The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi
The Greatest Master Muhyiddin Ibn al-Arabi

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

إشارات في تفسير القرآن الكريم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مستخلصة من الفتوحات المكيّة وكتبه الأخرى

سورة البقرة (2)

 

 


الآية: 157 من سورة البقرة

أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)

«أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ» يقول إن اللّه يشكرهم على ذلك «وَرَحْمَةٌ» والرحمة لا يكون معها ألم ، فرحمته بإزالة المصيبة عنهم «وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» الذين بانت لهم الأمور على ما هو الأمر عليه في نفسه ، فإن كل ما حصل عنده أمانة إلى وقتها ، فسميت مصيبة في حقه لنزولها به ، وكانت تنبيها من الحق له ليرجع إليه ، ولا يرجع إلا من خرج .[ سورة البقرة (2) : آية 158 ]

إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (158)

الحج هو تكرار القصد ، فيتكرر القصد من الناس والجن والملائكة للكعبة في كل سنة للحج الواجب والنفل ، وفي غير زمان الحج وحاله يسمى زيارة لا حجا وهو العمرة ، والعمرة الزيارة ، وتسمى حجا أصغر لما فيها من الإحرام والطواف والسعي وأخذ الشعر أو منه والإحلال ، ولم تعم جميع المناسك فسميت حجا أصغر بالنظر إلى الحج الأكبر الذي يعم استيفاء جميع المناسك ، ولهذا يجزئ القارن بينهما طواف واحد وسعي واحد لمسمى

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

لتكون عبادة ، لا من حيث دفعها عنا من حيث ما هو دفع ورفع ، فإذا فعلوا ذلك كانت البشرى لهم ، قوله : (158) «أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ» يريد كثرة الرحمة ، فجمعها لأنه نكر المصيبة ، وهي تقتضي عموم المصائب ، فجعل الجزاء مطابقا في التعميم والتنكير ، أي تنزل عليهم الصلوات والرحمة كما نزلت بهم المصيبة ، نزول بنزول ، وقال : «مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ» فإن الربوبية تقتضي صلاح الأمور «وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ» أي هم الذين أبان اللّه لهم أنهم ما خلقهم إلا ليعبدوه ، فاهتدوا بأن لزموا ما خلقوا له ، (159) «إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ» الآية ، الصفا والمروة موضعان مرتفعان بمكة معروفان ، كان على عهد المشركين على الصفا صنم من حجر اسمه أساف ، وعلى المروة آخر يسمى نائلة ، كان المشركون إذا سعوا بين الصفا والمروة يتمسحون بهما تبركا ، والحج القصد إلى الشيء على التكرار ، والاعتمار الزيارة ، والتطوع نوافل العبادات ، والجناح الإثم ، والشعائر الأعلام ، والبيت هنا الكعبة ، والتطواف التردد على الشيء مرارا ، فقال تعالى : «إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ» أي هذين الموضعين «مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ» أي من المناسك التي جعل اللّه الوقوف

الحج لها ، وهكذا فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم في قرانه في حجة وداعه التي قال فيها :

[ خذوا عني مناسككم ]

فالحج الأكبر له زمان خاص ، والعمرة لا تختص بزمان دون زمان ، فحكمها أنفذ في الزمان من الحج الأكبر ، وحكم الحج الأكبر أنفذ في استيفاء المناسك من الحج الأصغر ، ليكون كل واحد منهما فاضلا مفضولا «إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما» طافت هاجر أم إسماعيل عليه السلام بين الصفا والمروة ، وهرولت في بطن الوادي سبع مرات تنظر إلى من يقبل من أجل الماء لعطش قام بابنها إسماعيل ، فخافت عليه من الهلاك ، والحديث مشهور ، فجعل اللّه فعل هاجر من السعي بين الصفا والمروة وقرره شرعا ، وإنما يبدأ بالصفا لأن اللّه تهمم بها في الذكر فبدأ بها ، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم لما جاء في حجة وداعه إلى السعي بين الصفا والمروة :

[ أبدأ بما بدأ اللّه به ]

فبدأ بالصفا واقترأ الآية ، فمن أراد أن يحصل علم اللّه في خلقه فليقف عند ترتيب حكمته في الأشياء ، فيقدم ما قدمه اللّه ويؤخر ما أخره اللّه ، فإن من أسمائه المقدم والمؤخر ، فإن أخرت ما قدمه أو قدمت ما أخره فهو نزاع خفي يورث حرمانا ، فقفوا على مشاعر اللّه التي بيّنها لكم ولا تتعدوا ما رسم لكم ، وما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ذلك إلا تعليما لنا ولزوم الأدب مع اللّه ، ولولا أنه جائز له أن يبدأ بالمروة في سعيه لما قال هذا ، ورجح ما بدأ اللّه به على ما في المسألة من التخيير من أجل الواو ، فإنه ما بدأ اللّه به إلا لسر يعلمه ، فمن لم يبدأ به حرم فائدته ، وقد قال صلّى اللّه عليه وسلم : [ خذوا عني مناسككم ] ، وتقديم الصفا في السعي من المناسك ، وهكذا فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، وقال اللّه : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وقال : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) ،وقال :[ من رغب عن سنتي فليس مني ] .

فأبان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عن مراد اللّه منّا في هذه العبادة ، فالأولى ألا نتصرف بالاختيار لما تقدم من بيان الشارع الذي هو العبد المحقق محمد صلّى اللّه عليه وسلم ، فلم يقدم السعي على الطواف ولا المروة على الصفا في السعي ، ولما رقي صلّى اللّه عليه وسلم على الصفا حتى رأى البيت استقبل القبلة فوحد اللّه وكبره ، وقال :لا إله إلا اللّه وحده أنجز وعده ،

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

عليهما والسعي بينهما لمن حج أو اعتمر قربة إليه سبحانه ، وعلما من أعلام القرب في الحج إلى اللّه «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ» الألف واللام للتعريف والعهد ، يقول فمن قصد البيت حاجا «أَوِ اعْتَمَرَ» أو معتمرا «فَلا جُناحَ» أي فلا إثم «عليه عند اللّه»

ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم دعا بين ذلك ، قال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة ، حتى إذا انتصبت قدماه في بطن الوادي أسرع حتى إذا صعد مشى حتى أتى المروة ، ففعل على المروة كما فعل على الصفا ثم فعل مثل ذلك حتى بلغ سبع أشواط وختم بالمروة ، واتفق العلماء أن من شرط السعي الطهارة من الحيض وليس من شرطه الطهارة من الحدث ، والطهارة أولى ، والسعي سنة فإن خرج عن مكة ولم يسع فليس عليه أن يعود وعليه دم ، واتفق العلماء أن السعي ما يكون إلا بعد الطواف بالبيت ، وأنه من سعى قبل الطواف يرجع فيطوف «وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ» ما سمى الحق نفسه بالاسم الشاكر والشكور إلا لنزيد في العمل الذي شرع لنا أن نعمل به ، كما يزيد الحق النعم بالشكر منا ، فإن الشكر يقتضي الزيادة لذاته من المشكور مما شكر من أجله ، فإذا علم ذلك علم أن الحق تعالى يطلب الزيادة من عباده في دار التكليف مما كلفهم فيها من الأعمال ، فهو يشكر عباده طلبا للزيادة منهم مما شكرهم عليه مثل ما قال لعباده (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) فطلب سبحانه من عباده بشكره أن يزيدوه فزادوه من العمل ، وهو قوله صلّى اللّه عليه وسلم : [ أفلا أكون عبدا شكورا ] فزاد في العبادة لشكر اللّه له شكرا ، فزاد الحق في الهداية والتوفيق في موطن الأعمال حتى إلى الآخرة حيث لا عمل ولا ألم على السعداء ، وأردف سبحانه وصف نفسه بالشكر وصفه بالعلم ، لأن مرتبة العلم تعطي أن وقوع خلاف المعلوم محال ، والشكور من أسماء اللّه تعالى ، هو ببنية المبالغة ، وهذا الاسم مختص في حق من أعطاه من العمل ما تعين على جميع أعضائه وقواه الظاهرة والباطنة في كل حال بما يليق به ، وفي كل زمان بما يليق به ، فيشكره الحق على ذلك بالاسم الشكور ، وأما العامة فدون هذه الرتبة في أعمال الحال والزمان ، فإذا أتوا بالعمل على هذا الحد من النقص تلقاهم الاسم الشاكر

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

"أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما» أي إذا طاف بينهما ، فإن المؤمنين خافوا أن يكون عليهم إثم في الطواف بينهما من أجل الصنمين اللذين كانا عليهما ، فلم يريدوا التأسي بالمشركين ، فأخبر اللّه المؤمنين أنه لا إثم عليهم في ذلك لكون الحق جعل ذلك مشروعا للمؤمنين «وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً» فمن فعل من أفعال الخير ما ندب إليه ولم يجب عليه «فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ» يشكره على ذلك «عَلِيمٌ» أي يعلم أن العبد إذا تقرب إلى اللّه بما لا يجب عليه أن ذلك من تعظيم اللّه في نفسه ، قال الأعرابي للنبي عليه السلام حين ذكر له فرض الحج : هل عليّ غيره ؟ قال : لا إلا أن تطوع ، فجعل فعل ما لا يجب تطوعا ،

لا الشكور ، فهم على كل حال مشكورون

[ إشارة في العمرة ]

إشارة في العمرة - زيارة أهل السعادات للّه في الدنيا بالقلوب والأعمال ، وفي الآخرة بالذوات والأعيان ، والعمرة من حيث هي عمرة لا تصح إلا بمكة ، ولما فيها من الشهود الذي يكون به عمارة القلوب تسمى عمرة .

[ اشاره في السعي]

إشارة - كان على الصفا أساف وعلى المروة نائلة ، فلا يغفل الساعي بين الصفا والمروة ذلك ، فعند ما يرقى في الصفا يعتبر اسمه من الأسف ، وهو حزنه على ما فاته من تضييع حقوق اللّه تعالى عليه ، ولهذا يستقبل البيت بالدعاء والذكر ، ليذكره ذلك فيظهر عليه الحزن ، فإذا وصل إلى المروة وهو موضع نائلة ، يأخذه من النيل وهو العطية ، فيحصّل نائلة الأسف أي أجره ، ويفعل ذلك في السبعة الأشواط ، لأن اللّه امتن عليه بسبع صفات ليتصرف بها ويصرّفها في أداء حقوق اللّه ، لا يضيع منها شيئا ، فيأسف على ذلك ، فيجعل اللّه له أجره في اعتبار نائلة بالمروة ، إلى أن يفرغ ، أما الرمل بين الميلين ، فلأنه بطن الوادي ، وبطون الأودية مساكن الشياطين ، فيرمل في بطن الوادي ليخلص معجلا من الصفة الشيطانية ، والتخلص من صحبته فيها إذ كانت مقره ، ثم إن السعي في هذا الموضع جمع الثلاثة الأحوال ، وهو الانحدار والترقي والاستواء ، وما ثم رابع ، فحاز درجة الكمال في هذه العبادة ، أعطى

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

وكأن الحق في هذه الآية حيث ذكر اسم الشاكر أنه يحرض عبده ويطلب منه الزيادة من النوافل ، كما أنه سبحانه يزيد الشاكر النعم لشكره ، كما قال تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) وصف نفسه سبحانه بأنه يشكر عبده على ما تطوع به ليزيد في تطوعه ، فكان تنبيها ، واختلف الناس في السعي بين الصفا والمروة في الحج هل هو واجب أم لا ؟ فإن النبي عليه السلام قال في حجة الوداع :

[ خذوا عني مناسككم ] فأمر ، فمعناه عندي أن يؤخذ من المناسك ما بيّن أنه فرض على جهة الفرضية والوجوب ، وما بيّن أنه سنة أمر أن يؤخذ على أنه سنة لا على أنه فرض ، وكذلك التطوع ، فمتعلق الأمر إنما هو أخذ الحكم على الفعل بالوجوب وغيره ، فقال جماعة منهم مالك والشافعي وابن حنبل وابن راهويه إنه فرض واجب ، وحجتهم قول النبي عليه السلام حين سعى بين الصفا والمروة[ اسعوا فإن اللّه كتب عليكم السعي ] وقد تكلم في هذا الحديث ، وهم يرون أن الأصل في أفعاله في هذه العبادة الوجوب إلا ما خرج بدليل ، وقد ذكرنا معنى قوله عليه السلام

[ خذوا عني مناسككم ] وخرج الخبر في الآية مخرج الأمر عندهم ، وقال الكوفيون : هو واجب ، وهو عندهم دون الفرض وفوق التطوع ، وعلى تاركه دم وليس بركن من أركان الحج ، وقال أنس وابن عباس وغيرهما هو تطوع ، واحتجوا بالآية «فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِم»

ذلك الموضع ، وهو في كل حال سالك ، فانحداره إلى اللّه ، وصعوده إلى اللّه ، واستواؤه مع اللّه ، وهو في كل ذلك باللّه عن أمر اللّه ، فهو في كل حال مع اللّه للّه ، فمن سعى ووجد في حال سعيه ما تعطيه حقيقة الحجارة - ومنها الصفا والمروة - من الخشية والحياة والعلم باللّه والثبات في مقامهم فقد سعى ، وحصل نتيجة سعيه ، فانصرف من مسعاه حي القلب باللّه ، ذا خشية من اللّه ، عالما بقدره وبما له وللّه ، وإن لم يكن كذلك فما سعى بين الصفا والمروة ، واعلم أنه لما كان الكمال غير محجور على النساء ، وإن كانت المرأة أنقص درجة من الرجل فتلك درجة الإيجاد لأنها وجدت عنه ، وذلك لا يقدح في الكمال ، لذلك جعل اللّه فعل هاجر من السعي بين الصفا والمروة ، وقرره شرعا في مناسك الحج ، فالخواطر النفسية إذا أثرت الشفقة والسعي في حق الغير أثر القبول في الجناب الإلهي .[ سورة البقرة (2) : الآيات 159 إلى 163 ]

إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ (159) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (161) خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (162) وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (163) [ في التوحيد الأول ]

خاطب اللّه في هذه الآية المسلمين والذين عبدوا غير اللّه قربة إلى اللّه ، فما عبدوا إلا اللّه ، فلما قالوا (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى) فأكدوا وذكروا العلة فقال اللّه لن :

إن إلهكم والإله الذي يطلب المشرك القربة إليه بعبادة هذا الذي أشرك به «واحد» ، كأنكم

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

كما قال : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا) ومذهب عائشة الطواف بينهما على الوجوب (160) «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» في هذه الآية دليل على لحوق الإثم بمن سئل عن علم من علوم الدين فكتمه ، وأنه يجب عليه أن يفتيه إذا علم ذلك ولا يتوقف ، وقد ورد في الخبر [ استوصوا بطالب العلم

ما اختلفتم في أحديته فقال : «وَإِلهُكُمْ» فجمعنا وإياهم «إِلهٌ واحِدٌ» ،فما أشركوا إلا بسببه فيما أعطاهم نظرهم ، ومن قصد من أجل أمر ما فذلك الأمر على الحقيقة هو المقصود لا من ظهر أنه قصد ، ولهذا ذكر اللّه أنهم يتبرءون منهم يوم القيامة ، وما أخذوا إلا من كونهم فعلوا ذلك من نفوسهم لا أنهم جهلوا قدر اللّه في ذلك ، ألا ترى الحق لما علم هذا منهم كيف قال «وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ» ،ونبههم فقال (سَمُّوهُمْ) فيذكرونهم بأسمائهم المخالفة أسماء اللّه ، والأسماء الإلهية كلها للمرتبة أي لمرتبة الألوهية إلا الاسم الواحد خاصة ، فهو اسم خصيص بالذات المقدسة التي لها نعوت الكمال والتنزيه ، لا يشاركها في حقيقته من كل وجه أحد لا من الأسماء ولا من المراتب ولا من الممكنات ، واعلم أن العبد الحق لا ينبغي أن يضاف إليه شيء ، فهو المضاف ولا يضاف إليه ، فإذا أضاف السيد نفسه إليه فهو على جهة التشريف والتعريف ، مثل قوله «وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ» .- راجع سورة الأنبياء آية 108 - «لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ» هذا هو أول توحيد يذكر في القرآن من الستة

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

خيرا ، [ومن سئل عن علم فكتمه ألجمه اللّه بلجام من نار ] وقد نهى اللّه نبيه عن انتهار سائل العلم تعليما لنا ، فقال : (وأما السائل فلا تنهر) لأنه قال له : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) أي حائرا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ، يقول : «إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ» أي يخفون «ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ» يقول : من الأدلة على صدق ما جاء به «وَالْهُدى» في الكتاب المنزل عليهم «مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ» من أجل الناس فيه ، فأخفوه عما لا يعرف الكتاب ، وهم المقلدة الأميون «أُولئِكَ» إشارة إلى الكاتمين ذلك «يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ» يطردهم اللّه عن كل ما فيه راحة لهم وخير في الدار الآخرة ، فإن اللعن في اللسان الطرد واللعين المطرود «وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ» يحتمل وجهان : الوجه الواحد أن تكون لعنتهم إياهم قولهم : [ لعنهم اللّه ] على جهة الدعاء ، والوجه الآخر يوم القيامة حين تطردهم الملائكة عن الجنة إذا عاينوها في قوله : (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) فذلك لعنة اللاعنين ، ثم استثنى منهم من رجع عن ذلك الكتمان (وَأَصْلَحَ) *أي وعمل صالحا (وَآمَنَ) *باللّه ورسله صدقا من قلبه (وَبَيَّنُوا) وأعلموا من لا يعرف الكتاب من الأميين المقلدين ما أنزل اللّه وبيّنه في كتابه من الأدلة على صدق رسله ووعده ووعيده وأحكامه ، فقال : (161) «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ» أي أرجع عليهم برحمتي ، فأنعم عليهم بالخير الذي طردتهم عنه «وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» قد تقدم تفسيره ، ثم قال فيمن لم يتب ومات على كفره (162) «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ» يقول : من استصحبه حال الكفر حتى مات

والثلاثين توحيدا المذكورة في القرآن ، وهو توحيد الواحد بالاسم الرحمن الذي له النفس ، فبدأ به فنفى الألوهية عن كل أحد وحّده الحق تعالى إلا أحديته ، فأثبت الألوهية لها بالهوية التي أعادها على اسمه الواحد ، وأول نعت نعته به الرحمن لأنه صاحب النفس ، وسمي هذا الذكر تهليلا من الإهلال وهو رفع الصوت ، أي إذا ذكر بلا إله إلا اللّه ارتفع الصوت الذي هو النفس الخارج به على كل نفس ظهر فيه غير هذه الكلمة ، ولهذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم:

[ أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا اللّه ] وما قالها إلا نبي ، لأنه ما يخبر عن الحق إلا نبي ، فهو كلام الحق ، فأرفع الكلمات لا إله إلا اللّه ، وهذه الكلمة اثنا عشر حرفا ، فقد استوعبت في هذا العدد بسائط أسماء الأعداد وهي اثنا عشر ، ثلاث عقود (العشرات والمئين والآلاف) ، ومن الواحد إلى التسعة ، ثم بعد هذا يقع التركيب بما لا يخرج عن هذه الآحاد إلى ما يتناهى ، وهو هذه الاثنا عشر ما لا يتناهى ، وهو ما يتركب منها ، فلا إله إلا اللّه وإن انحصرت في هذا العدد في الوجود فحزاؤها لا يتناهى ، فبها وقع الحكم بما لا يتناهى ، فبقاء الوجود الذي لا يلحقه عدم بكلمة التوحيد وهي لا إله إلا اللّه ، فهذا من عمل نفس الرحمن فيها ، ولهذا ابتدأ به في القرآن وجعله توحيد الأحد ، لأن عن الواحد الحق ظهر العالم .

من كتاب إيجاز البيان في الترجمة عن القرآن:

عليه «أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ» أي يستصحبهم الطرد من اللّه «وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» فعمّ الناس وهو قوله تعالى فيهم يوم القيامة (إنهم يكفر بعضهم ببعض ويلعن بعضهم بعضا) وما عداهم فهو مؤمن ، والمؤمن بلا شك يلعنه بلعنة اللّه مع الملائكة ، فلهذا عمّ بقوله الناس ، ثم أردفه بقوله :

(163) "خالِدِينَ فِيها» يعني في اللعنة مقيمين «لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ» ما لهم وقت راحة منه «وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ» يؤخرون عن العذاب .

قال تعالى : (وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ) أي يؤخر إلى أن يجد ما يؤدي به دينه ، ثم قال : (164) «وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ» الأظهر في هذه الآية وحدانيته في الألوهية ونفيها عمن سواه ، وليس في ظاهر الآية عند العرب نفي ما سوى الألوهية عنه ، وإن كان دليل العقل يعطي ويقضي بأن ذاته لا جنس لها ولا مثل ولا تنقسم ، ونحن إنما نريد تفسير الآية بمقتضى كلام العرب بالنظر إلى خصوص هذا اللفظ المعين في هذه الآية ، فليس إلا ما ذكرناه والحمد للّه ، ولما نزلت هذه الآية في توحيده سبحانه أكثر المشركون من ذلك التعجب وقالوا : (جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ


المراجع:

(157) الفتوحات ج 1 / 522 - ج 2 / 420 ، 490

 

 

البحث في التفسير


بعض كتب الشيخ الأكبر

[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]

شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:

[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]

شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:

[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]

بعض الكتب الأخرى:

[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]

بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:

[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]



Please note that some contents are translated Semi-Automatically!