٢ كتاب الجلالة
و هو
كلمة اللّه ٢
انشاء الامام الاوحد المحقق المتبحر ناصر الطائفة محيى الدين
ابى عبد اللّه محمد بن على بن محمد بن العربى
الطائى الحاتمى المتوفى ۶٣٨ ه
ختم اللّه بالحسنى
آمين
الطبعة الاولى بمطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية بعاصمة الدولة الآصفية
حيدرآباد الدكن لا زالت شموس افاداتها بازغة
و بدور افاضاتها طالعة الى آخر الزمن
سنة ١٣۶١ من الهجرة
النبوية عليه الف
سلام و تحية
٢ بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ و به الحول و القوة ١ الحمد للّه باللّه حمدا لا تعلمه الاسرار و لا تعرفه الارواح و لا تدركه العقول و لا تضمره القلوب و لا تستشرف عليه النفوس و لا تنطق به الافواه، الجامع للمحامد الازلية و المحمد للمحامد الابدية بالتقديس للحامدين عن النظراء و الاشباه، و الصلاة على السيد المؤتى جوامع الكلم محمد صلى اللّه عليه و سلم الذى عنت لقيومية مشرفه الوجوه و سجدت له الجباه صلاة دائمة قائمة ما نطقت بمجده الالسنة و تحركت بالصلاة عليه الشفاه و سلم تسليما عليه و على الذين اصطفى من كل حليم اواه.
اما بعد فانى ذاكر فى هذا الكتاب بعض ما تحوى عليه الجلالة من الاسرار و الاشارات فأقول ان اللّه للاسماء بمنزلة الذات لما تحمله من الصفات فكل اسم فيه يندرج و منه يخرج و اليه يعرج و هو عند المحققين للتعلق لا للتخلق و حقيقته انه دليل الذات لا غير ثم انه يظهر فى مواطن كثيرة و مراتب جمة اذلا فائدة لتصور الذات فى تلك المواطن لما تطلبه تلك المراتب من المعانى و الاحكام فتكون الجلالة فى ذلك الموطن تعطى بما تحتوى عليه من معانى الاسماء ما يعطيه ذلك الاسم من جهة ذلك المعنى الذى يختص به و فيه
١ ) صف-بسم اللّه الرحمن الرحيم صلى اللّه على محمد و آله اللّه مفتح الابواب، كتاب الجلالة و هو كلمة اللّه للشيخ محيى الدين بن محمد العربى.
٣ شرف ذلك الاسم من حيث ان الجلالة قامت مقامه فى ذلك الموطن بمهيمنيتها ١ على جميع الاسماء و خصوصيتها بالاحاطية فيها كالمذنب اذا قال يا اللّه اغفر لى فالجلالة ههنا نائبة مناب الغفار فلا يجيبه منها الا معنى الاسم الغفار و تبقى الجلالة مقدسة عن التقييد. ثم انها غيب كلها ما فيها من عالم الشهادة شىء الا استرواح ما فى وقت تحريكها بالضم فى قولك اللّه لا غير فان الهو يظهر هناك و ما عدا هذا فغيب مجردا عنى فى اللفظ و اما فى الخط و الرقم فغيب مطلق لا غير.
قال و اعلموا انها تحوى من الحروف على ستة احرف و هى ا ل ل ا ه و اربعة منها ظاهرة فى الرقم و هى الالف الاولية و لام بدء ٢ الغيب و هى المدغمة و لام بدء ٢ الشهادة و هى المنطوق بها مشددة و هاء الهوية.
و اربعة منها ظاهرة فى اللفظ و هى الف القدرة و لام بدء ٢ الشهادة و الف الذات و ها الهو و حرف واحد منها لا ظاهر فى اللفظ و لا فى الرقم لكنه مدلول عليه و هو واو الهو فى اللفظ و واو الهوية فى الرقم و انحصرت حروفه و اللام للعالم الاوسط و هو البرزخ و هو معقول و الهاء الغيب و الواو لعالم الشهادة و لما كان اللّه هو الغيب المطلق و كان فيه واو عالم الشهادة لانها شفهية و لا يتمكن ظهورها فى اللّه لهذا لم تظهر فى الرقم و لا فى اللفظ فكانت غيبا فى الغيب و هذا هو غيب الغيب و من هنا صح شرف الحس على العقل فان الحس اليوم غيب فى العقل و العقل اليوم هو الظاهر فاذا كان غدا فى الدار الآخرة كانت الدولة فى الحظيرة ٣ الالهية و كثيب الرؤية للحس فنظرت اليه الابصار و كانت الغايات للابصار و البدايات للعقول و لو لا الغايات ما التفت احد الى البدايات فانظر ما هنا من الاسرار و هو أن الآخرة اشرف من الدنيا قال اللّه تعالى (تُرِيدُونَ عَرَضَ اَلدُّنْيٰا وَ اَللّٰهُ يُرِيدُ اَلْآخِرَةَ) و قال (وَ اَلْآخِرَةُ خَيْرٌ وَ أَبْقىٰ) .
ثم ان الآخرة لها البقاء و الدنيا لها الزوال و الفناء، و البقاء و الديمومية احسن و اشرف من الذهاب و الفناء.
١ ) صف-لمهيمنيتها
٢ ) صف-يد
٣ ) صف-فى الحضرة.
۴ ثم ان المعرفة باللّه ابتداء علم و غايتها عين و عين اليقين اشرف من علم اليقين و العلم للعقل و العين للبصر فالحس اشرف من العقل فان العقل اليه يسعى و من اجل العين ينظر فصار عالم الشهادة غيب الغيب و لهذا ظهر فى الدنيا من اجل الدائرة فانه ينعطف آخرها على اولها فصار عالم الشهادة اولا و هو مقيد عما يجب له من الاطلاق فلا يبصر البصر الا فى جهة و لا تسمع الاذن الا فى قرب.
فخلافه اذا مشى حقيقة ١ و انطلق من هذا التقييد كسماع سارية و نظر عمر رضى اللّه عنه اليه من المدينة و بلوغ الصوت و ما اشبه ذلك و صار عالم الغيب وسطا و هو عالم العقل فانه يأخذ عن الحس براهينه لما يريد العلم به و صار عالم الشهادة المطلق غيبا فى الغيب و له يسعى العقل و يخدم و صورته فى الدائرة هكذا.
فصل
لكل شىء ظل و ظل اللّه العرش غير أنه ليس كل ظل يمتد و العرش فى الالوهية ظل غير ممتد لكنه غيب الا ترى الاجسام ذوات الظل المحسوس اذا احاطت بها الانوار كان ظلها فيها و النور ظله فيه و الظلمة ضياؤها فيها و لما استوى اللّه على قلب عبده فقال
ما وسعنى ارضى و لا سمائى و وسعنى قلب عبدى حين استوى الاسم الرحمن على العرش المعروف الظاهر فالعرش الظاهر ظل الرحمن و العرش الانسانى ظل اللّه و بين العرشين فى المرتبة ما بين الاسم اللّه و الرحمن و ان كان قد قال (قُلِ اُدْعُوا اَللّٰهَ أَوِ اُدْعُوا اَلرَّحْمٰنَ أَيًّا مٰا تَدْعُوا فَلَهُ اَلْأَسْمٰاءُ اَلْحُسْنىٰ) فلا يخفى من كل وجه على كل عاقل تفاوت المراتب بين الاسمين و لهذا قال المكلفون و ما
١ ) صف-حقيقية.
۵ الرحمن حين قيل لهم (اُسْجُدُوا لِلرَّحْمٰنِ) و لم يقولوا و ما اللّه حين قيل لهم اعبدوا اللّه و لما كان العرش سرير اصار غيبا فى الرحمانية و لما كان الاستواء الالهى على القلب من باب وسعنى صارت الالوهية غيبا فى الانسان فشهادته انسان و غيبه اله و لسريان الالوهية الغيبية فى هذا الشخص الانسانى ادعى الالوهية بالاسم الاله فقال فرعون (مٰا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلٰهٍ غَيْرِي) و لم يتحر من اجل ان قالها عن المشيئة لاعن الحال لا من طريق الأمر أن يقول (أَنَا اَللّٰهُ) و لا قال اله و انما قالها بلفظة غيرى فتفطن و صرح بالربوبية لكونها لا تقوى قوة الالوهية فقال (أَنَا رَبُّكُمُ اَلْأَعْلىٰ) بخلاف من قالها عن الحال من طريق الامر بمساعدة المشيئة فكان جمعا مثل ابى يزيد حين قال اننى انا اللّه لا اله الا انا فاعبدونى و قال مرة انا اللّه فلم يكن للالوهية فيه موضع فراغ ترمى سهمها ١ فيه لكمال (سعة- ٢ ) السريان فعزة الالوهية على سائر المراتب الاسمائية ظاهرة و غالبة فلا مقاومة لاسم معها البتة
فصل
اللّه كلمة نفى شدت فى العالم العلوى فارتفع بها الترجمان و من عاد نفيا بعد الاثبات فلا عين له و لو ظهر فى اللفظ كما نفى الشريك بقوله لا شريك له فلا عين له فى الحكم و اللفظ به موجود و ما بقى بعد نفى لا الا الا لفان و هو الاول و الآخر فاضرب احدهما فى الآخر يخرج الهاء بينهما و ينتفيان و هو الهو فان الاول له تعالى اسم اضافى لا حقيقة له فيه فانه بوجودنا و حدوث عيننا كان له حكم الاولية و بتقدير فناء اعياننا كان حكم الآخرية و نحن من جانب الحقيقة فى عين ( وَ قَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَ لَمْ تَكُ شَيْئاً ) (و لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) فكأنا لم نكن فلا اولية اذن و لا آخرية اذ لا نحن فبقى هو خاصة و هو المطلوب.
فصل
لام هذا الاسم الاولى لام المعرفة فان الالف و اللام للتعريف كما جاء و الالف الاولى لكان اللّه و لا شىء معه فبقيت اللام الثانية و الهاء و كلامنا على
١ ) صف-ترى سعتها
٢ ) من صف
۶ صورة الرقم فهى لام الملك فان بزوال الالف و اللام الاولى تبقى صورة له فهى لام الملك و الهاء كناية عن غيب الذات المطلقة فان الهاء اول الحروف و لها المبدأ و هى غيب فى الانسان و لكن اقصى الغيب فصار هذا الاسم بهذه الاشارات يحوى على كان اللّه و لا شىء معه من حيث الالف و يحوى على مقام المعرفة من حيث اللام الاولى و يحوى على مقام الملك و فيه ظهور كل ما سواه من حيث اللام الثانية و يحوى على ذكر العالم له من حيث الهاء لانها دليل الغيب و هو غيب عنهم فلا يطلقون عليه تعالى الا هو فبالالف يذكر نفسه و بالهاء يذكره خلقه و بالوجه الذى يلى الالف من لام المعرفة يعرف نفسه ازلا و بالوجه الآخر منها الذى هى لام الملك يعرفه خلقه ابدا بالمعرفة المحدثة و من حيث اللام نفسها التى هى لام المعرفة تعرفه المعرفة فقد كمل فى هذا الاسم الوجود المحدث و القديم صفته (حقيقة- ١ ) و موصوفه فانظر ما اتم هذا الاسم و ما اكله.
و اما الالف الظاهرة فى اللفظ بعد لام الملك المتصلة بالهاء فى الخط و الواو الغيبية فى الهاء اذا نطق بالهاء الروح فان نطق بها الجسم عادت الواو ياءا فان نطقت بها النفس المثلية عادت الفا فحكم هذه الالف النطقية و الواو المتحولة من صورة الى صورة بحسب الناطق حكم آخر و ذلك ان الهاء لما كانت تنظر الى الالف الاولى و مقام الالف هناك ان لا يتصل به شىء ظهرت الالف بعد اللام فاتصلت بها اللام فى النطق فبقيت الهاء و لا شىء معها ما دام الكون لا يذكرها فهى ساكنة سكون حياة لا سكون موت فان نطق بها الكون او ذكرها فلا بد أن يكون الذاكر كما قدمنا فيظهر بعدها من الحروف كما ذكرنا.
فصل
ثم تحقق ما ذكرناه فى الهو و الها و الهى فى كتاب الهو من التحام الهويات لايجاد الكائنات اذا نطقت بقولك باللّه بكسر الهاء و اللّه بفتح الهاء و اللّه بضم الهاء تجد الهو فى الضم و الها فى الفتح و الهى فى الخفص و بقى فى السكون لهذا الباب كما ذكرناه و هو الثبوت.
١ ) من صف.
٧
فصل
لما كانت له المهيمنية على سائر الاسماء سرت فيه الاسماء اذا ظهر و سرا فيها اذا ظهرت سريان الماء فى الماء و كان التعيين عن واحد من هذه الاسماء فيها او تعيينها فيه للحكم و الاثر و ما توجهت عليه فالقصص تبدى الاسماء و الالوهية فى العلم و الاسماء و الالوهية توجد القصص فكأن الامر دورى.
فصل
حكم هذا الاسم فى العالم الذى يخصه الزائد له على مقام الجمعية و المهيمنية هو الحيرة السارية فى كل شىء عند ما يريد المعرفة به و المشاهدة و حضرته الفعل و هو المشهد الذى لا يشهده منه سواه و كل من تكلم فيه فقد جهل ما يتكلم فيه و يتخيل انه قد اصاب و هو مخطئ و بهذا المشهد الكونى و الحضرة الفعلية صحت الالوهية لا غير حتى ان العقلاء و اصحاب القياس من اصحابنا مثل ابى حامد و غيره تخيل ان المعرفة به تتقدم على المعرفة بنا عند الاكابر و هو غلط نعم يعرفونه من حيث التقسيم العقلى ان الموجودات تنقسم قسمين الى ماله اول و الى مالا اول له و غير ذلك و هذا كله صحيح و لكن لا يفرقون ١ ابدا كونه الها ابتداء قبل معرفتهم بهم و كونه ذاتا معلوم صحيح غير كونه الها و كلامنا انما هو فى الالوهية لا فى انه ثم ذات قديمة يستحيل عليها العدم فالقائلون بهذا القول لا تثبت لهم المعرفة بالالوهية و اسمه اللّه الا بعد معرفتهم به و لهذا صرح الشرع بالربوبية على حد ما ذكرنا فقال من عرف نفسه عرف ربه و لم يقل من عرف الرب عرف نفسه فانه لا يصح فاذا كانت الربوبية التى هى الباب الاقرب الينا لم تتمكن ٢ معرفتنا بها الابنا فاين انت و الالوهية و قد كنى الشرع عن هذا المقام الالهى ان حضرته الحيرة فى قوله حين
قيل له اين كان ربنا ٣ قبل ان يخلق السماء
١ ) صف-يعرفون
٢ ) صف-لم تكن
٣ ) صف-اللّه و على هامشه نص الحديث-ربنا.
٨ و الارض فقال صلى اللّه عليه و سلم فى عما بالقصر و المد ما فوقه هواء و ما تحته هواء كلمة نفى فالقصر للحيرة و جعلها للاسم اللّه فلهذا حارت البصائر و الالباب فى ادراكه من اى وجه طلبته لانه لا يتقيد بالاين، و المد للسحاب و هو الجو الحامل للماء الذى هو الحياة و منه كل شىء فهو فى ذاته لا يقال فيه اين و دل عليه بموجود برزخى بين السماء و الارض و فى البرازخ حارت الحيرات فكيف المتحيرون كالخط بين الظل و الشمس و المتوهم بين النقطتين و بين الخطين و بين السطحين و بين كل شيئين فعادت الكلمة البرزخية الى الحيرة بعينها فما ثم الا الحيرة فما حصل احد منه الا ما عنده لم يحصل غريبا و لا ينبغى ان يحصل، فان قلت هو هو فهو هو و ان قلت ليس هو هو فليس هو هو و حارت الحيرة.
و لما اراد اللّه تعالى تحيير بعض المخلوق من باب بعيد خلق القدرة الحادثة فى القادر الحادث و احال التأثير و خلق التوجه من القادر الحادث على الفعل و هو الكسب فظهر ما لم يكن فقال القادر الحادث فهو فعلى فقال القادر الحادث الآخر هو كسبى فقال القادر الحادث الثالث ليس فعلى و لا كسبى و قال القادر القديم هو فعلى و قال الحق و لم يستحل عند السليم العقل ان يكون مقدور بين قادرين و انما الذى يستحيل مؤثر بين مؤثرين فتفهم هذا الفصل ترشد إن شاء اللّه. فاللّه تعالى لا يعلم و لا ينعلم و لا يجهل و لا ينجهل و لا يشهد و لا يكشف و لا يرى بطريق الاحاطة و لا يعقل و لا يدرك و انما يتعلق هذه الادراكات كلها باسماء الالوهية و باحكام الاسماء التى تستحق كالرب و المالك و المؤمن و لهذا اثبت الكتاب و السنة الرؤية فى الدار الآخرة للربوبية و فى هذه الدار فقال موسى (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) و قال (فَلَمّٰا تَجَلّٰى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) فلم يجعل للالوهية مدخلا بل قد نفى فقال (لاٰ تُدْرِكُهُ اَلْأَبْصٰارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ اَلْأَبْصٰارَ) فاتى ١ بالهو و اثبت انه لا يدرك و هو الصحيح و قال تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نٰاضِرَةٌ إِلىٰ رَبِّهٰا نٰاظِرَةٌ) و بها علق الحجاب فقال (كَلاّٰ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) و
قال عليه السلام «ترون ربكم كما ترون القمر» و فى حديث
«كما ترون الشمس» ذكره مسلم فى
١ ) صف-فابقى
٩ صحيحه و جاء فى الحديث الصحيح فى كتاب مسلم
«ان الرب يتجلى على طائفة فى الحشر فيقول انا ربكم فيقولون نعوذ باللّه منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فاذا جاءنا ربنا عرفناه فيأتيهم اللّه تبارك و تعالى فى صورته التى يعرفون فيقول انا ربكم فيقولون انت ربنا فما ظهر لهم الا الرب و ما عرفوا الا الرب و لا خاطبهم الا الرب و قال «وَ جٰاءَ رَبُّكَ وَ اَلْمَلَكُ» و لو جاء اللّه فانما معناه الرب كما قدمناه فان الاحوال و القرائن تطلب بحقائقها من اللّه الاسماء الخاصة بها و اللّه هو الجامع المحيط.
فصل
ما احسن ما نبه اللّه تعالى حين امر نبيه و ادرجنا معه فى ذلك الامر فقال فاعلم انه لا اله الا اللّه فهذه كلمة تدل على ان النفى هو عين الاثبات هو عين النافى هو عين المثبت هو عين المثبت هو عين المنفى فانه ما نفى الا الالوهية و ما اثبت الا الالوهية و ما كان الثابت و المثبت الا الالوهية و المثبت فانه لو لم تثبت هى فى عينها لم يصح ان يثبتها سواها و لو اثبت مثبت ما ليس بثابت لكان كذبا فهى المثبتة نفسها حقيقة و كلامنا فى مقام الحقائق من مقام الحقائق فهذه ستة احكام، هى واحدة فى الحقيقة و هكذا الوجود كله هو واحد فى الحقيقة لا شىء معه و لهذا ما الطف اشارة الشرع (لِمَنْ كٰانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى اَلسَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ) فالشهيد هو الهو و القلب و السمع فقال كان اللّه و لا شىء معه و تممها العلماء باللّه فقالوا و هو الآن على ما هو عليه كان فالآن هو الهو و كان هو الهو فما ثم الا هو و نحن موجودون و قد اثبت ان الحال الحال و العين العين فما ثم الا غيب ظهر و ظهور غاب ثم ظهر ثم غاب ثم ظهر ثم غاب هكذا ما شئت فلو تتبعت الكتاب و السنة ما وجدت سوى واحد ابدا و هو الهو فلم يزل الهو غائبا ابدا.
و قد اجمع المحققون ان اللّه لا يتجلى قط فى صورة واحدة لشخص مرتين و لا فى صورة واحدة لشخصين و هذا هو توسع الهو و قال ابو طالب
١٠ لا يرى من ليس كمثله شىء الا من ليس كمثله شىء فالرائى عين المرئى و قد قال ليس كمثله شىء فان كان كما زعم زاعم ليس كهو شىء فالشىء هو الهو و ان كانت الكاف صفة او زائدة كيف ما كانت فلا تبال فان كان صفة كان لما ما قال ابو طالب و ان لم تكن صفة كان ليس هو الهو و كان الشىء هو الهو و الهو هو الهو فلا هو الا هو.
و مما يؤيد ما ذكرناه فى اللّه
قوله صلى اللّه عليه و سلم ان للّه سبعين الف حجاب من نور و ظلمة لو كشفها لأحرقت سبحانه وجهه ما ادركه بصره من خلقه فهذا هو اللّه و هو الهو كما ذكرناه فما اعلمه صلى اللّه عليه و سلم بالمقامات و ما اكشفه للاشيئا و ليس المراد العدد و انما المراد أن اللّه لا يمكن ان يظهر و ايد هذا الكلام بالبصر و هذا من اشرف البصر أنه وصف للّه و العقل ليس كذلك لان العقل متعلقه بالغيب و ما فى حق البارئ غيب فالكل له شهادة فلهذا كان البصر و لم يكن العقل.
و من هذا الباب على ما قدمناه ان حضرة الحيرة ما دخل من الحيرة على النظار و ارباب الافكار و الاستبصار فى الصفات اعنى فى اثبات اعيانها للّه او نفيها و اما حكامها فلا خلاف بين العقلاء فى ذلك و صورة الحيرة فى ذلك ان من اثبت اعيانها زائدة على الذات الموصوفة فقد اثبت العدد و الكثرة و الافتقار فى اللّه و هو واحد من جميع الوجوه (غنى بالذات كامل بالذات- ١ ) فكيف يكون هذا و ان قلنا لا يلزم مثلا من هذا اثبات العدد على وجه ما فثم ما هو علينا اشد من العدد و هو أن تكون الذات كاملة بغيرها و كل كامل بغيره ناقص بذاته و من نفى اعيانها و فر من مثل هذين المقامين اما الكثرة و اما النقص تلقاه امر آخر و هو أن الحكم لا يقدر من جهة الدليل الذى قد نصبتموه على معرفة اللّه ان ثبتت هذه الاحكام للذات مجردة فانه اذا اثبتت كونه قادرا لنفسه وقع الفعل ازلا و هذا محال فاثباته قادرا لنفسه محال.
ثم ان القلب لا يجد ذلك الجلاء بقياس الشاهد على الغائب و لا سيما
١ ) ليس فى صف
١١ و قد عرف مأخذ العقول من اين هو و من اين يركب براهينها و ادلتها فالقصور منوط و الاقدام على هذه الامور غير حسن و كل ما لا يمكن حصوله الا بالمشاهدة و الرؤية او التعريف فحصوله من غير هذه الطرق افتيات على المقام و حرأة.
فالاولى باصحاب العقول الوقوف و الاقرار بالوجود و احكام الصفات و لا سبيل للتعرض لا لنفيها و لا لاثباتها فان العقل اعجز من ان يقف على مثل هذا بل على اقل شىء فانظر تسلط هذا الاسم العجيب و الكلمة العجيبة على جميع العوالم بالحيرة و العمى فيه فاصحاب العقول انظر ما اشد حيرتهم ما اجتمعوا على شىء لا المثبتين و لا غيرهم من النفاة و اصحاب المشاهدات قد ظهر اليهم و وقع الانكار و العياذ منه حين لم يوافق صورة معرفتهم به فمعرفتهم به رأوا و هو الظاهر لم يزل لكن اذا كان مطلوبك فى المرآة ان ترى فيها وجهك فلم تأتها على التقابل بل جئتها على جانب فرأيت صورة غيرك فيها فلم تعرفها و قلت ما هذا اردت فقابلتك المرآة فرأيت صورتك فقلت هذا صحيح فالعيب منك لا من المرآة.
و لما قيدت الطلب بصورة معقولة فاتك خير كثير فقد صار اهل المشاهدة فى حيرة اشد من حيرة اصحاب العقول مع المشاهدة و كذلك اصحاب الرؤية اول رؤية تقع لهم فان الرؤية خلاف المشاهدة و لهذا جاء الخبر بالرؤية غدا لا بالمشاهدة و قد ذكرنا هذا الفصل فى كتاب العين فلينظر هناك فيمسكون اصحاب الرؤية على ما وقع لهم فيها فاذا رأوه ١ مرة اخرى رأوا خلاف ذلك و كذلك فى كل رؤية فحاروا كما حار اهل المشاهدة هنا فما ثم الاحيرة فى حيرة فلو كان الهو ظاهرا لما صح هذا الخلاف و لو كان الهو ظاهرا ما كان الهو و لكان الأنا و لابد من الهو فلابد من الخلاف و لنا فيه من قصيدة:
و اذا اردت تمتعا بوجوده
قسمت ما عندى على الغرماء
و عدمت من عينى مكان ٢ وجوده
فظهوره وقف على اخفاء
فصار ظهور الهو الذى هو اللّه اذا لم اكن انا حتى لا يكون هو الهو هو و الا لو بقيت
انا عند ظهور الهو لكان الأنت و الهو لابد منه فيبقى
٣ لابد منه
١ ) صف-رأوا
٢ ) صف-فكأن
٣ ) صف-فيفنى.
١٢ و لا بقاء لى و ما ينتفى الهو الا فى الهو فان الهو ليس من نفسه فى الهو و لا فى غيره و من هذا الباب باب الحيرة الالهية (وَ مٰا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَ لٰكِنَّ اَللّٰهَ رَمىٰ) و افعل يا عبدى ما لست بفاعل بل انا فاعله و لا افعله الا بك لانه لا يتمكن ان افعله بى فانت لا بد منك و انا بدك اللازم فلا بد منى فصارت الامور موقوفة على و عليه فحرت و حارت الحيرة و حار كل شىء و ما ثم الاحيرة فى حيرة و كم قلت.
الرب حق و العبد حق
يا ليت شعرى من المكلف
ان قلت عبد فذاك نفى
او قلت رب فما يكلف
و كم قلت حيرة من حيرة صدرت
ليت شعرى ثم من لا يحار
انا مجبور و لا فعل لى
فالذى افعله باضطرار
و الذى اسند فعلى له
ليس فى افعاله بالخيار
انا ان قلت انا قال لا
و هو ان قال انا لم يغار ١
فانا و هو على نقطة
ثبتت ليس لها من قرار
و كم قلت تعجبت من تكليف ما هو خالق
له و انا لا فعل لى فاراه
فياليت شعرى من يكون مكلفا
و ما ثم الا اللّه ليس سواه
و مع قولى هذا كله قيل لى افعل و من باب الحيرة الالهية قوله (مٰا يُبَدَّلُ
اَلْقَوْلُ لَدَيَّ) فالعاقل يأخذه على امضاء الحكم و انفاذه و لا مرد له بقوته و
المحقق يأخذه من باب الحيرة و انه لا يتمكن الا هذا و الا فكما وصلت الخمسون الى
خمسة و لم يتمكن ان ينقص منها كذلك لم يتمكن ان تبقى
٢ الخمسين اصلا لما سبق بها
٣ القول فهذا بعض ما فى الجلالة من الجلالة و قد نجز الغرض الذى اعطاه
١ ) صف-لا يغار
٢ ) صف-ينفى
٣ ) صف-بهذا
١٣ الوقت و الحمد للّه
تتم كتاب الجلالة بحمد اللّه و منه و عونه و الحمد للّه و صلى اللّه على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم ١ .
١ ) صف-تم كتاب الجلالة بمن اللّه و صلى اللّه على سيدنا محمد و آله و صحبه و سلم آمين كذلك نقل من خط سيدى ابى بكر الزاهدى و هو نقله من خط المصنف رحمه اللّه سيدى الشيخ الامام المحقق الوارث محيى الدين محمد بن العربى نفع اللّه به و كان الفراغ على يد الفقير ابى بكر بن عبد النبى الدهان سقاه اللّه كأس محبته و كشف عن قلبه أغطية جهل معرفته حتى يرقى باجنحة الشوق اليه و يناجيه فى اركان الحق بين رياض العرفان آمين اللهم آمين يا رب العالمين.
بعض كتب الشيخ الأكبر
[كتاب الجلالة وهو اسم الله] [التجليات الإلهية وشرحها: كشف الغايات] [ترجمان الأشواق وشرحه: الذخائر والأعلاق] [مواقع النجوم ومطالع أهلة الأسرار والعلوم] [التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية] [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب] [كتاب كلام العبادلة] [كتاب إنشاء الدوائر والجداول] [كتاب كنه ما لابد للمريد منه] [الإسرا إلى المقام الأسرى] [كتاب عقلة المستوفز] [كتاب اصطلاح الصوفية] [تاج التراجم في إشارات العلم ولطائف الفهم] [كتاب تاج الرسائل ومنهاج الوسائل] [الوصية إلى العلوم الذوقية والمعارف الكشفية ] [إشارات في تفسير القرآن الكريم] [الفتوحات المكية] [فصوص الحكم] [رسالة روح القدس في مناصحة النفس] [كتاب الأزل - ثمانية وثلاثين] [أسرار أبواب الفتوحات] [رسالة فهرست المصنفات] [الإجازة إلى الملك المظفر] [محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار] [رسالة الأنوار فيما يمنح صاحب الخلوة من الأسرار] [حلية الأبدال وما يظهر عنها من المعارف والأحوال] [كتاب الألف وهو كتاب الأحدية] [كتاب العظمة] [كتاب الباء] [كتاب الياء وهو كتاب الهو] [كتاب الحروف الدورية: الميم والواو والنون] [رسالة إلى الشيخ فخر الدين الرازي] [الإسفار عن نتائج الأسفار] [كتاب الشاهد] [الحكم الحاتمية] [الفناء في المشاهدة] [القسم الإلهي] [أيام الشأن] [كتاب القربة] [منزل القطب ومقاله وحاله] [منزل المنازل الفهوانية] [المدخل إلى المقصد الأسمى في الإشارات] [الجلال والجمال] [ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا] [رسالة المضادة بين الظاهر والباطن] [رسالة الانتصار] [سؤال اسمعيل بن سودكين] [كتاب المسائل] [كتاب الإعلام بإشارات أهل الإلهام]
شروحات ومختصرات لكتاب الفتوحات المكية:
[اليواقيت والجواهر، للشعراني] [الكبريت الأحمر، للشعراني] [أنفس الواردات، لعبد اللّه البسنوي] [شرح مشكلات الفتوحات، لعبد الكريم الجيلي] [المواقف للأمير عبد القادر الجزائري] [المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة]
شروح وتعليقات على كتاب فصوص الحكم:
[متن فصوص الحكم] [نقش فصوص الحكم] [كتاب الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح فصوص الحكم] [كتاب شرح فصوص الحكم] [كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص] [شرح الكتاب فصوص الحكم] [كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم] [كتاب خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم] [شرح على متن فصوص الحكم] [شرح ا فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي] [كتاب نقد النصوص فى شرح نقش الفصوص] [تعليقات على فصوص الحكم] [شرح كلمات فصوص الحكم] [المفاتيح الوجودية والقرآنیة لفصوص حكم]
بعض الكتب الأخرى:
[كتاب الشمائل المحمدية للإمام أبي عيسى الترمذي] [الرسالة القشيرية] [قواعد التصوف] [كتاب شمس المغرب]
بعض الكتب الأخرى التي لم يتم تنسيقها:
[الكتب] [النصوص] [الإسفار عن رسالة الأنوار] [السبجة السوداء] [تنبيه الغبي] [تنبيهات] [الإنسان الكامل] [تهذيب الأخلاق] [نفائس العرفان] [الخلوة المطلقة] [التوجه الأتم] [الموعظة الحسنة] [شجرة الكون]