المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
مسائل المراسلات
بين صدر الدين القونوي ونصير الدين الطوسي
[ المسألة الثالثة : المسمّى بالوجود العامّ المشترك من كونه وجودا فقط هل هو من جملة الممكنات أم لا ؟ ]
المسألة الثالثة : المسمّى بالوجود العامّ المشترك من كونه وجودا فقط هل هو من جملة الممكنات أم لا ؟ فإن كان ممكنا ، فهل له حقيقة وراء كونه وجودا أم لا ؟
إن كان له حقيقة وراء كونه وجودا مع القول بأنه أمر مشترك بين جميع الممكنات ، فنقول : فذلك الأمر المشترك إما أن تعتبره من حيث هو وجود مع قطع النظر عن حقيقته ، أو تعتبره منضمّة إليه حقيقته . فإن اعتبرت ماهيته مع وجوده متضمّة في معنى الاشتراك ، لزم * حينئذ أن يكون بعض الممكنات من حيث ماهيته ووجوده أمرا مشتركا بين جميع الممكنات .
وإن لم تعتبر ماهيته منضمة مع وجوده في معنى الاشتراك على نحو ما قلنا ، لزم أن يكون أوّل صادر عن الحقّ هو ذلك الوجود ، لا العقل الأول . وإن لم تكن له حقيقة وراء كونه وجودا ، لزم * التناقض ، لأنّ التقدير تقدير أنّ الماهيات غير مجعولة . وهذا الوجود العام إذا لم يكن له حقيقة وراء كونه وجودا ، لزم أن يكون نفس وجوده هو نفس ماهيته . فلم يكن إذا ممكنا ، لأنّ الممكن هو المفتقر في استفادة وجوده من الواجب . وهذا غنيّ في ثبوت وجوده له لكون وجوده نفس ماهيته ، والماهيات غير مجعولة . فالوجود العام على هذا التقدير غير مجعول . فهو مستعن بذاته عن واجب الوجود ، وقد فرض ممكنا . هذا خلف .
وأيضا يعسر حينئذ تحقّق الفرقان بين وجود الحق والوجود العام ، فإنّ المفهوم من حكم الإمكان ، كما أحاط به العلم الشريف ، هو تساوي قبول الممكن الظهور بالوجود واللاظهور وافتقاره إلى المرجّح . وهذا المعنى على تقدير صحّة ما ذكر لا يصدق على الوجود العام . فإنه ذاتي له كونه وجودا بسيطا وإنه غنيّ في ثبوت وجوده له عن سواه ، لأنه وجود غير مجعول . ولم يكن ممكنا بل واجبا . ويلزم أيضا أنه ليس ثمة وجود فائض من الحق ، لأنّ هذا الوجود المذكور شأنه على هذا التقدير غير مجعول لما مرّ بيانه . فكونه * عارضا لغيره وصف ذاتي له غير مجعول ، لأنه لذاته يقتضي العروض ، فهو غير مفاض من غيره .
فإن قيل بأنّ علة عروض الوجود العامّ للممكنات هو الحق ، ليس أنّ الوجود العام ، وإن كان غير مجعول ، يقتضي لذاته أن يكون عارضا لشيء ، فنقول : لا نسلّم جواز ذلك ، فإنه يلزم منه أن يكون الحاصل من فيض الحق وأثره في الممكنات هو عروض ما ، ليس بمجعول ، لكل ما ليس بمجعول ، لا غير . والعروض نسبة ، وتحقّق كل نسبة موقوف على المنسوب والمنسوب إليه . فلو كان كذلك ، لزم عدم استقلال الواجب بالإيجاد وأنه باطل . ولزم أيضا أنه لم يصدر إذا من الحق لا وجود مشترك ولا فيض أصلا ، فلا يكون الحق مبدأ لوجود شيء ولا علة له . وهذا باطل .
وأما على تقدير صحّة قول من يدعي أنّ وجود الحق صفة لأنيته وأنّ له سبحانه حقيقة وراء الوجود الواحد ، يعسر الأمر أيضا ، لأنه يلزم حينئذ أن يكون الوجود العام أتمّ بساطة من الحق مع مضاهاته إياه في الأمور والاعتبارات المذكورة . فيكون بينهما اشتراك من وجه وامتياز من آخر ، وما به الاشتراك غير ما به الامتياز ، فيلزم أن يتعقل في كل منهما تركيب ما ، وقد فرضناهما بسيطين . هذا خلف .
وإن قيل بأنّه مع كونه لا حقيقة له وراء كونه وجودا ، فإنه قابل من الحق فيضه ، فنقول : هذا الفيض المقبول إن كان وجودا ، فقد قيل باستفادة ما هو حاصل له ، إن كان عين الوجود الثاني هو الأول . وإن ثبتت المغايرة بين الوجود المقبول وبين الأمر المسمّى بالوجود العام ، فقد حصل وجودان أحدهما مجعول والآخر غير مجعول . والمشترك بين جميع الممكنات إما الوجود الأول أو الثاني أو هما معا . إن كان الأول ، فلا اعتبار للفيض الوجودي الثاني ولا أثر له . ولزم ما قلنا من أنّ ذلك يقضي بعدم صدور شيء من الحق وعدم حصول فيض أصلا . وإن كان الثاني ، فلا اعتبار لتسمية الوجود العامّ قبل ذلك وجودا عامّا مشتركا ولا صحّة له ، بل حكمه حكم باقي الماهيات الممكنة القابلة للفيض الوجودي من الحقّ . وإن توقف الإيجاد على الأمرين معا ، أعني الفيض الوجودي والقابل الأول المسمّى بالوجود العام ، لزم أن لا يكون المشترك بين الممكنات وجودا واحدا ، بل هما وجودان . فيبطل القول بأنّ الوجود المشترك بين جميع الممكنات واحد . هذا خلف . ويلزم أيضا أن يكون جزء علة في اتصاف جميع الممكنات بالوجود . فلم يكن الموجد واحدا ، فإنّ ثبوت الصدور والفيض المضافين إلى الحق يتوقف على هذا الأمر المسمّى بالوجود العامّ . فلا توجد ماهيته إلا ووجوده متوقف عليهما .
وهذا أيضا باطل .
ثم نقول أيضا : هذا الوصف الثابت لهذا الوجود العامّ إما أن يصحّ له لكونه ممكنا أو لأمر آخر ، ولا جائز أن يصح له ذلك لإمكانه ، وإلا لاشتركت الممكنات كلها في ذلك . وإن صح له ذلك لا لإمكانه بل لأمر آخر ، فذلك الأمر الآخر إمّا أن يكون الحق أو سواه . إن كان الحق ثبت إمكان هذا الوجود وفقره وكونه مجعولا دون جميع الماهيات الممكنة ، وقد تقرر أنّ الماهيات غير مجعولة . هذا أيضا على هذا التقدير باطل .
فإن قيل ، إنّ ذلك الأمر لم يصحّ للوجود العامّ من الحق ولم يثبت له أيضا لإمكانه ، بل ذلك من أمر ثالث ، فنقول : هذا أيضا باطل ، لأنّ ما سوى الحق ممكن . هذا مما لا نزاع فيه لما يلزم من المفاسد متى أهمل ثبوت هذا الأصل ولأنه ليس ثمة أمر ثالث ينسب إليه ذلك .
وإن قيل ، إنّ حكم الوجود العامّ حكمه حكم باقي الكليّات وإنه من حيث هو كذلك لا يكون له وجود في عينه ، وصحّ أنّ الماهيات ليست بأمور وجوديّة ولا مجعولة ، بل ظهرت بهذا الوجود العام كما مرّ ، لزم أن يتحصّل من مجموع ما لا يقوم بنفسه ولا وجود له في عينه ، أعني الوجود العام . والماهيات ما يقوم بنفسه ويتحقق وجوده وإدراكه في الأعيان ، ويكون لكل واحد من الوجود ولماهيته تعيّن في الخارج .
فيكونان حينئذ وجودين مع عدم تجدد أمر ثالث ينسب إليه الأثر غير نسبة الاجتماع . وقد فرضنا بخلاف ذلك . فكيف الأمر ؟
هذا وإن كان عندنا ما هو من هذا القبيل ، كالهيولى والصورة والكيفيات الأربعة الطبيعية أيضا التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والطبيعة المتعلقة الجامعة بينها . فإنّ كلّا منها ليس له متى أهمل ثبوت هذا الأصل ولأنه ليس ثمة أمر ثالث ينسب إليه ذلك .
وإن قيل ، إنّ حكم الوجود العامّ حكمه حكم باقي الكليّات وإنه من حيث هو كذلك لا يكون له وجود في عينه ، وصحّ أنّ الماهيات ليست بأمور وجوديّة ولا مجعولة ، بل ظهرت بهذا الوجود العام كما مرّ ، لزم أن يتحصّل من مجموع ما لا يقوم بنفسه ولا وجود له في عينه ، أعني الوجود العام . والماهيات ما يقوم بنفسه ويتحقق وجوده وإدراكه في الأعيان ، ويكون لكل واحد من الوجود ولماهيته تعيّن في الخارج .
فيكونان حينئذ وجودين مع عدم تجدد أمر ثالث ينسب إليه الأثر غير نسبة الاجتماع . وقد فرضنا بخلاف ذلك . فكيف الأمر ؟
هذا وإن كان عندنا ما هو من هذا القبيل ، كالهيولى والصورة والكيفيات الأربعة الطبيعية أيضا التي هي الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والطبيعة المتعلقة الجامعة بينها . فإنّ كلّا منها ليس له وجود متعيّن في الخارج وجميع الأجسام المدركة في الخارج متحصلة من هذه المعاني المعقولة كما سأشير إليه في مسألة أخرى على حدة ، إن شاء اللّه تعالى .
[ جواب المسألة الثالثة ]
قوله : « المسمّى بالوجود العام المشترك من كونه وجودا فقط » إلى قوله : « وهذا خلف » . .
أقول : الوجود العام المشترك لا يتحقق إلا في العقل ، وكذلك في كل أمر عامّ مشترك . وذلك أنّ الشيء العيني لا يقع على أشياء متعددة . فإنه إن كان في كل واحد من تلك الأشياء ، لم يكن شيئا بعينه ، بل كان أشياء . وإن كان في الكلّ من حيث هو كلّ ، والكلّ من تلك الحيثية شيء واحد ، فلم يقع على أشياء . وإن كان في الكلّ بمعنى التفرّق في آحاده ، كان في كل واحد جزء من ذلك الشيء ، لا نفس ذلك الشيء . وإن لم يكن في شيء من الآحاد ، ولا في الكل ، لم يكن واقعا عليها . وبالجملة ، وقوعه على غيره لا يكون إلا حمله على ذلك الغير . والحمل والوضع لا يكون إلا في العقل . والوجود العامّ المشترك لا يمكن أن يكون إلا عقليّا . وإذا كان كذلك ، كان حصوله في العقل بسبب العقل ، وكان ممكنا . ويكون له وجود آخر هو بذلك الوجود يكون ثابتا في العقل . وهذا الوجود غير الأول ، فإذا هو وجود الوجود . ولكون الوجود من الألفاظ المشكّكة ، فإنه يقع عليهما لا بالتساوي . وإذا اعتبر معروض الوجود الثاني ، لم يقل إنه ماهية ، بل يقال : إنه وجود وله وجود ولوجوده وجود .
وهكذا إلى أن يقف الذهن . ولا يكون وجود شيء من تلك الوجودات نفس ذاته . وإذا تصوّر ذلك تصوّرا على الوجه الذي ينبغي ، سقط جميع الإشكالات المذكورة .
قوله : « وأيضا يعسر حينئذ تحقّق الفرقان بين وجود الحقّ والوجود العامّ » إلى آخره . .
أقول : الفرق هو أنّ وجود الحق عيني ، ليس له وجود عارض له ، والوجود العام عقلي ، لا يتحقق في غير العقل ، ويكون له وجود آخر عارض له ، إذا اعتبر كونه في العقل . والحق الذي لا مرية فيه أنّ واجب الوجود لذاته لا يمكن أن يكون إلا شيء عينيّ وجوده عين ذاته ، ولا يمكن أن يكون الموصوف بهذه الصفة إلا واحدا من كل جهة واجبا من كلّ اعتبار .
nbkuhZJSGVI
البحث في نص الكتاب
المراسلات بين صدر الدين القونوى ونصير الدين الطوسي
تتألّف هذه المراسلات من الأقسام التالية :
1 - المكتوب الفارسيّ من القونويّ إلى الطوسيّ.
2 - الرسالة المفصحة للقونويّ .
3 - أسئلة القونويّ .
4 - المكتوب الفارسيّ من الطوسيّ إلى القونويّ.
5 - أجوبة الطوسيّ .
6 - المكتوب الفارسيّ من القونويّ إلى الطوسيّ مع ملحق عربيّ يتعلق برسالة « رشح البال ».
7 - الرسالة الهادية للقونويّ .
وأفضل مخطوطة تحوي هذه المراسلات هب « آيا صوفيا » 2349 ، وهناك مخطوطات أخرى مثل: « أسعد أفندي » 1413، و « شهيد علي باشا » 1415 ، و « حسن حسني » 1160 ، لكنها لم تتضمن الرسائل والمكاتيب كاملة.
ونقرأ في بداية مخطوطة « أسعد أفندي » 1413، أنّ « هذه النسخة الجليلة كتبت في حياة المؤلّف والشاهد لما قلنا ما رأيت في التقريظ » ( ورقة 48 آ ) . وإن صحّ ذلك فإنّنا نستنتج أنّ كلّ الرسائل المكتوبة بالعربيّة كانت قد جمعت في مجلّد واحد قبل وفاة القونويّ . وهنالك مخطوطتان تتضمنان المكاتيب الثلاثة التي كتبت بالفارسيّة وقد كتبت كلّها قبل وفاة عبد الرحمن الجامي . ويمكننا أن نعتبر أنّ المكاتبات بين القونويّ والطوسيّ حدثت فعلا . فنحن نعلم أنّ بعض التلاميذ كانوا يتتلمذون على القونويّ والطوسيّ في نفس الوقت ، وأشهرهم هو قطب الدين الشيرازي ( ت 710 ه / 1311 م ) .