المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
النفحات الإلهية
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
نفحة الهية بامر كلى من كتاب علم العلم
قد كان معلوما من حيث الأصل ظهر بصورة اخرى، فاثبت و محا و أفقر و اغنى و جمع فأوعى، من عرف اللّه من كونه واحدا فما عرفه، و من عرف اللّه باللّه فما عرفه، و من عرف اللّه بالدلائل و الشواهد و الآيات فما عرفه، و من عرف اللّه باشهاد حاصل عقيب طلب فما عرفه، و من عرف اللّه بتعريف معين منه سبحانه فما عرفه، و من عرفه من حيثية حال ما من احوال نفسه فما عرفه، و من كانت معرفته نتيجة توجهه نحو الحق او إقباله عليه بعلم و عمل و قصد و تعمّل فما عرفه، و من كان حاصل معرفته امرا يستلزم أخذ شي ء و ترك و شي ء و تصحيح امر و تزييف امر و تقرير و اعتراض و ترجيح و اعراض فما عرفه، و من ذاق طعم الاستهلاك في الحق و رآه الغاية فما عرفه، و من توقفت معرفته على موجب ما او موجبات معلومة او مجهولة فما عرفه .
و انما المعرفة لمن فجئه الحق بتجلّ غير منضبط و لا مكيّف بحيث يستلزم ذلك الشهود معرفة لم ترد على حال معين، و كان من شأن تلك المعرفة معرفة سبحانه انه بكل وصف موصوف، و له ظاهرية جميع الصور و الحروف جمعا و تكثرا ، كما انه المعنى المحيط بكل حرف توحدا و تستّرا ، يقبل بالذات من كل حاكم كل حكم و يظهر بكل رسم، و يتسمى من حيث كل شأن من شئونه التي لا تتناهى بكل اسم، لا ينحصر في عرفان و نكر و لا يتنزّه من حيث ذاته عن امر، نسبة التركيب اليه كالبساطة، و الحصر و القيد كالاطلاق و الاحاطة من جملة أوصافه وحدة هي منبع الوحدة و الكثرة المعلومتين، و له اطلاق المقدر من وجه ايضا عن كل وصف جامع بين صفتين متباينتين او متفقتين معروفتين او مجهولتين، أسمائه و صفاته متعينات بشئونه ، و تعين بعض شئونه موقوف على البعض، و منتهى فروعها متصاعدا امهات شئونه المسماة بمفاتيح الغيب، و الاثنان منها متفرعان عن السابقين عليهما، و السابقان و هما مفتاحا الكثرة متفرعان عن الوحدة، و هي اعنى الوحدة و ما سرى و تعين بها من مطلق الذات متعين مما لا يتعين منه .
فمن تحقق بالشهود الذي هذه المعرفة من لوازمها، و وجد صحة ذلك و مطابقته منه سرا و معنى و روحا و مفنى في كل موطن و حال و حس و مثال، و رأى الامر مطردا في تفاصيل شئون ذاته و فيما خرج عنه باعتبار من مخلوقاته سبحانه و مكوناته ، و رأى نفسه و كل شي ء من وجه غير الحق و من وجه شأنه و من وجه عينه، و رأى الحق مرآة يرى فيها تفاصيل احوال عينه، كما يرى عينه مظهرا لوجود
الحق، كل ذلك في آن واحد جامع بين هذه الاحكام و غيرهما مما لا يتعين ذكره بعبارة و لا يتنبه له باشارة، و صحت له المضاهاة و المسامتة في العين حيث لا وصل و لا بين و لا حيث و لا اين، و كان إدراكه لما أدرك في ذاته و بذاته و تمكن ان يظهر من حيثية كل وصف و حال بأحكام سائر الشئون و الصفات، و ان يظهر ايضا ما شاء إظهاره تماما في كل الحالات و حفظ صورة الخلاف باحدية الجمع، كما يحفظ الوتر الشفع و كما ينحفظ ايضا بالأصل الفرع، فهو العارف و المدرك الواصف و الحافظ الثاقف و الحاكم المشارف، و وراء ما ذكر ما لا ينقال و لا يظهر صاحبه حكمه و لسانه تماما لذي علم معين و لا حال .