المكتبة الأكبرية
*** يرجى الملاحظة أن بعض هذه الكتب غير محققة والنصوص غير مدققة ***
*** حقوق الملكية للكتب المنشورة على هذا الموقع خاضعة للملكية العامة ***
رسالة التوجه الأتم إلى الحق سبحانه وتعالى
للشيخ أبي المعالي صدر الدين بن إسحق القونوي
بسم الله الرحمن الرحيم
نص الرسالة
المقدمة التي يبتني عليها تقرير كيفية التوجه الأعلى وشرائطه ولوازمه
إعلم - أيدنا اللّه وإيّاك بتسديده ، ونظمنا في سلك المقربين من عبيده : أننا لا نشك بأجمعنا : أن لنا مستندا في وجودنا ، هو : خالقنا وخالق كل شيء .
ولا نشك أيضا : إنه أشرف “ 1 “ منا ، ويتمايز : من حيث افتقارنا إليه في استفادة وجودنا منه أولا ، وفي إمداده إلينا بما به بقاؤنا ثانيا ، وما نحتاج إليه في تخليص نفوسنا من الشقاء ، وموجباته وأسبابه ، وتحليفنا “ 2 “ أسباب الفوز بالسعادة ومقام القرب منه ، ومعرفة كيفية قرع باب حضرته العليا ، التي بالدخول فيها تحصل السعادة القصوى ، فإنه الغني عنا ، وعن مثل ما افتقرنا إليه : ذاتا وصفة ، فإن : النقص ، والفقر ، والانفعال ، من صفاتنا ، كما أن : الفعل ، والغني ، والكمال : ذاتي له ، ومن صفاته .
ولقد أخبرنا على ألسنة سفرائه ( صلوات اللّه عليهم ) : إنه خلقن
..............................................
( 1 ) لأن النقص : ملازمنا ، وللّه تعالى الكمال المطلق الذي لا يحده حد - سبحانه وتعالى - .
( 2 ) جعله حليفا لنا وملازما .
لعبادته “ 1 “ ، وأراد منا لنا التحقق بعبوديته ومعرفته ، أمرنا بتوحيده ، ورغبنا في الحظوة به .
وطلب السعادة بالإقبال عليه ، والتوجه والاخلاص من الشرك الخفي والجلي إليه .
وحذرنا من : الغفلة ، والنسيان ، والاغترار بتساويل النفس الأمارة بالسوء ووساوس الشيطان .
وندبنا وهيئنا للتعرض لنفحات جوده .
فوجب على كل مؤمن عاقل منا : طالب خلاص نفسه ، راغب في تحصيل مقام القربة في المراتب العلية من حضرات قدسه : أن أن يهتم ويعتزم على التوجه إليه سبحانه وتعالى بقلبه الذي هو أشرف ما فيه ، لأنه الينبوع لما يشتمل عليه نسخة وجوده من صور العالم ومعانيه ، ولأنه - كما أخبر - إنه محل نظر الحق ومنصة تجليه “ 2 “ ومهبط أمره ، ومتنزل تدليه “ 3 “ .
لكن ينبغي لك أن تعلم أن القلب ليس عبارة عن المضغة الصنوبرية ، فإنها - وإن سميت قلبا - فإنما تلك التسمية على سبيل المجاز ، وباعتبار تسمية الصفة ، والحامل : باسم الموصوف ، والمحمول ، وإلّا فكل عاقل يعلم أن القلب الذي أخبر الحق على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : “ ما وسعني أرضي ولا سمائي ، ووسعني قلب عبدي المؤمن التقي النقي الوادع “ 4 “ ، ليس هو هذا اللحم الصنوبري الشكل ، فإنه أحقر - من حيث صورته - [ من ] أن يكون محل سره جلّ جلاله ، فضلا عن أن يسعه فيكون مطمح نظره الأعلى ومستواه .
..................................................
( 1 ) قال اللّه تعالى :وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ من سورة الذاريات ؛ الآية : 56 .
( 2 ) ورد في هذا المعنى عدة أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم : “ إن اللّه لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم “ رواه مسلم وابن ماجة .
( 3 ) القرب ليس هنا حسيا ، وإنما قرب تشويق وتصفية ، واللّه أعلم .
( 4 ) استدل به الإمام الغزالي في الأحياء في باب عجائب القلب .
مطلب في القلب الانساني
وإنما القلب الإنساني : عبارة عن الحقيقة الجامعة بين الأوصاف والشؤون الربانية ، وبين الخصائص والأحوال الكونية الروحانية والطبيعة ، وبها - أعني حقيقة القلب - تنشأ عرصتها “ 1 “ وتنبسط أحكام شأنها ، وتظهر من بين الهيئة الاجتماعية ، الواقعة بين الصفات والحقائق الإلهية والكونية ، وما يشتمل عليه هذان الأصلان من الأخلاق والصفات اللازمة ، وما يتولد من بينهما : بعد الإرتياض والتحنك “ 2 “ والتزكية ، وزوال الأحكام “ 3 “ الإنحرافية وغلبة الاعتدال الرياضية الروحانية الحاكمة على الطبيعي والصوري الهوى الفلكي الملكي ، والاعتدال السفلي العنصري ، فتظهر الحقيقة القلبية : ظهور السواد بين الزاج والعفص والماء “ 4 “ ، وكظهور النار بين الحجر والحديد .
...................................................
( 1 ) بفتح العين والراء والصاد .
( 2 ) كثرة التجارب ، تقول : رجل حنكته التجارب .
( 3 ) بفتح الهمزة .
( 4 ) الزاج : نوع من الملح ، والعفص : دواء قابض مجفف : يرد المواد المنصبة ويشد الأعضاء الرخوة الضعيفة ، انظر القاموس .
فتلك الصورة الظاهرة من بين ما ذكرنا ، هي : صورة الحقيقة القلبية الموصوفة بما وصف به الحق والعالم .
والقلب الصنوبري : منزل تدنى تلك الصورة ومراتبها .
والناس فيما ذكرت على درجات عظيمة التفاوت ، من عرف كليتها : عرف حقيقة الإسلام ، والإيمان ، والولاية ، والنبوة ، والرسالة ، والخلافة ، والكمال ، والقدر المشترك بين جميعها ، وما يميز كل واحدة من هذه عن الأخرى . فافهم .
ثم أقول : فالسير ، والسلوك ، والرياضة ، وكل ما هنالك ، فهو لتحصيل الرتبة الاجتماعية الاعتدالية الواقعة بين أحكام العلم والاعتقاد الصحيح ، وبين الأعمال والأخلاق والصفات : على مقتضى الموازين العقلية ، والشرعية : لظهور عين الصورة القلبية وحكمها .
فإذا ظهرت - من حيث صفة طلب المتوجه - غلب عليه حكم الصفة المقتضية للقلب ، على باقي صفاته : التي اشتملت عليها ذاته ، وتوقدت عزيمته وإرادته : بموجب الأمر الباعث له على الطلب ، فقصد جالتئذ : تفريغ قلبه بطراز آخر ، فإن التوجه الأول ، هو : توجه جملي “ 1 “ لمحبة ذاتية : غير معلومة السبب والعلة ، ليس لها متعلق عند التوجه متعين “ 2 “ في بدء أمره وطلبه .
وهذه العلامة : أصح العلامات بالنسبة إلى أهل الاستعداد التام . فإن أحكام المناسبات الذاتية غير معللة .
وأما هذا التوجه الثاني فهو عبارة عن التوجه إلى الحق ، على ما تعلم نفسه ، غير متقيد [ بالتنزيه ] “ 3 “ المسموع أو المظنون ، وكذلك
.........................................................
( 1 ) بضم الجيم وسكون الميم وكسر اللام .
( 2 ) في الجملة تقديم وتأخير هو : “ متعلق متعين عند التوجه “ واللّه أعلم .
( 3 ) هكذا هي في المخطوطة .
التشبه ، بل يكون توجها مطلقا جمليا ، هيولاني “ 1 “ الوصف : قابلا كل صورة ، ولم يزد عليه من الحق : ظاهرا عن نفس كل اعتقاد :
مستحسن ومستنكر ، جازما أن الحق : كماله ذاتي ، مستوعب جميع الأوصاف : الظاهرة الحس ، والخفية عنها .
لا يحيط بسره عقل ولا فكر ، ولا وهم ولا فهم .
بل هو كما أخبر وأشهد ، وعرف وأظهر كل من شاء ، كما شاء ، إن شاء ظهر في صورة ، وإن لم يشأ لا ينضاف إليه صورة ، ولا اسم ، ولا رسم ، وإن شاء : صدق عليه كل حكم ، ومسمى بكل اسم ، وأضيف إليه كل وصف .
وهو المقدس على كل حال ، عما لا يليق بجلاله .
وليس المنزه عن ما هو ثابت له لذاته ، بشرط ، أو بشروط ، أو بدونها “ 2 “ .
فإذا صرت - يا أخي - كذلك ، وتقرر هذا العقد في نفسك ، وانمحت كثرة أحكامك المختلفة في وحدة توجهك دون نفس ، وتعشق بشيء ، أو التفات إلى أمر “ 3 “ : حينئذ تثبت المناسبة بينك وبين حضرة القدس .
وحالتئذ : تكون قد تهيأت لتجلي الحق وتكون منزل تدليه ، ومنصة تجليه “ 4 “ فافهم ..............................................................
( 1 ) الهيولي لغة : الهباء المنبث في الجو .
( 2 ) التنزه : التباعد عن الشيء ، واللّه تبارك تعالى : منزه عن النقائص ، فإذا عرفت هذا :
عرفت أن الكمالات كلها من صفاته تبارك وتعالى : متصف بكل كمال ، منزه عن كل نقص .
( 3 ) القصد به الاضطراب الذي يعروه في الاتجاه إلى اللّه بكل قلبه ، لأن إبليس لا يدعه ، بل ينفخ في نفسه ويذكره بأشياء وأمور ، فإذا ما صدق اللّه ثبت قلبه في الاتجاه إلى اللّه تعالى واطمئن ، وأيس إبليس من قيادته ، أو حتى من التلويح له بالمعصية .
( 4 ) بعد الجهاد المرير .
إعلم أن منبع قوة “ 3 “ الإنسان الطبيعية والمزاجية وما ينبغي له من الصفات والأخلاق والأفعال : قلبه ، ومراءة الروح الإلهي العارف المدبر للبدن بواسطة الروح الحيواني في المحمول في الصورة الضبابية ، الحاصلة في التجويف الأيسر من القلب الصنوبري المذكور ، والروح الإلهي المشار إليه من حيث القلب المذكور :
الجامع بين خواص الروح ، وخواص المزاج : “ مرءاة السر الإلهي المشار إليه بقوله : - ووسعني قلب عبدي - “ الحديث .
فمن شعبه للمطالب الكونية : شعبه وفرقه شعبا ، بحيث أنه يصير مخصصا لكل مطلب [ جزوي “ 1 “ ] من تلك المطالب منه خاصة ، فإنه يهزل هزالا معنويا ، كما يهزل البدن : لفرط التحليل الذي لا يخلف “ 2 “ ، وكما يضعف كماء النهر العظيم : إذا قسم جداول شتى ، فيضطر إلى طلب الاستمداد والتقوى بأمور خارجة ، طالبا إيصالها إلى نفسه واتصالها به ، كما هو الأمر في المتغذي مع الغذاء . وتأبى الحقيقة من حيث المعنى ذلك ، كالضعيف المعدة ، والساقط القوي :
إذا رام خلاف ما تحلل منه بدواء يقصد تناوله ، فإنه لا ينتفع به لعدم مساعدة الطبيعة على تحصيل المقصود منه ، وتظهر الطبيعة في عالم حقائق الاستعداد .
فإن لم يكن استعداد : لا يجدي اجتهاد .
فإذا اقتصر الإنسان في أول أمره على ما حوته ذاته ، مما أودع الحق فيه ، وحفظ قلبه وسره الكلي من التوزع والتشتت ، والتشعب بالتعلقات بالمطالب الجزئية الكونية : كان غناه وقوام الطبيعة ، والروحانية ، ثم الإلهية : وثمراتها : أوفر وأتم .
.................................................
( 1 ) هكذا هي في المخطوطة ، ولعلها - واللّه أعلم - “ جزائي “ .
( 2 ) بتشديد اللام ، أي لا يترك .
( 3 ) في المخطوطة “ قول “ .
فاقصد الاستمداد والتقوي به من خارج .
وإنما جهل كماله الذاتي المستجن فيه ، فتعدى لطلبه وتحصيله من خارج ، ولو اهتدى سواء السبيل : لعلم أن متعلق القلب الأصلي : تفصيل مجملاته ، وبروز مستجناته “ 1 “ ، بخروج ما في القوة إلى الفعل ، وجميع ما أثبت من صفاته وقواه بالتوزع والتكثر والاختلاف الإنحرافي : إلى التوحد الاعتدالي والرجوع إلى الأصل :
“ كل اعتدال من الاعتدالات الأربع المذكورة “ .
ثم الأصل الأحدي الجامع للجميع ، ليلحق كل فرع بأصله ، وتتحد الأصول بالأصل ، وتكمل الأجزاء بالكل ، ولكن حجب عن ذلك لظهور حكم تمييز القبضتين ، وتحقيق الكلمتينلِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًافافهم وأعرف ما ينبغي لك أن تطلبه وتحصله : تنمية وتثميرا وما ينبغي لك أن تنسلخ وتتجرد عنه تزكية وتطهيرا : يقرب لك الأمر ، ويختصر لك الطريق بعون اللّه ومنته .
.............................................
( 1 ) المستجن : هو المخبوء المستتر ، ومنه : الأجنة في بطون الأمهات ، والجن ، لأنه مستور عنك ، وجنه الليل أي : ستره وغطاه .
في كيفية التنقل في مراتب المذكور ، والدرجة الأولى
مطلب دفع الخواطر : بدوام الذكر الظاهر : تجدد جمعية دون انزعاج المزاج ، بل بحضور مع الحق ، ومراقبة له على ما تعلم [ بعضه ] “ 1 “ كما مر .
فإذا دفعت الخواطر وزالت ، نطق القلب بالذكر الذي أنت عليه أو بذكر آخر [ بعينه ] “ 1 “ لك من الحق .
فهنالك يعلمه اللّه سبحانه : إنه لا يقع حالتئذ ، [ فحضرت معه ، وتركت الذكر الظاهر “ 3 “ ] ، وهكذا حتى تحقق بإمكان خلو الباطن من الذكر المتجدد أيضا ، حتى تثبت وتشعر بأنك قادر على ذلك .
فاجتهد في تفريغ باطنك من الذكر الباطن ، واستعمل نفسك في الفراغ من الذكر الظاهر والباطن معا ، فإنك تجدك قادرا عليه ساعة ، أو دون ساعة ، ثم تواجهك الخواطر ، فإن قدرت على دفعها بعزيمتك وإعراضك عنها ، وعن ما يوجبها ، فادفعها بذلك ، وإلّا فعد إلى الذكر بقلبك ، بتعقل الحروف ، لا بتخيلها : بما تحدث به نفسك بم
...................................................
( 1 ) ما بين القوسين هكذا في المخطوطة .
( 3 ) في المخطوطة “ فحضرت معه وتركت الذكر الظاهر “ ولا يستقيم الأسلوب .
تريد أن تفعل ، وإن قويت زحمة الخواطر ، فاجمع بين ذكر الظاهر وحضور الباطن معا ، دون فترة “ 1 “ ، أو في غالب الأوقات ، هكذا .
وكلما واظبت على ما ذكرت لك : يزيد فراغك ، وينمو ، حتى تغلب الخواطر وتدفعها .
واستعمل نفسك وقلبك فيما ذكرت لك دائما ، ولو كنت فيما عسى أن تكون فيه من الاشغال ما عدا [ عمومات ] نطقك بالحديث مع الناس ، فإن تعينت لك قضية توجب الاشتغال بشيء غير ما أنت فيه ، أو مصلحة ، فسم اللّه بحضور وتوجه في أول الأمر ، ثم أشرع فيما تريد الشروع فيه من : حديث ، أو فكر ، أو فعل ، وقل : “ اللهم كن وجهي في كل جهة ، ومقصدي في كل قصد ، وغايتي في كل سعي ، وملجئي وملاذي في كل شدة ومهم ، ووكيلي في كل أمر ، وتوليني تولي محبة وعناية في كل حال “ “ 6 “ .
ثم باشر ما قدر لك ، بما شرعه “ 2 “ ، واقصد في خلال أحوالك الدنياوية ، التيقظ للذكر ، والالتفات “ 3 “ إلى الحق مما أنت فيه ، كما قال سبحانه لحبيبه صلى الله عليه وسلم :وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ” 4 “ يعني : بين الغدو والآصال : أي لا تقتصر على حفظ الطرفين الذين هما : الأول والآخر ، وإن كان ذلك مجديا [ وكافيا لقبرك ] “ 5 “ .
......................................................
( 1 ) أي دون توقف .
( 6 ) بربك أيها القارئ الكريم ، هل الذي يقول هذا القول : يدعو إلى الحلول والاتحاد ؟ ؟
( 2 ) الضمير يرجع إلى اللّه تعالى : أي لا تفعل شيئا غير مشروع لك من اللّه تعالى ، وفيه رد واضح على ما تناولوه وكفروه ولم يخشوا اللّه تعالى فيه .
( 3 ) تعبير عن شدة الشوق إلى الحق تبارك وتعالى .
( 4 ) سورة الأعراف ؛ الآية : 205 .
( 5 ) هكذا هي في المخطوطة : أي لنجاتك من القبر وعذابه ، لأنك موحد ، والذي في خاطري : أن الكلمة “ لقبولك “ ، واللّه أعلم .
واذكر قوله : لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ “ 1 “ واتبع ولا تبتدع “ 2 “ .
ومتى جعلت هذا ديدنك في حضورك [ وتقويك ] “ 3 “ : سلطنت ودك . وظهر له قلبك في مشيمة “ 4 “ طبعك ، وتطهرت صفاتك وأخلاقك ، وزكت نفسك ، واتسعت مرءآة قلبك ، واعتدل طبعها بتوحيد كثرتها ، وصح شكلها وهيئتها ، فسلمت وخلصت من [ النتو ] والتقعير ، وناسبت حضرة ربك في الوحدة والسعة والإطلاق والتقديس ، وتنزهت عن كدورات كثرة التعلقات العشقية والكونية والتدنيس .
فإن تمكنت فيما ذكرت لك : فتح لك باب آخر بينك وبين ربك ، لا حكم للوسائط فيه وعليه ، منه تعلم ما أنت فيه ، وما تكون عليه ، وما تعامل به الحق والخلق ، وما يقربك إليه .
وليكن هذا التوجه المذكور حالك في كل توجه تتوجه إلى ربك في عبادتك ، على اختلاف ضروبها ، وفي دعائك وإلتجائك إلى ربك مهماتك الجزئية والكلية .
واللّه يقول الحق ، وهو يهدي السبيل .
.......................................................
( 1 ) سورة الأحزاب ؛ الآية : 31 .
( 2 ) كيف يقول الذين يكفروه ؟ ألا يستحيون ؟
( 3 ) في المخطوطة : “ وتتويك “ .
( 4 ) المشيمة : الوعاء الرقيق الذي يكون الولد ملفوفا فيه في بطن أمه ، والمشيمة مليئة بالقاذروات ، ومع هذا يحفظ اللّه فيها الولد ، كذلك القلب إذا كان صاحبه مداوما على الذكر : يخرج من مشيمة الطبع بحفظ اللّه ورعايته ، وهو تشبيه - منه ( رضي اللّه عنه ) - في غاية البلاغة والبيان .
تتمة
إعلم أن سر التدرج في الذكر والتوجه والترقي ، هو : لا حياء حقيقة المناسبة الثابتة أزلا بين الحق وعبده - أعني المستهلكة الآن والمحجوبة بأحكام الخلقية والخواص والصفات المختلفة الإمكانية - وإنما هي تصح وتحصل وتخلص بقطع التعلقات الظاهرة والباطنة ، وتفريغ القلب من جملة الإرتباطات الحاصلة بعد الإيجاد : بين الإنسان وبين الأشياء كلها : ما علم منها وما لم يعلم ، ثم تهيئته - أعني تهيئة القلب - بموجب حكم الأحدية : بجمع الهيئة المتحصل من تأليف الصفات ، والأخلاق وآلات العلوم والاعتقادات والمقاصد ، والبواعث والتوجهات الناشئة في نفس الإنسان ، بالبدن العنصري “ 1 “ .
واللّه تعالى قوي كل واحد منهما بالآخر .
وغلبة بعضها بعضا فعلا وانفعالا بمخض المجاهدات وتهذيب الأخلاق بالرياضات ، وإزالة أحكام الانحرافات الغامضة ، من خواص الاجتماع الواقع بين القوى المزاجية والصفات النفسانية ، فإن المقصود
.....................................................
( 1 ) البدن العنصري : الذي هو مركب من العناصر المعروفة : الماء ، والتراب ، والحديد ، والنار ، وما إلى ذلك من عناصر .
إنما يحصل بعد تطهير الملوثة .
ومن إتمام النواقص منها - أي من تلك الصفات المجتمعة من خواص الطبيعة والروح ، وما ذكرنا ، ونقلها من حيث تعلقاتها ومصارفها المعتادة ، وردها من درجات إنحرافاتها الخارجة عن حيز اعتدالها : إلى نقطة مركز دائرة الكمال الحقيقي بها - استمر ليتم تسويتها ، وتعديلها ، ويستعد للنفخة الثانية ، فإنه كما استعدت بالتسوية والتعديل الأول لنفخ الروح فيها ، كذلك يستعد بهذه التسوية والتعديل الثاني الواقع في مزاجه المعنوي بين خصائص نفسه الباطنة ، وبين خصائص بدنه العنصري ، المعبر عنها ب “ الأخلاق والصفات والعلوم والعقائد والبواعث والتوجهات “ وغير ذلك من النسب والإضافات المضافة إلى الجناب الإلهي ، والكون : انفرادا أو اشتراكا ، للنفخة الثانية . فحينئذ يظهر بهذا الاستعداد والتهيؤ الوجودي الجزئي “ 1 “ : سر الاستعداد الكلي الذي به قيل هذا السالك الوجود من موجده أولا .
فإذا تمّ ذلك : حصلت النفخة الثانية من جانب الحق : حاملة سرا ثانيا ، يعبر عنه تارة ب “ التأييد القدسي “ في حق قوم ، وب “ التنزلات الملكية “ ، و “ المنازلات “ في حق قوم ، و “ تجليات الأسماء والصفات “ في حق آخرين .
ثم بعد ذلك يكون التجلي الذاتي المستلزم بما لا ينال وما لا يعرف سره في غير الكمل : ذو علم ذوق معين ولا حال .
وإذا عرفت هذا ، فاعلم أن قلوب أكثر الناس إنما ظلمتها وكثرة صداها - كما قلنا - من التعلقات الشهوانية ، والأحكام الإمكانية .
والمناسبة التي بينها وبين الحق : إنما ضعفت لذلك .
...................................................................
( 1 ) في المخطوطة “ الجزوي “ واللّه تعالى أعلم .
فلهذا كان الإنتقال مما هم فيه إلى الحالة والصفة التي تليق وتصلح أن يواجه بها حضرة الحق ، وتثبت بها المناسبة ، ويجيء حكمها متعذرا - سيما إذا أريد أن يكون دفعة واحدة - لأن الحالة الأولى بها : الكدر والظلمة والنقص ، والكثرة .
ولجناب الحق أضداد هذه الأربعة ، وهي : الصفاء ، والنورية ، والكمال ، والأحدية .
وسر الحق - وإن كان مستجنا في كل واحد ، بل في كل شيء ، ومصاحبا له ، ومحيطا به - فإنه محجوب بالأحكام الإمكانية الظلمانية ، وصفاتها الوجودية كما مر .
فمن وجد في نفسه طلبا للحق ، أو مما لديه ، فإنما يطلبه وينبعث له بما فيه من الأمر المطلوب : لأنه يستحيل - عندنا - أن نطلب الحق أو محبة سواه ، أو يصل إليه ما ليس به .
وهكذا الأمر في كل مطلوب مع كل طالب .
فسر طلب الحق - في زعم طالبيه - عبارة عن طلب الحق المقيد ، المستجن في الطالب ، مع الكمال النسبي الخصيص به متى رق بعض حجبه ، أو قل طلب - أعني ذلك السر - الاتصال بالحق المطلق وكما له الحقيقي : للخوف ، وفرع بأصل وإظهار كمال الكل : [ الجزء الذي به ثبت اسم الكل للكل ] “ 1 “ فإن الامتياز ، إنما حصل من حيث أنه عرضت بينهما مفارقة نسبية ، بتعين بعض الوجوه .
.........................................................
( 1 ) جملة “ الجزء “ إلى آخره ، مفعول “ إظهار “ ، ولك أن تعربها بدل جملة من جملة ، واللّه تعالى أعلم .
فصل
كما بعدت المناسبة بين حال بواطن الناس ، وبين جناب الحق ، وشأنه كما ذكرنا ، ووجد الإشارة في قلب الباعث على الذي ذكرت سببه ومقتضاه ، لم يكن ذلك إلّا بالتدريج ، كما أشرت إليه :
لزم الشروع أولا مما الإنسان فيه من الجلال إلى مفارقة صورة الكثرة :
شيئا فشيئا ، وذلك بالانفراد أولا والانقطاع ليحصل ضرب ما من ضروب المناسبة بين العبد وربه .
ثم يستعين بما ذكرنا ، ويقصد تعطيل قواه المتكثرة والمختلفة :
الحسية منها ، والحالية الحيوانية ، الحاصلة والعارضة من الخواطر جهد الإمكان ، بجمع الهم وتحقيق العزم ، ثم يقصد الالتفات إلى الحق بصورة ملازمة الذكر : [ ذكر من أذكاره يعينه المرشد ، أو الحال ، أو الاستعداد ] وإنه - أي ذكر كان - من وجه كوني ، ومن وجه رباني .
لأنه من حيث لفظه والنطق به : هو كون .
ومن حيث مدلوله : هو حق .
فهو كالبرزخ بين الحق والكون .
فيحصل بذلك أيضا ضرب من ضروب المناسبة : أتم مما قبله فإذا تأنس الإنسان به كان كالمفارق العالم ، وكالمحيي لرقيقة المناسبة الرابطة من أكثر الوجوه ، بينه وبين الحق ، لتغليب حكم الوحدة الحقية على الكثرة الخلقية “ 1 “ .
ثم إذا أنتقل من الذكر الظاهر إلى الذكر الباطن ، ونطق به قلبه ، دون تعمل “ 2 “ - سيما إذا كان نطق القلب بغير الذكر الذي بدأت عليه - كان بعده من صور العالم وأحكامه المختلفة المتكثرة أكثر ، وقربه من الحق الواحد ، ومناسبته معه ، ونسبته إليه أتم “ 3 “ .
وكلما قويت العزيمة ، وتوفرت الرغبة بحصول الأنس الذي أثمره الفؤاد ، وما ذكرنا : مع جمع الهم الذي هو الأصل الأتم : قويت سلطنة الحق المستجن “ 4 “ في الإنسان ، وضعفت فيه أحكام الكثرة والإمكان ، فتنور قلب العبد أو انصقل وتصفي ، من حيث صفاته فتجوهر واعتدل لاستقامة سطح مرءاته وتوحد كثرته “ 5 “ ، كما هو الأمر في المرءاة المحسوسة ، التي أبرزها الحق في بعض الوجوه مثال
..............................................................
( 1 ) الحقية بفتح الحاء وتشديد القاف المكسورة : نسبة إلى الحق ، والخلقية : بفتح الخاء وسكون اللام نسبة إلى الخلق ، والمقصود : تغليب جانب الحق على جانب الخلق ، واللّه تعالى أعلم .
( 2 ) أي تشغيل للقلب ، لأنه أصبح سجية له وطبيعة .
( 3 ) أي : لاستواء قلبه ، لأن التقدير : “ ونطق به قلبه دون تعمل “ : تمّ قلبه ونضج ، لأن الذكر أصبح له طبيعة ، وما بين “ تعمل “ و “ تم “ جملة إعتراضية .
( 4 ) والحق المستجن في الإنسان هو : الفطرة التي عبر عنها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بقوله : “ يولد المولود على الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه أو يمجسانه “ فإذا قوي جانب الفطرة المستجن في كل إنسان : سيطر الحق ، الذي هو الإيمان ، وأصبح الإنسان موحدا كاملا . . . يقول اللّه تبارك وتعالى :وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْهذا واللّه أعلم .
( 5 ) توحد الكثرة هنا : معناه أن الشواغل الكثيرة التي كانت تشغل القلب تبددت ، وأصبح شغله باللّه فقط . والحمد للّه على فضله .
لمرءاة قلب الإنسان وحقيقته ، فإن صفاءها وصقالها إنما هو باعتدال أجزاء سطوحها : الحاصل بزوال ما ظهر فيها من التعدد والاختلاف ، كالنتو ، والتقعير ، وإعوجاج الشكل [ والتصفير ] “ 1 “ فإن كل ذلك يوجب تغير صورة ما ينطبع فيها بالنسبة إلى مدرك “ 2 “ الصور فيها عما هي عليه خارج المرءاة : سيما إذا خالف شكل المرءاة شكل الصورة ، فإن المرءاة بعد الصقل وتسوية سطوحها وصحة إستدارتها - لأن الاستدارة أفضل الأشكال وأقربها نسبة إلى الاطلاق - وعدم التقيد بالشكل والصورة . ولهذا كانت الأفلاك وما فيها من الشكل والصورة مستديرة كلها ، لأنها أقرب الأجسام نسبة إلى الأرواح ، ولا واسطة بينها وبينها .
فإنها أول الأجسام صدورا من الحق سبحانه بواسطة الأرواح ، فافهم .
ثم نرجع ونقول : فالإنسان لا يزال مقبلا - كما قلناه - في صورة الذكر إلى معناه وباطنه ، ومن التلفظ به إلى نطق القلب بذلك الذكر أو غيره ، وباطن الذكر غير معناه ، وإنه عبارة عن التوجه إلى المذكور من كونه مذكورا ، أو متوجها إليه هكذا : درجة فوق درجة إلي “ 3 “ .
وفي كل درجة يسقط منه جملة من أحكام كثرته ، وصفات إمكانه ، ويقوي حكم وحدة ربه “ 4 “ وسلطانه .
ومعنى السقوط هنا : للصفات والقوى ، لاستهلاكها ، لأنها بها عكس الحالة الأولى التي كان عليها كجمهور الناس .
مطلب المناسبة :
فإذا كمل بها هذا التوحد ، وتلاشت أحكام الكثرة الخلقية الإمكانية : ثبتت المناسبة من بين : جناب الحق ، وبين القلب الذي
..................................................
( 1 ) أي كدورة اللون وصفرته .
( 2 ) “ مدرك “ بفتح الميم وسكون الدال وفتح الراء .
( 3 ) هكذا هي في المخطوطة ، ولعل هنا سقطا تقديره “ آخره “ .
( 4 ) أي انفراد ربه به ، ولا يكون لأحد سلطان عليه غيره ، واللّه تعالى أعلم .
هذا شأنه فحالتئذ يظهر التجلي المستجن في العبد : لزوال كل ما كان يمنع من ذلك ، ويتصل بالتجلي الذي يتدنى من الحق إليه ، والأمر الذي يتنزل فيه ، فيستحيل “ 1 “ قواه الظاهرة والباطنة ، وجملة صفاته :
استحالة معنوية ، فتبدل أرضه غير أرضه ، وسماؤه غير سماواته “ 2 “ ، وكذلك ما فيها : لقيام قيامته ، واستقامة قامته ، وحينئذ يصير تمام الآية وصف حاله ، وهو قوله تعالى : وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ “ 3 “ فيتغير اعتقاده في كل شيء عما كان عليه بتغير ما به - يدرك ما يدرك ، ويتلو قوله تعالى : وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ “ 4 “ .
وأما بعد ذلك فلا يمكن ذكره وبيانه ، بل يجب ستره وكتمانه ، و “ كل ميسر لما خلق له “ .
وما ذكرنا في هذه العجالة - وإن كان أصلا جامعا - فإنما يأخذ كل أحد منه : ما يستعد له ، وما يساعد عليه وقته وحاله ، و ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ “ 5 “ .
ومن أراد استكمال هذه الفائدة ، واستثمارها ، فليضف هذه التتمة إلى ما ذكر من قبل ، فإنه : إن أدرك ، وفهم ما أدرجت في هذه الكلمات : عرف سر الحق المودع في الخلق .
وعرف معنى “ غلبة الرحمة الإلهية الغضب “ “ 6 “ ، وإنها منبع كل
.....................................................
( 1 ) يستحيل بمعنى : يتحول .
( 2 ) المعنى المقصود : إنه يتغير حاله كله ، والتعبير بأرضه وسماواته ، تعبير بالكناية . لا بالحقيقة .
( 3 ) سورة إبراهيم ؛ الآية : 48 .
( 4 ) سورة الزمر ؛ الآية : 47 .
( 5 ) سورة فاطر ؛ الآية : 2 .
( 6 ) من قول الحق سبحانه وتعالى في حديثه القدسي : “ سبقت رحمتي غضبي “ رواه الإمام مسلم .
اعتدال وانحراف واقع في عرصة المعاني والأرواح ، وعالم المثال :
الذي تتصور فيه الأرواح وتتجسد فيه المعاني ، واعتدال عالم الحس .
وعرف سر الولادة “ 1 “ الثانية التي أشار إليها في الآية : في الأنبياء والأولياء ، وتقدم حديثها آنفا .
وعرف سر أصحاب الحق بالخلق ، وسر صحبة الحق بالخلق ، وإحاطته بهم ، وكونه معهم ، أينما كانوا ( دون مزج ، وملابسة ، وظرفية ) “ 2 “ .
وعرف أيضا كيفية إنتشاء الخواص الروحانية في ملابس المواد الطبيعية ، وكيفية ترتبها هناك ، وكيفية تخليصها من تلك المزجة ، كما مر ذكره في أمر الكثرة ، والوحدة ، والإلهية ، واستهلاك الكثرة تحت سلطنة الوحدة ، فإنه مزاج التحليل الذي لم يذقه ولم يشهده ولم يتحلل في وجه بحيث ينزل منه في كل مرتبة وعالم : ما يناسبه .
لم يدر ما المعراج ولم يلج حضرة من حضرات الحق أصلا ، ولوجا محققا .
وكما ذكرناه في شأن ماء الورد ، الممثل به في سر الحق وسرايته في المراتب الخلقية ، وعوده إلى الأصل ، بواسطة الأحوال المسماة “ سلوكا “ فافهم .
وعرف أيضا : سر الفناء والبقاء ، وسر السكون ، ومبدأه
- والغلبة أو السبق بالنسبة للّه تعالى ليس كما هو للخلق - تعالى اللّه عن ذلك - ، فإن اللّه تعالى لا يعتريه ما يعتري الخلق .
..................................................
( 1 ) الولادة هنا : التربية : قال في القاموس المحيط : والتوليد : التربية ، ومنه قول اللّه عزّ وجلّ لعيسى عليه السلام : أنت نبيي وأنا ولدتك بتشديد اللام المفتوحة : أي ربيتك .
فقالت النصارى : “ أنت بنيي وأنا ولدتك - بفتح اللام الخفيفة - تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا “ .
( 2 ) الا يتقي اللّه : الذين يدعون فيه ما ليس فيه .
وموجبه . “ وإن الإنسان كان غيبا فصار وصفا ، ثم صار خلقا ، وسوى حتى وصف سر الحق المودع فيه بصفات الخلق ، وسمي باسمه ووصفه ، وصار يطلب ذلك السر الانسلاخ بالعود ثانيا عما تلبس في إتيانه ، أولا بالنسبة إلى المدارك .
وعرف سر غلبة اللّه على أمره “ 1 “ في مرتبة الأرواح مع الطابع ، وفي مرتبة الأخلاق والصفات المحمودة مع المذمومة ، ومغلوبية الأرواح الإنسانية تحت أحكام الأمزجة الطبيعية أولا : مع مغلوبيتها ومغلوبية سائر الأرواح العلوية المقدسة أخرى ، تحت أحكام الأسماء والصفات الإلهية ، واستهلاك جملة الكون تحت السطوة الذاتية الإلهية .
وتعرف علوما مدرجة في هذه الكلمات : غير ما ذكرنا ، يطول ذكر أنواعها ، فكيف تعينها وبيانها . فافهم .
واللّه يقول الحق وهو يهدي السبيل .
واللّه يهدي من يشاء إلى صراطا مستقيم .
تمت “ العجالة “ بعون اللّه وحسن توفيقه
والحمد للّه وحده ، وصلّى اللّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم في شهر صفر المظفر : من شهور سنة ست بعد الألف من الهجرة النبوية .
علقها عجلا لنفسه أضعف الفقراء ، : مصلح الدين بن أحمد بن الياس الخلوتي البلغرادي ، ثم الدمشقي ، الإمام بجامع “ سيباي “ غفر اللّه له ولوالديه وأحسن إليهما وإليه ، ولجميع المسلمين أجمعين .
آمين . . .
....................................................
( 1 ) من قوله تعالى : وَاللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ .