المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
مسائل المراسلات
بين صدر الدين القونوي ونصير الدين الطوسي
[ المسألة الثانية : هل الماهيات الممكنة مجعولة أو غير مجعولة ؟ ]
المسألة الثانية : هل الماهيات الممكنة مجعولة أو غير مجعولة ؟ وعلى كلا التقديرين ، فهل هي من كونها ماهيات فقط أمور وجودية بمعنى أنّ لها ضربا من الوجود أو هي أمور عدمية ؟
إن كانت غير مجعولة ، فلا جائز أن تكون وجودية ، لأنه يلزم من ذلك مساوقتها للواجب في وجوب الوجود الذاتي وفي صرافة الوحدة الذاتية ، ولم يكن حينئذ ممكنة ، بل واجبة لخلوّها عن وصف الإمكان والفقر المستلزم لاستفادة الوجود من الغير . وأيضا فاتصافها بالوجود ثانيا - إن كان بنفس الوجود الأوّل - كان تحصيلا للحاصل . وإن كان بوجود ثان مغاير للوجود الأول - فذلك أيضا باطل . لأنّ التقدير تقدير أنّ الممكنات ليس لها إلا وجود واحد يشترك فيه جميعها . فإنّ استكمال الممكن إنما هو بالوجود المستفاد من الواجب . وعلى تقدير صحّة ما ذكر ، يلزم انتقال جميع الممكنات من حالة الوجوب إلى حالة الإمكان ومن الغنى الذاتي الأزلي إلى مقام الحدثان . ولا خفاء في أنّ الكمال بالحالة الأولى أفضل ، لأنها شأن الحقّ سبحانه وبه تختص . ويلزم من فرض صحّة ما ذكر مفاسد أخر أيضا غير ما ذكرنا ، لا تخفى على المستبصرين . منها أنه إذا لم يكن الوجود واحدا مشتركا ، وقيل بأنّ لكل ممكن وجودين مختلفين بالحقيقة ، لا بدّ من بيان الفرق بين الوجودين وتعيين الفائدة الحاصلة من كل منهما .
ثم نقول : وإن قيل بأنّ الماهيات مجعولة وليست بأمور وجودية ، لزم أن يكون الحق مصدرا لعدمات لا * تتناهى وأن يكون سبحانه علة تميّز كل منها عن الآخر ويكون حاصل أثره أمرا عدميا في مثله . إذ من المستحيل أن تكون هي حال عدمها علة تميّز بعضها عن بعض ، فإنه يلزم من ذلك تأثير المعدوم في المعدوم . وإن كان تميّز بعضها عن بعض غير مجعول بمعنى أنه ليس موجب التميّز هو الحق ، ولا هي ، لأنها معدومة ، فلا تكون مؤثّرة ، وإلا يلزم أنّ ما لا وجود له بوجه يكون متعددا لا لموجب ، فيكون التعدد الثابت وجوده من بعض الوجوه وصفا لما لا وجود له بوجه . وهذا أيضا محال .
وإن قيل ، إنها مجعولة ووجودية ، لزم ما أسلفنا في أمر الوجودين المختلفين وبيان الفرق بينهما وتعيين الفائدة الحاصلة من كل واحد منهما . وليس ثمّة أمر ثالث غير الحقّ والممكنات ينسب إليه الأثر . فكيف الأمر ؟
ثم نقول : والذي أفادته المعاينة المحقّقة والذوق الصحيح هو أنّ الماهيات غير مجعولة وأنّ لها ضربا من الوجود ، وهو من حيث اعتبار تعيّنها في علم الحق أزلا وأبدا على وتيرة واحدة . لكن ذلك باعتبار تعلّق العلم بها وتعقّل تعدد التعلقات بحسب المعلومات تعلقات وتعددا أزليا ، لأنّ العلم إنما يتعلّق من كل عالم بكلّ معلوم حسبما هو المعلوم عليه في نفسه . إذ لا يصحّ أن يكون لعلم ما أثر في معلوم ما من حيث إنّ ذاك علم وهذا معلوم . فإن حكم بثبوت الأمر ، فمن وجه آخر ، لأنّا نعلم أنّ علم الحق في مقام أحديّته ، عين ذاته ، فلا تعدّد هناك إلا باعتبار التعلقات . هذا مع أنّ الحق مؤثّر بالذات ، لكن لا باعتبار تعيّن نسبة العلم متميزة عن الذات متعلقة بمعلوم أو معلومات مختلفة الحقائق . والحاصل عندنا من الوجود المستفاد من الحق الموجد تعيّن المعلومات المعدومة بالنسبة إليها أمورا وجودية ، لا بالنسبة إلى علم الموجد ، بل عند أنفسها بما قبل كلّ منها باستعداده الكلي الغير المجعول من مطلق الوجود الفائض الواحد المتخصص والمتعدد بقابلياتها المختلفة لاستعداداتها المتفاوتة . وتلك القابليات بتلك الاستعدادات الكلية هي من مقتضى خصوصيات الماهيات .
وهذه الخصوصيات لا تعلّل بشيء خارج عنها ، لأنّ الماهيات كما أسلفنا غير مجعولة . وخصوصياتها تابعة لها في أنها غير مجعولة ، لأنها ذاتية لها .
ومن جملة أحكام تلك الخصوصيات تقدّم بعض الممكنات في الوجود على البعض . ورجحانه عليه بأمور كثيرة وقبوله للفيض وظهوره به على وجه أتمّ من قبول البعض الآخر . وبهذا يتفسر قول الشيخ الرئيس : إنّ تضاعف وجوه الإمكان وقوّته بالنسبة إلى بعض الممكنات يقتضى بتأخر وجوده وقبوله إياه من الموجد ، لا على وجه تامّ ، وعدم تضاعف وجوه الإمكان لقلة الوسائط وارتفاعها يقتضى بعكس ذلك . ويكون الترتيب المتعقّل في الممكنات تقدما وتأخرا وشرفا وخساسة من جملة الأحوال اللازمة لتلك الخصوصيات من كونها غير مجعولة . فإنّ لكل ماهية خصوصية تمتاز بها ولوازم أيضا وخواصّ تتبعها في الظهور بالوجود ، وإن كان لكل لازم منها ماهية ، لكن اللوازم تابعة للماهيات المتبوعة .
ومن جملة ما يتضمنه هذا الأصل من الفوائد تعريفه بأنّ علة ظهور الحقيقة المعقولة المعبّر عنها بالزمان وعلة ظهور الموجودات الزمانية هو هذا الترتيب المنبّه عليه .
وهذا القدر إنما أورده الداعي ، وإن لم يكن إدراكه له بطريق النظر ، من أجل أنه غير بعيد ولا خارج بالكلية من طور العقول النظرية . ومع هذا ، فإن كان قد وضح للنظر السديد فيما ذكر أمر آخر فلينعموا بذكره وبرهانه مفيدين مأجورين ، إن شاء اللّه تعالى .
[ جواب المسألة الثانية ]
قوله : « المسألة الثانية : هل الماهيات الممكنة مجعولة أو غير مجعولة » إلى قوله : « وتعيين الفائدة الحاصلة من كل منها » . .
أقول : المراد من قولهم : « الماهيات ليست بمجعولة » ، هو أنّ السواد مثلا لا يكون سوادا بجعل جاعل . وذلك أنّا إذا فرضنا سوادا في الأول ، ثم أوردنا عليه جعل الجاعل ، استحال أن يغيره الجاعل مما فرضناه أوّلا . فكذلك الوجود ، فإنّ الجاعل لا يجعل الوجود وجودا ، وذلك لامتناع تحصيل الحاصل . ولو كنا قلنا : هل للجاعل أن يجعل السواد سوادا ، أي هل له أن يبدع شيئا هو السواد وقلنا : هل له أن يجعل السواد موجودا ؟ لكان * جوابه الحقّ ، نعم ، له أن يبدع السواد ، وأن يجعل السواد موجودا . بل الحقّ أنّ جميع الماهيات والموجودات مجعولة ، جاعلها اللّه سبحانه وتعالى . وإذا قلنا :
الماهيات الممكنة صارت منسوبة إلى الوجود ، فإنّ الإمكان لا يمكن أن توصف به الماهية من حيث هي ماهية فقط ، إنما يمكن أن توصف به إذا قيست إلى الوجود أو إلى العدم .
وأما قوله : « هل هي من كونها ماهيات فقط أمور وجودية ؟ ».
فالجواب : لا ، فإنّ الماهية من حيث هي ماهية فقط لا يمكن أن تكون شيئا غير الماهية .
وأما إذا فسّره بقوله : « هل لها ضرب من الوجود ؟ » .
فالجواب : نعم ، فإنّ الماهية إذا تصوّرت ، حدث لها وجود عقلي . وإذا فرضت في الأعيان ، كان لها وجود عيني . والوجود العيني لا يكون إلّا من موجدها ، والوجود العقلي يكون ممن تعقّلها . وكلا الوجودين ممكن له . وإذا قالوا : للماهية وجود قبلها ، أرادوا به تعقّلها الذي يكون سببا لوجودها العيني . وهو العلم الفعلي . وإذا قالوا : لها وجود معها ، أرادوا به الوجود العيني . وإذا قالوا : لها وجود بعدها ، أرادوا به تعقّلها بعد وجودها ، يعني العلم الانفعالي . وإذا نظر إلى الماهية فقط ، لم يكن في القصد العقلي إلا الماهية ، ولم يكن الوجود ولا العدم داخلين في ذلك النظر . ولذلك قالوا : إنها ليست بموجودة ولا معدومة . ثم إذا نظر إلى حالها عند كونها منظورا إليه وكونها حاصلا في عقل ، لزم أن يكون لها وجود ، إما عقلي وإما عيني ، وتكون بالقياس إلى ذلك الوجود ممكنة . وكذلك إذا نظر إلى أحد وجوديها من حيث هو وجود ، لم يكن إلا ذلك الوجود فقط .
وإذا نظر إلى ثبوت ذلك الوجود لها ، كان لذلك الوجود وجود آخر .
وهلم جرّا إلى أن يقف الذهن . وإذا تصوّر هذا الموضع هكذا ، سقطت الإشكالات اللازمة من تصرفات الوهم في المتصوّرات في غير موضعها . وهذا بحث دقيق ضلّ كثير من الأذهان بسبب عدم اعتباره .
قوله : « ثم نقول : وإن قيل بأنّ الماهيات مجعولة » إلى قوله :
« فكيف الأمر ؟ » .
أقول : القول بأنّ الماهيات العارية عن الوجودين العقلي والعيني لها ثبوت وتميّز ، أو ثبوت بلا تميز ، قول بأنّ المعدوم شيء . وهو مذهب المثبتين من المعتزلة ، وفساده واضح .
قوله : « ثم نقول : والذي أفادته المعاينة المحقّقة والذوق الصحيح » إلى آخر المسألة .
أقول : القول بأنّ الماهيات غير مجعولة وأنّ لها ضربا من الوجود قريب من قول مثبتي المعتزلة ، فإنهم يقولون بثبوتها حال عدمها ، ويفرّقون بين الثبوت والوجود . ولعل مولانا - أدام اللّه علوه - أراد به شيئا آخر لم يفهمه المريد المستفيد . وكذا القول باستعداد كلي غير مجعول متعدد القوابل بحسبها ، مبنيّ على ذلك . ومراد الشيخ الرئيس بتضاعف وجوه الإمكان ، كون الإمكان قابلا للأشدّ والأضعف ، والقرب من الوجود والبعد منه ، وتقدّم بعض الممكنات على البعض وتأخّر بعضها من بعض لا يتعقّل إلا مع تعقّل مقارن لها غير قارّ الذات يتبع الاستعدادات الناقصة المتوجهة إلى كمال ما . وبالجملة طريقتهم في ترتيب الوجود مذكور في كتبهم مستغنية عن إيرادها ههنا . فهذا ما عندي في هذا الموضع .
nbkuhZJSGVI
البحث في نص الكتاب
المراسلات بين صدر الدين القونوى ونصير الدين الطوسي
تتألّف هذه المراسلات من الأقسام التالية :
1 - المكتوب الفارسيّ من القونويّ إلى الطوسيّ.
2 - الرسالة المفصحة للقونويّ .
3 - أسئلة القونويّ .
4 - المكتوب الفارسيّ من الطوسيّ إلى القونويّ.
5 - أجوبة الطوسيّ .
6 - المكتوب الفارسيّ من القونويّ إلى الطوسيّ مع ملحق عربيّ يتعلق برسالة « رشح البال ».
7 - الرسالة الهادية للقونويّ .
وأفضل مخطوطة تحوي هذه المراسلات هب « آيا صوفيا » 2349 ، وهناك مخطوطات أخرى مثل: « أسعد أفندي » 1413، و « شهيد علي باشا » 1415 ، و « حسن حسني » 1160 ، لكنها لم تتضمن الرسائل والمكاتيب كاملة.
ونقرأ في بداية مخطوطة « أسعد أفندي » 1413، أنّ « هذه النسخة الجليلة كتبت في حياة المؤلّف والشاهد لما قلنا ما رأيت في التقريظ » ( ورقة 48 آ ) . وإن صحّ ذلك فإنّنا نستنتج أنّ كلّ الرسائل المكتوبة بالعربيّة كانت قد جمعت في مجلّد واحد قبل وفاة القونويّ . وهنالك مخطوطتان تتضمنان المكاتيب الثلاثة التي كتبت بالفارسيّة وقد كتبت كلّها قبل وفاة عبد الرحمن الجامي . ويمكننا أن نعتبر أنّ المكاتبات بين القونويّ والطوسيّ حدثت فعلا . فنحن نعلم أنّ بعض التلاميذ كانوا يتتلمذون على القونويّ والطوسيّ في نفس الوقت ، وأشهرهم هو قطب الدين الشيرازي ( ت 710 ه / 1311 م ) .