، صح و وضح لمن استبان له ما ذكرنا ان خُلقه القرآن و ان القرآن نسخة جامعة لجميع صفات الحق و أحكامه و أحواله مع خلقه، و مترجم ايضا كما قلنا عن صور أحوالهم بعضهم مع بعض، و معه غيبا و شهادة و علما و عبادة .
و المسمى محمدا لقب لتلك الحقيقة بحسب الحال و الزمان و بعض المراتب، و كذا الامر في تسمية تلك الحقيقة بالانسانية و بغير ذلك كالاسم «اللّه» و «الرحمن» و وراء ذلك اسماء هي أحق و أتم مطابقة، لو لا انه أخذ علينا العهد من جهة الحق غير مرة لذكرنا منها ما يبرئ الأكمه و الأبرص معنى، و ما عساه ان يهلك آخرين و لا يهلك على اللّه الا هالك، و رحمته وسعت كل شي ء و هو الواسع العليم .
و إذا وضح هذا و تقرر عند اهله علم ان صور الموجودات جميعها على اختلاف طبقاتها نسبتها الى الحقيقة الانسانية المشار إليها نسبة الصورة و النشأة العامة التفصيلية و الصورة الظاهرة بصفة احدية جمع الجمع محذوّة على الصورة الخاصة المدمجة المستوعبة جملة احكام تلك الحقيقة و صفاتها و آثارها من حيث نسبتها الكونية المترجم عنها ب: قُلْ إِنَّمََا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ * ( 110الكهف) و: انى ابن امرأة تأكل القديد، و نحو ذلك . و من حيث نسبتها الاخرى العلية الالية ايضا المترجم عنها بقوله: إِنَّ الَّذِينَ يُبََايِعُونَكَ إِنَّمََا يُبََايِعُونَ اللََّهَ ( 10الفتح) و: مََا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ( 17الأنفال) و: هذه يد اللّه و هذه يد عثمان، و: انى أبيت عند ربى، و: لي وقت لا يسعني فيه غير ربى، و: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطََاعَ اللََّهَ ( 80النساء) و نحو ذلك .
و لا شك ان الأصل واحد و امره واحد و حكمه واحد و لا رادّ لأمره و لا معقب لحكمه، و لا عدد لديه و لا تردد في حضرة اصالته و أحديته تصدق عليه . فالرسالة واصلة و واقعة بين المراتب من وحدة الى كثرة و من بطون الى ظهور و من اجمال الى تفصيل، لتكميل ظهور و توصيل مجهول و تغليب حكم وحدة جامعة على كثرة غير منضبطة و لا مستندة الى اصل جامع، و سار بالحكم و الفعل و الذات و العلم في كل ما هو من لوازمه و تبع له فرسالة الرسل تفصيل الرسالة المحمدية، و كذلك شرائعهم، و لرسالته بسبب ظهوره بوصف الأصل و لسانه و حكمه المهيمنيّة و الاستيعاب و الحيطة و الاستمرار دوام الاعصار، فمطلقه باطنا عين رسالته بحسب أمته الجامعة لاوصاف الأمم، فكل رسول عبد لاسم لا يدعو الا عبيد الاسم الذي منه صدرت رسالته و استندت اليه أمته، و ليس ثمة مستحيل و لا استحالة الا بالذهن او الفرض . فان قيل بالواجب، فعبارة عن الواقع لا غير، و تصور الحوادث و الحدوث انما موجبه حكم الحدوث في محل التصور و سلطنته، و كذلك القدم، لاحاطته الذاتية بحكمي العدم و الوجود النسبيتين ، فالحوادث طارئة على الحادثات، لا على القديم، و إليها ينسب القبل و البعد و القرب و البعد و الاولية و الاخرية .
و القدم لا يتصور حق التصور على ما ينبغي الا بعد ظهور سلطنته في ذات المتصور و ادراك حكمه فيه، فكذا الحال في كل معلوم بالنسبة الى من عرفه، انما يمكن معرفته له من الوجه الذي يناسب المعلوم و يتحد به ، فلا يغايره و قد أشرت الى ذلك فيما تقدم من قبل إشارة جميلة . و إذا تبين هذا علم ان الأصل المستوعب لجميع الاحكام و الأوصاف و الكيفيات تظهر بوجوده الواحد احكام كيفياته المختلفة الغير المتناهية، و تلك الاحكام و الأوصاف و الكيفيات تتناسب و تتنافر و تتعارض و تتظاهر و تفيد و تستفيد و تتولى و تولى و تعزل و تنعزل و تبدو و تخفى خفاء موقتا، تسمى استبطانا و خفاء غير معلوم الوقت، و الهيئات الاجتماعية المدركة في الأشكال بالتشكلات و يسمى غيبا إضافيا، و الحكم يتبع الجمع، و العزل يلزم التفرقة و الصدع، و كلما وضح سر و كمل امر ، حصل عدول ذاتى الى نقص آخر قد خفى الحكم فيه و العلم، اللازمان للوجود الجمعى، فيصل المدد و يظهر العلم و حكمه في الوجود بالعدد كالامر في الطبيعة متى وجدت ضعف عضو و شعرت بنقص، دفعت هناك فضلة يقبلها العضو بموجب استعداده، فيتضرر بذلك تارة و ينتفع اخرى .
و اما الرّد و الإنكار فهو ترجمة لسان مرتبة البعد و المباينة، الحاكمين على باطن المنكر و الراد و الإقرار و القبول هو حكم مرتبة الامر المشترك بين القابل المعترف و بين ما يقبله و يتصل به، و ترجمة ايضا بلسان ذلك الامر، و هذا صفة اهل التقييد من اهل الذوق و الحجاب ما داموا مقيدين لمشرب خاص يقضى بأخذ شي ء و ترك شي ء و تزييف ، امر و تقرير غيره و ترجيحه و اعتقادهم صحته و فساد ما سواه .
و اليه الإشارة بقوله تعالى: وَ مِنَ النََّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللََّهَ عَلى ََ حَرْفٍ، فَإِنْ أَصََابَهُ خَيْرٌ اى ما يوافق اعتقاده و يلائم رأيه او طبعه اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصََابَتْهُ فِتْنَةٌ من حيث حكم المقام المقابل لذوقه و من حيث خاصيته المزجة و خواص المزاج المعنوي المتحصل من اجتماع الصفات و الأخلاق و القوى الروحانية، و من حيث خواص المزاج الطبيعي ايضا، و ما انعجن فيه من خواص التشكلات الفلكية و التوجهات الملكية و المناسبات الكوكبية و الاحكام السماوية الظاهرة الحكم بواسطة ما ذكرنا انْقَلَبَ عَلى ََ وَجْهِهِ اى انكر و نفر، ف :
خَسِرَ الدُّنْيََا وَ الْآخِرَةَ ذََلِكَ هُوَ الْخُسْرََانُ الْمُبِينُ ( 11الحج) أعاذنا اللّه منه .
و لهذا ورد في الصحيح: ان الحق سبحانه يتجلى يوم القيامة للمؤمنين فينكرونه و يستعيذون منه ما لم يروا العلامة التي بينهم و بينه، و هو اعتقادهم فيه انه كذا و ليس كذا، و انه يتحول لهم في الصور فيعرفه كل منهم بعلامته .
فهذا من شؤم الإنكار ان يستعيذ العبد من ربّه حال إخباره سبحانه له انه ربّه و تكذيبه ايّاه، فما أعظمها خجلة لأهل العقائد المقيدة! و لو كانت القيامة دار تكليف لشقوا بتكذيب الحق و ردّهم إياه حال تجلّيه لهم، رَبَّنََا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً فَاغْفِرْ ( 7غافر) هذا حال المنكرين الرادين اهل
العقائد من اصحاب الذوق، و المحجوبين ايضا دنيا و آخرة .
و اما الكمل فانكارهم ترجمة عن المقام المقابل للمقام المختص بالأمر المردود و المنكر، ليس ان امرا ما ينافيهم و يباينهم، و كيف! و بكل منهم ثبت الاشتراك بين الأشياء، و به تعارف ما تعارف منها و ثبت و دام و ظهر حكمه في المحال التي تخصه، و هي هدف آثاره و مرائى أحكامه و منصات تجليه و منازل تدليه .
و هذه النفحة من أمعن التأمل فيها عرف سرّ الرسالة و المرسلين على اختلاف طبقاتهم و حصة كل منهم من حضرة المرسل و من اىّ باب دخل عليه و ارتبط به و انتسب اليه، و كذلك الأولياء و الصالحون و عموم المؤمنين و الضالين من الخلق ايضا أجمعين، و عرف ما الملك و الجن و الشياطين و سائر الموجودات و الكليات من كل ذلك صور ما ذا؟ و كذلك الجزئيات التفصيلية، و عرف حقيقة الكلام و صورته و نسبته الى الحق و الى من سواه، و عرف النسخ و الصحف و الكتب و سرّ تعددها و سبب اختلاف الشرائع لاختلاف احوال الأمم و اختلاف الأسماء التي كانت الرسل مظاهر و تراجم لهم و لرعيتهم من الخلق من حيث الأحوال الوجودية الصورية الطبيعية منها و النفسانية، و الموقتة المتناهية الحكم و غير المتناهية؟ و عرف سرّ القدم و الحدوث و الوجوب و الإمكان و الاحالة، و مراتب الاعتدال و الانحراف و الرّد و الإنكار و القبول و الإقرار و الحجج و العلوم و الأعمال و الفتح و الحجاب، و ان ثمة مفاتيح غيب و ان لم يذكر ما هي. و عرف ايضا ان الأسماء التي بأيدي الناس ليست الأسماء الحقيقية التامة المطابقة المعرّفة للمسميات غالبا من حيث التحقيق و ان أقربها الى الصواب انما هي اسماء الأسماء، و عرف ان الأسماء اسماء النسب و الأحوال و الإضافات، و هكذا الامر في كل ما يسمى صفة للحق او الخلق، و عرف ان كثرة الإنكار و الاعتراض و لو باللّه او بامر اللّه، من غلبة حكم الحصر و التقييد و عدم رؤية وجه الحق في الامر المردود و عدم معرفة احدية المتصرف و التصرف و غلبة حكم الشرك و التضاد و القاضي بالتمييز و التعدد، الحاجب جلاء الذات و نفوذ سلطنتها في محل الراد المنكر . و عرف ايضا سر الامر الإلهي و الحكم و انه من المحال ان لا ينفذ كما أخبر تعالى شأنه و ان كل ما لا يمتثل مما يسمى امرا فليس في الحقيقة امرا، انما هو صيغة امر صادر من الحق من حيثية شأن خاص عارضة حكم شأن اعلى منه في الشرف و القوة و الحيطة، و تغيّر بالمرور على مراتب الوسائط فلم يبق على تقديسه، فلذلك لم ينفذ، و انما سمى امرا للحجاب و لعدم معرفة هل ينفذ ام لا ينفذ؟ عند قوم من المخاطبين به، و اصطلاحا ايضا من حيث تسمية الموصوف باسم الصفة و المجاورة بالعرض او نظرا الى اصل المصدر تقول لبائع الخبز: يا خبز تعال عنب، و المنادى انسان .
و هذا اصطلاح القوم الذين نزل القرآن بلغتهم، و الرسول كما هو مظهر الامر النافذ و منبعه من حيث حقيقته، كذلك هو ايضا منبع الاحكام الكونية التي صيغة الامر من جملتها، القاصرة عن الدرجة الاولى، فهذا يعرفك سبب العصيان و الطاعة المذكورين للناس، و سبب النفوذ و عدم النفوذ و سبب التسمية المجازية من وجه الكونية و سبب نفوذ الامر الحقيقي الإلهي و مصداق قوله: لا راد لأمره و لََا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ( 41الرعد) قوله: إِنِ الْحُكْمُ إِلََّا لِلََّهِ أَمَرَ أَلََّا تَعْبُدُوا إِلََّا إِيََّاهُ ذََلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لََكِنَّ أَكْثَرَ النََّاسِ لََا يَعْلَمُونَ ( 40يوسف) و قوله: وَ قَضى ََ رَبُّكَ أَلََّا تَعْبُدُوا إِلََّا إِيََّاهُ ( 23الإسراء) و القضاء حكمه الذي لا معقب له، فتعرّف استحالة عصيان الحق ورد امره .
و من السنة هذا المقام: فَأَلْهَمَهََا فُجُورَهََا وَ تَقْوََاهََا ( 8الشمس) و: زَيَّنََّا لِكُلِّ
أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ( 108الانعام) و في هذا قال شيخنا رضى اللّه عنه مخاطبا ربه في مشهد موسوى حضرت وقته :
جعلت فىّ الذي جعلتا و قلت لي أنت قد علمتا و أنت تدري بان كونى ما فيه غير الذي جعلتا فكل فعل تراه منى أنت الهى الذي فعلتا و هذا لسان واحد من السنة هذا المقام، و الذي ذكرناه آنفا لسان آخر، و قد قال الشيخ رضى اللّه عنه ايضا
تحاسبهم بما فعلوا و ما فعلوا الذي فعلوا و تطلبهم بما عملوا و أنت خلقت ما عملوا فهل تنجيهم حجج؟ و هل يزكو لهم عمل؟ لئن أخذوا بما عملوا فأعظم منه ما جهلوا و اما الدرج الاخر فقد سبق القول فيه في العام الماضي بحسب ذلك الوقت و الحال، فإنه جاء في ضمن وارد عظيم غريب و هو في جزء سيّرته اليه ليقف عليه ان شاء اللّه . لكن فيما ذكره الأخ دقيقة يجب التنبيه عليها و هو قوله: قال لي و قلت له، ان كان ذلك عن إلقاء ربانى بصورة الهامية تتضمن الأسئلة و الاجوبة، فلا جائز في روع المحققين ذكر قال لي و قلت له، و ان كان صحيحا من حيث النسبة العامة و مشهدا التوحيد، و ان كان بخطاب صريح في عالم الحس او عالم المثال او حالة الانسلاخ عن الهيكل و الاستجلاآت الروحانية، فنسكت فلا نستبعد فان هذا مزلة قدم .
و اللّه و اللّه ان بعض المخاطبات الربانية قد يشذّ عنى منها بعض كلمات، فلا
أستجير ان اصنعه و أرويه عن الحق، و انما اروى عنه ما شافهني به على التعيين دون تأويل، و لا تجمحة بالفرض و التأويل، نعم! و الفهم المعنوي الصحيح بالإلهام الرباني و الإلقاء دون ما ذكرنا، و كل اعلم من وجه بحاله، بل الإنسان على نفسه بصيرة، و هذا لسان تحقيق، وَ اللََّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ( 4الأحزاب) .
و اما الامر في الفتح العلمي و الإلقاءات، سواء صحبت المعاني عباراتها او لم تصحب، فان شرط صاحبها ان يمشى معها، الا ان تقف هي و تنقطع، و احدى علامات ذلك الاحتياج الى فكر او روية و لو في كلمة واحدة تكون متممة لمسألة او شرح مقام اوامر من الأمور التي ورد الوارد لبيانها و التعريف بكنهها، و قد ينقطع الوارد في أثناء كلمة واحدة فلا يسوغ تتميم تلك الكلمة بدون وارد آخر و معاودة ذلك الوارد .
و قد رأينا ذلك لشيخنا رضى اللّه عنه غير مرة و وصانا به و قبلنا الوصية و بورك لنا في ذلك، و اوجب الامر الإلهي علينا التّنبيه على ذلك، و اللّه ولى التوفيق و الإحسان