موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

النفحات الإلهية

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

قاعدة كلية تتضمن التعريف بكيفية تدبير الأرواح الأجساد و صورة الارتباط بين كل منها مع الاخر

 

 


اعلم ان الارتباط الذي بين الروح الحيواني و بين المزاج الطبيعي الإنساني ثابت بالمناسبة، كما ان الارتباط بين النفس الناطقة و بين الروح الحيواني انما صح و ثبت ايضا بالمناسبة، و لو لا ذلك ما تأتي للنفس تدبير المزاج البدني لما بينهما من المباينة من جهة بساطة النفس و تركيب البدن و فرط كثرة اجزائه و اختلاف حقائق ما تألّف منه .

فالبخار الذي في تجويف القلب و ان كان جسما فإنه الطف أجزاء بدن الإنسان و أقربها نسبة الى الأجسام البسيطة، و هو كالمرآة للروح الحيواني .

و الروح الحيواني من حيث اشتماله بالذات على القوى الكثيرة المختلفة المنبثة في أقطار البدن و المتصرفة بافانين الأفعال و الآثار المتباينة تناسب المزاج البدني، المتحصل من العناصر و ما يتبعه من الخواص المعدنية و النباتية و الحيوانية، و من حيث انه قوة بسيطة.

كشف سر من اسرار القلب من حيث اشتماله على معنى الارتباط الواقع بين الروح و الجسد. القلب الصنوبري عرش للبخار الذي في تجويفه و حارس له و حجاب عليه، و البخار المذكور عرش للروح الحيواني و حافظ له و آلة يتوقف عليه تصريفه، و الروح الحيواني بمظهره البخاري عرش و مرآة للروح الإلهي الذي هو النفس القدسية الناطقة و واسطة بينه و بين البدن، به يصل حكم تدبير النفس الى البدن و لوازم ذلك التدبير، و النفس القدسية باعتبار ما تقدم ذكره من المظاهر مضافا إليها حال الإيجاد الذي هو هنا عبارة عن انصباغ كل مظهر منها بوصف الظاهر به، و التحقق باحدية الجمع عرش الاسم اللّه، كما أخبر الرسول صلوات اللّه و سلامه عليه عن ربه عز و جل بانه قال: ما وسعني ارضى و لا سمائى و وسعني قلب عبدى المؤمن التقى النقي اللّيّن الوادع، و الالف و اللام لتعريف العهد لا لاستغراق الجنس، فان هذه السعة و التجلي اللازم لها اثر يختص بالكمل المسمين بالاقطاب، و العرش المحيط بهذا العرش الظاهر المذكور ما خلا النفس القدسية النشأة الإنساني الطبيعي العنصري من حيث رتبة جسمه الشامل الحكم فيما مر ذكره في العروش، ثم إذا اعتبرت الامر من حيث الباطن كانت نفس الكامل التي شأنها ما ذكر هي العرش المحيط، و دونها الروح الحيواني ثم البخاري الضبابي الذي في تجويف القلب، ثم الصورة الصنوبرية التي للقلب، ثم الجسم المتوقف بقاؤه و نشؤه في اول الامر على القلب الظاهر بعده و منه، من حيث ان القلب اوّل شي ء يتكون من الإنسان ثم يتكون باقى جسمه منه و بواسطته، فافهم. و اللّه المرشد. متعلقة غير محسوسة محمولة في ذلك البخار القلبي الذي قلنا انه كالمرآة له تناسب النفس الناطقة، و انه ايضا كالمرآة لها اى للنفس و نسبة النفس الجزئية الانسانية الى النفس الكلية، نسبة الروح الحيوانية إليها من جهة الافتقار الى المادة و التقيد بها و ملابسة الكثرة و من جهات غير هذه المذكورة، كخواصّ امكانات الوسائط من الأفلاك و النفوس و العقول و الشئون المعبر عنها بالأسماء 21/ 13و نسبة النفس الكلية الى القلم الأعلى المسمى بالعقل الأول و الروح الكلى، نسبة النفس الجزئية الى النفس الكلية، و نسبة الروح الكلى المشار اليه الى جناب الحق سبحانه نسبة النفس الكلية اليه، بل اقل و أضعف، هذا و ان كان هذا الروح الكلى الذي هو القلم اشرف الممكنات و أقربها نسبة الى الحق و انه حامل الصفات الربانية و الظاهر بها علما و عملا و حالا . فالسير و السلوك و التوجه بالرياضة و المجاهدة و العلم و العمل، المحققين المتأصلين بأصول الشرائع و التعريفات الربانية يثمر بعناية اللّه و مشيئته انصباغ القوى المزاجية بوصف الروح الحيواني في الجمع بين خاصية البساطة و التجريد و بين التصرفات المختلفة بالقوى المتعددة في فنون الأفعال، و التصريفات الظاهرة في بدن الإنسان بالقوى و الآلات . و الروح الحيواني كماله الأول انصباغه باوصاف النفس الناطقة، و النفس الناطقة الجزئية كمالها الأول تحققها بوصف خازن الفلك الأول المسمى في الشرائع ب :اسماعيل، و عند اهل النظر بالفعال، و كمالها المتوسط ظهورها و تحققها بوصف النفس الكلية و اكتساب أحكامها على وجه يوجب لها التعدي منها الى المرتبة العقلية و الروح الكلى .

ثم الاتصال بجناب الحق و الاستهلاك فيه بغلبة حكم الحقية على الخلقية و زوال الخواص الامكانية و التقييدية بأحكام الوجوب و بقهر حكم الحق الواحد القهار كل حكم و وصف كان يضاف الى سواه، و هذا القهر يرد على كل ما امتاز من مطلق الغيب الكلى الرباني، و تلبّس بواسطة الأحوال الايجادية بأحكام الإمكان و التقييدات الكونية المتحصلة من الشروط الوسائط .

فيستهلك الجزء في كله و يعود الفرع الى أصله مستصحبا خواص ما مر عليه و استقر فيه مدة و وصل اليه، كماء الورد كان أصله ماء فسرى في مراتب التركيب و المواد، و اكتسب بسرايته ما صحبه بعد مفارقة التركيب من طعم و رائحة و خواص آخر، و لا يقدح شي ء منها في وحدته و بساطته .

و إذا عرفت هذا فاعلم انه يتحصل بين كيفيات المزاج الإنساني و بين ما يكون قلب الإنسان و ذهنه مغمورا به من المقاصد و التوجهات و غيرهما كانت ما كانت، و بين ما ارتسم ايضا في نفسه من العلوم و العقائد و الأوصاف و الأخلاق في كل وقت، هيئة اجتماعية .

تلك الهيئة مع ما ذكرناه اولا في القاعدة بالنسبة الى جناب الحق من جهة عدم الوسائط و بالنسبة الى سلسلة الحكمة و الترتيب و ما أودع سبحانه من القوى و الخواص و الأوامر و الاسرار في السموات العلى و ما فيها من الكواكب و الاملاك و ما يتكيّف به من الأوصاف و التشكّلات، كالمرآة يتعين فيها من تجلى الحق و شأنه الذاتي و امره الترتيبى الحكمي العلوي، و ما يتبعه جميع التصورات و التصرفات الانسانية و ما ينضاف الى الحق من الأسماء و الصفات و الشئون و الآثار .

فمنها، اى من الأمور المتعينة المشار إليها ما هي دائمة الحكم ثابتة الأثر، و منها ما يقبل الزوال لكن ببطؤ و منها سريعة الزوال و التبدل من حال الى حال، و منها ما نسبته الى الحق اقوى و أخلص و منها ما نسبته الى الكون او الإنسان جمعا و فرادى من حيث ظاهر المدارك غالبا أحق و انسب، و منها ما يفيد معرفة الاشتراك بين الحق و ما سواه من انسان و غيره، و منها ما يقضى بالاشتراك بين الحق و الإنسان فقط .

و لست اعنى بالإنسان هنا نوع الإنسان، بل يعنى به الإنسان الحقيقي الذي هو بالفعل انسان كامل الذي من جملة مناصبه مقام النيابة عن الحق، و كونه واسطة بين الحق و ما سواه في وصول ما يصل من الحق الى الخلق في عصره ، هكذا كل كامل في كل عصر 30/ 13و هذا المشهد لما أريته عرفت منه سر التجدد بالأمثال و بالاضداد و المتخالفات و اعنى بالتجدد تجدّد وجود الكون و الخواطر و التصورات و نتائجها في كل زمان، و ظهور الخلق الجديد الذي الناس منه في لبس كما أخبر تعالى و قوله الحق: بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ( 15ق) و رأيت تعين الوجود المطلق بصور الأحوال و هي ذات وجهين، فكلها الهية من وجه و كونية من وجه و صادق على الجهتين باعتبار آخر .

و رأيت تعين الأسماء و الصفات الإلهية و الكونية بحسب تلك الأحوال .

و رأيت كيف ينتج بعض الأفعال و العقائد و الأحوال الانسانية سخط الحق و رضاه و أحكامه و تعدد اثره الوحدانى مع عدم تغير امر في ذلك الجناب الأقدس. بل رأيت بعض الأفعال و التصورات العلمية و الاعتقادية من الإنسان إذا اقترن بحال مخصوص من أحواله استجلب بحكم علم اللّه السابق فيه و تقديره اللاحق، تعينا جديدا من مطلق غيب الحق يظهر بحسب تلك الهيئة الاجتماعية المتحصلة كما قلنا من التصورات العلمية الروحية او الاعتقادية الذهنية الظنية و الكيفيات المزاجية و النقوش و التعشقات النفسية و الأوصاف و الأخلاق الشريفة و الدنيئة . فان كان اثر ذلك الامر الظاهر التعين شيئا موافقا لما سبق به التعريف الإلهي بلسان الشريعة. و ما تدرك العقول و الفطر السليمة وجه الملاءمة و الحسن فيه، أضيف الى الحق، بمعنى ان ذلك اثر رضاه و رحمته، و ان كان الامر بالعكس أضيف الى الحق بمعنى انه اثر غضبه و قهره سلمنا اللّه منهما و ان كان الغالب على مزاج تلك الهيئة المتحصلة من اجتماع ما ذكرنا، حكم حال الإنسان، اعنى الحال الجزئى الحاكم عليه إذ ذاك كان ذلك السخط او الرضاء او الحكم الإلهي المتعين في الإنسان بحسب حاله الحاضر، قابلا للزوال بسرعة و كان قصير المدة .و ان كان الغالب على الشخص و الجالب ما ذكرنا حكم العقائد و العلوم الراسخة و الأوصاف و الأخلاق الذاتية الجبلية و المكتسبة الثابتة ، ثبت الأثر و الحكم او تماديا المدد الطويلة شرا كان او خيرا .و كذلك ان كان الغالب فيما ذكرنا من الإنسان حكم صورة مزاجه و قواه البدنية الطبيعية و الأوصاف و الأحوال اللازمة للبدن و قواه، انقضى الحكم بمفارقة هذه النشأة العنصرية .

و ان كانت الغلبة للأمور الباطنية النفسانية و ما بعدت نسبته من عالم الشهادة، بقي الأثر و الحكم مصاحبين الى حين ما يشاء اللّه .

و ان كان الغالب فيما ذكرنا الأمور الذهنية الخيالية الظنية، تمادى الحكم في النشأة البرزخية ايضا حتى يشاهد ما قدر له ان يشاهده مما كان يتصوره على خلاف ما كان عليه، و اليه الإشارة بقوله تعالى: وَ بَدََا لَهُمْ مِنَ اللََّهِ مََا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ( 47الزمر) و حتى تظهر غلبة احكام الروح و علمه و حكم صحبة الحق بالمعية الذاتية و سرّه على حكم المزاج، و تخيلات صاحبه التخيلات الغير المطابقة لما عليه المتصور، و اليه الإشارة بقوله تعالى: هُنََالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ مََا أَسْلَفَتْ وَ رُدُّوا إِلَى اللََّهِ مَوْلََاهُمُ الْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ مََا كََانُوا يَفْتَرُونَ ( 30يونس) ثم اعلم ان كل نشأة ينتقل الإنسان إليها بعد الموت فإنها متولدة عن هذه النشأة العنصرية، و ان في ضمن هذه النشأة ما يدوم و يبقى و ان تتنوع ظهوره و اختلفت كيفياته و تراكيبه و فيه ما يفنى بالموت و فيه ما يصحب الروح في البرزخ من القوى الطبيعية و التصورات الذهنية الخيالية من شر و خير، و نعنى بالشر هنا الاعتقادات الفاسدة و التصورات الرديئة و المقاصد القبيحة المستحضرة، و الباقي من لوازم ما ذكرنا من صور الأفعال و الأقوال الانسانية بموجب القصد و الاستحضار المذكورين .

و اما النشأة الحشرية فإنها باطن هذا الظاهر، فيبطن هناك ما ظهر الان و يظهر ما بطن على وجه جامع بين جميع احكام ما بطن الان و ظهر و ما نتج من هذا البطون و الظهور و الجمع و التركيب . ثم عند الصراط يفارق السعداء ما يبقى فيهم من خواص هذا المزاج و الدار مما هو عنصرى غير طبيعى، و تبقى معهم أرواح قوى هذه النشأة و جواهرها الاصلية المتركبة بالتركيب الأبدي الطبيعي الغير العنصري، و صورة الجمع و التأليف الغيبى الأزلي . و اهل الشقاء ينفصل عنهم ما قد كان يبقى فيهم من أرواح القوى الانسانية و الصفات الروحانية، و تتوفر في نشأتهم صور الأحوال المزاجية الانحرافية و الصفات الرديئة و الكيفيات الرديئة الحاصلة في تصوراتهم و أذهانهم، و التي ترتبت عليها أفعالهم في الدار الدنيا و أقوالهم .

و ينضم الى صورهم ما تحلّل من اجزائهم البدنية في هذه النشأة، فان كل ما تحلل من أبدانهم يعاد إليهم و يجمع لديهم بصورة ما فارقهم عقلا و علما و حالا و عملا و ما يقتضيه ذلك الجمع و التركيب الذي يغلب عليه حكم الصورة على الروحانية . و اهل الجنة بالعكس، فان اكثر قواهم المزاجية و الصفات الطبيعية و ما تحلل من أبدانهم ينقلب بوجه غريب شبيه بالاستحالة صورا روحانية مع بقاء حقيقة الجسم في باطن صورة السعداء فالباطن هنا مطلق و الظاهر مقيد، و الامر هناك بالعكس، حكم الإطلاق في ظاهر النشأة الجنانية و حكم التقييد في باطنها، و غالب الحكم و الأثر فيما ظهر هناك لما بطن هنا و بالعكس .

و النشآت المشار إليها هنا أربعة: او لها هذه النشأة العنصرية، و هي كالبذرة لباقى النشآت، و لها الادماج و الجمع الأكبر . و بعدها نشأة البرزخ و انها منتشئة من بعض صور احوال الخلق و بعض أعمالهم و ظنونهم و تصوراتهم و أخلاقهم و صفاتهم، فيجتمع مما ذكرنا امور تحصل لها هيئة مخصوصة، كالامر في المزاج المتحصل من اجتماع الاجزاء التي منها تركب ذلك المزاج كان ما كان، فتقتضى تلك الهيئة ظهور النفس في الصورة المتحصلة من تلك الهيئة و ذلك الاجتماع، و صفة الصورة بحسب نسبة الصفة الغالبة على الإنسان حين مفارقة هذه النشأة .

فيظهر بعضهم في البرزخ بل و برهة من زمان الحشر في صورة اسد و ذيخ و طير، كما ورد في الشرع و شهد بصحته الكشف و التعريف الإلهي، و ليس هذا بالمسخ و التناسخ المستنكر، فان القائلين بذلك زاعمون انه في الدنيا، و هذا انما هو في البرازخ بعد الموت، فافهم .

و من غلبت عليه الاحكام الروحانية و أفرط اعراضه عن هذه الدار و هذه النشأة، كالشهداء المقبلين في سبيل اللّه للجهاد بطيب قلب و صحة ايمان، تظهر

نفوسهم في صور طيور روحانية، كما أخبر صلى اللّه عليه و سلم: ان أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمر الجنة تأوى الى قناديل تحت العرش .

و ورد في المعنى في الحديث الصحيح ان في غزوة احد قال بعض الصحابة لبعضهم معاتبا له: أ تقعد عن جنة عرضها السموات و الأرض، و اللّه انى لأجد ريحها دون احد، و هذا من بركة نور الايمان و فرط استفراغ الهمة حال التوجه، مع الاعراض التام عن هذه النشأة و هذه الدار، و استشهد صاحب هذا القول يومه ذلك رضى اللّه عنه و المتوسطون من الأولياء المفرطين في الانقطاع عن الخلق و المجاهدات البدنية ايضا كذلك، و اما الكمل فإنهم لا ينحرفون الى طرف من الوسائط، بل يوفون كل مرتبة حقها، فهم تامّون في عالم الطبيعة و تامّون في الحضرات الروحية، كربّهم سبحانه الَّذِي أَعْطى ََ كُلَّ شَيْ ءٍ خَلْقَهُ ، فلا تغلب عليهم الطبيعة و لا الروحانية .

و من سواهم اما مغلوب الروحانية مستهلك الطبيعة و اما مغلوب الطبيعة المستهلك قواه الروحانية في عرصة طبيعته كما هو حال جمهور الناس، و الكمل المقربون في حاق الوسط، برازخ بين الطبائع و الأرواح، بل بين المرتبة الإلهية و الكونية، فافهم . و اما الباقيان من النشآت فأحدهما النشأة الحشرية و ثانيهما النشأة الاستقرارية في احدى الدارين، و قد سبق التنبيه عليهما، و اللّه الميسر .

جاء وارد بكتابه في جملته امر مضمونه: اعمل لي، قلت: اعمل له تصديقا بوعده و وعيده و ترجيا لفضله المرغب فيه، قالت نفسى: هذا لا يصلح لمقامى، قلت: اعمل له بموجب امره امتثالا و انقيادا، قالت: هذا ايضا لا يصلح، لأني حالتئذ أكون عبدا لأمره لا عبده قلت: اعمل له لا نظرا الى الامر بل نظرا اليه من كونه آمرا، قالت :

ان الوارد يأبى هذا ايضا، فانى أكون عبدا له من كونه آمرا، لا عبدا حقيقة، قلت: اعمل له شكرا على ما أنعم به علىّ، قالت: مقامى يأباه، قلت: اعمل له ابتغاء وجهه الكريم، قالت : وقوفك مع حظك منه و ابتناء عملك على علة امر ينافيه كمال المقام، قلت: فاعمل به سبحانه له، قالت: نعمت الالة و بئس المستعمل، قلت: اعمل و لا اقصد بعملي امرا ما و لا استحضر حال مباشرتى العمل و الشروع فيه نية متعلقة بمطلب معين يكون سببا لانبعاثى نحو العمل، قالت: لا، هذا شبيه العبث، قلت: فكيف العمل؟ قال الوارد برسالة النفس: اجتهد أن لا تجعل لهمتك و همك متعلقا غير الحق، لكن تعلقا جمليا كليا غير محصور فيما علمت منه او سمعت عنه، بل على نحو ما يعلم نفسه في اكمل مراتب علمه بنفسه و أعلاها، ثم ترى انه العامل بك لا أنت هذا بعد ان يستصلحك فيكسبك وصفه الإطلاقى كما أخبر امام الكمل صلى اللّه عليه و سلم بقوله: ان اللّه قال على لسان نبيه و في رواية: على لسان عبده سمع اللّه لمن حمده، و اكساب ذلك الوصف هو ان يصدق في حقك حكم التمحض المنبه عليه بقوله: إِنَّ الَّذِينَ يُبََايِعُونَكَ إِنَّمََا يُبََايِعُونَ اللََّهَ ( 10الفتح) و: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطََاعَ اللََّهَ ( 80النساء) و حكم التشكيك المنبه عليه بقوله: وَ مََا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لََكِنَّ اللََّهَ رَمى ( 17الأنفال) فمتى صح لك ذلك وراثة محمدية كان قولنا: يعمل بك و أنت و غيرهما من الضمائر إشارة الى الشأن الذي قيد فعله سبحانه المطلق الذي لا وصف له قبل هذا التقييد الشأنى و لا اسم و لا حكم و لا رسم، و انما عرض له بحكم هذا التقييد ظهور بوصف و اسم و حكم و رسم، و تبع هذا التقييد الشأنى المنبه عليه تقييدات آخر كانت مدرجة و لازمة للتقييد المنبه عليه، كقيد الازمنة و الامكنة و المواطن و المراتب التابعة لمرتبة الشأن المذكور و النشآت، فإنه اعنى هذا الشأن منبع كل ما ذكر و محتده .

فإذا تحققت بهذا الوصف الإطلاقى من حيث هذا الشأن الجمعى الاحدى صدرت منك الأفعال، و صدورها من جناب ربك دون غرض و لا استكمال بها، لما ثبت في بعض اذواق امهات المقامات الكبرى انه سبحانه كمل فأوجد، لم يوجد ليكمل، فايجاده نتيجة كماله، ليس كماله نتيجة إيجاده، فان كنت محذّيا على صورة حضرته فكذلك فلتكن، فيصدر الفعل المحمود المسمى خيرا منك، لكونه خيرا، لا لغرض يصحبه تتوخى حصوله بذلك الفعل . و معنى قولى: لكونه خيرا، ليس بمعنى ان العلم بخيريته اوجب صدوره منك، بل تصير بحيث لا يمكن ان يصدر منك الا ما هذا شأنه، و ترى فعلك مع هذا الوصف الإطلاقى مطابقا لأحكام المراتب الشرعية و العقلية، لكن غير منحصر فيها بالنسبة الى افهام المحجوبين، كما هي الأفعال المنسوبة الى ربك لا يمكن معرفة اسرار جميعها و لا تنحصر في ميزان معين و لا يستوعب احد ما يتضمنه من الحكم و لا توجب الحكمة عليه فعل امر ما، و ان لم يخل فعله من الحكم البالغة، بل ما يفعله هو عين الحكمة و لب المصلحة و ثمرة الكمال الذي هو اصل ايضا لكمال آخر مستجن في كماله الذاتي الأول، الظاهر بواسطة الأسماء و أحكامها .

و العبد على خلق سيده و ان جهل امره و مقصده فذلك ايضا عنوان صحة حاله الدال على كمال مضاهاته، و كفاه ذلك شرفا و بهاء و رئاسة تعلو على كل رئاسة و تحكم على كل كمال مقيّد و حال، و اللّه اعلم.

تذكرة

وجد الكون لظهور الكمال المتوقف حصوله على الظهور و السريان، لينصبغ كل فرد من افراد حقائق مجموع الامر كله بجميع احكام كل حقيقة، و تمام ذلك انما يكون

بوساطة بعض الحقائق في حصول البغية من البعض الاخر و بالعكس و بارتباط النسب بالحكم ظاهرا على مقتضى معقوليتها باطنا، ليحصل الكمال بالجمع بين الأمرين و لتمم الاعتبارات العلمية و الكيفيات الوجودية تمامية فعلية شهودية و انفعالية مشهدية. هذا سرّ مطلق الإيجاد من حيث حضرة الجمع و الوجود، و صورة ذلك في الإنسان على الخصوص، فإنه النسخة الجامعة و الظاهر بصورة الحضرة .



 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!