موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المنقذ من الضلال والموصل إلى ذي العزة والجلال

تأليف الشيخ الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


فقلت: قد بطلت الثقة بالمحسوسات أيضاً ،

 فلعله لا ثقة إلا بالعقليات التي هي من الأوليات ، كقولنا: العشرة أكثر من الثلاثة ، والنفي والإثبات لا يجتمعان في الشيء الواحد ، والشيء الواحد لا يكون حادثاً قديماً ، موجوداً معدوماً ، واجباً محالاً. فقالت المحسوسات: بم تأمن أن تكون ثقتك بالعقليات كثقتك بالمحسوسات ، وقد كنت واثقاً بي ، فجاء حاكم العقل فكذبني ، ولولا حاكم العقل لكنت تستمر على تصديقي ، فلعل وراء إدراك العقل حاكماً آخر ، إذا تجلى ، كذب العقل في حكمه ، كما تجلى حاكم العقل فكذب الحس في حكمه ، وعدم تجلي ذلك الإدراك ، لا يدل على استحالته. فتوقفت النفس في جواب ذلك قليلاً ، وأيدت إشكالها بالمنام ، وقالت: أما تراك تعتقد في النوم أموراً ، وتتخيل أحوالاً ، وتعتقد لها ثباتاً واستقراراً ، ولا تشك في تلك الحالة فيها ، ثم تستيقظ فتعلم أنه لم يكن لجميع متخيلاتك ومعتقداتك أصل وطائل ؛ فبم تأمن أن يكون جميع ما تعتقده في يقظتك بحس أو عقل هو حق بالإضافة إلى حالتك [ التي أنت فيها ] ؛ لكن يمكن أن تطرأ عليك حالة تكون نسبته إلى يقظتك ، كنسبة يقظتك إلى منامك ، وتكون يقظتك نوماً بالإضافة إليها! فإذا وردت تلك الحالة تيقنت أن جميع ما توهمت بعقلك خيالات لا حاصل لها ، ولعل تلك الحالة م تدعيه الصوفية أنـها حالتهم ؛ إذ يزعمون أنـهم يشاهدون في أحوالهم التي ( لهم ) ، إذا غاصوا في أنفسهم ، وغابو عن حواسهم ، أحوالاً لا توافق هذه المعقولات. ولعل تلك الحالة هي الموت ، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:

(( الناسُ نيامٌ فإذا ماتوا انتبـهوا ))

فلعل الحياة الدني نوم بالإضافة إلى الآخرة. فإذا مات ظهرت له الأشياء على خلاف م يشاهده الآن ، ويقال له عند ذلك:

(( فكشفنا عنكَ غطاءكَ فبصرُكَ اليومَ حديدٌ )) (ق: 22)


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!