موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

الشيخ صدر الدين القونوي

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

وصل أعلى منه وأجلى وأكشف للسرّ فرعا وأصل

 

 


اعلم، أنّ الوجود المحض من حيث هو لا يكون مرئيّا ولا متعيّنا ولا منضبطا، وأعيان الممكنات ـ سواء قيل فيها : إنّها عين الأسماء، أو حكم بأنّها غيرها ـ فإنّها ـ من حيث هي أعيان مجرّدة ـ لا يتعلّق بها إدراك أصلا، ولا تنضبط إلّا من حيث التصوّر الذهني، وتعيّنها في الذهن عارض ؛ إذ ليس هو نفس تعيّنها الأزلي في علم الحقّ، فإنّ ذلك ثابت أزلا وأبدا ثبوت الحقّ، وهذا التعيّن عارض للذهن المتصوّر. وغاية هذا التعين أن يشبه ذلك من حيث المحاكاة، والمحاكاة إنّما تكون بحسب تصوّر المحاكي، وقوّته وذهنه ليس بحسب ما هي الحقائق المتصوّرة في نفسها بالنسبة إلى تعيّنها في نفس الحقّ، فليس أحد من الخلق بمدرك لها من حيث هي كما هي، ولا للوجود ولا لذات الحقّ من حيث إطلاقها عن أحكام النسب والإضافات.

ولا نشكّ أنّ ثمّة إدراكا أو إدراكات لمدرك أو مدركين يتعلّق بمدرك أو مدركات، فما الذي أدرك؟ ومن المدرك له؟ وليس ثمّة إلّا ما ذكرنا وبيّنّا أنّه يتعذّر إدراكه كما هو. إن كان متعلّق الإدراك النسب مع أنّها أمور عدميّة يلزم أن يكون المدرك لها وما أدرك به مثلها ؛ لأنّ الشيء لا يدرك بغيره من حيث ما يغايره، ولا يؤثّر فيه ما يباينه من الوجه المباين هذا ما لا تردّد فيه عند الكمّل ولا دفاع له، ولا ثمّة ـ كما مرّ ـ إلّا وجود واحد تفرّع منه ما أضيف إليه ممّا يسمّى صفات وأحوالا ولوازم.

وكلّها معان بسيطة لا تقوم بنفسها، ولا يظهر حكمها إلّا بالوجود، والوجود شرط لا مؤثّر ومع كونه كذلك فلا يتعيّن بنفسه فيدرك، ولو تعيّن من كان مدركه إذا كان ما سواه لا وجود له إلّا به وهو غير متعيّن بنفسه، بل لا بدّ له من أمر يظهر به ويكون مرآته، ووظيفته ـ أعني الوجود ـ الإظهار لا غير، والإظهار له هو من كونه نورا، والنور [يدرك به ولا] يدرك هو، فلا يستقلّ بالظهور، فكيف بالإظهار ؛ لأنّ الإظهار موقوف على اجتماع واقع بين النور وما يقبله، ويظهر بظهوره إمّا لمعنى يعبّر عنه بالاشتعال، أو المحاذاة والانطباع، فهو حينئذ موقوف على نسبة الجمع، والجمع أيضا نسبة أو حال كيف قلت، فكيف يتحصّل من مجموع ما لا يقوم بنفسه ولا يستقلّ ولا يثبت ما يقوم بنفسه ويحكم بثبوته ؟!

وكيف ينقسم ما لا يقوم بنفسه [لذاته أوّلا في ثاني الحال إلى ما يقوم بنفسه ويكون مرئيّا، وإلى ما يقوم بنفسه وبغيره ويسمّى رائيا، وإلى ما لا يقوم بنفسه]، كالأمر في الأوّل، وهو بعينه عين كلّ قسم من الأقسام المذكورة، فيرى لا يرى، ويرى لا يرى، وينقسم لا ينقسم، ويستقلّ لا يستقل، ويجتمع مع أنّه لا يتعدّد ولا يتغيّر، ويظهر بالجمع الذي لا وجود لعينه مع استحالة ظهوره بنفسه، ومع كون الجمع صفته الذاتيّة فالجمع حالة واحدة، والاجتماعات بحكم الجمع أحوال لعين واحدة، والوحدة لا تتصوّر إلّا بمقابلها وهو معنى الكثرة ولا كثرة ؛ إذ ليس ثمّة إلّا أمر واحد متنوع، فأين الجمع، والوحدة ليست ثمّة أيضا إلّا بالتقدير ؛ فإنّ المدرك هو الكثير، والمميّز عن الكثرة حال طلب التميّز والحكم به غير متميّز، بل مقدّر له التميّز بالفرض، وبالنسبة إلى تشخّصه في بعض الأذهان، وأمّا هل هو في نفسه مع قطع النظر عن هذا الفرض وهذا التشخّص على نحو ما قدّر له وحكم به عليه أولا؟ حديث آخر، بل الأمر في نفسه جزما ليس كذلك ؛ لأنّ هذه الأحكام كلّها طارئة، والذي يقتضيه المحكوم عليه لذاته ثابت له أزلا من نفسه لا لموجب .

ثم إنّ هذه الأحكام كلّها والأحوال تابعة لإنّيّة كلّ مدرك من المدركين بالنسبة إلى مداركه ومشاعره، فالشيء لم يدرك على ما هو عليه أصلا ولا اهتدى إليه.

ثم نقول : والمسمّى عالما لم يكن مظروفا للحقّ ؛ لاستحالة ذلك، ولا ظرفا له «لأنّ الله كان ولا شيء معه»، ولا كان عدما محضا فصار وجودا ؛ لأنّه لو كان كذلك لزم انقلاب الحقائق، وأنّه محال، فمن المدرك منّا؟ ومن المدرك؟ ومن العالم من مجموع ما ذكرنا؟ ومن الحقّ؟ ومن العالم والعلم والمعلوم؟

والنسب كما بيّنّا أمور عدميّة لا وجود لها إلّا في الأذهان، والأذهان وأصحابها لم يكونوا ثم كانوا، وكينونة الجميع إن كانت من النسب كما مرّ فقد ظهر الموجود من المعدوم، وإن كانت ظاهرة عن الوجود، فالوجود لا يظهر عنه ما لا وجود له ولا أثر له كما مرّ من حيث هو وجود صرف ؛ لأنّه واحد، والواحد البحت لا ينتج شيئا ولا يناسب ضدّه، فيرتبط به، وما لا وجود له مضادّ للوجود، فكيف الأمر؟

ولا يظهر عن الوجود أيضا عينه ؛ لأنّه يكون تحصيلا للحاصل، وإن ظهر عنه عينه لا على النحو الحاصل لا بدّ له من موجب غير نفس الوجود ؛ لأنّه لو كان موجبه نفس الوجود لزم مساوقته له أزلا وأبدا، ولا جائز أن يكون موجبه وجودا آخر ؛ لما يلزم من المفاسد البيّنة الفساد لو كان كذلك، ولا جائز أيضا أن يكون الموجب نسبة عدميّة ؛ لأنّه يلزم حينئذ تأثير المعدوم في الوجود.

واستناد كلّ ما ظهر إمّا إلى ما لا وجود له، وإمّا لوجود ونسبة معا بشرط اجتماعهما، واجتماعهما إن كان طارئا لزم منه مفاسد لا تكاد تنحصر ؛ لأنّ المقتضي للاجتماع إمّا كلّ منهما أو أحدهما أو ثالث، فإن كان الوجود، لزم أن يكون فيه جهة تقتضي الاقتران بالنسبة المعدومة ثانيا، مع عدم اقتضائها ذلك أوّلا، وفيه ما فيه من المحالات التي لا حاجة إلى تعديدها.

وإن كانت النسبة هي المقتضية للجمع، لزم أن يكون ما لا وجود له يوجب حكما وأثرا في الوجود، وأن يكون سببا لظهور كلّ موجود، وغير ذلك من المحالات مع أنّ الجمع في نفسه لا وجود له، بل هو نسبة كما مرّ.

وإن كان أمرا ثالثا عاد السؤال ؛ لأنّ ذلك الثالث لا يخلو، إما أن يكون وجودا أو نسبة

ويلزم ما مرّ ذكره، والأمر غير خارج عن هذه الضروب المذكورة، فكيف الأمر؟ فيثبت الحيرة.

وإن استندنا إلى الإخبارات الإلهيّة، فالكلام فيها كالكلام فيما مر ؛ لأنّها لا بدّ وأن تكون تابعة للمدارك، والمدارك أوصاف تابعة للموصوف، والموصوف لم يثبت بعد ما هو؟ فما الظنّ بما هو تبع له ومتفرّع عنه؟ ومع هذه كلّه فالإدراكات حاكمة ومتعلّقة بمدارك متعدّدة من حيث تنوّع ظهوراته، أو بمدركات شتّى، وثمّ لذّة هي عبارة عن إدراك الملائم، وألم يعبّر عنه بأنّه إدراك غير الملائم، وثمّة ظلمة ونور، وحزن وسرور، فالكلّ ثمّة وما ثمّة كلّ ولا جزء ولا ثمّة، فما العمل؟ وما من وكيف؟

ولا تظنّنّ أنّ هذه الحيرة سببها قصور في الإدراك، أو نقص مانع من كمال الجلاء هنا والاستجلاء لما هناك، بل هذه حيرة إنّما يظهر حكمها بعد كمال التحقّق بالمعرفة والشهود، ومعاينة سرّ كلّ موجود، والاطّلاع التامّ على أحديّة الوجود، لكن من تقيّد، وقف ؛ لضيقه وما سار وانقهر لحكم ما عاين، فانحرف ومار، ومن اتّسع، جمع وكشف، فأحاط فدار وحار وما إن حار، بل جرى وانطلق فمار وجار واستوطن غيب ذات ربّه متنوّعا بشئونه سبحانه وبحسبه بعد كمال الاستهلاك فيه به (فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) هذا مقام السار.


nbkuhZJSGVI

 

 

البحث في نص الكتاب

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!