المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
كيف يذكر العبد ربّه؟
فنقول : الذكر إمّا أن يقترن معه علم به وبالمذكور، أو بأحدهما، أو لا يقترن، فإن اقترن فهو مظهر للحضور وسبب له، والحضور حقيقة متعلّقها استجلاء المعلوم ،
وله خمس مراتب :
إحداها الحضور مع الشيء من حيث عينه فحسب، أو من حيث وجوده، أو من حيث روحانيّته، أو من حيث صورته. أو من حيث مرتبته الجامعة بين الأحكام الأربعة المذكورة.
وأمّا الحضور مع الحقّ فإمّا أن يكون من حيث ذاته، أو من حيث أسمائه ؛ والذي من حيث أسمائه فإمّا أن يكون متعلّقه اسما من أسماء الأفعال، أو من أسماء الصفات فالمختصّ بالأفعال يتعيّن بالفعل، وينقسم بحسب أنواعه. والذي من حيث الصفات. فإمّا أن يكون متعلّقه أمرا سلبيّا أو ثبوتيّا. والذي متعلّقه الذات فإمّا أن يكون مرجعه إلى أمر تقرّر في الذهن من حيث الاعتقاد السمعي، أو البرهان النظري، أو الإخبار الإيماني النبوي، أو المشاهدة الذوقيّة، أو أمرا متركّبا من المجموع، أو من بعضها مع بعض. وكلّ ذلك لا بدّ وأن يكون بحسب أحد الأحكام الخمسة بالنسبة إلى صاحب الحضور أو بحسب جميعها.
فأتمّ مراتب الحضور مع الحقّ أن يحضر معه لا باعتبار معيّن من حيث تعلّق خاصّ، أو باعتبار حكم وجودي، أو نسبي، أو أسمائي بسلب أو إثبات بصورة جمع أو فرق أو تقيّد بشيء من ذلك أو كلّه بشرط الحصر.
وما ليس كذلك فهو إمّا حضور نسبي من حيث مرتبة خاصّة أو اسم معيّن إن كان صاحبه من أهل الصراط المستقيم، وإلّا فهو حضور مع السوى كيف كان. ثم نرجع إلى إتمام ما بدأناه. فنقول :
والعلم المقترن بالذكر إمّا أن يتعدّى الذكر ويتعلّق بالمذكور، ويتبعه الحضور المنبّه على سرّه ويكون تعلّقه به تابعا للأمور المذكورة في نتائج الأذكار من بعد وبحسب ما سبق التنبيه عليه، أو لا يتعدّى، فيكون متعلّقه نفس الذكر، ويكون الحضور حينئذ معه فحسب، أو معه ومع المفهوم منه إن كان ممّا يدلّ على معنى زائد على نفس الذكر ودلالته على المذكور.
فإن اقترن مع ذلك حكم الخيال، استحضر ما كان صورة الذكر سببا لتشخصه في
الذهن فعلا كان، أو حركة، أو كيفيّة، أو صورة وجوديّة، لفظا كان أو غيره، أو أمرا متركّبا من ذلك كلّه أو بعضه.
وإن لم يقترن مع ذلك تخيّل حاكم فهو ـ أعني المسمّى ذكرا ـ عبارة عن نطق بحروف نظمت نظما خاصّا تصلح لأن يجعل أو يفهم لها مدلول مّا، كائنا ما كان.
وأمّا نتائج الأذكار فإنّها تظهر بحسب اعتقاد الذاكر وعلمه، وبحسب ما يتضمّنه الذكر من المعاني التي يدلّ عليها، وبحسب الخاصّة اللازمة للهيئة التركيبيّة الحاصلة من اجتماع حروف الاسم الذي يتلفّظ به الذاكر أو يستحضره في خياله أو يتعقّله، وبحسب الصفة الغالبة على الذكر حين الذكر، وغلبة أحد الأحكام الخمسة المذكورة، أو بحسب حكم جمعيّة الأمور المستندة إلى الذاكر نفسه، واستيلاء أحدها أو كلّ ذلك بحسب الموطن والنشأة والوقت، وأوّليّة الأمر الباعث على التوجّه، وروحانيّة المحلّ والاسم الإلهي، الذي له السلطنة إذ ذاك، فافهم وتدبّر وأمعن التأمّل فيما بيّن لك، فإنّه إن فكّ لك معمّاه، شاهدت بعقلك النظري الآلي ما يهولك أمره، ويطيب لك خبره وأثره، والله وليّ الإحسان، الهادي إلى الحقّ وإلى صراط مستقيم.
nbkuhZJSGVI