موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

النفحات الإلهية

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

نفحة ربانية كلية وردت عقيب سؤال بعض الاصحاب عن سرّ الشيئيتين

 

 


الثبوتية و الوجودية و تضمنت النفحة الواردة زوائد شريفة و اسرار لطيفة و الحمد للََّه المنعم سأل بعض الأصفياء من الاصحاب زاده اللّه توفيقا و إكراما عن سرّ قوله تعالى: وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً ( 9مريم) و عن قوله تعالى: هَلْ أَتى ََ عَلَى الْإِنْسََانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ( 1الدهر) اما هاتان الشيئيتان ؟ و هل هما شي ء واحد و ان ورد ذكر أحدهما موصوفا و الاخر منكرا مطلقا ام بينهما فرق ؟

فأقول في الجواب بلسان الذوق و الفيض الوهبي لا التّعمل الفكرى و العلم الكسبي :

ان الشيئية تطلق شرعا و تحقيقا باعتبارين: أحدهما شيئية الوجود و الاخر شيئية الثبوت، و نعنى بشيئية الوجود كون الشي ء موجودا بعينه عند نفسه و غيره، و هذا القسم معلوم عند الجمهور قريب المتناول.

شي ء في علم الحق ازلا و ابدا على وتيرة واحدة ثابتة غير متغيرة و لا متبدلة، بل متميزة عن غيرها من المعلومات بخصوصيتها، و لم يزل الحق عالما بها و بتميزها عن غيرها، لا يتجدد له سبحانه بها علم و لا يحدث له فيها حكم، لنزاهته عن قيام الحوادث به و تقديس جنابه عن تجدد علمه بشي ء لم يكن معلوما له تماما قبل ذلك، بل إيجاده بقدرته التابعة لإرادته بعد علمه السابق الأزلي، الظاهر حكم تخصيصه بالارادة الموصوفة بالتخصيص .

و الشيئية بهذا الاعتبار هي الشيئية المخاطبة بالأمر التكويني المنبه عليها بقوله تعالى: إِنَّمََا قَوْلُنََا لِشَيْ ءٍ إِذََا أَرَدْنََاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( 40النحل) فلها ضرب ما من الوجود بالنسبة الى علم الحق بها و تعينها و تميزها في عرصة علمه الأزلي عن غيرها من المعلومات، و هكذا الامر في جميع الممكنات ما سبق العلم بدخوله في الوجود و ما اقتصى ثبوته في حضرة الإمكان العام على حالته العدمية، فأطلق الحق سبحانه اسم الشيئية على ما لم يخاطب بعد بالتكوين و لم يتعلق القدرة بإيجاده، تنبيها منه سبحانه للالبّاء من عباده بانّ لكل معلوم من معلوماته عز و جل صورة ازلية ثابتة في حضرة علمه، هي المتوجه إليها بالخطاب التكويني على التعيين و التخصيص دون غيرها من المعلومات، مع تميز كل منها عن غيره عنده سبحانه، فله ضرب من الوجود باعتبار علم موجده به فحسب، لا ان له في نفسه تحققا وجوديا. و قوله تعالى: لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ، إشارة الى ما ذكرناه، و لقوله: مذكورا، ثلاث مراتب :

المرتبة الاولى في ام الكتاب، و هو الذي يستمد منه القلم الأعلى ما يسطره في اللوح، المحفوظ من النسيان و التبديل و التغيير كما وردت الإشارة اليه غير مرة في الكتاب و السنة، مثل قوله تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ( 21و 22البروج) و نحو ذلك مما تكرر ذكره، و هكذا وردت الإشارة اليه مرارا في ام الكتاب مثل قوله: وَ إِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتََابِ يعنى القرآن لَدَيْنََا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ( 4الزخرف) و قوله: وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتََابِ ( 39الرعد) . و اما قوله: وَ لَقَدْ كَتَبْنََا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ ( 105الأنبياء) اى من بعد تعين ذلك الامر المزبور في ام الكتاب و اللوح المحفوظ، و الشأن في الزبور بجميع اعتبارات مفهوماته كما هو الامر في القرآن، من انه نزل من ام الكتاب حال شروع القلم الأعلى في كتابة ما امر بتسطيره في اللوح المحفوظ، ثم نزل من اللوح المحفوظ الى السماء الدنيا دفعة واحدة في ليلة القدر من شهر رمضان، ثم تفصل بوحي آخر و نزل الى الأرض منجما في ثلاث و عشرين سنة سورا و آيات كما بلغك .

و قد ورد الذكر في الشريعة بطرز آخر، و ان لم يخرج عن الأصول المذكورة، و هو قوله صلى اللّه عليه و سلم: ان اللّه كتب مقادير الخلائق في الذكر قبل انى يخلقهم، او كما قال، و في اخرى: ان اللّه كتب كل شي ء في الذكر ، و في رواية اخرى: ان اللّه قدر مقادير الخلق قبل ان يخلق الخلق بألفي عام، فهو في كتاب عنده فوق العرش. و ورد في اسم ذلك الكتاب انه الذكر، فقوله سبحانه: مَذْكُوراً ، قد يريد به مزبورا، اى مكتوبا، و قولى: قد يريد، تأنيس لعقول المنكرين الضعيفة و تنزّل، و الا فالأمر بحمد اللّه عندي معلوم محقق دون ريب و تردد و تأويل على سبيل الاحتمال، لكن انما تلمع منه بطرف مما يمكن تقريره لذي افهام المحجوبين تسكينا لقلقهم بالقواعد الشرعية و الاخبارات النبوية، فافهم و اللّه اعلم . ثم نقول بعد هذا باللسان المشار اليه: انه قد يكون المراد من قوله: و لم تك شيئا، الشيئية الموصوفة بقوله: لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً ، اى معلوما عند نفسه له شعور بعينه، فليس بشي ء بالنسبة اليه، الا بالنسبة الى علم موجده به .

و قد يريد بالشيئية الشيئية الثبوتية المنبه عليها من قبل، المتعينة و المتميزة في عرصة العلم و المقام الثبوتي بالتميز الذاتي ثم امتازت بالجعل الكلى في المدة القلمية، فتعينت بعد حرفيتها الاولى بالكتابة القلمية حروفا و كلمات وجودية في اللوح المحفوظ و ما بعد اللوح من الحضرات كالعرش و الكرسي و السماوات و الأرض و ما بينهما من صور الطبائع، فاعلم ذلك .

اعلم انى رأيت مرتبة الذكر بين اللوح المحفوظ و بين العرش، فهو اعنى الذكر برزخ بين اللوح و العرش، و له وحدة من وجه و كثرة من وجه آخر، فالعارف بمقامه هو المدرك على هذا الوجه، فاعلم ذلك «منه رضى اللّه عنه»

و الذي يقتضيه ذوق مقام الكمال في هذا من المزيد مع صحة ما سبق ذكره هو ان لصورة معلومية كل شي ء في عرصة العلم الإلهي الأزلي مرتبة الحرفية، فإذا صبغه الحق بنوره الوجودي الذاتي، و ذلك بمحركية معقولة معنوية يقتضيها شأن ما من الشئون الإلهية المعبر عنه بالكتابة، تسمى تلك الصورة اعنى صورة معلومية الشي ء المراد تكوينه كلمة، و بهذا الاعتبار سمى الحق الموجودات كلمات و نبه على ذلك في غير ما موضع من كتابه العزيز، فسمى عيسى على نبينا و عليه الصلاة و السلام كلمة و قولا، و قال ايضا: لََا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللََّهِ ( 30الروم) و قال ايضا: لََا تَبْدِيلَ لِكَلِمََاتِ اللََّهِ ( 64يونس) و قال في حق أرواح عباده: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ اى الأرواح الطاهرة، لان الطيب في الشريعة الطاهرة، و قد يرد بمعنى الحلال و هو ايضا راجع الى الطهارة، ثم قال: وَ الْعَمَلُ الصََّالِحُ يَرْفَعُهُ ( 10فاطر) لان الأعمال هي المطهرة للنفوس الملوثة، فترقى بانوار الطاعات و الأوصاف المقدسة الموهوبة و المكتسبة الى الدرجات العلى، كما يكرر اخبار النبي صلى اللّه عليه و سلم عن ذلك .

فثبت بما ذكرنا مما أخبرنا عند من لا يعرف الامر الا من طريق الاخبار ان الموجودات كلمات اللّه و ان الإيجاد بالكلام، و الكلام من حيث المرتبة متأخرة عن مرتبة الحرفية .

فإذا فهمت هذا عرفت ان شيئية الأشياء من حيث حرفيتها شيئية ثبوتية في عرصة العلم و مقام الاستهلاك في الحق، و انّها يعيّنها في عرصة الوجود العيني باعتبار انبساط نور وجود الحق عليها و على لوازمها و اظهار مالها لا له سبحانه هي كلمة وجودية، فلها بهذا الاعتبار الثاني شيئية وجودية بخلاف الاعتبار الأول ثم ارتقت الموجودات في درجات مقام الجمع، فكانت عند الحق كما أخبر درجات على مراتب متفاوتة، فمنها آيات و منها سور و منها كتب قيمة، و قد يندر الامر في حق البعض فيكون كتابا جامعا، كما قال: وَ كُلَّ شَيْ ءٍ أَحْصَيْنََاهُ فِي إِمََامٍ مُبِينٍ ( 12يس) .

الافاق و في أنفسهم، فكشف الحق لهم عن ذلك كما أخبر، فتبين لهم انه الحق و انه على كل شي ء شهيد (53فصلت) و و انه وسع كُلَّ شَيْ ءٍ رَحْمَةً وَ عِلْماً و إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْ ءٍ مُحِيطٌ ( 54فصلت) و ان كل شي ء متميز بذاته عن غيره في عرصة العلم، و ان النور الوجودي الإلهي وحّد كثرتهم و ألف بينهم و اظهر بعضهم لبعض، و انه ذكرها في نفسه فظهرت بعد غلبة احكام عدميتها عليها قائمة بذكره سبحانه، بل به عند من يرى استهلاك حكم الذكر في عرصة الذاكر . و من هنا يعلم المكاشف المحقق سرّ قوله: كُلُّ شَيْ ءٍ هََالِكٌ إِلََّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ( 88القصص) و غير ذلك من اسرار التكوين و الإيجاد و سبب التفاوت بين العباد و كون بعضهم كلمة باعتبار و آية باعتبار و سورة اى منزلة و درجة باعتبار و كتابا باعتبار، و اعظم من ذلك كله باعتبار كما أخبر و عرّف وارى و فهّم فكن ممن ان لم ير يفهم، و اللّه المرشد و المعلّم .



 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!