المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
شرح الأسماء الحسنى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
القادر المقتدر
القادر بنفوذ الاقتدار في القوابل، الّذي يريد فيها ظهور الاقتدار له لا غير، والمقتدر بما عملت أيدينا، فالاقتدار له والعمل يظهر من أيدينا، فكلّ يد عاملة فهي بالحقّ من حيث اقتدارها بالحقّ .
اعلم أنّ لاسم القادر آثارا خفيّة في إعطاء الوجود للممكنات عند قوله للممكن: «كن »، فسارع الممكن عن اقتدار إلهيّ إلى التكوين، فكان وظهر منه الامتثال في أوّل تكوينه، وهو روح الطّاعة، فكانت الطّاعة ذاتيّة له وهي الأصل، والمعصية عارضة فيه، كما أنّ الرّحمة والغضب نسبتان من النّسب الإلهيّة، ولكنّ السّبق للرّحمة، والنّهاية في الحركة الدّوريّة هو الرجوع إلى البداية، ولذلك كان للخاتمة علم السّابقة، فإنّ حركة الوجود دوريّة، ولمّا كان السّبق للرّحمة، فلا بدّ من المآل إليها. لأنّ العارض لا يقابل الأصل أصلا، فكيف وقد زاده طاعة ولادة العبد على طاعة تكوينه كما أشار إليه المترجم عن اللّه تعالى بقوله عليه السّلام: «كلّ مولود يولد على الفطرة »، وهي الإقرار للّه بالعبوديّة، فقد حصل له نور على نور فأيّ معصية تساوي هذين النّورين، ولمّا كان الإقتدار روح الأمر وسرّه فظهر القول، واختفى الإقتدار فيه، وكذلك لم يطّلع الممكن على اقتدار الحقّ عليه بإخراجه من خزانة الثبوت إلى حضرة الوجود ولا يمكن له شهود صدورها لكونه قابلا بلا اقتدار ، فلا يظهر الإقتدار فيه إلّا بعد حصوله، ولذلك ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ الممكن ليس له اقتدار، ثمّ إنّ الحقّ عزّ شأنه أظهر صيغة الأمر في القول ليتّصف الممكن بذلّة الإمتثال الموجبة لنظرات الرّحمة الإلهيّة، وظهور تصرّفات الملك والشّيطان فيه هو سرّ الإمتثال المفطور في أصل خلقته وتكوينه .
واعلم أنّ القدرة لا يتعلّق بغير المقدور، فعدم القدرة على غير المقدور لا يسمّى عجزا، فإنّ العجز هو عبارة من عدم القدرة عمّا من شأنه أن يكون مقدورا، فإذا لم يكن المقدور فبأيّ شي ء يتعلّق القدرة، وهذه لطيفة ذوقيّة مشيرة إلى سرّ من أسرار القدرة، لا ينكشف إلّا لأهل المعرفة، فهذا حكم القادر .
وأمّا المقتدر فله حكم آخر، وهو قوله تعالى: أَلَ ا لَهُ الْخَلْقُ وهو كلّ ما يوجد بسبب أو عند سبب، وَ الْأَمْرُ وهو كلّ ما يوجد من غير سبب، فالحقّ قادر من حيث الأمر، مقتدر من حيث الحقّ والأمر، تبارك اللّه ربّ العالمين .