المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
النفحات الإلهية
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
كتاب آخر الى بعض إخوانه
و لقلبي اهدى السلام إذا قلت على ساكنى العقيق السلام سلام اللّه و رحمته و بركاته و رضوانه و تحياته على الأخ العزيز الأكبر الرحمانى و الخل الأكرم الاخطر الرباني، نسيح وحده و غريب شأنه و عهده، المرتدئ برداء العبودية و المستشرف على جل اسرار الربوبية، الشيخ كمال الدين، حققه اللّه منه بما يسمو عن التعينين في مراتب الامنية و الأمل و طهره من شوائب الإخلاص في كل علم الشريف و عمل، و حلاه بالحال الكلى المستوعب كل وصف و المحيط بكل معنى و حرف، و المنزه بذاته عن الانحصار تحت حكم الحسن المعلوم و القبح المرسوم، روحا و مثالا، حسا و خيالا، جلالا و جمالا، فإنه ابهى الحلل و منح الاجتماع بخدمته و التملى من لطيف مفاكهته، اجتماعا غير موقت و لا منته بانتهاء دار او نشأة او أجل. المزار و ان شط، فان الود ما فتر حكمه قط .
لا تحسبوا نأيكم عنا يغيرنا ان طال ما غيّر النأى المحبّينا وقفت على كتابه الكريم و خطابه الجسيم و سررت بوروده، و لعمرى! لقد كنت به شاعرا و أجدني قبل وقوفى عليه احن اليه، و لقد كاد لسان الحال يتلو قبل وصوله: انى لأجد لو لا خوف تفنيد الأجنبي و اعتراض الفدم الغبي، تارة من حيث حمل هذا الشعور و الحنين على المجاز، و اخرى من حيث استكبار هذا النوع بسبب الخوف و الاحتراز .
و من علم ان لا مجاز في الوجود حكم بمقتضى الكشف الأتم و الشهود، هذا و ان كان مشهد هذا الضعيف في هذا الوقت و مشربه هو ان لا حقيقة في الوجود حتى يعقل في مقابلتها مجاز اصلا، و هذا الحكم شامل جزء و كلا، فليس الا نسبة و اضافة، متى أدركتها حق الإدراك وجدتها احوال ذات الامر و أوصافه و التفصيل في العلم عقلا و كشفا بموجب الاسم و الرسم ذاتا و وصفا لا غير .
و وراء ذاك و لا أشير لأنه سرّ لسان النطق عنه أخرس امر به و له و منه تعينت اعياننا و وجوده المتلبس مع ان اعياننا ايضا ليست بشي ء زائد على احوال ذات عرية عن الأوصاف يتعين في كل حال منها بحسبه من حيث تعين ذلك الحال، و امتيازه بتعينه و تعيينه لذي الحال عنه من إطلاقه، كما ان من احوال هذه الذات المشار إليها تماثل غيره من الأحوال في التعين و التعيين المذكورين، و يمتاز عنه بخصوصية يقتضي ظهور تلك الذات ثانيا بصورة غير صورته في الظهور الأول و الحال السابق او المستقبل، هكذا على الدوام او الاستمرار دون الانتهاء الى غاية و لا قرار .
و في شدق الامر شفرته و ناره و منه فيه بدره و شراره و ليس في المقام توحيد ينافيه شرك خفى او جلى، و لا وحدة تقابلها كثرة، بل الشأن عبارة عن امر ينبعث منه الكثرة و الوحدة المعقولتان، بل و مشروعتان ايضا و المشهودتان، فوحدة الامر نفس كثرته و بساطته عين تركيبه، و الظهور و البطون حالتان للأمر يتعينان للمدارك بحسب الأحوال و المدارك، و من يوصف بهما و بأحكام احوال عين الامر، و التنوع على اختلاف ضروبه ذاتى للأمر لا يتغير عنه و لا ينفصل هذا الوصف و حكمه منه، و الثبات صفة الأحوال من حيث حقائقها لا من حيث من ظهر و تعين بها و هذا عكس ما ذهب اليه الجمهور، بل و عكس الذي يستحسنه من زعم انه المحقق اللبيب الخبير، و من تنزه عن امرا و نزه عنه فقد غنى عنه و تنزه و انحصر فيما تميز به، و من لم ينضبط في وصف و لا حكم و لم ينحصر في حال و لا اسم و لا رسم، مع قبوله كل وصف و حال و حكم من كل حاكم في كل موطن و زمان و مرتبة و على كل تقدير، و لم يتقيد بامر ما سلبا كان او اثباتا محمودا كان أو غير محمود مع ثوبت كل ذلك له وجودا و علما و حالا و حكما، فذلك الواسع المحيط و المركب البسيط و المجهول المعروف المنزه الموصوف و الفعال المجيب و البعيد القريب .