موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي
موقع الشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

المكتبة الأكبرية

*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***

*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***

رسالة نفثة المصدور وتحفة الشكور

للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي

نَفْثَةُ المَصْدُور وَتُحُفةُ الشكور
بسم الله الرحمن الرحيم
وَبهِ نستَعِيْن، وَصَلى اللهُ علَىَ المُصْطَفينَ مِن عِبَادِه كَافّةً، وَعلَىَ سَيدِناَ محمَّدٍ وَآله وَصَحْبهِ خَاصّةً، وسَلَّم تسليمِاً
رَشْحُ باَلٍ بشرْحِ حَالٍ، وَترَجْمَةٌ بلِسَانِ كَمَالٍ، في مُفاوَضةٍ إلهيةٍ مَشوبَة بضِربٍ مِن الإدلالِ، ومُناجَاةٍ رَبانيِةٍ بصورة الشأنِ الجامِعِ بين مَقَامِ الَجلالِ وَالجَمَالِ؛ عِبرةً لأكابرِ أولِي الألبَابِ مِن أهْلِ الكَشْفِ، وتَبْصِرةً وذِكْرَى لكل مُحقّقٍ ارتَقَى عَن التقيُّدِ بمشْرَبِ كُلّ اسمٍ وَوَصْفٍ.
اللهُم إنكَ تعَلم أني قَد كُنتُ أضرَعُ إِلَيكَ، وألِحُّ في السؤالِ عَليَكَ، وأرغَبُ في أن تطُلعني على بقيّةِ ما لم أعلمهُ مِن مجَاَمِيعِ حمدِكَ وثَنَائكَ، وَيَناَبيعِ شُكرِكَ وَآلائك، فأثني عَلَيَكَ بسَائرِ ألسنةِ الثنَاءِ، فِي كُلّ صَبَاٍحٍ وَمَسَاءٍ، وَأشْكُرُكَ علَىَ كُلّ نعمةٍ في كل مَا أمُرُّ عَليَه مِن المَقَامَاتِ، وَأتلبَّسُ بهِ مِنَ الأحْوَالِ، بسائرِ ضُرُوب الأفْعَالِ وَالأقوالِ، شُكْراً مُتَجَاوزاً حُدُود الفُهُوْمِ وَالحصرِ وَالإحْصَاءِ، لولا أنك عَرّفتني بَعْدَ تَعَرُّفِكَ إليّ وَإشْهَادِكَ، وَتَعْرِيفكَ لِي بِجَوَامِعِ حمدِكَ المُنبَعِثَة مِن حَضْرَةِ أم الكِتاَبِ الأكبْر، وَالسارِيَة فِي سَائرِ مَرَاتبِ إيجَادِكَ، وَثَنَاءِ جميع مَوْجُوداتك، أنّ التفَاصِيل مَغَانِ الحيْرةِ وَالتخْييل، وَمَظَانّ التلبِيس وَالتضْلِيلْ، وأن الآيات شتات، وجَمَع الهَمّ مَعَ توحُّدِ الأوصافِ وَالتوجّهَاتِ، وَالعَزْم مِن أسْنّ الصفَات، وَأسْمَى الهِبَات.
لَا جَرَم تركْتُ رسُومَ تَفَاصِيل الثناءِ فِي مَنَازِلِ الصفَات وَالأسْمَاء بمعْزِلٍ، وَقَصَدتُ حَضْرَة أحَدِية جمَعْ الجمعِ، فَإنّهَا أشْرَفُ مَنزِل، فَسَؤالي بلِسَانِ وَقتي هَذَا وحَالِي بَعْد التكْمِيلْ، وَإطْلَاق سَراحِي مِن التقَيُّدِ بمرَاتبِ الإجمالِ وَالتفْصِيل، هُوَ أنْ تديْمَ لِي شُهُود ذَاتكَ التِي هي مَنبعُ المَحَامِدِ وَمَبدأهَا، وَمجُتَمَعهَا حَقِيقةً وَمُنتهاهَا، وَأنْ تَقُوْمَ عَني بكل مَا ترُيدُهُ مِني، وَتجَمعَ آياتكَ لِي فِي آيةَ، وَالمَبَالِغ وَالغَاياَت فِي كُلّ بدايةٍ وغَايةَ، وترُينِي مِنَ العَنَاءِ المُمْتدَ بَيْنَ المَبَادِئ وَالغَاياَت، وَالمَقَاصِد المُعينة وَالتوجَهَات، فَمَتَى أردَتَ الحمدَ وَالشكرَ وَغَيْرهمَا مِني، شَكرتَ نفَسَكَ وَأثنيتَ عَليَها، وَأجبتها بما يرضيك كُلّ الرضا عني.
وأسألك اللهم أيضاً أن تَعلَ مِن تَمَامِ نعمَتِكَ علَيّ، وكَمَالِ إحْسَانكَ إلّ، إجَابةَ هَذَا السُّؤالِ، وَاسْتِمْرَارَ حُكمِهِ في كُلّ نشأةٍ وَمَوْطِنٍ وَمَقَامٍ وحَالٍ، حَتى أسْلمَ مِن شِيَن التقْصِيْرِ وَالجهَالةَ، بدوَامِ حُكْمِ هَذَا التفْوِيضْ وَالوِكَلةَ، وَإلا فَمَا عَسَى مَا يصل إلَيه ثَنَاؤناَ مِنك، أوْ يبلغ إدْرَاك عقلِناَ وَفَهْمِناَ مِن سِ ذَاتكَ حَتى نُعَرّفَكَ بثِنَاءٍ وَغَيْرِه أو نخُبرَ عَنك، وأنى يَطْمَعُ عاَرفٌ محُققٌ فِي ذَلكَ، وَقَد تسَاوَى فِي العَجْزِ عَن الإحَاطَة بما هُناَلكَ العَالِ مِنّا والسافِلُ، والمُشاهِدُ لمِا أمكَن شُهُودْهُ مِن أمْرِكَ وَشَأنكِ والناقِلُ، وإلا فمَن الِي رَامَ الإفصاحَ عَن كُنهِ سِك فَلمَ يبُهِم، أوْ قَصَدَ الإعْرَابَ عَنْ سِ شأنكَ فَلمَ يعُجِم، أو تصَدى لِتَقْرِيرِ صُوْرَةٍ مِن صِوَرِ دَلَالاتكِ فَلمَ يعُجِز وَلمَ يفُحِم.
فَإذاً وَالقُصُوْرُ آخِرُ مَدَى سَيْرِناَ فِي كُلّ عَمَلٍ وَإدْرَاكٍ وَثَنَاءٍ، فَلنُقصِر مِنَ العَنَاءِ، ونكِل الأمْرَ فِي ذَلكَ وَغَيْرهِ إلَيك، وَنَتكُ فِي القِياَمِ بما يجبُ عَليَنا مِن حَقكَ وحَق ثَنَائكَ وسوَاهُ بَعْدَ توكِيلِكَ عَنْ أمرِكَ وَاسْتِخْلَافِكَ فِيما اسْتَخْلفتَنَا فِيه عَليَك.
أنت كَمَا أثنْيَت علَىَ نَفْسِكَ لَا نحُص ثناَءً عَليَك، وَلَا نبلغُ كُلّ مَا فِيك، ولَا نَتَحَقق مُرادَك مِنا في كُلّ وَقتٍ وحالٍ وَلَا نحُيطُ بمرَاضِيك، أنت وَليُّنا فَاغْفَر لَناَ وَارحْمَنْا وَأنت خيرُ الراحمِين الغَافِرِينْ.
إلهي ضِقتُ ذَرعْاً مِن بلَيّةٍ أصوْنُهَا وَأضُمِرُهَا، وشَكِيّةٍ أنْطَويِ عَليَها وَأسْتُرُهَا، وحيْرةٍ مُعْتَرِضَةٍ بَيْنَ شُكرٍ وشِكَيةٍ، وجَهْلٍ ودِرَايةَ، وضَلالٍ وهِدَايةَ، وَغَيْرِ ذَلكَ مِن الأحْوَالِ التي اعْتَرضَت لِي بَيْنَ البدَايةَ وَالنهَايةَ، وَمِن جمُلتِها أني عَثَرتُ فِي مَسِيْرِي في عليّ، وَنَظَرتُ لمّا كَشَفْتَ عَني غِطَائِي مِن بَعْضِ الوجُوهِ إل، فَوَجَدْتنِي برزخَاً بَيْنَ بَرينْ عَظِيميْن: بَرُ الرُّبُوْبيةِ، وَبَرُ العُبُودية، المُعبر عَن أحَدِهِمَا باِلوجُوب، وعَن الآخَرِ باِلإمْكَانِ، ألتفِتُ إلَى أحَدِهِمَا ناَظِراً بعيْنِ خَلقِيتِي، وخَلِيقَتِي وَارْتِحَالِ بمِيانِ إرَادَتِ وَطَبِيعتِي، فإَذَا قَد بدئتُ باِلإيجادِ دُوْنَ رَغْبَةٍ مِني فِيه، وَلَا عِلم لِي بما يَتَضَمنهُ مِن المَضارِ وَالمَنَافِعِ أوْ يَويه.
وَقَد كُنتُ عَنهُ فِي غِنً مُسْتَهْلك الظُلمَةِ فِي أنواركِ، آمِناً فِي جِوَاركِ، لَا تدريِ الجِهَاتُ مَكَنِي مِنكَ فَتَكْشِفَنِي وَتحُوشّنِي إلَيها، وَلَا حُكْمَ لِلأقدارِ علَي فَضْلاً عَن الأقْطَارِ فتُقيدني لَدَيْهَا، وَلَا تدُركنِي أحْكَمُ الأدْوَارِ وَالأكْوَارِ، فَأكُوْن هَدَفاً لسِهَامٍ آثاَرها مُلقى بَيْنَ يدَيْهَا، وَلَا أعْرِفني أوْ أعْرفِ لِي فَقْراً، فَأطْلبُ ِلأمْرٍ زَوَاله، أوْ مَن يزيلْه فَأقصد سُؤاله، وَأتحَقق فَقْرِي وَنَقْصِ وغَناَه وَكَمَالهُ، حَتى أصَابني سَهْمُ غَرْبٍ باِلفَقْرِ مَسْمُوْم، وَباِلتفْرِقةِ وَالتشوقات المُخْتَلفَةِ مَوسُوْم، قَدْ رَمَى بهِ عَن قَوس مَيل حِبٍّ قَدِيمْ، أناَ غَرَضُهُ وهُوَ مِن غَرضِ عَدِيمْ، أنْهَكَنِي جُرحْاً وَليَسْ باِلسلِيمْ، فاَمْتَدتْ باِلفَقْرِ المُسْتَجِن باِلإرَادَةِ إلّ يد قُدْرَةٍ مَاضِيَةِ القَضَاءِ، طَالِبَة باِلتضَمن أو علَىَ التعْيين إخْرَاجِي مِن مَقَامِ الغِنَ إلَى محَل العَناَ، وَالضيق وَالضناَ، فَحَللَتُ بهِ وَللِحدِيثهُناَ اخْتِصَارٌ؛ لأن حُلوُلِ هُناَ كَنَ بَعْدَ تَعَدي أطْوَارٍ وَأدْوَار، وَتَاوُزِ مَرَاتبِ اسْتِيداعٍ وَاسْتِقْرَار، فَتَأملتنُي فَوجَدتنُي رهينَ عِللٍ وَأمْرَاضٍ، وحَبِيس أهْوَاءٍ وَأغْرَاض، وَمَعَ ذَلكَ كُهّ لَا أجِدُ لِأدْوَائي آس، وَلَا أظْفَرُ بتِأَنيِس مُواتٍ وَلَا خِلٍّ مُوَاس، وَإذَا كُلّ مِن الكَئنِاَتِ يدعُوْنِي وَيجَذبني إلَيه، كَأني نُهْبةَ بَيْنَ يدَيه، فَطَفَقْتُ أنْظُرُ، هَل جَذْبُهُم ودعاَهُم لِي هُوَ لحِبُهِم فِيّ وشَفَقَتهم علَي، أم ذَلكَ لهم، فَتَأمّلتُ، فَإذَا كُلّ مِنهُم يَطْلبُنِي لِيَتخِذَنِي آلةً لِتَحْصِيل أغْرَاضِهِ، ودَوَاءً لِإزَالةَ أمْرَاضِه، لَا يرُاعِي أحَدٌ مِنهُم مَصْلحَتِي، وَلَا يَهْتَمّ بتحْصِيل طُلبتِي، فَدُهِشْتُ ذُعْراً.
وَامْتَلَأتُ فَقْراً، لَا أعْرف له سَببَاً غَيْر حُكْمِ ذَلكَ الفَقْر الإرَادِي؛ الساريِ باِلوصفِ الحبي فِي التوجهِ الإيجادِي، فَأصْبَحْتُ أحْتاَجُ إلَى كُلّ شَيءٍ، وَلَا يلَتِم قَضَاء مَآرِبِي قَتِيلٌْ وَلَا حَيّ، كُلّ مَن فِيُ الوجُود يريدُنِي له، وَيَزْعُمُ أني الشرْطُ الِي بهِ يَتَأتَ له التحَقُّقُ باِلكَمَالِ الاتِ الِي أهل له، وَيَرُوْمُ بِي أنْ يُصله، وَكُلُّ فَردٍ فَردٍ يُطَالِبُنِي بقٍّ يزعُمُ أنهُ مُودعٌ لَدَي، وَثاَبتٌ له علي، وَلَا أعْرفِ لِي حَالَتَئذِ حَقّاً لَدَى أحَدٍ فَأقْتَضِيهْ، وَلَا أيضْاً تعَيّن لِي مَن له الحكُمُ فِي ذَلكَ علَىَ التحْقِيقِ، فَأطْلبُ مِنهُ أنْ يثُبِتَهُ لِي أوْ يستَوْفِيه، أصْبِحُ هَدَفاً لسِهَامِ عَسَاكِرِ الآثاَرِ المُخْتَلِفَة، وَمحَلاً لِتَصَرُّفِ ذَويِ المَقَاصِدِ المُتَبَاينةِ وَالمُؤْتلفَة، وَأناَ لستُ أرىَ مِن كُلّ مَن هَذَا شَأنهُ مَعِ إلا البُغض، وَلَا أعْرف مَا أمْكَنَ مِنهُ فِي الحكُمِ علي مِن الإبرامِ وَالنقْضِ، وَأمْسِي رهيْنَ بلَابلٍِ وَوسَاوسِ مَا بَيْنَ رَقِيبٍ مُتقَاضٍ حَاضِر، وَخصْمٍ غَئبٍِ له علَي موكل حَارسِ، وَأصْعَبُ مِن ذَلكَ كُهّ وجُدَاني فِي نَفْسِي قَابلِيةِ كُلّ مَا يرُوَى عني، أو يقُتَرحُ علي وَيُرَادُ مِنّي، فَلَا أقدرُ علَىَ النكِيْر، وَلَا أعْرف قَبِيلْاً مِن دَبِيْر، فَأطرَقتُ حَزِينْاً، وَأطَلتُ أنيِنْاً، لستُ المُخْتاَر لِي مَا أناَ فِيه فَأندمُ، وَلَا القَادِرُ علَىَ عِلَاجِ مَا حَل بِي مِن السُّقْمِ، فَأجْلِبُ العَافِيَةَ إل كَي أخْلص وَأسْلمَ، وَكُلُّ مَن رَآنِي، مِمن يُظَن أنهُ مِن أقرانِي، يُغْرِيني في حَالِ ومَقَامِي باِلمَقَامِ الِي فِيه حللَت، كَأنِي قَصَدْتُ الحلُوُلَ بهِ وَالوصُوْلَ إلَيه، أوْ كَأني مُتَمَكنٌ مِنَ الانتقَالِ عَنهُ قَادِرٌ عَليَه، فَتَرَاهُ لهُوْلِهِ عَنْ حَالِهِ يَتْرُك شَأنهَ وَيَنصحنِي سِّاً وعَلناً، كَل ظافِرِ بما حرمته مِما يروْقُ لِي وَله وَيُعْجِبُناَ، وَلو عَرفَ المِسْكِينُ مِن نَفْسِهِ مَا أعْرف مِنهُ؛ لشَغَله مَا هُوَ فِيه عَني وَعَنهُ، وَمَعَ هَذَا وذَلكَ أجِدُ فِي خِلَالِ حَالِ اسْتِشْعَاراً، وَيَهبُّ علي أحيانا مِن ثلعاتِ نجد نسيمْ أشمُّ مِنهُ عَنبراً وعَرَاراً، فَأهْفُ إلَى مَا أجْهَلهُ وَأذْكُرُهُ، وَأحِنُّ إلَى مَا لستُ أرَاهُ وَلَا أنكرُهُ، فَبَينا أناَ كَذَلكَ إذْ أتاَنِي آتٍ مُواتٍ وَآسٍ مُواسٍ، وَرسوْل خَلِيلْ، ذِي فَضْلٍ جَزِيلْ، وخَلقٍ جميلْ، فَدَعاَنِي إلَيه وَتلَطفَ وَترَفّقَ، وَسحني مِن بَعْضِ القُيُودِ الوهْمِية بما أتَ بهِ مِن الحججِ اليَقِينيةِ، وَأطْلقَ وأباَنَ عَن كَثِيْرٍ مِن الأمُوْرِ المُبَهَمةِ علي وعَلَىَ غَيْرِي وحَققَ وَآنسَ وشَوقَ، وَوعَدَ وَرَغبَ وعَشقَ، ثُم لمّا رَأى أنهُ قَد أشْرَبَ قَلبي حُبهُ وَتصدِيْقَهُ، وَلم يجوز فِيِ شَيءٍ مِمُا أتَ وَأخْبَرَ بهِ تكذيبه، فَيسأله تَقْرِير ذَلِكَ وَتحقيقْه، وشَاهَدَ مخَاَييلَ الدلَالِ وَالأنس وَالأمَانِ والاطمِئنْاَن وَالسُّكُوْن، قَد شَرَعَتْ تلَوُحُ علَىَ شَمَائلِي، زجَرَ وحَذرَ، وهَددَ وَأنذرَ، وَأرْعَدَ وَأبرق، وحَجرَ علَي مَسَالِكِي وضَيقَ، وسَدَ أبوابَ أكْثَر آمَال، وَأغْلقَ وَبَالغَ فِي تخوِيفي مِن الرُّكُوْنِ إلَى شَيءٍ غَيْر الحق، وَالتعَشُّق بهِ فَأقلْقَ، فَضَاقَت علَي مَنَافِسِي، وحسمَت مَوَادُّ أفكريِ وَمَقَايسِي، وَتضَاعَفَت بلَابلِي وَوسَاوسِي، وَتوَاترَت المِحَن علَىَ باَطِنِي وَظَاهِرِي، وَامْتَازَ أولِ مِن آخِرِي، فرُمْتُ الخلَاصَ وَالفِكَكَ، وَلوَ باِلهَلَاكِ، وَأنشدَ لسانُ الحاَلِ:
كَفَ بكَ دَاءً أنْ ترَى المَوْتَ شَافيا وحَسْبُ المَــنَاياَ أنْ يكن أمَـانيا
فَعِندمَا عَرفَ ذَلكَ مِني، أخذتُ بقهرٍ عَني، وَأنُذرتُ أني مَتَى أقدمْتُ علَىَ مِثل هَذَا مُبَادِراً، أبت خَائبِاً خَاسِاً، لَا يرُجَ في مِن العَذَابِ خَلَاصٌ، وَلَا أناَل شَيئْاً مِما ناَله أهْلُ الحظُوةِ وَالاخْتِصَاص، فَقُلتُ: فَمَا أصْنَع، وَمَا أوَفق الأمْورِ باِلنسْبَةِ إل وَأنْفَع؟، فَقِيللِ: عَليَك باِلصبْرِ فِي البَلَاء، وَالشكْرِ علَىَ النعْمَاٍء، وَالثباَتِ وَالرضَى بكْمِ القَدَرِ وَالقَضَاء، فَهَا أناَ أتَقَلبُ بَيْنَ شِدة وَرخَاء، وَزعزع وَرخاء.
إنْ عَرَضَتْ محِنةٌ طُوْلِبْتُ باِلصبْرِ عَليَها، وَالرضَا بها وَالثباَتِ لديها، وإن هطلَ عارضُ نعمةٍ، أو راحةٍ ممزوجة بالإنكار طَوْلِبْتُ باِلشُكْرِ عَليَها، وعدَم الفَرَح بها وَالرُّكُوْن إلَيها، وَكَنَ حَظي المَوعُودْ، مَتَى أفلْحتُ، وَأخَذْتُ فِي القِيَام بق الامْتِثَالِ، وَأخْلصتُ الزيَادَة مِن نوعِ تلِك النعْمَة مَعَ كَمَالِ زُهْدِي فِي الوجُوْدِ، الِي هُوَ أولُ مَوهُوبٍ، وَباِلظُّهُوْرِ مَقْصُودْ، وَأعْظَمُ مِن ذَلكَ كهِ وَأشدّه علَي؛ تَعْرِيفي أنهُ مَتَى صَدَرَتْ مِني فِعْلةٌ أوْ خَطَرَت خَطْرَةٌ، أو بدَرت قَوْلةٌَ، أِوْ نذَرتَ لفتَةٌ أوْ نَظْرَةٌ، كَنتَ مَا كَنتَ، فَإنهَا تتَشَخص وَتَتَصَور فِي عَرَصَاتِ الأفلاك، بمرْأى ِمن الرُّوحانِياتِ وَالأمْلَاك، فَإنْ لم تلَف مُرضيةٌ ذَاتَ جمَالٍ، وَإلا افْتَضَحْتُ عِندَ المَلأ الأعلَىَ فِي الحاَلِ، وَكَفَانِي هَذَا سُبةً وعَاَراً، وَوَيلْاً وعَثَاراً، فَدَع عَنك مَا يُتَوَقع مِن أفْعَالِ فِيما بَعْد مِن أنْ تصيْرَ كِسْوَة لاتِ، وعَاَهَة ظَاهِرَة فِي صَفْحَةِ صِفَاتِ، بعَدَ المَوتِ في كُلّ نشأةٍ وحَالٍ ووطنٍ ذُكِرَ لِي المُرُوْرُ عَليَه، وَالوُصُوْلُ إلَيه، مِن قَبْرٍ وَبَرْزخٍ، وَمَوَاقِفَ حَشْرِية وَصاطِية، وجنَانِية وَناَرِية، وَمَا فِي خِلَالِ ذَلكَ كهّ مِن العَقَباَت وَاِلعَوَاِئقِ وَالمُخَافَقَات، ثُم إنُي لَا أدْريِ هَل يُقَدرُ زَوَالُ تلِك الصفَات وَالأحْوَال المُردْيةَ من ذَاتِ وَتَبديلْهَا، أوْ أحْرَم بَعْدَ صِبغتِهَا الانجرَافِية الظُّلمانِية تَقْدِيسْهَا وَتَنوْيرهَا، وَتسَويتهَا وَتَعْديلهَا، فَلم أرَ فِي المِحَن التِي بها أصبتُ أعْظَم مِن هَذِهِ التِي ذَكَرْتُ، فَإني رَأيتُ مِن لوَازِمِهَا أنهُمَتَى لم يُتَدَاركَ مِنك ياَ ربَ العِنَايةَ، كُنتُ فِي عَذَابٍ ألِيمٍ مِن باَطِنِي وَظَاهِرِي، مِننَتَائجِ فِعْلِي وخَاطِرِي، وَافتضَاحِي عِندَ الِيْنَ رسَخَتْ عَظَمَتُهُم فِي قَلبي وَرجَوتُ أنْ يكوْنوُا سُماريِ، وَأعْوَاني فِي القِيَامِ بِقكَ وَأنصاريِ، وَمَا كَفَى افتضَاحِي بَيْنَ يدَيك، وَانكشَاف عَوَرَاتِ لَدَيك، وجَزَعي وخَجَلِي مِن شُؤمِ اجْتِرَائِي عَليَك، حَتى انضافَ إلَى ذَلكَ خَوفْ هَذِهِ الفَضِيحةِ المَذْكُوْرَة، وَانكشَاف هَذِهِ العَوَرَات المَسْتُوْرَة، وَبَعد ذَلكَ كُهّ إنْ حجمتُ عَن الإقْبَالِ عَليَك، وَالتوجه بوِجهِ قَلبي وَقَالِبِي إلَيك، وسؤالِ أشْرف مَا تنيلْهُ أهْلَ عِنَايتكَ، وَالعَامِلِيْن بِجَزِيل فَضْلِكَ الدار، وجَميلْ رعِاَيتكَ؛ لخِجلتي مِن سُوء فِعْلتي، وَاسْتِحْضَاريِ قَبِيحْ جَرِيمتِي، خَشِيتُ أنْ يكوْنَ فِي ذَلكَ تَفْخِيمْ قَدْريِ، وَتَعْظِيمْ شَأنِي وَأمْرِي، حَيثُ تكوْنُ الغَفْلة مِني تحَجبُكَ وَتَمْنَعُ بركَ عَني، بلَ أكُوْن مُشْرِكً فِي عَيْنِ التوحيد، مَعَ أنني العَارف الفَرِيدُ، وَإنْ تَمَادَيتُ فِي الإقدامِ عَليَك، وَاسْتِصْحَاب الإذْلَال حَالَ التوجهِ إلَيك، خِفْتُ أنْ أتسم بسِمَةٍ مِن عَدَمِ الحيَاَءِ وَتَري، فَأسْتَوجب للكَ عُقُوْبَةً أخْرَى، وَإني أعُوذُ بكَ مِن سُوء الأدَبِ وَقِلةِ الحيَاءِ، فَإنهمَا عِنديِ مِن العُقُوْبَات الكُبْرَى، فبَينْاَ أناَ فِيما أناَ فِيه وَأنت أعْلمُ إذْ هَتَفَ بِي هَاتفُ إلهامكَ، وَبَرِيدُ لطُفِكَ وَإكْرَامكَ، فَرجَانِي وَأطْمَعَنِي، وجَمَعَنِي فِي عَيْنِ التفْرِقَةِ وَنَبّهَنِي، وَقَالَ لِ: إنْ تمَادَيت فِي الإقدامِ، بَعْدَ التلويث وَالإلمام، فَليكُن مُوجب اسْتِحْقَاركَ لِنفْسِكَ، وَمَا أضِيف إلَيها فِي جَنب عَظَمَةِ حَضْرَةِ رَبكَ، وَمَا مِن المَغْفِرَةِ وَالإحْسَان لَدَيْهَا، وَإنْ أحْجَمْتَ، فَبِمُوجبِ حُكْمِ الأدَبِ وَالحيَاءِ وَالتعْظِيمْ، لَا تَفْخِيمْ قَدْرك وَإثْبَاتك، أوْ تَفْخِيمْ الفِعْلِ المَذْمُوْمِ، فَقَبِلتُ النصِيحة، وَاسْتَعْذَرتُ مِن الجهلِ وَالشِرْكِ وَالفَضِيحةِ، وَبَقِيتُ أنْظُر كَيف الخلَاص، مِن هَذِهِ الأشْرَاك وَالقُيُودْ وَالأقْفَاص، وَرَأيتُ العَجْزَ قدَ عَم، وَبَر القَهْرِ قَد طَم، وحُكْم الفَقْرِ قدَ شَمَلَ الجميعْ، حَتى تسَاوَى فِيه الوضيعُ وَالرفِيعُ، مَعَ أنهُ كَنَ آخرُ أمْرِي فِي هَذَا المَقَامِ الِي ذَكَرْتُ حَالِ فِيه، انجذَابِي إلَيك بُكمِ ذَلكَ الشعُوْر الأول وَالتذَكُّر، وَالتنبيهْ الحاَصِل مِن الرسُوْل وَالتبَصُّر، فَلَا يزَال قَلبي مُتشَوقاً لِكَمَالِ التحَقُّقِ بما نَبه علَىَ طَلبهِ، وَإنْ حِيل مِنْ حَيثُ الحاَل الحاَضِر بيَنهُ وَبَيْنَ مَطْلبَه، ثُم إنك ياَ رَبّ كَشَفْتَ لِي عَنِ الحاَئلِ مَا هُوَ فَرَأيْتُهُ صِوَرَ أحْوَالِ، التِي هَ شُئونُ ذَاتك، قَد قَامَت حُجُباً، بَيْنَ مُرَادِي الكلُي وَمُرَادِكَ، فَلَا بغيْرِ التحْقِيق بما أشْعَرت به أقْنعَ، وَلَا أناَ آيسٌ مِن حُصُوْلِ مَا رُغبتُ فِي طَلبهِ، وَمُنيتُ حُصُوْله فَلَا أطْمَعُ، وَلَا أشْهَدُ الكَمَالَ الحاَصِلَ، وَالمُنتْشئ مِنْ صِوَرِ تَعْذِيبي وَتَعَبِي، وَقَلقي فِي حَبس قُيُودي وَنصَبي، وهَل ثَمَرَة مَا أناَ فِيه مِنَ الإنكارِ، وسيمَا مِن حَالةَ المِيلادِ، كَمَال يَعُودُ نَفْعُهُ علَي، أوْ علَىَ غَيْرِي، وَإنْ قِيل بعودهِ علَي، فَقَد كُنتُ فِيه، بل فِي وجُودي الِي هُوَ أصْلهُ المُثمرُ لمَا ذكرَ، أوْ الشرْط الِي عَليَه يتَوَقف ظُهُوْرُ مَا أظهر مِنَ الزاهِدِينْ، وَأنتَ فَكَمِل غِنَيّ عَن كُلّ كَمَالٍ وَاسْتِكْمَالٍ، ]يَظْهَرُ وَيَنشأ بِي وَبغيْرِي؛ لأنك كَمِل بذاتك، وَقَد عَرفْتَنِي فِي بَعْضِ مَشَاهِدِ تَعَرُّفكَ إل، فِي جمُلةٍ بما أنْعَمْتَ بهِ علَي.
إن مَنْ كَمَالهُ بذاتهِ لَا يكمُل باِلخاَرجِياتِ وَالعَوَارضِ، وَلَا ينقص شيء منه كماله، وَلَا يشينُهُ وَلَا يزَداد بها كَمَالاً لم يشتَمِل عَليَه ذَاتهُ، نَعَم قَدْ يَظْهَر بها؛ أي باِلعَوَارضِ صِفَة أكْمَالِيتِهِ المُسْتَجِنة عَنا فِيه مِنْ قَبلْ، وَمَا ثَم ياَ ربَّ ثاَلِثٌ غَيْرناَ وَغَيْركَ، فَهَذَا الكَمَالُ المُشَارُ إلَيه علَىَ مَنْ يَعُودْ، وَمَا المُرَادُ مِن هَذِهِ الأمُوْر المَذْكُوْرَة المُتعبةَ وَالمقْصُودْ؟
تَعَالَيت وحَقّكَ عَن مَعْرِفَةِ كُلّ مَن يزَعُم أنهُ بكَ مِنَ العَالمِيْن، كَمَا تَعَالَيت أنْ تَفْعَلَ شَيئْاً لأحَدٍ مِنَ العَالمين، أهَكَذَا شَأنُ مَن يقُيد برضَا سِوَاهُ، أهَكَذَا فِعْلُ مَن يؤُثرِ مُرَادَ غَيْرِهِ وهَوَاه، وَمثلُ حَالِ حَالُ مَنْ يلَتِمُ تحَصيل مُناَه، هَيهاتَ هَيهاتَ، مِن سَائرِ أنواعِ الجهَالَات؛ لكَ الُحمدُ علَىَ علم بأِن لكَ الأمْرُ كُهُ، وَمَا حُرِمْتُ كَشْفهُ، وَإنْكُنت قَد مَنَحْتَنِيه فَلَا أبديه وَلَا أحله.
إلهي بسَطْتَ بعِلمكَ عِندي بَيْنَ يدَي بساطكَ، وَامْح مَا خَفِيَ حُسْنهُ وذَمّ مِن آثاَرِ انبسَاطِي وَأحْكَمه، وَاصف عَني ضَرَره، فَإن ذَلكَ حُكْم انبسَاطِكَ، وَلَا تؤاخذْنِي بظاهِرِ تَرُّئِي عَليَك، وعَرض بَعْض أحْوَالِ فِي صُوْرَةِ الشكَيةَ بَيْنَ يدَيك، وَقَد سَنَ مِني فَإني دَائِي، وجد علَي بدوَامِ فَضْلِكَ علَىَ نحَو مَا أشْعَرْتني بهِ، وَنَبهْتَنِي عَليَه، فإَنهُ أشْرَفُ أدْوَائِي، وَلَا تطل تَعْذِيبي بَعْدُ، وَتَعَبِي فِي مَرْتبَتَي شَهَادَتِ وَغَيبي، كَيلا يُفْضِي بِيَ الحاَلُ مِنْ ضِيق العَطَنِ إلَى كَشْفِ مَا بَطَن مِما يجبُ سَتْرُهُ، فَيَضُرّنِي وَلَا يرُضيك، كَمَا أن تكمِيلْكَ إيايَ وَإناَلتي بُغْيَتِي وسؤْلِ رُبمَا يَنفعُنِي وَلَا يؤُذيك، بل قَدْ أصِيْر إنْ أصْلحتَنِي[وَاصطَنَعْتَنِي لكَ محلَاً لِتَنفيذِ أوَامِرِكَ وَنوَاهِيك، ودَرجاً جَامِعاً لأسْمَائكِ وصفَاتكَ وَأفْعَالكَ وَمَرَاضِيكْ، وَمرْآةً لكُ شَأنك، وَكُنهْ تَليكْ، وَإنْ لم ترَنِي أهْلاً لمَا ذَكَرْتهُ، وَلم تستَصْلِحْنِي للِتحَقُّقِ بما أدْرَكتهُ، فَأيْنَ مِصْدَاقُ مَا مِنك رَأيْتُهُ وسَمِعْتُهُ، وعَرِفْتُهُ وَتحَققْتُهُ، وخبرْتهُ مِنَ المَشَاهِدِ الاتِيةِ، وَالمُخَاطَباَت العَلِية، وَالنُّصُوص الجلية، وَالمَوَاعِدِ السنِية، والإخْبَارَات الأقدسِية، وَالتقْرِيرات المُؤسَسَة فِي الحضَرَاتِ المُقَدسَة، مِن أحْكَمِ الوسَائطِ والاحْتِمَالات، وعَن دَرك العُقُوْلِ وَالأوهامِ وَالخيَالَات، وعَن تسَلُّطِ الفُهُوْمِ، وَرجمِ الظُّنُوْنِ، وَالتأوِيلات، ودَعْنِي مِن هَذَا كُهّ، مَنْ أناَ فِي مُلككَ حَتى لَا يسَعنِي إحْسَانك، وَيَظْهر بِي تَمَام حِلمكَ وَغُفْرانك، أترضَى أنْ يكم على فضلك وعفوك مَعَ سِعَتِهِمَا، وَمَا أعْلمَ مِن أسارهِمَا باِلتحْجِيْرِ وَالحصرِ وَالتقْيِيد بسببي، لِقَبِيح فِعْلٍ ظَاهِرٍ بِي.
تَعْرف وَأعرف سكَ فِيه وفِ سُوء أدَبِي، وهَل سَيَحْسُنُ أنْ يستفحل أثر أفْعَالِ المَذْمُوْمَة حَتُى يَوْلَ بَيْنَ إجَابتكَ إياي فِي عَيْنِ مَا سَألتُكَ فِيه وَبَيْنَ مَطْلبي، أوْ هَليُمْكِن أنْ أشَككَ نَفْسِي فِي عِلم وَمَنهجِي وَمَذْهَبِي، إُذَا حُكِمَ بإِمْكَنِ التقَيُّدِ، وَالعَوَزِ فِي جُودكَ المُطْلقَ، وسعَتِكَ وغنَاكَ المُحَقق، فَأسَلِي نَفْسِي بذلكَ وَمثله وَأتصَبر، وهَذَا مَعَ أنني العَالم الأوسع الأجمع الأكْبَر، أمْ هَل يجَوْز أنْ أكُوْنَ مِمن تخيل له إمْكَن الاسْتِكْمَالِ فِي غَيْرِ هَذِهِ النشّأة، أو مِن أهْلِ الارْتواءِ المُمْتَلِئِيْن بصبَابةَ بَعْضِ أكُوسي، فَلَا أطْلبُ بَعْدُ شَيئاً، وَلَا أخْشَى وَلَا أقلْقَ مِن فَوَاتِ وَقتي مَعَكَ، بلَ أقْنَعُ وَأطْمَئِنّ بِجَهْلٍ وَبَطْرٍ، كَلا وَلما ذَهَبتَ الأضَاليلُ، وَانكشَفَ الغطَاءُ، وَأشْرَقتَ بنوْرِ رَبها الأرضُ وَالسمَاءُ، فَاتضَحَ السبِيلُ، وَاسْتُغنِيَ عَن الدليلْ، وَكَيف لا أكُوْن كَذَلك، وَأنت الِي بشَرْتني بذلك، حَالَ إشْهَادِكَ، وخَاطَبتْني باِلأمْرِ كِفَاحاً، وَأوضحْتَ الس لِي إرشاداً وَإفصاحاً، فَكَنَ فِيما قُلتْ لِي إذْ ذَاكَ: نَفْسِي فِدَاكَ، مَا هَذَا نصه وَفَحْواه، وَقَد وصَلت إلّ، وعَرفت الطرِيق وَالمِعْياَر، فَمَتَى أردت فَاقصُدنيُ فَإني أجَوزك، وَأعَديك مِن كُلّ مَا تريدُ أنْ تَتَعَداهُ، فَمَاذَا تأَمرني أنْ أصْنَعَ، وَكَيف أنكر مَا قدَ رَأيته أوْ أدْفعَ، ألست القَائلِ بلسَانِ الإنذارِ وَالتهْدِيدْ، فِي كَلَامِكَ المَجِيد: ﴿ عمغجغمفجفحفخفمقح...﴾ ]الأنعام: 157[.
فَكَيف ينَسنِحُ باِلجهلِ الدرَايةَ، وهَذَا مَعَ أن فِيما ذَكَرْتهُ آنفِاً مِن شَأني مَعَكَ دَلَائلِ مِنَ الوْقِ الصحِيح، وَالإشْهَاد الصرِيحْ، تغُني وَتفيدْ، وَتذُهِب كُلّ رَيبْ وشَكّ وَتبيدْ، مِثاَل هَذِه الشبه وَالتأوِيلات، وَالظُّنُوْن وَالتسوِيلات، لَا تَتَحَكم علَي وَلَا تسُلِيني، ولَا يسوغ حُكْمهَا عِندي وَلَا يَتن شَيء مِنها بمِيانِ شُهُودي، وعلم وَوجُودي، لهَذَا أضْجَر وَأتأَلم وَأقلْقَ ِمن ذَهَابِ الأوْقاَتِ، وَأضِيقْ منَ الحصرِ وَالتقْيِيد بكْمِ كُلّ مَقَامٍ وحَالٍ وَمِيقات، وَكَيف لَا يكوْن الحاَلُ كَذَلك، وَمِنَ المَعْلوُمِ لِعَبدكَ مِن حَالِمَا ذَكرته بكَ وَبهِ وَبَصرته، وَأطْلعته علَىَ مَا شِئت مِن نفيس مَا عِندْكَ مِما عَن غَيْرِه سَتَرته، إن أحْكَمَ عِلمكَ لَا تَنحصِر فِي صِوَرِ تَعْرِيفاتكَ وَأخْبَارك، وخَواص ظُلمة كَوْنِي لَا تَمْنَع دُر فَضْلِكَ الاتِ وَشُرُوْق أنوارك، وَمَا فاَتني مِن وَقتٍ وحَالٍ مَعَكَ فَغَيْر مجَبْوُر، وَإنْ كُنتْ فِيه غَيْر مخُتْاَر بلَ مجَبُوْر.
إلهي أنت تَعْلم أن الصفَات وَالأحْوَال وَالأفْعَال بأِسهَا محَصُوْرَةٌ فِي قِسْمَيْن: كَمَالٌ وَنَقْصٌ، وَلَابدُ مِن ظُهُوْرِ أحْكَمِهِمَا تَمَاماً لَا محَاَلةَ لحصُوْلِ كَمَالِ الجلَاءِ وَالاسْتِجْلَاء، الِي هُوَ المَطْلوُبُ الأول مِنَ الإيجادِ وَالإنشاء، فَالكَمَالَات فِي الصفَات وَالأحْوَال وَالأفْعَال، كُهَا لكَ علَىَ كُلّ تَقْدِيرٍ وحَالٍ، وَالنقَائصِ فَلَا تليقُ نسبتهَا إلَيك لأنك السُّبُّوح القدُّوس، فإَن لمَ تكن حليَتِي، وَلمَ أظهر بها نَفْسِي فِدَاكَ فَلِمَن تصلحُ، وَمَا ثٍم ثاَلث غَيُرنا وغَيرك، أفأعاَتب علَىَ الظُّهُوْرِ بما لا يصلِحُ أنْ يكوْنَ حلية لأحَد غَيْرِي، أفَأعاَقَبُ علَىَ مَا لَا يُمْكِن دَفعْه عَني ِلكَوْنهِ من مُقْتَضَيَات حَقِيقتِي وَكَوْنِي.
أأَلُلَامُ علَىَ قِياَمِي فِيُ مَقَامِ الوقَايةَ بَيْنَ كُلّ مَا يُطْلق عَليَه لسان ذَمّ، وَبَيْنَ ذَلكَ الجنَاَب الأعُظَم، لعَمْرِي لأن أحمدَ علَىَ هَذَا وَمِثلْه فِي مَبلْغَ عِلم أجْدَر بمقَامِ الإنصافِ مِن أنْ ألام عَليَه، أليَس إن لو لم أكُن محَلَاً لِتِلك النقَائصِ، وهَدَفاً لسِهَامِ آثاَرها، لجذبت سعة الحضرَةِ تلِك الأوصاف المَكْرُوهة ظَاهِراً بإِحَاطَتِهَا إلَيها، بل رُبمَا كَنتَ هَ المُنجذبة باِلأصَالةَ إلَى حَضْرَةِ الجمعِ الحقيقي الاتِ، فَإنهَا المُشْتَمِلةَ أولاً عَليَها، وَإذَا صَح أن اُلأمْرَ كَذَلكَ وَلَا مرية فِيه، فلَم لا أشْتَكِي وَلَا أضِيقْ، وَلا أقلْقَ وَكُلّ ذَلكَ بِيحَقِيقْ، أأَقاَوم قَهْرَكَ، أم أتعَدّى قَدْريِ إلَى قَدْرك، وهَل يسن مؤاخَذَتِ علَىَ الظُّهُوْرِ بماهُوَ مُقْتَضَى حَقِيقتِي التِي هَ عبَارَة عَن صُوْرَة عِلمكَ القَدِيمْ بِي قَبل أنْ أكُوْنَ شَيئاً مَذْكُوْراً، وحَال مَا كُنتْ فِي غَيب ذَاتكَ كَنتَ اليَوْمَ فِي عِبَادِكَ سِّاً مَسْتُوْراً، أعُوذُ بكَ أنْ أكُوْنَ مِنَ الجاَهِلِيْنَ بشأنك، وَالجاَحِدِيْنَ لبرهانك، وَقَد رَأيتْ مِن أكْمَل عِبَادِكَ، من عَليَه مني بكِ سَلَامَك، يَقُوْلُ: لكَ العُتب، أقِلني فِي وجُودي مَعَ كَمَالِ تَمَكنهِ فِي مَقَامِ الرضَا وَالعُبُودْية وَثبَاته الأتَمّ الأعلْىَ، فَمَن أناَ حَتى لَا أتضَور، وَأشْكُر وَأتضَجر، هَذَا إن كُنتْ العَارفِ بثِبُوت حُجتِكَ علَي، وَتوَالِ إحْسَانك إل.
إلهي تلَطفْتَ بِي ودَللتنِي، وَللِحُضُوْرِ علَىَ بسَاطِ مُشَاهَدَتكَ وَالأخْذ عَنك أهلتنِي، فَبِحَقكَ عَليَك، وحَق مَا تحبُّ أنْ يُتَوسَلَ بهِ إلَيك، أوْ يُقْسَمَ بهِ لَدَيكُ، مِن أسْمَائك، وصفَاتك، وَمُبدِعاَتك، عاَمِلني فِيُما أرُوْمُ حُصُوْله مِنك الآن وَنحَوهُ بما أظْهِره مِن أمْرِكَ الِي عَلمْتَنِي، وَلَا تؤُاخِذْنِي بما أسِه بمَا عَليَه أطْلعتَنِي، وَلَا تَعلني مِنك بيثْ أنت مِني، وَاجْعَلني بيثْ يَقْتَضِيه كَرَمُكَ الخاَلص الخاَص الِي جَعَلتْه للِعالميْن، وَأهلني لأن تحُيْني ببكَ الأغَرّ الأشْرَف، الِي لَا فعل يجلبه وَلَا وصَف، وَلَا يُعَلل بمعْنَ وَلَا حَرفْ، وَبهِ تحققت بكَ رَابطة المقربين، وَتيَسَت مَطَالِب الكَمِلِيْن المكملين، إنك أجْود مَن سُئِلَ، وَأكْرَمُ مَن أجَابَ وَبَذَل.
إلهي هَا قَدْ تُبتُ إلَيك، فاَقْبلَ إقْبَالِ عَليَك، وَأصْلِح كُلّ أحْوَالِ لَدَي فَإنهَا صَالحِةَ لَدَيك، وَتَقَبل عَودتِ مِن شِكَيتي لشكْرِي، وَمِن غَفْلتي عَن التحَدُّثِ بنِعْمَتِكَ لاسْتِحْضَاريِ لهَا وذكري، وَأنت تَعْلم أنني فِي نَفْسِ تضَرُّعِي إلَيك وشكَيتي، وَتضَوُّريِ مِن ضِيقي وَمحِنتِي وحكَيتي، غَير جَاحِد مَا خَولتنِيهْ، وَلَا ناَس لأكْثَر مَا أطْلعتَنِي عَليَهْ وعَلمْتَنِيهْ، وَكَيف ول خِطَاب «سَنُقْرِئك فَلَا تنَسى» نصيبٌ وَافِر، لَا يَعْرفِ سِّه عَقْلوَلَا خَاطِر، وَإنْ شِئتْ فَخَاطِر، وَإني مَتَى التفت أيضْاً إلَى الطرفِ الآخَر المُكَن عَنهُ باِلبَحْرِ الإلّ، الوَاسِع المُحِيطْ العَلِيّ، الِي هُوَ أحَدُ وجهَي برزخيتِي، المُشَار إلَيه آنفِاً فِي بدءِ قضِيتِي، وَتلَمحته بعينكَ مِن حَيثُ حَقِيقتِي، ألفَيتْني وَقدَ كُنتْ مَعْدُوْم العَيْن مَسْلوُب حُكْمَ الوصل وَالبَيْن، وَالزمَان وَالأينْ، لستُ أرَانِي هُناَك، وَلَا أعْرف مَكَني مِن حماكَ، لَا سُؤال يُتَصَور مِني فَيستَحِقّ التلقّي باِلإجَابة، وَلَا رَأي يَتَعَين لِي فِي طَلبَ الإيجادِ وَلوَ لَازمه فيَحكم عَليَه باِلخطَأ أوْ باِلإصَابة، لَا شُعُوْر لِي بِي وَلَا بشيءٍ مِن أحْوَالِ، وَلَا مُتصِفاً بطلبٍ أوْ مُتَعَلق الهِمة بنِيَل أمْلٍ فَأسْعَ وَأتسَبب فِي تحَصيل آمَالِ، حَتى دَعَوْتني إل وَإلَيك، بنِدَاءِ استتبع شُعُوْريِ بِي فِيك، وَاسْتَلزم ظُهُوْر حُكْم الوَصْلِ وَالفَصل بيَني وَبَينْك، فَلبيتْ نَفْسك عَني تلَبيةَ ذِي صَدَى، وَكَنتَ تلَبيتي لِتَلبيتكَ صَدَا، وَكَنَ ذِكْرُكَ لِي علَىَ التعْيِين فِي نَفْسِكَ سَبباً لِظُهُوْريِ فَظَهْرت قاَئماً بذِكْرِكَ، مظهراً لسِ شَأنكَ وَأمْرِكَ، وَكَسَوْتني مِن صِفَاتكَ المُتَعَينة بِي، وَالظاهِر حُكمها بسبي، مَا اقْتَضَى فَصْلِي وَتَمْيِيي مِن حَضْرَةِ ذَاتك، وَأبْقَيت مِن سِّ مَا بهِ الاتحاَد بيَني وَبَينْك، دَقِيقْة هَ سَبِيلُ وجهتي، وَمَمَري مِن مَقامِ فَصَلي وَكَثْرَتي، التِي عَرَضَت لِي مِن مَلَابسِ شُؤونكَ وصفَاتكِ إلَى وحدَتِ، وَمِن غُرْبَتِي إلَى وَطَنِي، وَمَوْطن أمْنِي فِي حماكَ وغَيبتِي، وَمَنشأ شُؤونِي التِي هَ صِوَرُ مَبَاغِيكْ، وَمَنْزِلُ صَبوتِي، فَلما أصْبَغْتَنِي بوِصفِكَ، وَعَطرْتني بعِرْفِكَ، وعَديتْ حُكْم عَيني الثابتِةَ مِن عِلمكَ إلَى عَينكَ، وَمِن وصلِي إلَى بيَنكَ، أخَذت فِي تربيِتي وَتَطْوِيري فِي سادِقَات لطُفِكَ، دُوْنَ عِلمٍ مِني بما أخْفَيته مِن شَأنِي وشَأنكَ فيّ عَني، فَلما جُزْت بِي سَائر مَرَاتبِ الاسْتِيداع، وحَانَ وَقتُ ظُهُوْرِ صُوْرَة الحبُ الأول وَالاجْتِمَاع، تَنَزلت مِن عِزكَ الأحْمَى فِي صُوْرَةِ العَمَا إل، وَأقْبَلت بكليتِكَ علَي، وخَصصْتَنِي لِتهممك بِي بمبَاشَرَةِ ظَاهِرِ تكوِيني، وَإنشاء صُوْرَتِي، وَتَعْيينِي، فَلما كَملتَ تسويتِي وَتَعْدِيلي، وَمَيتَ دَبِيرِي مِنْ قَبِيلي، جَعَلتَ لبِرْزخيةِ باَطِني قِسطاً مِنْ باَطِنِ تَليّكَ، وخَزّنتَ فِيهِ حِصّةً مِنْ نوُرِ ذَاتكَ المعُتَلي علَى نوُرِ تدَلِيكَ، وَقَدّستَ ذَلكَ القِسطَ عَنْ خَاصيّةِ كُلّ وَاسِطٍ، وحكمٍ وَشَرطٍ، وَكُلّ قَيدٍ عاَرضٍِ وَربطٍ باَطِنِ العَيْنِ عَنْ كُلّ عَقلٍ، وَغَيْرِ ظَاهِرَ الحكُمِ بَيْنَ مُطلقَ ذَلك، وَبَيْنَ مُستَقرَكَ وَمُستوَاكَ مِنْ صُورَتِي التي هَ عِباَرةٌ عَنْ مجُتمعِ صِفَاتك، ثُمّ سَميتَ ذَلكَ اَلتَجَلي البَاطِني الَاتِ المُقَدسِ المُنطبِعِ فِي مِنك المُنفصِلَ بكمِ توَجُهِكَ الجاَمِعِ الأحدِي، نحَو إيجَادِي التَعْيِيَني، عَنك رُوحاً، وَليسَ سِوى شَجْنةٍ مِنْ نوُرِ رحَمَانيِتِكَ، وَبُضْعَةٍ منْ تَليكَ الّاتِ الأقدَسَ الظَاهرُ بصورةِ رَبَانيِتِكَ، ثُمّ عَبّرتَ عَنْ ذَلكَ الفَصلَ الأنزهَ الَبَدِيعَ، وَالتّوجهَ الأنوَهَ اَلرّفِيعَ، باِلنَفخِ الشَريف، فَكَنَ ذَلكَ مِنك رَمزٌ لطِيفٌ، فَمَنْ أشْهدته نَفْسَكَ عَرَفَ أن النّفخَ مِنهُ، وعَرفَ أنّ النّفسَ صُورةُ باَطِنِ المُنتَقِشِ؛ ظَهرَ بصورةِ التّعيّنُ القَاِضِ باِمتيَازهِ عَنهُ، ثُمّ إِنك جَعَلتَ ظَاهِرَ صُورَتكَ مِنّي مِنْ حَيثُ الجمَعُ وَالتَقيِيدُ وعَاءً لِغَيبِ نوُرِ ذَاتكَ المُطْلقَ وَبسَاطَتِكَ، فِلهَذَا ظَهَرَ بِي سِّ جمَعِكَ وَإحاطَتِكَ، وَلكَ أولُ الأمرِ وَآخِرهِ، وَبَاطِنُهُ المُجمَلُ وَظَاهِرُهُ، فلَيس هُنا وَلا هُنَاكَ شَيّء يَتَحقَقُ إِضافَتهُ لسِوَاكَ، ثُمّ إِن النّفْخَ وَالسَّ المَنفُوخَ ظَهَرا بُكمِ مَقَامِ الوجُوبِ وَالإمكَنِ اللذانِ كَنت حَقِيقَتي المُشَارُ إليها آنفاً برَزخَاً لهُمَا، ذَوَاتِ وصَفَينِ وحكْمَينِ، فَمَتى ظَهَرتِ الغَلبةَ حَالَ النّفخِ وَالتسوَيِةِ لإحْكَمِ الشُروطِ وَالوسَائطِ التي هِ فِي الحقيقَةِ مَظَاهِرُ أسمَائكَ وصفَاتكَ في صُورةِ النّفخِ والمَنفُوخ فِيهِ علَى حُكمِ التجَلي البَاطِني النّفَسِي المُتَعينِ مِنْ ذَاتك، وَلمْ تكمل صُورة جمَعِكَ في ذَاتكَ المَظهَر وَإحَاطَتِكَ، أضَفتَ نفَخكَ ذَلكَ إَلِى المَلكِ، فَظَهرَ مُنصَبِغاً بُكمِ أمرِكَ المُوَدعِ فِي كُلّ فَلكٍ، وَمَتى بقي ذَلكِ التجَلَي الأنْفَسِ، وَالنفخِ الَأقدسِ، علَى طَهارَتهِمَا الأصليّةِ وَلمْ يتَغَلبُ علَى شَأنهِ إِصباَغ أحكَمِ الشُروطِ، وَالوسَائطِ الجزُئِيةِ، مِنهَا وَالَكُيّةِ، وذَلكَ لصحةِ مِرآةِ الحقِيقَةِ القَابلِةِ للنّفخِ وسعتِهَا وَإطْلاقِهَا، وَطهارَتهِاعَنْ جُلّ أحكَمِ الكَثرةِ الَإمكَنيّةِ، وَاستِقَامَتِها بتِمَامِ المُحَاذَاةِ المَعنوَيِةِ مِنْ مَقَامِ المُضَاهَاتِ لحضَرَةِ الهُويّةِ، أفرَدتَ إِضَافَةَ النّفخِ إِليكَ، وَصَحتَ بُسنِ إقبَالكَ بكليتكَ عَليِهِ، وَمُباَشَرتكَ إياهُ، وَتوَقُفِ ظُهورهِ وَانتشاؤَهُ عَليكَ، هَذَا وَإنْ كَنَ جَامِعاً لسائرِ أحكَمِ الحضَرتينِ، ظَاهِراً بجَمِيعِ صِفَاتَ الوحَدَتِينِ وَالكثَرتيَنِ، وعَرفتَناَ بذلكَ وَلوحَتَ بهِ فيَ كُتُبِكَ، وَعلى ألسنة رسُلِكَ، ثمُ أوقَفتَنِي بسابقِ عِنَايتكَ، وَنورِ رَحَمَانيِتِكَ، علَى جَليةِ الأمرِ، وَكَشفتَ ل عَنْ مَكنوُنِ السِّ، فوَجَدتني وَقَدْ مَيَتني في أشْرَفِ القِسمَينِ المَذكُورَينِ، وَتعَيّنَ لِي بَعَدَ الجمَعِ الإحَاطِي المُشَارُ إِليهِ الأزْكَ عَنْ ذَينكَ الحكُمَينِ، الأوّليَنِ، وَاختَرتَ لِي في كُلّ وُلوجٍ وخرَوجِ، حَصَلَ لِي حَالَ سَيريَ فِي أطوَاري، وَتلَبسي بأِحكَمِ أدَوَارَي، مِنْ أوقاَتِ عَصرِيَ أسعَدُهَا، وَمِنَ الأحَوالَ أوْفَقهَا وَأصلحَها، وَمِنَ المَحَلاتِ أزكَها وَأسلمهَا، وعَينُكَ فِي كُلّ ذَلكَ حَارستي، وعَنَايتُكَ فِي سَائرِ أنوَاعِ ترَبيِتِكَ لِي مُصَاحبَتِي، ثُم ربيتَنِي بعَدُ فِي مَقَامِ الاستِقرَارِ، وَبَعَدَ الانْفصِالَ عَنهُ وَالظُهورِ فِي عاَلمِ الشَهادةِ ترَبيةً أخرَى بتدبِيرٍ وَتدريجٍ، وَاستقَامَةٍ صِفةٍ وَأخَرى ممَزوجَةٍ بتِكدِيرٍ وَتعَويجِ، لكَ فِي ذَلكَ حِكَمٌ وَأسَارٌ محَجوبَةٌ بأَبدارٍ وَسِار، استتَبَعَا حُكمَ إقَرَارٍ وَإنكَارٍ، يعَرِفُهَا المُقرَبُونَ دُونَ الأبرارِ، ثُم ذَكرتنَي بكَ وَبِي بموجَبِ سَابقِ حُبّكِ إِياّي، بلَ بمِقْتضَى حُبّكِ نفَسَكَ بِي لتشْهَدهَا بصورةِ جمَعهَا فِيّ، فَتشَوقتُ بِكمِ ذَلكَ التّذَكَرِ في زعَمَ إِليكَ مِنْ أولِ عَهدِ الصّبَا، بموجَبِ أثَرِ عُرفِكَ العَطِرِ، الّي استَنشَقتهُ رُوحي مِنْ ذَلكِ النفَسِ وَالصّبَا، فَاجْتُذبت إِليكَ، وَأقبَلتُ فِي مَبلْغِ عِلم وَظَنّي إِقْبَالاً مُتجدداً عَليكَ، فَست بِي فِي أطْوارَ الأحوَالَ الكَونيّةِ، وَالتقَلباَتِ الرّبَانيةِ، بأِحكَمِ الشُئونِ الغَيبِيةِ، أزدَادُ بكِل مِنَها مَعَ الأَناّتَ استعدَاداً جَديداً، يتَضمّنُ توَفيقاً وَتسدِيداً، وعِلماً مُفيداً، وَتذُيقُني فِي كُلّ طَورٍ مِنْ أطْوَارِ أحوَال زُبدةَ مَا انطَوَى عَليِهِ هُنَاكَ تفَصيِلاً وَإجمالاً، وَتذُكِرنيُ بهِ أو عندَهُ مَا تعَديتُهُ بسابقِ سَيِري فِيِهِ إسآداً وإرفالاً، وَتتَولاني فِي كُلّ مَرتبَةٍ بكامِلَ مِنْ أهلِهَا تشُعِرنيُ بهِ أنك مُصَاحِبي فِي الجميعِ، باِلقُربِ النّزِيهِ البَديعِ، وصورةِ شَأنكَ الأجمعُ الأَكمَلُ الرَفِيعُ، فَكُنتُ أجَدُنِي فِي كُلّ وَقتٍ شاعراً بمصَاحبِةِ مُطْلقَ الّاتِ، وَبالحكُمِ وَالشأنِ المُعينِ محَصُوَرٌ، وَبسِبَبَ السَّايةِ وَكَمالِ الإحَاطِة بِي، وَبأِحَوالِ عَيني مِنْ بعَضِ الوجُوهِ مَستورٌَ، فلَا أجْهَلُ وَلا أدري، كَيف يصُحبُ وَيسيِ، وجَمَعت فِي كُّوَقتٍِ وحَالٍ وَمَقَام أدْخَلتنَيِهَ بيَنِي وَبَيْنِ مَا كَنَ شَرطاً فِي ظهورِ كَمَالكَ المُستَجنّ في المَقَام، وَمَا ذكر وَفِّ، وعَوناً لِي علَى التَحقُقُ بصورةِ شَأنك وَأمرِكَ، وَلأمْرِكَ علَيّ، فَلمْ أزلْ أرتقي بأَسباَبَ التنعِيمِ وَالتعْذِيبِ فِي دَرجَاتِ البُعدِ وَالتقْرِيبِ، وَمَنازِلِ وُلوجِيَ عَليكَ، وَتعرّفِكَ بِي وَبكَ وَبكلّ شَيء إِلّ وَإليكَ، فَمَررتَ بِيَ علَى مَرَاتبِ الأفَعَالِ وَالصفاتِ، وَالأسمَاءِ الّاتيِةِ فِي أكمَلِ الحضَرِاتِ، وَأعلَاها وَرزقتَنِيَ الإحَاطةً بكلياتِ أسَارِ المَعَاِصِ وَالطَاعاتِ، وَاستشَرَفتْ فِي حَضرةَ المَطْلعِ لما أدْخَلتنِيهِ علَى أسَارِ نَتَائجهَا وَالمُقَدمَاتِ، فَإذِا هِ باِلنسبَةِ إِلى البَعضِ حُججُ سِّ القَدرِ، ليصدُّقَ غَداً الخبُر والخبَر، وَباِلنسبِةِ إلِى البَعضِ عَللٌ وَأدوَاء، يظَهَرُ بها سِّ الإهمَالِ وَالاعتنَاءِ، وَسّ العَدْلِ في المُكَفأةِ وَالجزَاءِ، وَبالنسبَةِ إلى البَعْضِ مَصَائدَ وحباَلاتٍ يصُطَادُ بعَضُهم بهِا مِنَ الدّنيَا للآخرة، وَبعضُهم مِنَ الآخِرةِ للأمرِ الجاَمِعِ بَيْنَ كَمَالاتِ الدّنيا وَالآخِرة، وَبعضُهم مِن هَذِه الثلّاثةِ المذكُورةِ للتحقُقِ بها، وَبمعرِفِةِ مَا فِيهَا وَلديهَا، وَالتَمتُعِ باِلاستشَرَاَفِ عَليهَا، وَقَد تعَدّى بعَضُهم مِن خُطةِ المُعيّنِ فِي كُلّ مَا مَرّ ذِكرهُ إلى خُطةِ المُطلقَ الأتمّ، مُسَتجْلياً كَمَالَ الحسُنِ المُودَعِ في جمَيعِ ذَلكَ، وَمنهُم مَنْ يُبّ مِن حَيثُ اسم مَا منَ الأسمَاءِ الإلهيةِ، فَتجْذبهُ سَلطَنَتُهُ ذَلكَ الاسَمِ مِنْ الاسمِ الّي هُوَ فِي حَوزَته، لأنهُّ مَعشُوقُ سَائُر الأسَمَاء، كَمَا أنهُّ مَعَشُوقُ الأعياْنِ مِنْ حَيثُ جمَعيتُهُ وَمَرتبَتُهُ، وَمِنهُم مَنْ تأَخُذُهُ أمّهَاتُ الأسمَاءِ مِنَ الأسمَاءِ التَاليةِ التَابعِةِ هَكَذَا حَتى ينَتْهَي إِلى الحضَرةِ الجاَمِعةِ، وَمنهُم مَنْ يجَتذِبهُ المُسمّى، فَيحرِرهُ مِنْ عُبوَديةِ الأسمَاءِ، وَمنهُم مَنْ ينَجَذِبُ باِلمُنَاسبِةِ الّاتِيِةِ لَا بجذْبِ جَاذبٍ، وَلا تلَبيِةِ دَاعٍ حَاضرٍ أوَ غَئبٍ، وَوَراءَ ذَلكَ مَا يظَهرُ بوِصف الجمَعِ وَلا يَنحصرُ فِيَهِ، بلَ يُيطُ بكُمِ كُلّ وصَفٍ وشَأنٍ، وَيتحَققُ بهِ وَيستوفِيهِ، وَأريتني أن بعَضَ الأفعَالِ المُسمّاةِ أعمَالاً باِلنسبَةِ إلِى غَيرِ المُؤهلِ لتَجليكَ الّاتِ وَاستجْلاءَ وجهِكَ الكَريِمِ علَى الدّوامِ أعْواضَ إِيمَانٍ وصَدْقٍ، وَمُعَامَلاتٍ وَوجَدّتُهَا أيضاً بَاِلنسبِةِ إلىَ البعضِ أسبابَ تهَيئةٍ لتحليِةٍ أو تخليةٍ، ودَفع مَضرّةٍ مِنْ غَفْلةِ طَبيعَتِهِ، أوْ حَجْبٍ أوْ جَلبٍ مُنِحَهُ مِنكَ أوْ تفَريِجِ محَنةٍ، أو كُربةٍ غَيبْيّةٍ، وَهِ باِلنسبَةِ إِلى خُلاصةِ الصّفَوةِ مِنْ خَاصتِكَ سَيرٌ في مَقَامَاتِ مجَاَلِ عَدْلكَ وَرضاكَ، وَوَلجَ فِي مَراتبِ العلِمِ وَالجهلِ، وَاَلوصْلِ وَالفَصلِ مِنْ حماكَ، وَتلبَسٍّ بأِحكَمِ شُئونكَ حَسبَ عِلمِكَ مِنّي وَمُبتغاكَ، ثُمّ أدْخلتَني مَراتبَ صِفَاتكَ فأَريتنَي فِيهَا تقَيُّدّ إِطْلاقِ ذَاَتك، بسبِ حَقيقَةِ كُلّ صِفةٍ وحكمِها منْ حَيثُ الأمرُ المُعينِ لهَا مِنْ سِعةِ غَيب أوسعِ حَضَرِاتك، وَمجَمعِ سِمَاتك، فَلمّا أدْخَلتَنَي مَقَامَ مَعرِفَتِكَ القُصوى، وَأوقَفتَني علَى الحضَرَةِ الَتي هِ مَشرَعُ الصفِاتِ وَمنبعُ الأسماءِ، جَعلتَ بدايتي فيهَا شُهَودِكَ فِي حَضرةَ الجمَعِ الأحدِي وَالعَمَاءِ، ثُمّ نزَلتَ بِيَ ومَعِ إِلى حَضْرَةِ البُطونِ الأولِ الأحدِي وَالخفَاءِ، ثُمّ كَشَفتَ لِي عَن مَشهَدِ الظهوٍرِ الوحِدَانِيِ وَاَلاستِوَاءِ، وَأريِتني فِي هَذِهِ المَشَاهِدِ، وَالمَمَراتِ مَا لم أَسمَعهُ عَنْ أحد وَلا منهُ منْ أربَابِ السّلوكَ وَالمقَامَاتِ، ثُمّ أخبَرتنَي بعَدُ كِفَاحاً لما أشهدتنَي غَيب ذَاتكَ صاحاً، فبَشَرتنِي في أثنَاءِ ذَلكَ الخِطَاب العَليّ، وَالمَشهَدِ العِزّي، وَقُلتَ لِي ثُمّ أمر بكَ علَى المقَامَاتِ وَهِ تَتَرآى لكَ أنشُوطَةً أنشُوطَةً، فَإذَا جَاوزتُهَا، وَأتَيتَ علَى آخِرهَا كَنَ كَذَا وَكَذَا فَكَنَ كمَا رسَمْتَ، فَظَهر مَا ذَكَرتَ، فَمّا أعمّ فَضلك، وَمَا أعظمَ طَولك، وعزَتكَ لوَ رَامَ فِي مَبلْغَ عِلمِ كُلّ ذَرةٍ تشَتَمِلُ عَليهَا نسُخَةَ وجُودِي شُكركَ علَى مَا وجَدتَ، وَفَهِمتَ مِن قوَلكَ هَذَا محصُول حَالتَئِذٍ ]وَخُصُوصاً مِنْ قوَلك: أنُشُوطَةً أنُشُوطَةً[، بسائرِ ألَسنَةِ مَرَاتبِ الإِمكَنِ، شُكراً ترَبُو سعَتُهُ علَى سِعَةِ الدّهرِ المُحيطِ باِلأحَوَالِ وَالأزمَانِ، لَتَعَذَر ذَلكَ فِي نَفْسِ الأَمرِ، وَاسَتَحَالَ ظُهورُ كُنهِ ذَلكَ السِّ، فَسبحانكَ سُبحانكَ مَا أعظَمَ شَأنك، ضَاقتَ حَضَراتُ أسمَائكَ وشئونك، عَن أنْ تسَعَ إِطَلاق غَيبِ ذَاتك، فَفَاضَ بعَضُهَا على الَبعضِ وَظَهرت بها الوجُودَاتِ المُتَعينةِ الموصُوفِةِ باِلإمكَنِ وَالأحكَمِ المُختَلِفَةِ المَنسُوبةِ إِليهَا مِن نقَضٍ وَإبرامٍ، وعَرفَتَني يٍاَربّ حُكمَ تَليكَ، وَسِّهِ فِي سَائرِ النسَّبِ وَالإضَافاَت، ثُمّ لخصتَ لِي آياَتكَ فِي آية، وَالِأوَليّاتِ المنسُوب ِةِ إِليك فِي غَية، وعرفتَني أيضاً أن لَا غَيةَ وَلا بدايةَ إلِا باِلإضَافَة وَالنسبَ ِة لمَنْ لم يَطّلعَ علَى سِّ النّهَاية، وَإلا فلَا فوَقَ وَلا استقْرَار إلِا لأرَبَابِ الأذوَاقِ، وَالمدَاركِ المُقيّدَةِ أهلَ الحدُودِ وَالانحْصاَرِ، وَلهَذَا لمّا اعتنَيت بِي حَذّرتنَي مِنَ الوُقُوفِ مَعَ هَذِهِ الأمورِ وَأمثاَلها وَنصحَتَني، وَفِ أسنَ الأحَوَالِ وَأعلى المَرَاتبِ رغَبتْنَي، لمّا قُلتَ لِي فِي بعَضِ المَواقِفِ شَفَاهاً: إِذَا كُنتُ لكَ لم تُاوز حَدّكَ وَلمْ تَتعَدّ طَوركَ، وَإذا كُنتَ لِي لم يوُقفُكَ حَدّ وَلمْ يَصرُكَ طَورٌ، أطلِعُكَ علَى مَا شِئَتَ، وَأصف لكَ مَا أرَدتَ، ثُمّ إِنك جَعَلتَ مِنْ جمُلةِ إِنعَامِكَ الكَملَ علَي، وَإحسَانكَ الأخصّ الشَامِل الواصَلَ إلّ، كَونك جمَعتَ بيَنْي وَبَيْنَ أرواِحِ الكُمّلِ مِن رُسلِكَ وَأنبِيَائك، وسَبَحتَ بِي في الفَلكَ المُحِيطِ بأِذَواقِ أوليائك، وَرَزقتنَي مُشَاركَتِهم فِي مَشَارِبهِم وَأذوَاقهِم وَأحْوَاَلهِم وَأخلَاقهِم، وعَرّفتَني بذلكَ فِي مَوَاطِنِ التَركيبِ وَالبسَائطِ، دُونَ وَاسِطةٍ علَى لسانَ أجلّ المظَاهِرِ وَأكَمَلِ الوسَائطِ، فَلمْ يَفُتني بعِنَايتِك، ثم برَكةُ الَختَمَينِ عَليهِمَا السّلامُ، وَمنْ شِئتَ مِن صَفوَتكَ ذَوق نبَي وَلا رسولٍ ظَهَرَ بصورةِ بشَرٍ أو مَلَكٍ، وَلَا شَذّ عَن فلَكِ تدويرِي ولٌّ جُذِبَ أوْ سَلكَ، ثُمّ جمَعتَ بيَنِي وَبَيْنَ جمُلةٍ مِن أولياءِ عَصرِي، وَأكَابرَ دَهرِيَ، وَأطْلعَتَني علَى مَأخَذِهم، وَأذْوَاقِهم، وصوَرِ أحوَالهِم فِي سُلوكِهم وَترَقِيَاتهِم؛ تنُبِهني بذلكَ كُهِّ علَى مَا أنْعَمتَ بهِ علَيّ، وَتذكِرني عَظِيمَ مَا أسديتُهُ إِلّ؛ لأَكُونَ شَكُوراً لَا كَفُوراً، وَأكُونُ بِي وَبشأنِي مَعَكَ بصيراً، فَلكَ الحمَدّ علَىهَذَا وسوَاهُ عَنك وعَني، بما يلَيِقُ بكمَالِ الحمَدّ مِنك وَمِني .
إِلهي لِي حَالتَانِ، أو حَالةٍ لهَا وجهَانِ؛ وجهُ يخَتَصّ بشأني مَعَكَ، وَوجهُ يخَتصّ باِلكَونِ مِنْ حَيثُ خُصُوصَيتي وخصُوصِيةِ كُلّ عَيْن عَيْن، فَحُكمِ الوجهِ الوَاحِدِ كُوني اَلآنَ قَدْ صِتُ مِن غَيةِ السّعَةِ والإطْلَاقِ وَاللطْفِ حربَائيّ الوصْفِ ليس شَيء مِنَ الأوصَافِ يفُيدّنِي، وَلا حَدّ مِنَ الحدُودُ يَصَرنِي، وَلا أحدَ فِي الوجُودِ يعَرِفنُي، كُلّ يَكمُ علَى مَا يُناَسِب مَدرَكَهُ مِنّي، وَيخُبِر بماَ أخَبَرهَ مِنْ حَيثُ يدَري وَلا يدريِ عَنّي، وَيَزعُم أنهُّ بِي عاَرفٌ، أو أنهُّ لسِّ شَأنِي مَعَكَ أوْ مَعَهُ، وَمَعَ أمثَالِهِ مُدْركَ وَوَاصِفٌ، وَلما يدريِ المسْكِينُ المَغْرورُ أنْ تنَكُرِي مُدْرجٌ فِي في نَفْسِ تَعَرفِ إِليِهِ، وَأن إِعْرَاِضِ ثاَبتٌ وَكَمِنٌ فِي ضِمنِ إِقبَالِ عَليهِ، بِيَ يعُرّضُ عَنّي حِينَ يزَعُمُ أنهُّ المُقْبِلُ علَى سِواي، وَبَلغتهُ نظَرَةٌ مِن إِقبَالِ ينَفَعِل لبعضِ أحكَمِ صِفَاتَ وَأسمَائِي وَإلا فَأنى الوصُولُ إِلّ، وَالعُثوُرُ علَيّ، وَلستُ المدُرك فِي الأين، فَيضبُطنِي عَقلٌ أو عَيْنٌ، حُكْمُ ذَات فِيمَنَ لَا يُنَاسِبنُي الإعِرَاض في زَعمِهِ عَنّي، وحكْمُ مَا شِئتَ من شِئتَ مِنْ صِفَاتِ فِيمَن أحببتَ دُنوَهُ ظَاهراً مِنّي، وَلستُ هُناَ وَلا هُنَاكَ، لَا وَلَا المَحصورُ فِي غَيب حماكَ، وهَا أنَاَ لَا أرضَى الانْتَظَامَ مَعَ طَائفِةٍ مَا فِي سِلكٍ، وَلَاَ الاقْتَرانَ مَعَ أهلِ صِدقٍ وَلَا إِفكٍ، فَأناَ الغَريبُ الوحِيدُ لَا أميلُ إلِى قَومٍ فَأنحَاز، وَلا أحكُمُ علَى مَعرُوفِ بإِحَالةٍ وَلا جَوَاَزٍ، وَلا أرى حَقَيقَة فَأحكُمُ علَى مَا يُغَايرُهَا عِند مَن يَقُولُ بالِغَيرِ باِلمَجَازِ، لأنيّ قَدْ أقمتُ فِي شُهوَدَ أمرٍ مُتنَوعِ الظُّهور، فِي وَفِ الجمُهُورِ، عَلة تنَوعهِ عِندي شُئونه فِي كُلّ شَأنٍ برَزَ مَنْ أمرِهِ، مَكنُونهُ لَا ينَحَصِر فِي شَأنٍ، وَلا تحَويِهِ الأزمَان، وَالأمكِنةِ وَالإِمَكنَ يصَدُقُ فِي حَقِهِ كُلّ حُكمٍ وَمَطابقَة كُلّ اسمٍ، وَيتَعينُ بموجبِ كُلّ حَقيقةٍ وَرسمٍ، بعَيدٌ قرَيبٌ مجيبٌ حَبيبٌ، عَزِيزٌ مَبذُولٌ، مُتَعذرٌ محَصولٌ، لوَ رَآني مَنْ يزَعُمُ أنهُّ يعَرِفنُي ممّن يظَنّ أنهُّ مِنْ أقرَاني لرَآهُ، وهَيهَات مِنهُ بعُدُ مَنَالِ، وَمَا مِن مَعرِفَتي يتَوخَاهُ.

إِلهِي هَذَا شَأنك وَوصَفُكَ وَبُرهَانك فِيمنَ هُو دُوَنَكَ، وَمَعَ مَنْ هُو مِرآة شُؤنك، فَمَا الظَنّ بشأنكَ الأعَظَمُ الأسْمَى فِي عِزّكَ الأَقدسِ الأحمَى، تَعَالَتْ ذَاتك عَنْ مَدَاركِ الَعَارِفِينَ وَإنْ جلت، وعَزتْ هُويَتُكَ عَنْ أنْ يُيطَ بها عِلمُ أحدٍ؛ وَإنْ ظَهَرتْ لمن أحبتْ وَتَلتّْ، إِذَا ثبَتَ العَجزُ عَنْ مَعرِفَتكَ المُدْرجَة فِي بعَضَ عَبِيدكَ، وَمَظِاهِركَ هَكَذَا، فَالعجْزُ عَن مَعرِفَتِكَ أتمّ وَأقوَى؛ لأنّ مَعرِفَتِكَ المُطْلقَةُ أعزّ وَأعلى.
إلهي مَا عَسَى مَا أذْكُرُ مِما أعْرف مِنك، وَمَا شَهِدْتهُ وَأخَذْتهُ عَنك، وَكَيف أرُوْمُ عدّ نعمِكَ علَي، أو حَصْرَ صِوَرِ إحْسَانكَ إل، وَأنى يُمْكِنُني تحَليلُ المُحَرمِ، وَإفشاءُ المُكَتم، لستُ القَادِر علَىَ تَفْصِيل هَذَا المُجْمَل، وَلَا المُقْدِم علَىَ فَتح هَذَا المُقَفل، وَأنت العَلِيمُ بما نخُفِي وَمَا نُعْلِن، وَالخبيْرُ بمُطْلقَ مَا ظَهَرَ وَبطن، وَإنمَا هَذِهِ نَفْثَةُ مَصْدُوْرٍ، وَتحُفةُ شَكُوْر، أحببُكَ إلَى عِبَادِكَ، وَأنشُرُ فَضْلكَ فِي أرضكَ وَبلادِك، وَأسُلي نَفْسِي مِما أقَاسِيهْ، طَلباً للخَلَاصِ مِما أناَ فِيه، وَأنُت القَرِيبُ المُجِيبُ، وَالمُحبّ الحبيبُ، هَذَا عُنوانُ حَالتي الوَاحِدَة، وَأما شَرْحُ الأخرَى علَى سَبِيل الإجمال فَإنهُ ليَست لِي حَالةَ لَا أرضاهَا، مَتَى رَأيتْ أنك سُبحانكَ قَد رضيتْها لِ، بلَ قدَ رضيتهَا لنفْسِكَ بِي، وَليَست لِي حَالة أرضَاهَا مِن حَيثُ عدَم الوفَاءِ بمَا تريدُه مِني بالإرَادةِ الأولَى الكُيّةِ، المُتَعَلقة فِي بدءِ الأمرِ بإظهَارِ غَيتِهِ وَمخَضةُ زُبدتهِ، ومِنْ حَيثُ الغَرَضُ المَطْلوُبُ حُصُوْله، والظاهِرُ بِي فِي مَرَاتبِ إثبَاتِ، وَتَقْرِير كَسْبِيِ إلا ما شِئت وُقوُعه، وَظُهُوره لكَ بي من حَيثْ أناَ، وَلِ بكَ من حَيثُ أنت، في مَقَام غيبة كّ منا، وَظُهُوره حُكْماً أوْ عَينْاً، وَمَعَ هَذَا كُهّ فَلست أدْريِ أيّمَا أحْسَن، هَل حُسْن حَالِ ]وحَسن إحْسَانك إل وحَسن إقبالكَ علَي، أمْ حُسْنُ حَالٍ[ بكِ مَعَ سوءِ حال، وَمُعَامَلِتي مَعَكَ حَال تَعَقّل امْتِيَازيِ عَنك، وَظُهُور حُكْمِ فَصْلِي منك؛ إذ كُنتَ سُبحانكَ من هَذِه الحيَثية المَذْكُوْرَة لا مِن حَيثُ حُكمُ الحقيقةِ المستَوُرِةِ المُختَارُ لِ، وَلكَ بِي مَا ظَهَرَ مُطْلقاًوَمُقيّداً وَمُفَصّلاً، وَمُتَكثراً وَمُتوَحِداً؛ غَيْرَ أنيّ فِي عاَفِيةٍ مَا دَرتْ بِي العَافيةُ التي تَظُنّ أنهّا العَافِيةُ، وَإنِيّ لوَاجِدٌ حَالةَ تَمّييِي المَذكُورِ طَعمَ مَا لديكَ، وذَاكِر حُسنَ مَا كُنتُ عَليهِ بَيْنَ يدَيك، الّي تقَدّمَ مِن مُرَادِكَ القَدِيم بِي فِي قَدَمِي، بُكمِّ وجُوَدِي وعَدمِي فِي مَرتبَتِيّ حَقِيّتِي وخَليقَتِي، وَبُعِدِي وَقُربِي حِينَ لَا حَيثُ وَلَا وَقتٌ وَلَا أين، وَلَا وصَل، وَلَا بَيْن، وَلَا قرُب بَيْنَ اثنْين، وحَاجِتي الآنَ مَتى أثَبتَني وَغَيبتَ فيّ حَاجَةَ أن لَا تَعل قلَبي محَلاً لِغَيرِكَ، وَلَا تَعَل إِليِهِ لسِوَاكَ سَبيلاً، وَأنْ تَمَعَ هَمّ عَليكَ، وَتَعلَ لوِجَهِي كُهّ وَقصَدِي لكَ وَبكَ وَإلِيكَ، وشغِلي أنَت وَمَطْلوُبي فِي كُلّ وَقتٍ وحَال مَا تحُبّهُ لكَ مِنَي، وَل مِنك كُلّ الحبُّ وَترَضَاهُ لكَ مِنّي؛ وَل مِنكَ ]كُّ الرّضَا فِي أكمَلِ مَرَاتبِ حُبّكِ، وَأعلى دَرجَاتِ رضاكَ، ثُمّ تأَخُذُنِي مِنّي، وَتكونَ لِي عِوضاً عِن ك[ شَيء وعَنّي، ياَ جَوّادُ ياَ كَرِيم.
إِلهَي قَدْ حِرتُ فِي تعَرّفِكَ إِل بأَعلَى وجُوهِ التّعرفَ وَأكمَلِهَا مَعَ سِتْرَكَ علَى صُورةِ مَرتبَتي فِي نَفْسِكَ، فَكَيف حَجَبتَ الأسهَلَ ظَاهراً، أو حُجبَ الأعَزَّ الأَعلَى باَطِناً، مَعَ فَتحِكَ لِي الطَريقَ إِليكَ، وَتعَلِيمِ أحْسَن صُورِ الِإقبَالَ عَليك، وَأسألك أنْ تطُمئننّي في مَعْرِفَتِي بِي شُهُودُ مَرتبَتي فِي نفَسِكَ، وَلاَ تطُمِئننّي في مَعرِفَتِي بكَ بتجلٍّ مِنْ تَلَياتِ ظُهَوركَ منْ غَيبِ قُدْسِكَ، لِيَدُومَ حُبّي لكَ وَفَقرِي إليكَ، وغناَي عَنْ مَعرِفَتِي بِي لديكَ، وَأسألك أيضاً ألّا تحَصرَ مُعَامِلتِكَ مَع فِي سُنةٍ وَلَا أسلوُب، وَلَا تُبق مِنّي لِي شَيئا، فَأظُنّ أنهُّ مَطلوُبٌ، بلَ عاَمِلني بمقْتَضى بعَض عِلمِ بك، وَاستَخلِصنّي لكَ، وَكَمَا اختَصرَتَ الطَريقَ مِنْ حَيثُ المَعرِفةُ العُليا بكَ مَعَ طُولِهِ علَى غَيرِي، فَكَذَلكَ فَلتَحصُر لِي الأمرَ فِي دَوامِ شُهودِكِ الّاتِ، وَكَمَالِ الاستِهلَاكِ فِيكَ، وَالخلَاص مِنْ كُلّ شَأني وَأمرِي.
إِلهَي حُسنُ ظَنّي بكَ مِنْ حَيثُ لَا أعَرِفَنّكَ يرُجِيني وَيُطَمعنِي، فَيُنشْدُ لسانُ حَال:
لو لمَ ترد نَيْلَ مَا أرجُو وأَطْـــــلبُهُ مِن فَيْضِ جُوْدِكَ مَا عَلمتَنِ الطلبَا
فَأنْتَظِر وَألحُ وَأتَمَن، وعلم بكَ وَبما أشْهَدُهُ مِن فَيض حَالِ مَعَكَ يخوفُنِي، وَيَكَادُ يؤُيسُّنِي، فَأقلْقَ وَأتَعَنّ، وَقدَ ضِقْتُ ذَرعَاً، وذبتُ جَزَعاً، ومَع هَذَا وذَلكَ أتشَوف إلَى مَعْرِفَةِ مُرَادِكَ الكلُيّ مِني؛ لأرىَ غَيةَ مَا يَتَعَينُ مِنك لَدَي، وَمَا يَظْهَرُ وَيَتَعَينُ بِي وَعَني.
إِلهَي نزه سِعَتَكَ وسعَةَ فَضلِكَ عَنْ الحصَرِ فِي أنَك لَا تخَرق مَع، وَفَ عادةً مَا لم يَخُرقْ فِي نفَسِيَ مِثلَها قَبلْهَا، فيَكونُ الخرَقُ الثاّنِي نتَيجةَ خَرقِ العَادةِ الأولى وَمن أجْلِهَا، وهبّ أنيّ أقوُلُ بأَنّ كلاهمَا مِنك، ألَستُ الخاَصّ مُعَامَلتُكَ باِلإحسَانِ فِي مَرَاتبِ التَقَابل، فَأيْنَ صُورةُ كَمَالَ الإفضَالِ الأوّلِ الشّامِلِ، وَأيْنَ العَطَاءُ الّي يعزّ عَنْ أنْ يكونَ له مُوجِبٌ مَعلوُمٍ، أوْ أنْ ينَضَبطَ للِمَدِاركِ وَالفُهومِ.
إلِهي لستُ المدّعِي صَبراً علَى الثبّاَتِ ]بت سَوابغ لِعَملِ المُتشَابهِ مَا لم أذقْ صُورَ تنَوعاَتها فَكيف أصبِرُ علَى السِّ[ شيئاً مِما لَا يلُائمني حَالَ شُعورِيِ بِي وَباِلأحَوالِ المتُنَاسِبَة، والمُختَلفِة، فَكَيف لَا أكونُ كَذَلِكَ، وَقَدْ عَلمتُ أنّ فِي سِعَة عَطَاياكَ الّ ِاتية وَالأسَمائِيّةِ مَا يوُجِبُ رَفَعَ الدّرجَاتِ مِنْ غَيرِ ابْتَلاءٍ، وَفِ إِطْلاَقِ جمَعكِ الِإحَاطي مَا يقَتَضِي بذَلَ المَعرُوفِ الَأَتمّ؛ دُونَ مُوَازِنةٍ وَمُمَاثلَةٍ وَشَرطٍ، وَوَاسِطةٍ مِنَ الأكُوانِ وَالأحَوالِ وَالصّفَاتِ وَالأسمَاءِ، وَإنيّ أجْلِكَ ياَ ربّ أن تشيَن مَا تهَمَمتُ بتحسِينِهِ وَتكْمِيلِهِ فِي مَقَامِ الابْتَداءِ بإِبقَاءِ مَا يفُضِي باِلنّقصِ وَالعَوزِ فِي الانتهَاءِ، وَلأَنت تعَزِي مَا خَلقْتَ فَكُّ الخلِقِ تخَلقُ ثُمّ لا يعَزِي .
إِلهَي اجْعَلْ عِلمّ بكَ مِنْ جمُلةِ صُورِ سَعَادِت، وَطِرَازِ مَلابسِ صُورتك، كَمَا جَعلتَ صورةَ عِلمِكَ فِي حِليةِ ذَاتِ وسَببْاً للنّعِيمِ الأَتمّ فِي كُلّ مَقَامٍ وَنشَأةٍ ودَارٍ، وَلَا تَعَلهُ؛ أعنّي عِلمَ بكَ حُجّةً علَيّ لكَ أو سَبباً للاتكالِ وَالَآلَامِ وَالأكْدَارِ، وحكم عَدلكَ المطُلقَ الأوّلِ فِي مُعَامَلتِكَ مَع علَى صُورةِ عَدْلكَ المعَلومِ، ثُمّ حَكم فَضلكَ الأوسَع علَى مُطْلِقِ عَدْلكَ المكُتومِ، وَقَدْ طَالَ مَا وهَبت المُسيء للِحَسِنِ، فَهبني وَإنْ كُنت أعَظمَ العَبيدِ إِساءةً لكَ، ياَ أكمَلَ المُحسنِينَ، وَأوفّ لِي بعِهدِكَ، وَانجُزْ لِي مَا وعَدْتنَي بهِ وذَكَرته لِي غَيرَ مَرةٍ كِفَاحاً، وَلَا تُطَالبَنْي باِلوَفَاءِ بعِهدِكَ، فَالغدْرُ صِفَتي وَالوَفَاءُ صِفَتُكَ، فَإنك لَا تخُلِفُ المِيعَاد، وَتوَلى أمرِي كَهُّ بنِفْسِكَ، وَلَا تكلنُي إِلى سِوَاكَ وَأصلِحْ لِي شَأني كُهُّ، وَاجْعَلنِي نوُراً، وَاستَجبْ لِي فِي عَيْنِ مَا سَألتُكَ فِيهِ وَاعصِمنِي مِنْ غَوائلِ الفِتَنِ وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بطَنَ، وَمَا دَق مِنهَا وَمَا جَل، وَمَا تعَجلَ مِنها وَمَا تأَجّلَ، وَأدْخِلني فِي حِجَابِ عِزّكَ الأحَمَى، وَرحمَتِكَ الخاَلصَةِ ياَ أرَحَمَ الَرَاحمِينَ، وَالحمَدُ لله ]ربَّ العَالمَيِنَ، وَالصّلاةُ علَى خَيْرِ خَلقِهِ محُمّدٍ وَآلِهِ الطّاهِرينَ أجمعِينَ، وسَلم تسَلِيماً[.

كتب صدر الدين القونوي:

كتب صدر الدين القونوي:

كتاب إعجاز البيان في تفسير أم القرآن

مفتاح غيب الجمع ونفصيله

كتاب الفكوك في أسرار مستندات حكم الفصوص

الأسماء الحسنى

رسالة النصوص

مشرع الخصوص إلى معاني النصوص للشيخ علاء الدين علي بن أحمد المهائمي

النفحات الإلهية

مرآة العارفين ومظهر الكاملين في ملتمس زين العابدين

المكتوبات

الوصية

إجازة الشيخ محي الدين له

التوجه الأتم إلى الحق تعالى

المراسلات بين صدرالدين القونوي وناصرالدين الطوسي

الرسالة المهدوية

الرسالة الهادية

الرسالة المفصحة

نفثة المصدور

رشح بال

الرسالة المرشدية

شرح الشجرة النعمانية {وهي تنسب خطأً إليه}



يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!