موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

رد المتشابه إلى المحكم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية

ينسب للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

وهو على الأغلب من تأليف الشيخ محمد بن أبى العباس الشاذلى، الملقب بابن اللبان (المتوفى سنة 749 هجرية)

فصل الصورة

 

 


من المتشابه في الآيات التي يذكر فيها الصورة ، والأولى تقديمها ، لأنها اسم جامع لباقي الحقائق في غيرها ، فما يصح في ذلك ما رواه البخاري وغيره من حديث الرؤية “ * “ عن أبي هريرة ( رضي اللّه عنه ) ، وفيه “ فيأتيهم ربهم في غير الصورة التي يعرفونها ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون نعوذ باللّه منك ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا أتى ربنا عرفناه ، فيأتيهم في الصورة التي يعرفون ، فيقول أنا ربكم ، فيقولون : نعم ، أنت ربنا فيتبعونه “ وقد ثبت ذكر الصورة في حديث أبي سعيد أيضا ، وهو من الأحاديث المتشابهة ، ومرجعها إلى الآيات والأحاديث المحكمة ، وكل من له من اللّه نور ، له في مرجعها إلى المحكم فهم على حسب نوره .

ونحن إن شاء اللّه نذكر مبلغ علمنا وفهمنا فيه ، ونسأل اللّه أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق باذنه .

فاعلم : ان للصور التي يأتي فيها ربنا يوم القيامة حقيقة ومظهرا ، فالحقيقة هي الظلة في قوله تعالى : هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ فعلم بذلك : ان مظاهر تجليه لعباده هي ظلل غمامه ، وحقائق هذه الظلل آياته التي تعرف لخلقه فيها بواسطة أنبيائه .

وقد ثبت في الصحيح تشخص حقائق آياته ، كالظل ، ففي مسلم وغيره من حديث أبي أمامة ، وحديث النواس بن سمعان ان القرآن يوم القيامة يأتي تقدمه البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو ظلتان سوداوتان .

ومن المعلوم أن كلامه صفته ، وصفته لا تفارقه .

فإذا ثبت أتيانهما في صورة ظل الغمام ، ثبت أتيانه .

وفي مسلم وغيره : “ أن أسيد بن حضير ( رضي اللّه عنه ) قرأ سورة الكهف ليلة ، فجالت فرسه فإذا مثل الظلة فوق رأسه ، فيها أمثال السرج ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ان السكينة تنزلت للقرآن “ .

وفي رواية الترمذي “ مع القرآن “ . وفي رواية “ تلك الملائكة كانت تسمع

لك “ وذلك كله موافق لآية البقرة ، ونفرة الفرس دليل على أنها ظلة محسوسة ، وقد ثبت رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم للظلة ، وتأويل أبي بكر ( رضي اللّه عنه ) لها بالإسلام ، وذلك كله يحقق أن حقائق الظلل هي : آيات اللّه وشرائعه ، وهي من الروح ، كما قدمته لك ، قال تعالى : وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا الآية .

والظلة قسمان : ظلة عذاب ، وظلة رحمة .

وظلة العذاب : كظلة قوم شعيب في قوله تعالى : فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ وقد ضرب اللّه سبحانه المثل بذلك في القرآن ، في قوله تعالى : أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ الآية .

وأما ظلة الرحمة : فهي آياته المقتضية للرحمة ، النازل غيثها على قلوب المؤمنين . كما صح في البخاري ومسلم وغيرهما ، وقوله صلى الله عليه وسلم : “ إن مثلي ومثل ما بعثت به من الهدى والعلم ، كمثل غيث أصاب أرضا “ الحديث ، فهذا هو مظهر الحقيقة .

وأما مظهر الصورة فهو العمل .

وقد ثبت تشخيص الأعمال بصور شتى ، كما في حديث البراء ( رضي اللّه عنه ) باسناد صحيح ، أخرجه المسانيد كالإمام أحمد وغيره : ( إن الميت المؤمن يفسح له في قبره مد بصره ، ويمثل له عمله في صورة رجل حسن الوجه ، طيب الريح ، حسن الثياب ، فيقول له : من أنت ؟ فيقول له : أنا عملك الصالح ، وإن الفاجر يمثل له عمله في صورة رجل قبيح الوجه ، منتن الريح ، فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا عملك ) الحديث ، وقد صح تمثيل الموت بصورة الكبش ، وتمثيل المال بصورة الشجاع الأقرع ، وتمثيل الملائكة ( صلوات اللّه وسلامه عليهم ) بصورة الآدميين ، والسنة مشحونة بنحو ذلك ، ومن المعلوم ان الأعمال أعراض ، فإذا ثبت ظهورها وتمثلها بصورة الجواهر والأجسام ، مع القطع بأنها

ليست جسما ولا جوهرا ، وان الملائكة ليسوا بآدميين ، فعلى مثل ذلك قس اتيان ربنا سبحانه في صورة الأعمال ، فالمقصود من ذلك كله تقريب المراد إلى الافهام ، وهو شائع في اللغة معروف في مواضعات العرب واستعمالاتهم ، وانه لا يلزم من اتيانه في صورة الأعمال أن يكون له تعالى صورة ، ولا يلزم من نسبتها واضافتها إليه أن تكون ذاتية له ، كما قد ثبت نسبة اليدين والركبتين إلى جبريل ( عليه السلام ) ، في حديث عمر ( رضي اللّه عنه ) ، عند مسلم وغيره ، في قوله ( طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ) إلى قوله ( فأسند ركبتيه ) الحديث .

ومن المعلوم : أن الركبتين واليدين التي جاء بها جبريل جسمانيات وليست ذاتية له .

وبهذا يعلم : ان رؤية العباد لربهم يوم القيامة محتلفة النعيم .

فكل يراه في صورة عمله ، على حسب مراقبته واخلاص توجهه إليه وصدقه في إقباله عليه .

تنبيه : إذا علمت أن حقيقة الصورة آياته التي تعرف بها إلى خلقه ، فنزل على ذلك ما صح من أن اللّه خلق آدم على صورته فإن الإنسان قد جمع اللّه

فيه كل حقائق الكائنات ، فكان مظهرا لآياته الكبرى ، الجامعة لجميع حقائق الآيات ، المتجلية لخلقه بجميع أنواع الأسماء والصفات ، فلذلك قبل تعليم الأسماء ، وسجدت له ملائكة الأرض والسماء ، أي أن اللّه خلقه على المثالية القابلة لتجلي صورة آيته الكبرى ، وهي التي أريها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء ، وحققها “ روح لا إله إلّا اللّه “ .

تنبيه : قد جاء في الجامع لأبي عيسى الترمذي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ان في الجنة سوقا لا فيها بيع ولا شراء ، إلّا الصور من الرجال والنساء ، فإذا أراد الرجل صورة دخل فيها ) قال الترمذي : حديث غريب .

وإذا نزلته على ما قرّرناه ، علمت أن تلك الصورة : حقائق آيات من آيات أسمائه وصفاته تعالى وأخلاقه ، فما من آية منها تخلق بها العبد في الدنيا ، إلّا وقد تعرف اللّه إليه بها ، فإذا دخل الجنة ورآها في سوق المعرفة عرفها ، فدخل فيها ، فكانت زيادة في معرفته بربه ، وتجليه له فيها بنعيم رؤيته .

فإن قلت : فما معنى قوله : “ إلّا الصور من الرجال والنساء “ وما مناسبة الرجال والنساء لصور آيات الصفات والأسماء ؟ .

قلت : ما من آية يتخلق بها العبد إلّا وقد أشتقها اللّه من اسمه الرحمن ، للرحمة الإيمانية ، وانتقلت إليه إرثا من أب إيماني أو أم إيمانية النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وهو أب لهم فلعل هذا معنى قوله “ من الرجال والنساء “ .

فصل الوجه ومنها صفة الوجه ، وقد جاء ذكره في آيات كثيرة ، فإذا أردت أن تعرف حقيقة مظهره من الصورة ، فاعلم أن حقيقته من غمام الشريعة : بارق نور التوحيد ، ومظهره من العمل وجه الإخلاص فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ويدل على أن وجه الاخلاص مظهره قوله تعالى : يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وقوله : إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ وقوله : إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى والمراد من ذلك كله الثناء بالاخلاص على أهله تعبيرا بإرادة الوجه عن اخلاص النية ، وتنبيها على أنه : مظهر وجهه ، سبحانه ، ويدل على أن حقيقة الوجه هو بارق نور التوحيد ، قوله تعالى : وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ أي إلّا نور توحيده ، وهو نور السماوات والأرض ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم :

( أعوذ بوجهك الذي أشرقت به الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة وبهذا يفهم سر قوله فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ .

تنبيه : قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤية ( فيأتيهم ربهم في غير الصورة التي يعرفون : أي في ظلمة آيات العذاب ، ومظهر الأعمال السيئات ، فيقولون : نعوذ باللّه منك ، فيستعيذون باللّه من تلك الصورة ، كما كانوا في الدنيا ينكرونها ويستعيذون منها .

وقوله : “ فيأتيهم في الصورة التي يعرفون “ أي في مظهر أعمال البر ، وظلة صفة الرحمة والنبوة التي كانت تحيى قلوبهم بغيث الهدى والعلم ، فيقولون “ أنت ربنا “ يعرفونه بواسطة تعرفه لهم في الدنيا ، تحقيقا لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة ) .



 

 

البحث في نص الكتاب


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!