جواب عن مسألة السبحة السوداء
وهو الهيولى
لسيدي الإمام محي الدين العربي
قدس الله سره
آمين
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم، وإذ قد ذكرنا العقل الأول وهو أول موجود والنفس الكلية وهي أول منفعل عن العقل وذكرنا الأعم الذي لا أعم منه وهو المعلوم وقلنا أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام واجب ومحال وممكن وإن الواجب هو الذي لا يتصور عدمه أصلاً عقلاً وهو وجود الله تعالى وصفاته وإن المحال هو الذي لا يتصور وجوده عقلاً كالجمع بين الضدين وهو كون الشيء قائماً قاعداً معاً وما أشبه ذلك وإن الممكن هو الذي يجوز أن يوجد ويجوز أن لا يوجد كالعقل الأول والنفس الكلية وجميع المخلوقات كلها ولا يعقل وجوب عقلي على غير ما ذكرنا وأما الوجبات الاختيارية فلا نتعرض لها فإنها لا تزيل حقيقة الممكن عن ما ثبت له فإنما أنا أنظر في الأشياء بما تقتضيه حقائقها فإذا قال الله تعالى أن هذا الوجود مثلاً لا أعدمه كما قال في الجنة وأهلها والملائكة لأنه سبق علمي ومشيئتي لا أعدمه قلنا فيه أنه باق كما أخبر الله تعالى لا ينعدم أبداًً بالنظر إلى ما قال لنا الله تعالى وبالنظر إلى نفس الشيء نقول أنه ممكن لأنه لم يكن فإن بقى فبمشيئته فيرجحه لا بنفسه كما تقول في الله أن الله قادر على الإطلاق ولا نقول القدرة تعجز عن الجمع بين الضدين فإن الجمع بين الضدين لم يستحيل "لكونه" لكنه القادر يجعل منه وإنما استحال لنفسه لأن الجسم لا يقبله ولا الشيء الذي يحمل عليه فإنه لنفسه اقتضاه ومتى اقتضاه معلوم ما حكماً لنفسه فإنه لا يتبدل والقادر مطلق القدرة على المقدور ولما ثبت هذا كله
أردنا أن نجيب في هذا الجزاء عن الهيولى وما تحمله من الصور والأشكال على التقريب والاختصار فنقول أولاً كما ذكرنا أقسام المعلومات نحب أن نقسم الموجودات قسمة منحصرة تعم كل موجود وذلك أنى أقول أن الموجودات تنقسم قسمين متحيز ولا متحيز ولنأخذ المتحيز ونقول والمتحيز ينقسم إلى معدود وإلى غير معدود وهو المركب فالمفرد يسمى جوهر أو غير المفرد وهو المركب يسمى جسماً ثم نأخذ غير المتحيز ونقسمه قسمين إلى قائم بنفسه وإلى قائم بغيره ولنأخذ القائم بنفسه غير المتحيز ونقول لا يخلو غير المتحيز القائم بنفسه أن يجب له الوجود أو لا يجب له الوجود فإن وجب له الوجود بذاته فهو الله سبحانه وتعالى وإن لم يجب له الوجود بذاته ووجب له بغيره فهي العقول في مذهب الحكماء وفيها خلاف بيننا فإنا لا نثبتها على حد ما أثبتوها ولكن لا نحتاج في هذا الباب إلى الكلام معهم فيها ثم نأخذ غير المتحيز الذي لا يقوم بنفسه ونقول لا يخلو أما أن يجب له الوجود أو لا يجب فإن وجب له الوجود فهو صفات الله تعالى علمه وقدرته وإرادته وجميع صفاته وإن لم يجب له الوجود فذلك هو العرض وما ثم موجود زايد على ما ذكرناه وكل واحد من هذه الموجودات له أحكام وتفصيل طويل والغرض أنما كان حصره وحده خاصة بأنه قد ثبت هذا فنقول أن الله كان ولا شيء معه وهو الآن على ما هو عليه كان كما ثبت في الخبر الصحيح ودلت عليه الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة فكان ولا زمان ولا مكان ولا عين موجودة سواه ثم خلق الأعيان والمكان والزمان على حد ما علمه وشاءه كما قال (لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ) وأعلم أن المكان والزمان اختلف العقلاء فيه فمنهم من قال أن الزمان حادث متوهم علق حصوله على حادث متحقق كقولهم أتيتك رأس الشهر فالإتيان متوهم ورأس الشهر متحقق ومنهم من قال أن الزمان ما سئل عنه ومنهم من قال أن الزمان مقارنة حادثة لحادث في جواب من سأل بمتى والمكان عبارة عن استقرار متحيز يجاب عنه في جواب من سأل باين والصحيح عندي في حقيقة الزمان الذي ارتضيه ويعم جميع ما اصطلحوا عليه إذا فحص عن ذلك نقول أن الزمان مقارنة حادثة لحادث سواء كان الحادث واقعاً أو غير واقع في جواب من سأل بمتى يفهم عند السؤال بمتى والجواب بين الحادثين أمر ثالث موجود أو غير موجود وقد قيل أن الزمان مدة متوهمة يعدها حركات الفلك والذي يظهر من هنا كله على التحقيق أنه أمر إضافي وقد يكون ذلك الأمر موجوداً قال الله تعالى: (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) وقال: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) وقال: (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ) وقال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ) فقال الناس أن هذه الأيام مقدرة أي لو كانت ثم أيام لكان خلق ما ذكره فيها لا من تصور ولكن بينت الجنة في شهود قدرته أنه يوجد فيها في الزمان الفرد هي وجميع الموجودات فنبه بالموجود على القدر المعلق وهنا من وجه لا يحتاج فيه إلى زمان مقدر فإن حركة اليوم إنما هي الدورة الفلك المحيط والشمس علامة في كمال الدورة وابتداء الكورة فإن دورة واحدة للفلك الأقصى المحيط هي اليوم والله تعالى إنما ذكر من المخلوقات في الستة الأيام السموات والأرض وما بينهما ولا يعرف من وضع الشرع أن السموات غير هذه السبعة لأنه يقول في مواضع كثيرة سبع طرائق وسبع سموات ولم يذكر غيرها ومعلوم أن فلك المنازل وفلك الأطلس محيطان بالسموات السبع وما تحتوى عليه وإن الأيام للفلك المحيط دورات فإذا ذكر ست دورات فهي ستة أيام فقد خلق الله السموات والأرض في ستة أيام موجودات إذا كانت عبارة عن ست دورات دارها الفلك المحيط ولا يحتاج إلى تقدير الأيام وإن أخذ بعموم قوله السموات جميع الأفلاك وفهم من الشارع هذا حينئذ نقدر الأيام ونجعلها لأمر أخر والظاهر ما ذكرناه ونبهنا عليه وما بقى لا ما فوق السموات على ما قلنا هل خلق في زمان أم لا فأما الذي قال أن الزمان عدد حركات الفلك فهو الذي يقول أن الفلك صورة في الجسم الكلى والجسم صورة في الهيولى والهيولى جوهر بسيط روحاني يقبل الصور من النفس الكلية شيئاً بعد شيء بالزمان فقد قبل صورة الجسم والفلك بلا زمان وأما الذي قال --- من بعد حركات الفلك فهذه المدة غير موجودة على التعيين فليس على هذا القول الزمان هو حركات الفلك وإنما ارتضينا ما ذكرناه كان الذي يقول أن الزمان هو مقارنة حادث لحادث في جواب من سأل بمتى مثل أن يقول متى جاء زيد فالجواب مثلاً حين قدم بكر وحين طلعت الشمس أو قدم بكر أي في الوقت الذي طلعت فيه الشمس فالأمر الذي طلعت فيه الشمس وجاء فيه زيد هو الزمان لأن طلوع الشمس وقت مجىء زيد وقد يكون ذلك الأمر موجود أو قد لا يكون كما يجوز أن يقال متى أوجد الله أول موجود فيقال تعلقت المشيئة والقدرة بإيجاده وما ثم حين ولا شيء إلا الله وهو الموجود وقد فهمنا أمراً ثالثاً وليس له وجود يعقل وهذا هو الزمان المطلق ثم يطلق على الموجودات أسم الزمان متى وقع التوقيت بها والجواب بها في حق من سأل بمتى فإذا تقرر هذا التحذير فاسعد الناس من يجد الزمان من قرب من هذا التحذير وهو الذي حده بمقارنة حادثة لحادثة في جواب من سأل بمتى والمقارنة أمر أضافي يرجع إلى حالة من أحوال المتقارب به فتقول على هذا التقريب أن كل جوهر قائم بنفسه متحيز فلا يخلو أن يكون ساكناً في حيزه أو متحركاً منه إلى غيره والحيز هو وصف ذاتي للجوهر به يقبل المكان وإذا كان لا يخلو أما أن يكون ساكناً في حيزه أو متنقلاً عنه إلى حيز أخر فقد ثبت له العرض وهو السكون أو الحركة فإذا نازع المخالف وهو الفيلسوف القائل بذلك القسم الذي ذكرناه في تقسيم الموجودات وهو الجوهر القائم بنفسه الذي لا يتحيز وهو ممكن أوجده الله تعالى فثم أمر يلزمه فيه وهو كون ذلك عنده عالماً معلوم قطعاً أن علم العالم ليست ذات العالم لأن العلم معنى والعالم قائم بنفسه موصوف به حاملاً بذاته العلم وما فيه من الصفات فإذا قد ثبت موجودان معناً العقل الأول وصفة "كائنة" "كاينه" ما كانت فليكن كل واحد لصاحبه زماناً فإذا قيل متى وجد العقل فنقول حين وجد العلم القائم به وإذا قيل متى وجد العلم القائم به فنقول حين وجدت ذاته فإنهما مرتبطان فقد ثبت الزمان فأول ما خلق الله تعالى الزمان أن كان الزمان موجوداً فالموجودات كلها على هذا الزمان وإن كان الزمان كما ذهبنا إليه أمراًً أضافياً يقال بالنسبة فهو أولى ويصبح في الموجودات كلها من العقل إلى المعدن وإن قد مشى في الزمان ما مشى فلنذكر المكان وهو كون الجسم ينقسم إلى نهاية وكون العرض لا يبقى زمانين إذ كان كلامنا في هذا المجلس في الهيولى وإن الأشياء توجد فيها بالزمان شيئاً بعد شيء وإنها تقبل الصورة فهل هي مكان الصورة أو محل لها وكون العرض لا "يبقى" "ينبغى" محتاج إليه حتى يبقى الفاعل فاعلاً ولا يتعطل في حق موجود فهذا دعانا إلى أن نذكر هذه المسائل في هذا المجلس وأشباهها فنقول أن حقيقة المكان استقرار متحيز أعنى ذا مقدار على متحيز --- سبيل عنه بحيث الحلول فيه كالبياض في الجسم هو بحيث الجسم وليس المكان كذلك ---- ثم الهيولى هو جوهر بسيط روحانى غير عالم ولا فاعل وهذه هو الهيولى الأول عند الحكماء وهي الثانية عندنا فتكلم على ما ذكرناه ثم بعد ذلك نتكلم في الهيولى وما يتبعها من صور العالم فمحال أن تكون الهيولى مكاناً للجسم لأن المكان غير الممتمكن ولا محلاً فإن المحل غير الحال وهي نفس الجسم ليست بمكان ولا محل ولا الصورة أيضاً بمحل لها فأن الصورة لا تعقل إلا بها والمحل ليس من شرط العلم به أن يعلم الحال فيه ثم أن الصورة لا تقبل هذه الهيولى وأكثر الحكماء يقولون في الصورة أنها جوهر إلا بعض المتأخرين فإنه قال وليست الصورة بجوهر وإنما الصورة أعراض في الهيولى والجوهر جوهرها وقد أشار أيضاً إلى هذا القول الحكيم أرسطو وهو مذهب الأشعرية أن العالم كله جوهر واحد وإنما تختلف عليه الصور والأشكال ومعه لا يمشى الدليل فإن الهيولى إذا كانت موجودة وهي جوهر بسيط روحانى قائم بنفسه والجسم أيضاً ذات قائمة بنفسها فإن الذات القائمة بنفسها لا تكون صورة لمثلها في هذا الحد إلا أن يكون الهيولى لا وجود لها في عينها إلا بالصورة فهي إذن عرض لأنها معنى فيها لا هي موجودة ولا هي معدومة بل لأنها تعقل كما سنذكره وقد يمكن أن يشير الحكيم وغيره بالجوهر إلى الجسم الكلى وهو أما ظاهر فإنه يقول في الهيولى أنها لا موجودة ولا معدومة وهنا بحث طويل ثم نقول أن الجسم عند الحكماء هو الطويل العريض العميق وعند غيرهم هو تألف جوهرين فصاعداً وأختلف أصحاب هذا القول في العبارة عن تأليف هذين الجوهرين فقال بعضهم إذا تألف جوهران كان جسماً أي بتأليفهما ظهر الجسم وقد تقرر أن الجسم هو المؤلف من جوهرين مفردين فصاعداً فإنه بالضرورة ينتهي إلى ما تألف منه بالقسمة وقد قالت طائفة أنه ينقسم إلى غير نهاية ويا عجباً مع كونهم عقلاء كيف جهلوا هذا القدر وأصولهم تخيل ما ذكره لأن من أصولهم أن كل ما دخل في الوجود فهو متناه والجسم قد دخل في الوجود فهو بالضرورة متناه ولا ترد القسمة إلا عليه فلابد أن ينتهي بانتهائه فإن القسمة أنما ترد الجسم على اتصالاً لأنه لو لم يكن متصلاً ذا أجزاء لما أنفصل إلى أجزاء وبدليل يمكنها مثلاً أشعب كثيرة متساوية مثل السكين ذا الشعبتين الذي يقطع بهم رأس الأفعى وذبنها في ضربة واحدة فنكمل على الجسم في الزمن الواحد فنفصله وهذا مما يدلك على أنه له كميات لكنها منفصلة واتصالاته متناهية لأنها موجودة فيه فتكمل على كل اتصال انفصالاً فلابد أن تنتهي انفصالاته لأنها ورادة على اتصالاته وقد ثبت نهاية اتصالاته فقد تناهت قسمته إلى شيء لا ينقسم يسمى جزء وبحكم الإضافة إلى الجسم وبالنظر إلى ذاته فلا يتجزءا وإنما هو شيء لا ينقسم وهذا معبر عنه بالجوهر الذي هو أصل الجسم فتفهم هذا الدليل فإنه حسن في أثبات الجوهر الفرد ثم أنه لا فائدة في قولنا هذا جسم من هذا إلا أن كميات هذا ومالا يتناهي لا يقال فيه أصغر من كذا ولا أكبر فحمل المفاضلة عليه بالكثرة والقلة تقتضى تناهيته وكان لا يصح أن يقال أن الدرة أكبر من الفيل ولا جسم البعوضة أعظم من الحيل الشامخ ولا من جسم الأرض لأن كل جسم منها لا يتناهي لا يفضل بعضه بعضاً في هذا الباب وهذه مكابرة لما دل عليه الدليل الواضح ونبهتم أن القسمة ما دخلت في الوجود وتكررها في المقسوم الذي ترد عليه القسمة أنه قد دخل في الوجود وصح تناهيه فإن كان قد دق بحيث أن الحس قدبنا عن إدراكه لمجرد العادة فإن العلم لا يرفعه من الوجود فإذا كان موجود أما القسمة فيه --- هو حق ينتهي ولابد ثم بعد هذا أن الله رتب خلق الموجودات ترتيب اختيارياً لا ترتيباً طبيعياً حقيقياً وثم أمور تقتضى الترتيب الطبيعي فأوجدها على حسبماً تقتضيه حقائقها
فأول ما خلق الله العقل ثم النفس ثم الطبيعة ثم الهيولى ثم الجسم الكلى ثم الأفلاك ثم الأركان ثم المولودات ثم المعادن والنبات والحيوان وأخر موجود الإنسان وخلق الأرواح حتى مراتبها من مرتبة العقل إلى ما دون وسيأتي ذلك في الجواب عن مسألة الأرواح وهذا المولودات هي العالم الذي تولد من المزاج والأخلاط وهنا ---- مسئلة وقد ذكرنا أن نتكلم فيها وهو بقاء العالم وفناؤه فنقول أن العالم محصور في قائم بنفسه وهو الجوهر وفي قائم بغيره وهو العرض على اختلافه وهو من تقاسم المقسومات من القسم الممكن ولهذا يقبل العدم والوجود وليس في قوته الامتناع منها على البدل فيحتاج بالضرورة إلى المرجح بفنائه فنى واعني الجوهر والجسم غير ان الفناء على قسمين منه ما يغنى بنفسه وهو العرض ومنه ما يغنى بعدم شرطه وهو الجوهر فإذا أراد الله تعالى بقاء ذوات العالم أمده بخلق الأعراض فيه فأنحفظ عليه وجوده وإن اختلفت صوره وإذا أراد أن يفنى العالم أمسكه عن خلق الأعراض فانعدم العالم دفعة واحدة لفناء شرط بقائه وهو عرضه فإذا بقاء العالم ليس لنفسه لا ببقاء موجوده كما يقوله مخالفو أهل الحق وإنما بقاؤه ببقاء مرجحه وأرادته وهو العالم القدير وإنما قلنا في العرض أنه ينعدم بنفسه لأنه أن لم ينعدم بنفسه ومعنى ينعدم بنفسه أنه لا يبقى زمانين وإنه ينعدم في الزمان الثاني من وجوده ويخلق الله مثله أو ضده لبقاء ذلك المحل ويظهر ذلك في الحركات كلها من المتحركات وما بقى النزاع من المخالف إلا فيما يدركه الحس مثل سواء والتسبيح وصفرة الذهب ولون الجبال وغير ذلك فنقول على هذا أن لم يكن العرض ينعدم بنفسه كما ذكرنا فلابد أن ينعدم بغيره وذلك الغير لا يخلوا أن يكون عرضاً أخر مثله أو غير عرض وإن كان عرضاً أخر فلا يخلوا أن يكون منه أو ضد غيره وهو خلافه ومن المحال أن يكون خلافه فإنه خلافه لا يعدمه فإن الرائحة للتفاحة لا تعدم بياضها ولا رطوبتها ولا غير ذلك من الأعراض التي فيها المخالفة ومحال أن يعدمه ضده لأنه لا يخلو أن يجتمع معه في المحل أو لا يجتمع ومحال أن يجتمع في المحل لأنه يؤدى إلى اجتماع الضدين فكأن الشيء يكون أبيض اسود معاً متحركاً ساكناً معاً فإن المعنى يوجب حكمه لمن قام به وبهذا يبطل القول بالكمون ومحال أيضاَ أن يعدمه وهو ليس معه في المحل لأنه لا بخلوا أن يكون معدمه والضد موجوداً في محل أخر ومعدوماً فإن كان موجوداً في محل أخر فقد وجب حكمه لمن قام به ومحال ان ينتقل إلى محل هذا الضد بعدمه لأنه يؤدى إلى محالين المحال الواحد أن يقوم المعنى بنفسه عند الانتقال والمحال الأخر ما ذكرناه وهو اجتماعه به في المحل فقد بطل أن يعدمه وهو موجود ومحال ان يعدمه وهو معدوم فإن المعدوم لا حكم له البتة فلم يبق إلا أن يعدمه غير ضده وذلك القبر أما يكون شرطاً فإن كان شرطاً فلا يخلو أن يكون عدماً أو موجوداً ومحال أن يكون عدماً فلم يبق إلا أن يكون وجوداً وإذا كان وجوداً هذا العرض وشرط المعدوم له موجود وإن كان لانعدام شرطه والكلام في شرطه كالكلام فيه بما إذا انعدم إلا مض الذي هو الشرط لأنه لا محال أن يكون موجوداً أو عرضاً وقد بطل أن يكون عرضاً و محال أيضاً أن جوهراً لأن الجوهر لا يقوم بالمحل لأن الحكم ليس للجوهر بما هو جوهر وإنما الحكم للأعراض القائمة بها فإذا لا يعدمه انعدام الشرط ولا الضد فلابد أن يعدمه الله سبحانه وتعالى أو ينعدم هو بنفسه كما ذكرنا أنه يستحيل عليه البقاء في الزمان الثاني من الزمان وجوده لأنه لو بقى زماناً أخر لجاز أن يبقى أزماناً كثيرة ولا ينعدم وسار لا معدوم له ثم قولنا في المحال أن يعدمه الفاعل لا شيء فما فعل الفاعل أن قلنا فعل العدم فهو قولنا فعل لا شيء ولا شيء ليس يفعل ولا يقول فعل العرض فإن العرض موجود العين والمقدرة لا تتعلق بالموجود لأن تعلقها إنما هو عبارة عن إيجادها للشيء فإذا وجد فلا يتصور لها بالموجود تعلق وما ثم أمر يعقل إلا لعدم والعدم لا شيء والفاعل لا يقال فعل لا شيء فإذا الفاعل لا يعدمه ولا الضد ولا ينعدم بانعدام الشرط وما ثم أمر أخر بين يبقى --- الأكونة ينعدم بنفسه وتنعدم الجواهر وكل قائم بنفسه مما سوى الله يمسك الأعراض عنه وكذلك العقل الأول لو مسك عنه الفيض لأنعدم فإن بقاء العالم بإبقاء الله تعالى لا بنفسه وإبقاء الله تعالى هو تجدد الأعراض عليه واسترسال الفيض والجود المطلق سرمداً ثم أعلم أنه لما تكلمنا على العقل الأول ومرتبته والنفس الكلية ومرتبتها فنريد أن نتكلم هنا على الهيولى وعلى ما خلق الله تعالى فيها عند توجه النفس الكلية بقوتها الفعالة التي لا إيجاد لها البتة لأنه لا شريك له في ملكه فنقول أن الهيولى: يطلقه الحكماء على أربعة أشياء ونحن نطلقه على خمس معلومات والحد الذي يجمعها هو أن كل أمر يقبل الصورة والأشكال فهو هيولى لتلك الصورة التي تقبلها وإنما قلنا فهو هيولى لتلك الصورة التي تقبلها من أجل أن ليس كل هيولى تقبل كل صورة وسيأتى ذلك أن شاء الله تعالى نقول أن الهيولى الأقرب إلينا الهيولى الصناعة وهو مثلاً الحديد لما يكون فيه من الصور فإنه يقبل النحت والمتبر والتابوت والباب وغير ذلك من الصور التي يقبلها ومثل الصوف الذي يقبل صورة الغزل فهو هيولى لصورة الغزل والغزل هيولى الصورة الكسا والكسا هيولى الصورة البرنوس والجبة فلهذا قلنا ولا كل هيولى تقبل كل صورة فإن الغزل لا يقبل صورة الجبة والسراويل والصوف لا يقبل صورة الكسا فهذه هي الهيولى الصناعية وأما الثانية الأقرب إليها هي الهيولى الطبيعية وهي الأركان الأربعة النار والهيولى الماء والأرض فإنها تقبل صورة المولدات والهيولى الثالثة هو الجسم الكلى وهو الجسم المطلق الذي قبل صورة الأفلاك والأركان كلها تحت حيطته كما تقبل الهيولى الطبيعية ما تحت حيطته وأما الهيولى الرابعة فهي الهيولى الأول عند الحكماء وهو الجوهر البسيط الذي قبل الجسم الكلى وكأن هذه الصورة جسماً مطلقاً وهنا منتهي الهيولى في الهيولى وإن مرتبتها دون النفس وهي بمنزلة الجماد لعدم قوة العلم وقوة العقل فإنها مسلوبة القوتين فهي عاجزة فاخرة هنية وهي بين يدي النفس الكلية كالخشبة بين يدى الصانع يتحكم فيها كيف شاء وليس في قوتها الامتناع من التحكم فيها فأول صورة قبلتها الجسم وأول شكل ظهر في الجسم الشكل المستدير الكرى الذي هو أرفع الأشكال وفي هذا الجسم الأفلاك كلها إلى المركز وأما الهيولى الخامسة فلم تذكرها الفلاسفة وهي عندنا لا موجودة ولا معدومة ولا قديمة ولا محدثة وهي ظاهرة في كل شيء بحكم ذلك الشيء هي عين ذلك الشيء كان ذلك الشيء ما كان قديماً أو محدثاً وهي في كل موجود بذاتها ليس منها في شيء أخر جزوا أخر مثال وجودها في الموجودات مثال البياض في الأبيضين هو البيض والسواد في السود والتربيع في المربعات فلا نقول في كل أبيض أن فيه جزوا من حقيقة البياض الكلى بل البياض في الأبيضين هو البيض بذاته في كل أبيض وكذلك السوادية والصورية هي في المخبر وفي الخشبة بذاتها وفي الكرسي بذاتها لأن جزؤه منها في المنبر وجزء أخر في الخشبة وجزء أخر في الكرسي فهكذا هي الهيولى في كل شيء بذاتها ولكنها في كل موجود بحسب ما تعطيه حقيقة ذلك الموجود وهذه الحقيقة من أعز المعرف والأسرار التي يهبها الله تعالى إلى لعباده وبها صحت المعرفة عندنا بالله وعند الله بنا وهي قديمة في القديم ومحدثة في الحادث فإنها تتبع الموجودات بالنظر إليها من حقيقتها فلا يقال فيها شيء ولا لا شيء ولا موجودة ولا معدومة ولهذا لا يمكن كشفها ومعرفة سريانها في الموجودات في كتاب فإنها تكشف لك مناً من عباد الله تعالى الأحرار مشافهة الذين أتراضوا بالمعارف الوهبانية وقبلوا أشياء علماً بالعنايات الربانية وخرجوا من حكم هوى النفوس وبقوا بحكم العلم والمرتبة الفاصلة التي تدعيها الفلاسفة لنفسها لنفسها ولم تجعل لها فيها قدم وإنما هي مختصة بالرسل والأنبياء والورثة الذين ورثهم فيما قدم في معنا ما جاءوا به فتقربوا بالتجريد فخلعت عليهم خلع التوحيد الأحدية وهم في حضرة الصمدية مع هؤلاء نتكلم فلا تعقل الأشياء إلا بها عموماً ولا يوجد لها عين إلا بالأشياء والعلم بالأشياء موقوف على العلم بها ووجودها موقوف على وجود الأشياء وبسطنا القول أكثر من هذا في كتاب أنشاء الجداول وبها تقع المناسبة الباطنة التي أشار إليها الإمام أبو حامد الغزالي رضي الله تعالى عنه في أحياء علوم الدين في المحبة منه وقال فيها أنه لا يمكن كشفها وحالك على أن تعرفها من نفسك وذكر المناسبة الظاهرة ولم يقل في هذه بشيء وقد بينها بهذا القدر فنرجع إلى الهيولى الأول عند الفلاسفة وهي جوهرة روحانية بسيطة قابلة من النفس الكلية الصور والأشكال الزماني فأول صورة قبلت صورة الطول والعرض والعمق فكانت بذلك جسماً مطلقاً وهو الهيولى الكلى فقد منح من هذا الكلام أن الهيولى تقبل الصور بالزمان والجسم الكلى من الصور وهو أول صورة قبلتها ولا يصح على مذهبهم في الزمان ان تقبلها في زمان لأن الزمان عندهم عبارة عن حركات الفلك والفلك صورة في الجسم الكلى والجسم صورة في الهيولى تقبل الصور بالزمان فقد بطل قولهم بأن الزمان حركة الفلك على هذا القول فإن قالوا إنما أردنا بقبول الصور بالزمان الترتيب فقد اسؤوا العبارة فأبين القول بالتقديم بالرتبة والتقديم بالزمان فرقاً كبيراً فإن قالوا عنينا بالصور الذي بعد ثبوت الزمان قيل لهم قد أخللتم بالعبارة وعلى مذهبكم فإن القائل للصور الذي دون الجسم إنما هيولاه الجسم الكلى فإذا هي لا تقبل سوى صورة الجسم الكلى فإذا ثبت هذا فإني أقول أن الطبيعة والهيولى للناس هنا مرتبتان دون النفس الكلية إنما كانت الطبيعة هناك وهي الحرارة والبرودة واليبوسة والرطوبة من أجل الهيولى إذا أقبلت على الجسم لابد من وجود هذه الطبائع فيه أصلاً وقد بينه الله تعالى ذلك فقال (ثم استوى إلى السماء وهي دخان) فهذه الأفلاك من عالم الطبائع ولابد وقد قال الله تعالى (فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) لأن أصلها دخان وقد قالت الفلاسفة أن الحرارة غليان أجزاء الهيولى واليبوسة تماسك أجزائها فهذا مما يدلك على أن الطبيعة في الهيولى بالقوة محمولة فيها في كونها جسماً بالفعل وفي هذا الجسم الكلى انفتحت صور العالم كله لأنه عند الخلاء إلى المركز ولهذا يصح أن يكون العالم أسفله وأعلاه وجوهره واحد وإنما تختلف عليه الصور والأشكال وعليه تقع الحدود والصور لا يستحيل بعضها لبعض لكن الجوهر يقبلها فمن قال يستحيل الماء هواء والهواء ناراً صدق وقال لا يستحيل الماء هواء فقد صدق إذا عرفوا ما نطقوا به فإن الهوائية التي هي صورة في الجسم الجوهر لا يستحيل إلى صورة المائية لأن الحقائق لا تنقلب ومن نظر إلى الموصوف بالماء ورآه أنه هو الموصوف بالهواء قال قد استحال وهكذا كل ما في العالم من الاستحالات وهكذا قوله تعالى (يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) فإن الأرض ترجع --- بيضاء والجوهر واحد بالذات مختلف بالصور ثم أن هذا الجسم الكلى فتحت فيه صورة الأفلاك السبعة والأركان الأربعة وما تولد في الكل من عمارها فأول صورة قبلها الجسم الكلى من الأشكال الشكل الكرى فكان فلكاً مستديراً وأول لون قبل "الورقة" الرزقة من أجل الأبصار فتحرك موضعه ليتمسك بإذن الله تعالى وهنا من ---عثر عليه يلتذ به وهو إن لم يتحرك هل كان يتمسك أم لا وجعله الله سبحانه وتعالى حياً عالماً مريداً عاشقاً فيما تجلى له من صورة الجمال المطلق مسبحاً بحمده ناطقاً بذكره عارفاً بالسريرة التي بينه وبين ربه لا يعرفها نفس كلية ولا عقل كلى ومد رقيقة وجوده إلى حقيقة التحريك توجه النفس بقوتها على تحريكه وهي تعلم أن حركته بقدرة محركه وهو الله تعالى وإن إقبالها عليه بالتحريك إنما هو من أجل أمر الله إياها بذلك مع علمها بقصورها وإن قدرتها لا توجد شيئاً وقسم الله سبحانه وتعالى هذا الفلك الأقصى المحيط أثنا عشر قسماً سمى كل قسم منها برجا وهي الحمل والثور والجوزاء والسرطان والأسد والعذراء والميزان والعقرب والقوس والجدي والدلو والحوت ومزج الله تعالى الحرارة واليبوسة وجعلها في ثلاثة أقسام من هذا الفلك وهي قسم السرطان والعقرب والحوت وتسمى هذه الأقسام المائية ولله سبحانه وتعالى في خلقه أحكام في مقابلة كل قسم من هذه الأقسام وهكذا أيضاً جعل في جميع حركات الأفلاك والأركان وأجرى في خلقه الأشياء عند حركتها نسب الفعل إلى الأفلاك والأركان فمن تغالى في هذا الصنف جعل الإلوهية لها وإنه ما ثم غيرها وطائفة أخرى رأت أن الله تعالى يفعل --- بها " به مؤمن لا محال أن يكون بها --- الأمر إلا على هذا فتقول---- القدرة عن الباري تعالى وأن أطرا --- "أناظرا" به القصور وإنه غير قادر على فساد هذه الأفلاك ويتأولون في القرآن غير وجهه الذي نزل به واعتقدوا قدم الفعل الأول وإنه موجود لا عن عدم ولكن أثبتوه مقيداً يوجده الله تعالى وأحالوا أن يجوز أن يعدمه الله تعالى فإنه باق ببقاء الله تعالى لا يجوز عدمه أصلاً لأن العلة في وجوده وجود الله تعالى فلا يزال موجوداً وأنكرت هذه الطائفة حس الأجساد وبقاؤها في الدار الآخرة فإنها من عالم الله ثورا والاستحالات والآخرة دار البقاء فمن المحال أن يكون الجسم في دار البقاء وهذه الطائفة انقسمت قسمين ورأيت منها وتكلمت معها فإما الفرقة الواحدة فرأيت منها أشخاصاً يقولون لا اعتبار للشرع في الحكمة فإنها أمور وضعية لا حقيقة لها في نفسها وضعها حكيم من الحكماء ليسوس بها قلوب العالم الضعيفة من الناس فجسد لهم المعاني الروحانية ونزل لهم المعارف العقلية في قوالب حسية ووعدهم وتوعدهم فانكف الضرر وعظمت المصلحة وعملت العامة على ما أسسه ذلك الشارع في خيالها فمن قال أن الشرائع لها مدخل في الحكمة فهو جاهل بالفلسفة وقد ادخلها قوم من المتكلمين في الرياضات وأما الفرقة الأخرى فهي على مذهب نفسه إلا أنها لا مصرح بها التصريح رأيت منها قوماً وتكلمت معهم فمنهم من رجع ومنهم من تمادى علواً به ولقد قال شخص منهم في معجزات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وما وضعوه في الأحكام أن الأنبياء كانوا فضلاء فلاسفة حكماء عارفين بما يحدث في العالم الكوني عن توجيهات الروحانيات العليا وكانوا عالمين بدقائق تأثيرات الكواكب فنظروا إلى ما يظهر من التأثيرات قبل أن يكون فاتحدوا به وجعلوه معجزة وقال لى وكذلك هو معجزة لأنه علم دقيق ما يعرفه كل أحد فلما وقع الأمر على حسب ما أدعاه تبعه الناس وأما وضعهم الشرائع المختلفة وتحليل -- إياها هي معالم-تقديم-وتحريمه أيضا ما حلله المتقدم والذي أيضاً في شرعه يحمل وقتاً--- ثم يحرمه بعد ذلك وسمى نسخاً فذلك راجع إلى أمر صحيح وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم عالم بالاكوار والأدوار في اختلاف الناس وطبائعهم وأمزجتهم وهم يطلبون المعالجة فيشرعون على ما تعطيه أخلاق أهل الوقت وما تكون فيه المصلحة ولهذا قال الله تعالى (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا) فمدرك النبي من هذا الطريق وهو شخص فاضل حكيم وأن فرضتم يقول أنه يجهل وسبب أن قال ذلك أن قلت له تراه يقول (وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) فقال هذا لا يستحيل عندنا أن يجهل النبي شيئاً ولكن يعلمه العقل الفعال الذي يمده ويخيل له ويلقى إليه معرفة ما جهله والدليل عليه قوله (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) وهو العقل فهذا ما عاينت من هؤلاء الطوائف وعاينت من هؤلاء الفرق كثيرة نسأل الله تعالى العافية وليس العجب من هذا وإنما العجب من طائفة من الفقهاء الحقيقين رأيتهم ببعض البلاد لا أحب أن أسميهم ولا أسمى الجهة ذكر عندهم أن الله تعالى قادر على أن يعلم من شاء من عباده علماً لا يكسبه من مخلوق إنما يقذفه في قلبه لعلوم الأنبياء فأنكرت الفقهاء ذلك فقال لهم قائل ترى النبي صلى الله عليه وسلم كان من الأميين والله علمه فقالت الفقهاء لا أنما النبي صلى الله عليه وسلم مشى إلى الشام وقراء به وتعلم هذا هو العجب نسأل الله العافية من هذه الضلالات وأما الطائفة الناجية فهي التي رأيتهم ---- بعبادته في خلقه أن تكون الأشياء عند حركات هذه الأفلاك على مقادير مقدرة لأنها تكون ولا أنه يكون بها فتكون له كدالة للصانع بقوة بالله وإنما جعلها ابتلاءً وامتحاناً وهو الفاعل للأشياء بلا معين ولا فلك ولا ملك ثم نرجع فنقول فلما ربط الله خلقة الأشياء الكائنة عند دوران هذا الفلك أعطى لكل قسم من هذه الأقسام المذكورة حكماً من أحكامه يدور به دوران معلومة مقدرة على الكون فأما الحمل فإنه أعطاه أربعة ألاف ألف دورة وثلاثة ألاف دورة يمشى بها فيها أما أعطاه --- بالحكم كما يمشى هنا القاضى والوزير والمحتسب فهم يتوجهون ويتصرفون على الأشياء بحركاتهم والله سبحانه وتعالى يخلق حركاتهم وتوجهاتهم وما توجهوا إليه وقصدوا فعله وكذلك فعل الله تعالى دائماً في الخلق وأما الثور فإنه أعطاه الله تعالى أربعة ألاف ألف دورة وخمسة وعشرين ألف دورة وأما الجوزاء فإنه تعالى أعطاه ثلاثة ألاف دورة وستمائة ألف دورة وخمسة وخمسين ألف دورة وأما السرطان فإنه أعطاه ثلاثة ألاف دورة ومائة ألف دورة وخمسة وخمسين ألف دورة وأما الأسد فإنه تعالى أعطاه ألفي ألف دورة وتسعمائة ألف دورة وعشرين ألف دورة وأما السنبلة فإنه تعالى أعطاه ثلاثة ألاف ألف دورة ومائة ألف دورة وخمساً وخمسين ألف دورة وأما الميزان فإنه تعالى أعطاه ألف ألف دورة ومائة ألف دورة وتسعين ألف دورة وأما العقرب فإن الله تعالى أعطاه ألف ألف دورة وخمساً وتسعين ألف دورة وثمان مائة ألف دورة وخمسا وعشرين ألف دورة وأما القوس فقد أعطاه الله تعالى ألف ألف دورة وأربعمائة ألف ألف دورة وخمسا وستين ألف دورة وأما الجدى فإنه الله تعالى أعطاه ألف ألف دورة وخمسا وتسعين ألف دورة وأما الدلو فإنه تعالى أعطاه سبعمائة ألف دورة وثلاثين ألف دورة وخمسا وستين ألف دورة وأما الحوت فقد أعطاه الله تعالى ثلاثمائة ألف دورة وخمسا وستين ألف دورة فجميع دورات الفلاك المحيط بهذه الأحكام يكون ثمانية وعشرين ألف الله دورة وستمائة ألف دورة وخسمين ألاف دورة ثم يدور وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (أن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلقه الله تعالى) فعندما دار هذا الفلك دورة فتق فلكاً أخر دونه سماه الكرسى جعل سطحه أرض الجنة وجعل الفلك المحيط الذي هو العرش سقفها وهذا العرش هو مستديراُ لأسم الرحمن جل جلاله استوى عليه الله تعالى بالاسم الرحمن ولهذا كان العرش سقف الجنة وكانت الرحمة فيها مطلقة لأن هذا الاسم "العلم" ينظرها وهي أقربه ---" وجوب" إليه وبهذا الاسم صح أن يكون للعرش ظل يظل به يوم القيامة كالخاصة من عباده والحقيقة المحمدية الذي هو العقل الأول مستوى الاسم الرب والأسماء الحسنى مستوى الاسم الله فإنه جامع لها فأسس الجنة بطالع الأسد ونظرت سكانها وغرفها وتربتها التي هي المسك والزعفران وشبه ذلك إلى قسم الثور غراساتها وأشجارها وثمارها وأصناف مأكولاتها إلى قسم السنبلة ونظرت حورها وولدانها وخدمتها وخزنتها وحشمها إلى قسم الجوزاء ونظرت أزهارها ومشموماتها وأطيارها إلى قسم القوس ونظرت ألوانها وسطوح أجسادها وإبرازها إلى قسم الحمل ونظرت ألوانها ونسيمها وأرواحها وروائحها ونغماتها وأصوات خلقها إلى قسم الميزان ونظرت نعمتها ولبنها إلى قسم السرطان ونظرت طفولها وحلاوتها إلى قسم الحوت ونظرت ملابسها وفرشها وأطلالها إلى قسم العقرب فلما سوى الله تعالى خلق الجنة وفجر أنهارها وجعلها كرة دائرة عرضها السموات والأرض وجعلها متداخلها وقسم منازلها على الاشمال وجعل فيها منازل لا تنال بعمل ولكن بالاختصاص وجعل أفضلها وأوسعها جنة الفردوس وجعل أفضل درجات الفردوس درجة سماها وهي لرسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فهو السيد على أهل الجنة وله في كل جنة قصر وله في كل قصر من قصور أهل الجنة بيت يخصه كل ذلك نعيم محسوس كما هذه الدنيا فتلتذ الحواس والنفوس بواسطة أجادها في هذا النعيم ولها لذات أخرى من طريق المعانى تسمى بيت المعارف وهي لذة في النفس بما عندها من معرفة خالقها أعظم من لذة الجنان ويعبر عن تلك اللذة بالجنة المعنوية وهي التي أثبتها الكافرون بظاهر الشرائع وأنكروا هذه المحسوسة فخسروا وحرموا المعقولات المحسوسة فخسروا وكبكبوا في نار جهنم وقيل لهم (ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ) فلما أنشاء الجنة ورتبها ورتب في "مقعير" "مقدير" هذا الفلك الذي هو الكرسى الكواكب الثابتة المنازل المقدرة ثم أن الله جعل في الكون الأسفل عند جريان الكواكب السيارة وحلولها هذه المنازل على المقابلة لأنها في أفلاك أخر دونه أمور أو تفصيلاً مختلفاً فما وافق الغرض بالعادة سمى سعداً وما خالف سمى بخساً وما تساوا فيه الأمران بحكم التوفيق أو ميل قريب سمى امتزاجاً أو قيل سعد مضروب بنحس ولما زاوا – أن ذلك ليست للكواكب السيارة لأنها لا يكون منها ذلك في كل وقت وإن ذلك يكون إذا دخل الكوكب السارى في منزلة كذا واعتادوا ذلك فنسبوا النحس والسعد والامتزاج للمنازل وليس بعدها من الفعل شيء فجعلوا السعد للبطين والثريا والهنفة والذراع والزبرة والفقر والقلب والنعائم والسعود ومقدم الدلوا والحوت وجعلوا النحس للمشرطين والدبران والطرف والسماك والبلدة والأخبية وجعلوا الأمتزاج بين الأمرين للقفة والنثرة والجبهة والصرفة والزبانان والأكليل والثولة والذابح وبلع مؤخر الدلو فالبرج كالسدنة للنفس والكوكب الثابتة كالسدنة للبروج والسيارة كالسدنة للمنازل والأركان كالسدنة للسيارة والنفوس كالسدنة للأركان والقوى كالسدنة للنفوس وبعض القوة سدنة لبعض ولما كانت المنازل تجرى مجرى البروج قسمت على اثنا عشر قسماً منزلتين وثلاث منازل تجرى مجرى البروج ثم أن الله تعالى خلق في مقر هذا الفلك شجرة سماها سدرة المنتهي إليها تنتهي الأعمال مع الملائكة الكرام أعمال السعداء من أهل الأرض "واسكن" "أسكت" عندها جبريل الأمين عليه الصلاة والسلام وهناك أمور عظام وعند هذه السدرة جنة المأوى التي تأوى إليها الأرواح السعيدة وهما وهي أول جنة يلقاها صاحب المعماج --- وهي أول جنة يدخلها يوم القيامة وعند السدرة أربعة أنهار نهران منهما ظاهران في الجنة وهما النيل والفرات التي عندنا وهي تشق على دار الجلال ونهران منهما باطنان الجنة يمشيان فيها وذلك المقام هو الحد بين الدارين وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبق هذه السدرة كالقلال وورقها كأذن الفيل وقد غشيتها الأنوار فلا يستطيع أحد أن --- من ترادف الأنوار وتدخل الشفشمات --- ولأصلها حنين بأنواع التسبيحات والتحيات وترحيبات غير ثابتة الألحان تطرب بها الأرواح وتظهر عليها الأموال هي فل نعيم الدائم إلى يوم القيامة ثم أن الله تعالى خبق فيها خزائن ترتفع فيها أعمال العباد المقبولة وهو قوله تعالى (كَلا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ) من الأرواح المفارقة ثم إن الله تعالى فتق أفلاك أخر سبعة في جوف هذا الفلك الكرسى الذي هو فلك المنازل الذي هو مقر فلك الجنان ومحل الروحانيات العلا وموضع تنزل الأمر الحكيم وكرسى القدمين ومقر الوحى ونهاية منتهي صعود الأرواح السعيدة وجعل في كل فلك كوكباً فأولها وهو الذي يميل إلى الكرسى وهو زحل ثم المشترى ثم المريخ ثم فلك الشمس ثم فلك الزهرة ثم فلك عطارد ثم فلك القمر ثم فلك --- وجعلها الله سبحانه وتعالى مراكز مختلفة ولكن يتحرك بها كلها الفلك المحيط حول المركز وأما الكواكب السيارة فحركتها حول مراكز أفلاكها المستديرة وهو قوله سبحانه وتعالى (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) وأفلاك مراكزها تدور حول مراكز الأفلاك الخارجة لها وحركات الأفلاك الحاصلة حول مراكز الأفلاك الخارجة المراكز من مركز الأرض وبالجملة فأدوار الأفلاك التسعة خمسة منها أدوار الكواكب السيارة في أفلاك تداويرها وأدوار مراكز أفلاك التداوير في أفلاكها الحاصلة لها وادوار أفلاكها الحاصلة لها في فلك البروج وأدوار الفلك المحيط بل كل حول الأركان وأدوار في كل فلك من هذه السبعة ما ذكرناه في الخضراء الأول من هذا الكتاب وأوردنا أن تفصيله في --- ذلك يطول فتركناه وأسكن في كل فلك روح نبى من أنبيائه كما ذكرنا في الجزء الأول من هذا الكتاب ثم أن الله تعالى أدار أربع إلى في جوف هذه الأفلاك كرة لأثير وكرة الهواء وكرة الماء وكرة الأرض وكون سبحانه وتعالى المولودات وهي المعادن والنبات والحيوان وأخر موجود الإنسان وهذا كله مملكة البارى سبحانه له ولهذه الأفلاك في حركاتها أصوات ونغمات مطربة
كأصوات الدواليب
يسمعها أهل الكشف من أهل طريقنا وقد ذكرنا منها في بعض كتبنا وسنذكر طرفا من الأمورالتي وكل بها الأرواح التي لهذه الأفلاك في الجزء الذي
فيه الجواب عن الأرواح أن شاء الله تعالى
والله أعلم تمت المسائل الثلاثة
بعون الملك الوهاب والله
أعلم بالصواب
وإليه المرجع
والمآب
.
بعض كتب الشيخ الأكبر
[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]
شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:
[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]
شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:
[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]
بعض الكتب الأخرى:
[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]
بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:
[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]