المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
النفحات الإلهية
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
نفحة عظيمة تتضمن سر المجازاة الكلية الاصلية و منبعها من الجناب الإلهي و محتدها و أنواعها و تفاصيلها
اعلم ان سر المجازاة الخاصة التفصيلية على ضربين : ملائم و غير ملائم، فمفتاح المجازاة بالملائم الموافق، الاستعدادات التامة الغير المجعولة، فان حسن مواتاة الممكن لقبول تأثير الحق و تصرفه فيه انما يتأتى بجودة استعداده الذاتي المقتضى حسن قبول الفيض الإلهي على وجه لا يشينه و لا يكسبه وصفا يقدح في تقديسه ليبقى الفيض على طهارته الاصلية، و ان لم يعر عن حكم التقييد من بعض الوجوه، لاستحالة بقاء الوصف الإطلاقى معه حال اتصاله بالماهية الممكنة و انصباغه باحكامها .
لكن إذا كان استعداد الماهية استعدادا تاما او قريبا من التمام لم يكسب الفيض الا قيودا و احكاما يزداد بتلك القيود و الاحكام حسنا، حتى يظهر بين ذلك الفيض و بين احكام العين الممكنة و قيودها كمالات لم تكن ثابتة لذلك الفيض المطلق قبل هذا القبول و لا مضافة اليه .
فالاستعدادات التامة المكمل و القريبة من الكمال لأهل السعادة و التقريب، و هم على درجات متفاوتة، فقريب و اقرب و سعيد و اسعد، كما هو واقع في الوجود و معلوم من جهة الشرائع و العقول و المكاشفات المحققة .
فهذا النوع من الاستعداد يثمر المجازاة بما يلائم، و يتفاوت النعيم و الملاءمة بحسب تفاوت جودة الاستعداد المشار اليه، المستلزم لحسن مواتاة الفاعل الحق ما يريده فعله في القابل و ايداعه فيه، و هذا هو سبب تفاوت درجات السعداء الذي نهتك عليه .
و صور النعيم و درجاته يتفاوت ايضا بحسب امهات مراتب ظهورات الوجود، و أولها المعنوية ثم المرتبة الروحانية ثم المرتبة المثالية ثم المرتبة الحسية ثم المرتبة جمعها في المرتبة الانسانية الكمالية، و لكل مرتبة من هذه المراتب اعتدال كلى يتضمن تفاصيل و درجات، مظاهرها الملائكة المقيدة و السعداء من الناس .
و انحراف ايضا كلى مشتمل على مراتب تفصيلية هي الدركات المشار إليها في الاخبارات الإلهية و النبوية، و مظاهرها الشياطين و الأشقياء من الناس، فافهم .
ثم ان المواتاة من الماهية الممكنة بالاستعداد التام او القريب منه قد يحصل في بعض المراتب الوجودية المذكورة دون البعض، و قد يحصل في جميعها مع تفاوت باق يوجبه حكم المناسبة و المباينة، و تترتب المجازاة بحسب ذلك فيحصل النعيم لبعض السعداء في مرتبة دون مرتبة و في وقت دون وقت و في موطن دون موطن و في نشأة دون نشأة، و هذا هو سبب كون بعض الناس سعيدا في الدنيا دون الآخرة و بالعكس، و سعيدا فيهما معا ، او شقيا فيهما، كذلك و في وصف دون وصف و مزاج دون مزاج، فاعلم ذلك و اما القسم الاخر و هو المجازاة بما لا يلائم و لا يوافق من بعض الوجوه، فمفتاحه و سببه ان العين الممكنة لما اكسبت التجلي الوجودي و الفيض الجودي الوحدانى المطلق
التعددات و التعينات و الأسماء المتكثرة و الصفات و الأحوال المتنوعة و الكيفيات، حتى توهم في الوجود الواحد القدسي انه متكثر و مختلف متعدد و محصور متقيد، و تعذر انسلاخ الوجود عن تلك الاحكام التقييدية بالنسبة الى كثير من المخلوقين، لا جرم عاد عملهم عليهم ، فجوزوا بالأوامر التكليفية و النواهي التفصيلية و العبادات الشرعية قيودا في مقابلة القيود المذكورة و ليظهر سر المواتاة الاولى في القبول المذكور للتجلى الفائض و سر عدم المواتاة فصور الطاعات هنا هي آثار حسن المواتاة هناك، الناتجة عن احكام الوجوب، و المعاصي مظاهر آثار سوء القبول الناتجة عن احكام الإمكان و تضاعف وجوهه و نقص الاستعداد المستلزم لعدم المواتاة و صبغ فيض الأقدس ما يشين جماله و يقدح في إطلاقه فالنواهى التفصيلية في مقابلة الاحكام السلبية الامكانية العدمية، و الأوامر في مقابلة الاحكام الثبوتية اللازمة للوجود و هي ايضا على قسمين: موقت و غير موقت، فالموقت ما يكون مقيدا بنشأة خاصة و موطن معين و احوال مخصوصة، و هي احكام الصفات العارضة تعرض و تزول، و ثمراتها ايضا كذلك في مقام الملاءمة و مقام عدم الملاءمة .
و قسم مستمر الحكم و يختص بالذوات، فدوام العذاب في بعض الأشقياء في مقابلة الاباء و عدم المواتاة الذاتية، و الشقاء المتناهي الحكم في مقابلة الاباء و عدم المواتاة من وجه دون وجه و في مرتبة دون مرتبة و من حيثية بعض الصفات دون البواقي، و هذه الأمور هي سبب تعين الدركات و سبب تعدد أبواب جهنم، كما ان سبب مراتب السعادة و الدرجات هو ما سبق ذكره فادّكر.
و لهذا المقام تفاصيل جمة شهدتها و اطلعت عليها، لكن يضيق وقتى عن شرحها و بيانها، فاعلم ذلك .